|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد: فاعلموا - يا مؤمنون - أنه لا نجاة لنا، ولا سعادة، ولا راحة، ولا هناء، إلا بتقوى الله عز وجل. عباد الله: إن من عباد الله عز وجل من عاش لله ومات لله، عاش لله فكانت حياته كلها تبحث عن مصالح البشرية، فيما يسعدها في الدنيا والآخرة، لم تستحوذ الدنيا على مصالحه الشخصية فقط، وإنما يسعى بكل ما أُوتي من جهد وإمكانات، ووقتٍ وهمٍّ، ليكسب الآخرين، فيدلهم على الله عز وجل. لم يعِش من أجل مالٍ يغتني به، وإن كان التكسب من أجل التعفف مطلبًا، ولم يعِش من أجل حياة مرفَّهة يتنعم بها، وإن كانت الحياة الدنيا متاعًا، ولم يعِش سالمًا من البلاء، وإن كان البلاء مما يُتعوَّذ منه، عاش حياة الكرماء السعداء، وهو أسير في عبودية الله وحده دون سواه، أسرَ عزٍّ ورفعةٍ وعلو، حين لا يكون إلا لله الملك الدَّيَّان، بعيدًا عن الخضوع لغيره جل جلاله. نعم، لم تأسرهم شهوات الدنيا وملذاتها، ولم تأسرهم حظوظ النفس الشخصية، لأنهم عاشوا لله، وللدلالة على الله سبحانه وتعالى، فمن يعِش لله ذاق لذة الحياة، ومن يعِش لله لم يرضَ إلا أن يدل غيره على الله عز وجل. ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يُوجب في بداية الإسلام صيام يوم عاشوراء؛ شكرًا لله على نجاة أخيه في النبوة والرسالة موسى عليه السلام، ويقول: ((نحن أحق بموسى منكم))، وهل نجاة موسى عليه السلام في ذلك اليوم كانت لذاته وشخصه، أم لما يحمله من رسالة؟ موسى عليه السلام كان من أولي العزم من الرسل، وأولو العزم ما اصطفاهم الله عز وجل ليكونوا من العزم إلا لأنهم تحمَّلوا المشاق، وصبروا في الدعوة إلى الله عز وجل. فكم تحمَّل موسى من فرعون وقومه العناء والتعب! وحين أمرهم بالدخول إلى بيت المقدس خاضعين لله ركعًا وسجدًا، فما كان منهم إلا الزحف على أدبارهم استهزاءً بالله تعالى، يُنعم الله عليهم بالمن والسلوى، فيطلبون من موسى ما تُنبِت الأرض من بقولها وقثائها، وفومها وعدسها وبصلها، طلبًا للأدنى والأقل. يأمرهم موسى عليه السلام بعدم الصيد يوم السبت، فيحتالون عليه بنصب شباكهم قبله بيوم، ويستخرجون صيدهم يوم الأحد، ويأمرهم موسى بذبح بقرة، ليُعلم القاتل منهم بعد إحياء المقتول بضربه بجزء من البقرة، فيتعنتون بأسئلة تعجيزية للوصول إلى البقرة المقصودة: ﴿ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75]. فما كان منهم إلا الرعونة والخداع والتلاعب بالدين، بل صار الكذب والغرور والكِبر متأصلًا في أخلاقهم؛ حتى قال الله عنهم: ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾ [البقرة: 80]، استخفافًا بنار جهنم؛ التي قال الله عنها: ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 81]، وقد رد الله عليهم بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 81]. تَنزل عليهم التشريعات الإلهية بعبادة الله وحده، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإحسان إلى الوالدين والأقربين، واليتامى والمساكين، والقول الحسن، فما كان من أكثرهم إلا التولي والإعراض. يحفظ الله عليهم دماءهم وأعراضهم وديارهم بعدم تعدي بعضهم على بعض، فما وجد منهم موسى عليه السلام؛ إلا كما قال الله عز وجل: ﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [البقرة: 85]. ومع ذلك التقتيل، وقد يكون من أسبابه: ﴿ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 160، 161]. رفع الله فوقهم جبل الطور؛ تخويفًا لهم حتى يستمسكوا بدين الله بجدٍّ واجتهاد، فقالوا: سمعنا بآذاننا، وعصينا بأفعالنا؛ ﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 171]. فقد تسلَّط في قلوبهم حب الدنيا وكراهية الموت، بل من جرأتهم على الله عز وجل؛ قال الله عز وجل: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: 181]، ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 64]. بل تجرؤوا على موسى عليه السلام جُرأةً لا يطولها إلا السفهاء: ﴿ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ﴾ [النساء: 153]. وبعد أن أحياهم الله عز وجل، يا ليتهم اعتبروا فآمنوا؛ فحين واعد موسى ربه أربعين ليلةً ليتم فيها إنزال التوراة نورًا وهدًى، ما كان من قومه إلا عبادة العجل في تلك المدة: ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 148]. بل من سفههم وتطاولهم ودناءتهم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [المائدة: 18]. يذكرهم موسى عليه السلام بنِعَم الله عليهم: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 20]. فيا ليتهم استجابوا وخضعوا وأطاعوا، ويأمرهم بدخول بيت المقدس التي وعدهم الله بدخولها؛ فما كان منهم إلا الجبن والخوف: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾ [المائدة: 22]، ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]. وصدق الله حين قال عنهم: ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64]. وحين يأمر الله عز وجل موسى عليه السلام بدعوة فرعون وقومه، يطلب موسى عليه السلام من ربه داعيًا وراجيًا ومتوسلًا: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي - لأنطق بالفصيح من الكلام لـ - * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 25 - 28]، بل ويطلب من ربه أن يهبه من يعينه على الدعوة إلى الله عز وجل: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ [طه: 29 - 32]، فقال الله عز وجل: ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 36]. فـ ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44]، ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 104]، ﴿ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ﴾ [الإسراء: 101]، و ﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 109]، بل واتهموا أخاه معه: ﴿ قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴾ [طه: 63]؛ أي: يذهبا بسُنَّتِكم العليا في الحياة، ومذهبكم الأرقى، وكل هذا غرور واستكبار وتعالٍ عن قبول الحق. ولما ابتلاهم الله عز وجل ببلايا لعلهم يرجعون إلى ربهم: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 130]، ﴿ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾ [الأعراف: 132 - 135]. وحين طلبوا السقيا من ربهم بعدما أصابهم القحط؛ استجاب الله عز وجل لموسى عليه السلام: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 160]. يعني: لم ينفع مع هؤلاء لا نعيمٌ أُعطوه، ولا ضراء وبأساء عاشوها؛ أي قلوب متحجرة حَوَوها؟ وصدق الله فيهم: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 146]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، استغفروه عباد الله؛ إنه كان غفَّارًا. الخطبة الثانية الحمد لله حمدَ الشاكرين، الحمد لله القائل: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 51]، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيدِ وَلَدِ آدم أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:فكل ما سبق ذكره من معاناة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه لعلهم يهتدون، فبإعراض من يؤمن منهم، كان مصيرهم في الدنيا: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ - فيسلط عليهم من يذلهم ويهينهم في الحياة الدنيا - إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 167، 168]؛ طوائف شتى، بل: ﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ [الشعراء: 57، 58]، ومع ذلك يستمر كيد فرعون، فيلحق هو وقومه بموسى ومن آمن معه، الذين كان البحر من أمامهم، والعدو من خلفهم: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62]. يقينًا بالله تعالى، وثقةً به جل جلاله، فمن كان مع الله، كان الله معه، ومن عاش لله، كان الله له مؤيدًا ونصيرًا، ومعينًا وظهيرًا: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ – أي: كالجبل العظيم - * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ - وقربنا فرعون وقومه حتى دخلوا البحر - * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 63 - 68]. ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 90 - 92]. وأما في الآخرة، فمصير فرعون: ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ﴾ [هود: 98، 99]، نسأل الله السلامة والعفو والعافية. عباد الله: من يعِش مع الله، كان الله معه، ومن يعِش حريصًا على هداية الآخرين ونصحهم ودلالتهم على الخير، وأمرِهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فليبشَّر بسعادة الدارين والفوز فيهما. ولنا في موسى عليه السلام نبراسٌ واضحٌ جليٌّ، وفي رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة؛ فقد مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ أُسريَ به على موسى بن عمران عليه السلام في السماء السادسة، فرآه رجلًا آدَم طوالًا جعدًا كأنه من رجال شنوءة؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... فأتيت على موسى عليه السلام فسلَّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزته بكى، فنُودي: ما يُبكيك؟ قال: ربِّ، هذا غلام بعثته بعدي، يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي)). اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وأنعِم على نبينا ورسولنا وأسوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، واجمعنا معه في جنات النعيم، مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. اللهم كما مننتَ علينا فجعلتنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فاجمعنا به في جنات عدن، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا رب العالمين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |