|
ملتقى الجالية المسلمة - Muslim non-arabic قسم يهتم بتوعية الجالية المسلمة وتثقيفهم علمياً ودعوياً مما يساعدهم في دعوة غير المسلمين الى الاسلام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() باختصار .. مغترب..! كثيرون ممن غادروا أوطانهم؛ بحثًا عن لقمة عيش كريمة، وطلبًا للرزق الحلال، خرجوا مضطرين لا مختارين، مدفوعين بضرورات الحياة وقسوتها؛ فالمغترب ليس سائحًا يهوى الترحال، بل هو إنسان خاض الفراق مبكرًا، وذاق في الغربة مرارة البعد والوحشة والحنين، خرج وترك خلفه زوجةً تصارع المسؤولية وحدها، وأبناءً يكبرون بعيدًا عن حنان قلبه، وأبوين يرمقان الفراغ كل مساء، ينتظران ابنًا خرج من دفء البيت إلى برد المجهول. كانت طموحاته مشروعة، لكن الطريق إليها مفروش بالحجارة لا بالورود، خرج وهو يحلم ببناء بيت، وتأمين مستقبل للأولاد، آملاً أن يعود سريعًا، لكنه لم يكن يدري أن الزمن في الغربة لا يُقاس بالسنين، بل بالقلوب التي تنتظره، وبالعمر الذي ينقص شيئًا فشيئًا دون أن يشعر، حتى يكتشف -بعد فوات الأوان- أن النقود التي جمعها لم تشتر لحظة عناق، ولم تعادل قبلةً على جبين أم كانت تنتظره كل مساء. «مغترب» لقب يخفى وراءه آلاماً وآمالًا، وأحلامًا مؤجلة، ودمعة تسافر كل مساء بلا رفيق، حرم نفسه ليهب غيره الراحة والسعادة، حاضر في الحسابات غائب في الفرح والضحكات، قد تعوّضه الغربة مالًا، لكن تسلبه نظرة أب حانية، وسكينة أم يطمئن إليها. أيها الغريب لا تجعل غربتك تتغلب على رسالتك في الحياة، أو تُفرغك من إنسانيتك وتحولك رقمًا في حساب بنكي، أو اسمًا يتكرر في قائمة التحويلات، لا تسمح لها أن تسرق ملامحك، رتب أولوياتك؛ فالمال وسيلة لا غاية، وإن لم يكن جسرًا صار جدارًا، والأبوة ليست تحويلا بنكيا فحسب، بل حب وحنان يروي عطش الأيام، والحب ليس بعدد الحقائب القادمة من الخارج فقط، بل هو نبض اللحظات الصادقة دون مقابل. أيها الغريب، غربتك ليست في البعد، بل في نسيان السبب الذي من أجله ابتعدت، هي امتحانٌ للنية، واختبارٌ للثبات، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، فمن خرج يطلب الرزق ليكفي نفسه وأهله، ويعفّهم عن السؤال، فهو في سبيل الله، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من بات كالا من عمل يده بات مغفورًا له»، فلا تنظر إلى نفسك كآلة تعمل، بل كمجاهد يسعى، ما دامت نيتك لله، وما دام قلبك موصولًا بالسماء. أيها الغريب، اعلم أن الدين لا يُغادرك حين تُغادر وطنك، بل هو زادك في الطريق، ونورك في العتمة، فاجعل صلاتك موعدًا لا يُؤجل، وقرآنك رفيقًا لا يُهجر، وراقب الله في خلواتك؛ فالسعادة لا تُشترى بالمال، بل تُزرع في القلب حين يكون عامرًا بالإيمان، قال -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (طه:124). أيها الغريب، لتكن غربتك فصلا في كتاب حياتك، لا عنوانًا دائمًا له، واعلم أن السفر ‹قطعة من العذاب›، كما وصفه نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «السَّفرُ قِطعةٌ منَ العذابِ يمنَعُ أحدَكم طعامَه وشرابَه وثوبَه ونومَه فإِذا قضَى أحدُكُم نَهمَتَه منْ سَفَرِهِ فلْيَعْجَلْ إلَى أهلِهِ»؛ فلا تجعل الغربة سجنًا تأبى أن تتحرر منه، بل عُد متى استطعت العودة، فإن حيل بينك وبينها، فكن حاضرا بروحك وبدعائك واهتمامك؛ فالحضور ليس جسدًا فقط، بل هو رحمة تتسلل عبر القلوب، ووجودٌ لا يغيب حين يكون موصولًا بالود والحب. اعداد: وائل رمضان
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |