قصة نجاة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         محرومون من خيرات الحرمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أسباب العذاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الكبير، العظيم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          مما زهدني في الحياة الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تفسير قوله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أخطاء في الوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {فبما رحمة من الله لنت لهم} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          عقيدة الدروز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ذكر الله سبب من أسباب صلاة الله عليك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حقوق المرأة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-07-2025, 07:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,774
الدولة : Egypt
افتراضي قصة نجاة

قصـــةُ نجـــاةٍ

رمضان صالح العجرمي

1- إشارات مختصرة لقصة موسى عليه السلام.
2- فضل صيام يوم عاشوراء، ومراتب صيامه.

الهدف من الخطبة:
التذكير بقصة نجاة موسى عليه السلام وهلاك فرعون، وتذكير بفضائل يوم عاشوراء، والحث على صيامه.

مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون عباد الله، إن يوم عاشوراء يومٌ عظيم من أيام الله، قد ارتبط بقصة نبيٍّ من الأنبياء؛ وهو موسى عليه السلام، فصار هذا اليوم تخليدًا لذكراه، لأن الله تعالى قد كتب له فيه النجاة، فهو اليوم الذي نجَّى الله تعالى فيه موسى عليه السلام، وأغرق فرعون وجنده، وفرَّق فيه بين الحق والباطل.

وتبدأ قصة النجاة: برؤيا رآها فرعون، رؤيا قد هالته، وفُسِّرت له بأن هلاكه وذهاب ملكه، سيكون على يد غلامٍ يُولد من بني إسرائيل، وبنو إسرائيل هم من ذرية يعقوب عليه السلام، كانوا في مصر، وكان فرعون يستضعفهم، ويرفع من شأن الأقباط وحاشيته وجنوده، فلما قيل له ذلك، أمر بذبح كل مولود من الذكور!

ومع ذلك يُولد موسى عليه السلام، وتُكتب له النجاة رغم تلك الظروف والأجواء؛ من الإرهاب والاضطهاد من فرعون لبني إسرائيل؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4].

وتحار أم موسى عليه السلام، ويوحي إليها ربها وحيَ إلهامٍ بأن تأخذ بأسباب النجاة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]، وفي الآية الأخرى: ﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ﴾ [طه: 39].

ويستقر تابوت النجاة أمام قصر فرعون، ويُلقي الله تعالى محبةَ موسى عليه السلام في قلب امرأة فرعون، فتعلقت به، وكانت سببًا في ترك قتله من فرعون؛ قال تعالى: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 8، 9].

ويتربى موسى عليه السلام في قصر فرعون بعد أن هيَّأ الله تعالى له أسباب النجاة؛ قال تعالى: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 12، 13].

ثم تستمر رحلة النجاة بالخروج من مصر خائفًا يترقَّب، يلتمس أسباب النجاة؛ قال تعالى: ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴾ [القصص: 15]، ثم قال تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 20، 21].

وتصل وتستقر رحلة النجاة في مدين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 23 - 25].

بشائر النجاة والنبوة: الزواج من ابنة الرجل الصالح، وقضاء الأجل والرجوع إلى مصر؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ [القصص: 29 - 35].

فأرسله الله بهذه المهمة الدعوية الشاقة؛ وهي دعوة فرعون؛ قال تعالى: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [طه: 43 - 48].

فما كان من فرعون إلا الاستكبار والاستهزاء، والوعيد والتهديد؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الشعراء: 18، 19]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29].

ثم العلامات والمعجزات والبراهين الدالة على صدقه ونبوته؛ قال تعالى: ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الشعراء: 32، 33]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى ﴾ [طه: 57، 58]، وقال تعالى: ﴿ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾ [الأعراف: 116 - 120].

فلجأ فرعون إلى القوة والبطش، وهدَّد وتوعَّد؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71].

فقالوا لفرعون حين توعدهم، وقد امتلأت قلوبهم إيمانًا ويقينًا: ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴾ [طه: 72 - 75].
ثم كان مشهد النجاة؛ قال تعالى عن هذا الحدث العظيم: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴾ [الشعراء: 61 - 66]، وقال تعالى: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 90 - 92].

لقد حصل هذا الحدث العظيم في اليوم العاشر من شهر الله المحرم، فصامه موسى عليه السلام وقومه شكرًا لله تعالى، وصامه اليهود من بعده، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صيامًا، يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه)).

وفي رواية: ((هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى عليه السلام فنحن نصومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه)).

لأن النبي صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا معه أولى الناس بالأنبياء السابقين؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحقُّ وأولى بموسى من اليهود؛ لأنهم كفروا به وحرَّفوا وانحرفوا.

وقيل أيضًا: إنه اليوم الذي أنجى الله فيه نوحًا عليه السلام وقومه، واستوت فيه السفينة على الجودي؛ كما في رواية الإمام أحمد وزاد: ((وهو الذي استوت فيه السفينة على الجودي، فصامه نوح شكرًا)).

وهو يوم جليل قدرُه حتى عند أهل الجاهلية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام فزاده فضلًا وقدرًا؛ ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه)).

وذكر ابن رجب رحمه الله في كتاب (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف)، قال: "ومن أعجب ما ورد في عاشوراء أنه كان يصومه الوحش والهوام"، وقد رُوِيَ مرفوعًا: أن الصُّرد أول طير صام عاشوراء؛ [أخرجه الخطيب في تاريخه، وقد رُوي ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه]، ورويَ عن أحد الزهاد قال: "كنت أفت للنمل الخبز كل يوم، فلما كان يوم عاشوراء لم يأكلوه".

نسأل الله العظيم أن يُعيننا على صيام يوم عاشوراء، وأن يجعلنا من المقبولين.

الخطبة الثانية
فضل صيام يوم عاشوراء، ومراتب صيامه.

أيها المسلمون عباد الله، فقد وردت نصوص كثيرة في فضل الصيام عمومًا، وفضل صيام شهر المحرم، ويوم عاشوراء خصوصًا؛ ومن ذلك:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا))، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، مُرني بأمر ينفعني الله به، قال: عليك بالصيام؛ فإنه لا مِثلَ له)).

وكذلك فإن صيامه هو متابعة واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في صومه ومداومته عليه؛ مما جعل صيامه سُنة مؤكدة؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صومَ يوم فضَّله على غيره، إلا هذا اليوم؛ يوم عاشوراء))، وعنه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس ليومٍ فضلٌ على يوم في الصيام إلا شهر رمضان، ويوم عاشوراء))؛ [رواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات].

فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدَع صيامه حتى مات؛ فعن حفصة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيام يوم عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر))؛ [رواه أحمد والنسائي].

ومما يحثنا على صيامه: وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يُسَن صيامه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام - بعد رمضان - شهر الله المحرم)).

ومما يحثنا على صيامه أيضًا: ما ورد في فضل صيامه من الأجر العظيم من تكفير ذنوب سنة كاملة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يكفِّر السنة الماضية))؛ [رواه مسلم]، وكلنا في حاجة إلى هذه المغفرة في إدبار كل عام وإقبال آخر.

وأما مراتب صيام عاشوراء، فله أربع مراتب:
المرتبة الأولى: إفراده وحده بالصوم؛ فقد ورد فيه فضل عظيم كما تقدم، لكن كره بعض أهل العلم إفراده ورخَّص آخرون؛ قال ابن باز رحمه الله: "إن إفراده بالصوم مكروه للنهي عن التشبُّه باليهود".

وقد وردت النصوص الكثيرة في النهي عن التشبُّه بالكفار والأمر بمخالفتهم: ((خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأوفوا اللِّحى))، ((فصلٌ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر))، ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون؛ فخالفوهم))، ((خالفوا اليهود والنصارى؛ فإنهم لا يصلُّون في نعالهم ولا خِفافهم)).

ومنها النهي عن التطوع وقت طلوع وغروب الشمس؛ لعدم مشابهة الكفار في السجود لها.

بل بلغت مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفة اليهود أنهم قالوا عنه: "ما يريد هذا الرجل أن يَدَع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه".

المرتبة الثانية: صيام يوم قبله: وهو اليوم التاسع، وهذا الذي تمنَّاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله إن عاش إلى العام القادم، لكنه مات قبله.

قال بعض أهل العلم: ومن المستحب للمسلمين أن يجمعوا بين صيام اليوم التاسع مع يوم عاشوراء؛ ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأتِ العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم))، وفي رواية: ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ، لأصومن التاسع))، ولا تنسَ أن تنوي بذلك مخالفة اليهود؛ لتحظى بالأجر بإذن الله تعالى.

المرتبة الثالثة: صيام يوم بعده: وهو اليوم الحادي عشر، لئلا يفرده بالصيام وعدم مشابهة اليهود.

أما أكمل المراتب: فقد ذكر العلماء صيام يوم قبله ويوم بعده؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا عند أحمد وابن خزيمة وغيرهما، وحسَّنه بعض العلماء وضعَّفه آخرون: ((صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يومًا، وبعده يومًا)) وفي رواية: ((صوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا)).

نسأل الله العظيم أن يُعيننا على صيام يوم عاشوراء، وأن يجعلنا من المقبولين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.99 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]