|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحافظ الدارقطني (ت 385 هـ) وكتاباه «الإلزامات» و«التتبع» د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر ترجمة الدارَقُطْني ومآثره العلمية: وُلد أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغداديّ، المشهور بالدارَقُطْني (ت 385هـ)، في بغداد قرابة سنة 305هـ. بدأ تعلُّمه في حواضر العلم الكبرى؛ كالمدينة ومكة والبصرة والكوفة وواسط، ثم رحل في كهولته إلى مصر والشام، وذاع صيته بعد رجوعه إلى بغداد. وصفه الحاكم بأنَّه «أوحدُ عصره في الحفظ والفهم والورع»، فيما نعته الخطيب البغداديُّ بأنَّه فريدُ زمانه في علوم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، مستشهدًا ببراعة الدارَقُطْني في علوم القراءات والنحو والفقه وآداب اللغة. كذلك أثنى عليه الذهبي فقال: «الإمام شيخ الإسلام حافظ الزمان»، دلالةً على تمكُّنه من مسائل العِلَل وأحوال الرجال وتفرُّده بعلوِّ الكعب في هذا المجال. أُلِّفت عنه أخبارٌ عديدةٌ تبرهن سَعَةَ حفظه حتى عُدَّ أحد أعمدة التصنيف الحديثيّ والنقد الإسناديّ في القرن الرابع الهجري[1]. كتاب «الإلزامات» وأبعاده النقدية: ألَّف الدارَقُطْني كتاب «الإلزامات» مُخصِّصًا إيَّاه لتناول أحاديث يرى أنها تدخل في شرط البُخاري ومسلم، لكنهما لم يُورداها في صحيحيهما. وقد صرَّح الدارَقُطْني في مقدِّمته بأنَّه يعرض «ما يلزم إخراجه على شرطهما ومذهبهما». غير أنَّ جملةً من النُّقَّاد، وعلى رأسهم ابن الصلاح والنووي، رأوا أنَّ هذا الإلزام ليس لازمًا في الواقع؛ لأنَّ الشيخين لم يشترطا استيفاء كلِّ حديثٍ صحيح، بل قصدا- كما ذكر ابن الصلاح- «جمع جملٍ من الصحيح»، ولم يدَّعيا الإحاطة بما وراء ذلك؛ ومن ثَمَّ لا يُعَدُّ سقوط بعض الأحاديث الصحيحة من الصحيحين قدحًا في منهجهما؛ إذ إنَّ فوات بعض المرويَّات أمرٌ لا يضرُّ بقيمة الكتابين العلمية، فهو إلزام غير لازم، فكلا الإمامين لم يهدفا إلى الاستيعاب، بل انتقيا أحاديثَ ارتأيا استحقاقها للأولوية في بابهما. وتبعًا لذلك، تناول العلماء هذه الاعتراضات بوصفها مادَّةً إثرائية في النقد الحديثيّ، أكثر من كونها تضعيفًا لمنهج البخاري ومسلم. وقد أكَّد كثيرٌ من المحدِّثين أنَّ الدارَقُطْني نفسه لم ينكر فضيلة «الصحيحين»، بل رام إثبات ما يراه من زياداتٍ صالحةٍ لشروطهما، وإن لم يدخلاها، هذا بالطبع إن سلَّمنا للدارَقُطْني أن هذه الإلزامات على شرط الشيخين، وليس بها ما علماه وخفي عليه. «التتبع» بوصفه نقدًا تفصيليًّا لأحاديث الصحيحين: يُمثِّل كتاب «التتبُّع» مرحلةً ثانيةً من منهج الدارَقُطْني النقديّ؛ إذ خصَّصه لاستعراض الأحاديث التي عدَّها مُعَلَّةً في «الصحيحين». قال في مبتدئه: «ابتداء ذكر أحاديث معلولة… بينتُ عللها والصواب منها»، ويعود اهتمام الباحثين المعاصرين بهذا المؤلَّف إلى أنَّه يُبرِزُ تفرُّد الدارَقُطْني بملكةٍ نقديةٍ تتيح له تتبُّع أدقِّ تفاصيل الأسانيد، مُراجِعًا وجوه الاختلاف والاضطراب واحتمالات التصحيف. واستشهد مقبل بن هادي الوادعي وغيره ببعض المواضع التي أوردها الدارَقُطْني، مؤكدين أنَّ فحص تلك المواضع وُجِّه بفهمٍ شاملٍ لمبادئ الجرح والتعديل ودقائق العِلَل وأمور الإسناد. ويُستفاد من ذلك علوُّ مكانة الدارَقُطْني في نقد الروايات- لا سيَّما ما كان في «الصحيحين»- دون أن يطال نقده أصل ثبوت أكثر الأحاديث. وجوه الانتقاد على صحيح البخاري في «التتبع»: انصبَّت عناية الدارَقُطْني على أسانيدَ وألفاظٍ محدودةٍ في «صحيح البخاري»، فذكر ما رآه من عِلَلٍ؛ كالرواية عن راوٍ قيل إنَّه وَهِمَ، أو الاختلاف في اللفظ بين الثقات. لكنَّ الدارَقُطْني كثيرًا ما يُنبِّه إلى أنَّ الحديث قد يثبت من طريقٍ آخر؛ ممَّا يشير إلى أنَّه لا يُسقِط الحديث كلِّيًّا، بل يقصر النقد على الجانب المعلول فيه. وهذا المنهج يعكسُ فهمًا دقيقًا لإمكان تعدُّد طرق الحديث وصوره؛ ما يمنح الباحثين المعاصرين فرصة لموازنة هذه الانتقادات بما ورد في الشواهد والمتابعات. ففي أغلب الأحيان، تؤدِّي هذه المقارنات إلى ردِّ القول بضعف الحديث؛ لأنَّ الشيخين، كما أوضح ابن حجر وغيره كانا حريصين على اعتماد أَوثق الطرق عند إخراج الحديث في «الصحيحين»، وربما كان لعلوِّ الإسناد تأثير في إيراده، خصوصًا عند «مسلم» كما ذكر في «مقدمته»، أو لغير ذلك من الأسباب المعلومة التي لا تقدح في أصل الحديث. وكثيرًا ما كان الدارَقُطْني ينتقد الحديث، ثم يُقِرُّ بصحته. مواقف كبار الحُفَّاظ من نقد الدارَقُطْني: تباينت ردود كبار المحدِّثين على استدراكات الدارَقُطْني، وإن اتفقت على أهمية أقواله بوصفه أحد روَّاد علل الحديث. وقد أشار ابن حجر في «هُدَى الساري» إلى أنَّ بعض المآخذ الواردة في كتاب «التتبع» يُجاب عنها بتوجيهٍ يسيرٍ أو تنوُّعٍ في الروايات. أما النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم فذكَر أنَّه لا غرابة في وجود أسانيد ضعيفة أحيانًا ضمن «الصحيحين»؛ إذ إنَّها تَرِدُ غالبًا في سياق المتابعات أو الشواهد، دون أن تكون معتمدةً بوصفها الأصول الرئيسية في الكتاب والأبواب. وأضاف أنَّ الشيخين ربما يُورِدان أحيانًا متونًا لِبيان علَّتها، معتمدين على قارئٍ متمرِّسٍ يُدرك مقاصدهما. وقد صنَّف أبو مسعود الدمشقي ردًّا على الدارَقُطْني وهو مطبوع بعنوان «جواب أبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي لأبي الحسن الدارقطني عما بيَّن غلط أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري» وذكر رحمه الله نحو أربعة وعشرين حديثًا، وقد لزم رحمه الله في إجابته الإنصاف فهو يصوب الدارقطني فيما يرى أنه أصاب فيه، ويرد عليه إن رأى أنه مخطئ؛ ومِن ثَمَّ، ذهب أكثر الحُفَّاظ إلى أنَّ نقد الدارَقُطْني يَرقى بالحوار العلميِّ، ويجلو دقائق المنهج، دون إفضائه إلى الطعن بمدى صحة أحاديث «البخاري». [1] انظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (16 /449).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |