|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الفلسفة الاقتصادية لملكية الإنسان في منظور الاقتصاد الإسلامي د. عبدالله محمد قادر جبرائيل يثبت القرآن الكريم أن السماوات والأرض وما بينهما وكل الكون هي ملك لله تعالى، بقوله عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 17]، وهو مالك كل شيء من صغير وكبير، سواء أكان له قيمة مالية أم لا: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 120]، وأنه جل شأنه يملك كل هذا وحده، دون أن يكون له شريك في ملكه من البشر أو غير البشر: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ [الإسراء: 111]، والمنطق البشري يقتضي أن يكون خالق الشيء هو مالكه: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [إبراهيم: 32]، ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102]، وهذا يعني أن المال كله لله وأن البشر لا يملكون منه إلا حق الانتفاع به، بعبارة أخرى: إن كل ما في يد البشر من مال على اختلاف أنواعه وأشكاله ومقاديره، وما ينتجه هذا المال من أموال، إنما هي جميعًا مال الله، لا مالهم، وملكه لا ملكهم، أقامهم عليه واستخلفهم فيه، فلا يملكون من هذا المال إلا حق الانتفاع به، وما يستتبع حق الانتفاع بالمال من استهلاكه والتصرف فيه، وعلى ضوئه فليس للإنسان أن يكنز هذه الأموال بعد إشباع حاجاته فيها فيعطل وظيفتها، بل إدخالها إلى النشاطات الاقتصادية في خدمة مصالح المجتمع، أفرادًا كانوا أو جماعات أو غيرها. ولما كان الله تعالى خالق الأشياء والكائنات، ويدخل كل شيء في ملكه، ويخضع الجميع لسلطانه وقدرته، فإن الملكية الأصلية للثروات والأموال تنسب إليه وحده، أما ملكية العباد لها فملكية تستند إلى الحيازة والإيداع؛ لأن العبد خليفة لله في أرضه يقوم بدور المستخلف أو النائب، وليس له أن يخرج عن هذا النطاق المحدد، وإلا كان آثمًا لعصيانه أوامر الخالق، لهذا فإن ملكية العباد يمكن تسميتها (بالملكية الواقعية أو الفعلية) لما استُخلف فيها وسُخرت له، وإن جميع حقوق العباد تنبع من الأولى، إذًا فإن الملكية بجميع أنواعها هي في الأصل ملك لله تعالى، وهو الذي أعطاها للإنسان واستخلفهم عليها، وجعلهم خازنه ونائبه على أمواله؛ ليتصرفوا فيها وفق ما أمرهم بها، وإن الحكمة والفلسفة الاقتصادية لاستخلاف وتسخير ملك الله تعالى للبشرية تكمن في النقاط التالية: 1- ليعلم أصحاب الملكيات الفردية أنهم ليسوا الفئة المختارة والمفضَّلة من قِبل الله على بقية الناس؛ حيث يتوجب عليهم الإنفاق منها وفقًا للأطر الشرعية المختلفة، ومن ثَم التصدق بالفاضل منها كونهم وسطاء يأخذون لأنفسهم من مال الله، ويعطونه لغيرهم من الفقراء والمساكين والمعوزين وغيرهم، تطبيقًا لقول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [النحل: 71]، ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33]. 2- إن نسبة المال للبشر هي نسبة مجازية، وقد نُسب إليهم لوجوده في أيديهم، ولِما لهم من حق الانتفاع به في الحدود التي رسمها الله تعالى لهم. 3- غرس عقيدة معينة في نفوس المسلمين؛ مفادها أن لا أحدَ في الوجود يمتلك المال تملكًا نهائيًّا، ولا يتجاوز حيازته للمال ملكية المنفعة؛ لأن حقوق الله ثابتة، وليس لأحد من البشر التصرف فيها كيفما شاء، أو يتعدى الحدود الشرعية حسب هواه. 4- للسلطات الاقتصادية الشرعية وللجماعة الحقُّ في التدخل لتنظيم طرق الانتفاع من المال؛ حيث ربط الله سبحانه وتعالى ملكه لمنفعة الجماعة، وعليه فإنهم يمتلكون الحق الشرعي للحد من استغلال وطغيان المال على الحقوق الجماعية للمجتمع الإسلامي. 5- القضاء على الملكيات الفردية في حالة اقتضاء المصالح العامة لذلك، بشرط إعطاء أصحابها تعويضات عادلة؛ حيث لا تجيز الشريعة غصبَ ومصادرة أموال الناس بالباطل؛ وفقًا لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وعرضه، وماله))[1] ؛ [النووي، 449، رقم الحديث: 1527]، وقوله في حجة الوداع: ((إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا...))[2] ؛ [النووي، 448، 1524]. 6- تحديد حدود الملكيات الفردية: بالرغم من إجازة الإسلام لحرية التملك بدون حدود، فإنه يجيز للإمام – أو الدولة الإسلامية - أن يقوم بتحديد ما يملكه الشخص من مال معين إذا اقتضت مصلحة عامة، وفق القاعدة الشرعية: (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة)، كتحديد حيازات الملكيات الزراعية وملكيات أراضي البناء بأقدار معينة[3]. 7- ليس للدولة التدخل في شؤون الملكية الفردية، إلا من وجهة تنظيم الانتفاع من هذه الملكية، من خلال الرقابة عليها، وسد أبواب الانحراف أمامها، وليس لها تحريم ملكية الانتفاع منها، التي جعلها الله حقًّا للأفراد بشكل متساوٍ؛ لأن هذا يعني الاعتداء عليها، والإسلام قد حرم كل أنواع الاعتداء ما دامت تلك الملكية تستخدم ضمن الأُطر الشرعية[4]. 8- القضاء على العقائد والتصورات المنحرفة والمتخلفة قديمًا وحديثًا؛ ففي العصر الجاهلي كانت القيم الاجتماعية تمجد الثروة، وتعدها من أسس القوة والسيطرة، وأثرياء قريش كانوا يتفاخرون بأموالهم، ويعيبون على النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه الفقر والحاجة[5]، لذا كان تجريدهم من امتياز الثراء، وإرجاع الثروة إلى الله تعالى يدخل ضمن إطار المحاججة الكلامية بين النبي صلى الله وعليه وسلم وبينهم؛ حيث جعلهم عقائديًّا من دون امتياز، ومن جهة أخرى قوَّى موقف المسلمين تجاههم، وأصبحت العقيدة والمبدأ الاجتماعي والاقتصادي في ذلك العصر حتى الآن متمثلة في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وبذلك سقط ذلك الصنم الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يعبده البشرية آنذاك، والذي كان يجعل كل شيء متعلقًا بالمال والثروات حتى النبوة؛ حيث يوضحه تعالى بقوله: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31]، وحتى ربط عدم إسلامهم وبقائهم على الكفر بعدم حصولهم على الأموال والثروات عند تحولهم إلى الإسلام؛ يقول تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ [الأحقاف: 11]، ولكن الإسلام بيَّن بطلان عقائدهم بأن لا معبود من مال وثروات وأصنام وغيرها إلا الله، بكلمة: (لا إله إلا الله)، وأن الله هو الخالق وهو المالك الحقيقي لجميع ثروات الكون، وهو الذى منحها للإنسان من خلال الاستخلاف والتسخير، ومن خلال هذا المنظور قضى على الاستغلال الطبقي، وجعل المفاضلة على أساس البر والتقوى، وليس على أساس المادة والثروات. 9- جعل كل من فلسفتي الاستخلاف والتسخير عقيدة يؤمن بها المسلم في كافة تصرفاته الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث إن كل ما في الوجود هو ملك لله تعالى خالقه وخالق السماوات والأرض وما بينهما، وما أمواله إلا وديعة أودعها الله بين يديه، سواء تمثل هذا المال في (سلعة اقتصادية) أو (سلعة حرة)[6] ، وهو خليفة الله على كل ما في حيازته من مال، وعليه أن يقوم بمسؤوليات هذه الخلافة قيامًا أمينًا واعيًا؛ لأن المال مال الله، وقد جعله عارية في يد البشر الذي استخلفهم فيه، فليس لهم أن يتخلفوا عن تنفيذ أوامره في هذا المال[7]. 10- ما دام المال كله مال الله، والناس جميعًا عباد الله، والأرض التي يعيشون عليها ويعمرونها هي لله، كان من الضروري إنفاق المال - وإن ربط بأسماء معينة - لصالح المجتمع، وأن يحافظوا عليه، وأن ينتفع منه الجميع، ومن ثَم تحقيق التكافل الاقتصادي من خلالها؛ لأنه مع ثبوت حق الملكية للمالك، لآحاد من الناس، تتعلق به حقوق الغير، إلا أن حق المالك يقدم أولًا، ثم تأتي حق غيره ثانيًا، ويوازن بينهما بميزان العقل والشرع[8]، وحقوق التكافل في المال هي من الحقوق الواجبة على الملكية التي تتزايد في بعض الأحوال، وتصل إلى حد (سلبها أو نقصها)[9] ، وخصوصًا في الحالات الاستثنائية لاقتصاد الأمة كحالات المجاعة والطاعون، والزلازل والسفر، وغيرها؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان معه فضلُ زادٍ، فليَعُدْ به على من لا زاد له، ومن كان له فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له))[10] ؛ [النووي، 216، رقم الحديث: 566]، وقوله: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم))[11]؛ [النووي، 216، رقم الحديث: 568]، فالفرد بفطرته لا يستطيع أن يعيش منفردًا منعزلًا، فهو عضو في كيان اجتماعي له أن يأخذ منه، وعليه أن يعطيه، ومن هنا نشأت الحاجة إلى التكافل الاقتصادي[12]، وجعل الإنسان خليفة على الأرض، واعتبار المال أمانة بين يديه لينفق منه على نفسه وعلى غيره، وفقًا لما تحدده له الشريعة الإسلامية قد قوت ضرورة إيجاد هذا التكافل في المجتمع الإسلامي، والإنفاق الواجب على الغير الذي يشكل أهم دعامة للتكافل يشمل نوعين من الإنفاق[13]: نفقات مرغوبة غير معينة المقادير، يحث الله تعالى عليها؛ امتحانًا لهمة المسلم وصدق إيمانه، ونفقات معلومة حددها الله تعالى أو عينتها السنة كالزكاة وغيرها. من كل ما مر نعلم أن الله تعالى هو مالك كل شيء في الوجود لا يشاركه في ذلك أحد، وما لدى الإنسان إنما هو وديعة أودعها الله تعالى بين يديه، والإنسان هو خليفة الله في الأرض، أمره بالانتفاع من موارده المختلفة، وأمْكَنَهُ من هذا الانتفاع، وعليه فإن الحقوق الفردية بشتى أنواعها من منظور إسلامي ليست ناشئة من طبائع الأشياء، أو من اتفاق بين الناس، بل هي ناشئة بإذن الله تعالى وتقريره[14]، وإضافة الملك إلى الإنسان هي من قبيل المجاز لا الحقيقة، وأن الإنسان فيما يملكه كالوكيل فيه عن مالكه الحقيقي، وهذا يعني أن العلاقة بين ملكية الله وملكية الإنسان يكمن في أن الله تعالى هو الذي خلق وأبدع، واستخلف ورزق وأعطى؛ فملكيته تعتبر ملكية حقيقية أصلية ثابتة ودائمة، أما ملكية الإنسان فهي نابعة منها كونها استخلافًا إلهيًّا ومنحة ربانية، تقوم حيث شرعها الله تعالى، وتمتنع حيث منعها، وعلى ضوئه فعلى الإنسان أن يُخضع جميع ما يمتلكه من ملكيات وحقوق إلى القيود والأحكام المختلفة التي شرعها المالك الحقيقي؛ وهو الله تبارك وتعالى، وعدم جواز الخروج عنها، فإن خرج كان عاصيًا ويعاقب بما هو مقرر شرعًا، وقد ينزع منه الملك نهائيًّا أو مؤقتًا، أو جزئيًّا أو كليًّا[15]، وإن تركيز القرآن الكريم على ملكية الله سبحانه وتعالى لكل ما في الكون هو تذكير للإنسان بأن ما يملكه هو في الحقيقة ليس ملكًا له، وأن سلطته عليها محدودة، ومن ثَم يجب عليه ألَّا يتجبر ولا يغترَّ، ولا يظلم ولا يستغل بها؛ لأن ملكيته غير حقيقية، ولا يصل إلى أكثر من ملكية الانتفاع فيما هو مستخلف فيها، ومن ثَم يجب عليه التقييد بأوامر مالكه الحقيقي، ويعمل بمقتضى إرادته، وإلا فهو لم يحقق أهداف الاستخلاف الإلهي، ولم يعد أهلًا له[16]. [1] النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف الدمشقي، رياض الصالحين، مطبعة أنوار دجلة، بغداد، 1424هـ/2003م، ص449، رقم الحديث (1527)؛ [رواه مسلم: 2564]. [2] نفس المصدر، ص448، رقم الحديث (1524)؛ [متفق عليه]. [3] د. عبدالكريم زيدان، الوجيز في شرح القواعد الفقهية، مؤسسة الرسالة، لبنان، ط1، 1425هـ/2004، ص83. [4] محمد أبو زهرة، التكافل الاجتماعي في الإسلام، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1384هـ/1964م، ص23. [5] نجمان ياسين، تطور الأوضاع الاقتصادية في عصر الرسالة والراشدين، مطابع دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1988، ص93. [6] د. محمد عبدالمنعم الجمال، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، دار الكتب اللبناني، بيروت، لبنان، ط2، 1406هـ/ 1986، ص179. [7] نفس المصدر، ص181. [8] محمد أبو زهرة، التكافل الاجتماعي في الإسلام، المصدر السابق، ص25. [9] نفس المصدر، ص25. [10] النووي، رياض الصالحين، مصدر سابق، ص216، رقم الحديث، 566؛ [رواه مسلم: 1728]. [11] نفس المصدر، ص 216، رقم الحديث: 568، رواه مسلم 2500. [12] د. إبراهيم محمد البرايري، الإسلام وتوزيع الثروات، دراسة مقارنة مع الماركسية والرأسمالية، دار الشرق، القاهرة، بدون تاريخ، ص 135. [13] نفس المصدر، ص135. [14] د. تقى عبد سالم، الملكية الفردية ودورها في الإسلام، ندوة الاقتصاد الإسلامي، معهد البحوث والدراسات العربية، بغداد – 1403هـ/1983م، ص130. [15] نفس المصدر، ص130. [16] نفس المصدر، ص130.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |