|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تركتكم على المحجة البيضاء الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده. وبعد: فإن الله - جل وعلا - خلق العباد ليَعبدوه، وتكفَّل بأرزاقهم، وأنزل القرآن ليدَّبروا آياته، وأرسل خاتم الرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: ((تركتُكم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها، لا يَزيغ عنها إلا هالك))، وبيَّن الحلال والحرام، وما يَنبغي أن يفعله العباد، وما عليهم أن يَجتنبوه، ولم يَبقَ لأحد عذر، وجعل هذه الحياة الفانية مَزرعة للدار الباقية، فاليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]. وقد جعل الله العباد في هذه الحياة بين آمِر ومأمور، وغنيٍّ وفقير، وبيَّن ما لكلِّ فرد وما عليه، ومنَح العباد العقول، وقد تفاوتَت هِمم الكثير من الناس؛ فمنهم مَن يُؤثر دُنياه على أُخراه، ومنهم مَن يُؤثِر آخِرته على دنياه، وابتلى العبد بأعداء: هوى، ونفس، وشيطان، ليظهر الصادق مِن الكاذب، والمؤمن الصادق مِن المنافق والكاذب؛ ليَجزي كلاًّ بما يَستحِق: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44]، فمَن آثَر دُنياه على أخراه، لم يعبأ بما وصل إليه منها مِن أيِّ طريق؛ مِن حلال أم حرام، فقد يُبتلى البعض في معاملته مع الآخَرين في بيع أو شراء فيَغشُّ ويُدلِّس ويُخفي عيوب السِّلعة، ويُظهر الحسَن منها؛ ليَخدع غيرَه، ونبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - قال: ((مَن غشَّنا فليس مِنا)). وقد يُغالي في ثمن السلعة في أول الأمر بما لا يَتناسب مع شرائه وطلب الربح المعقول، فإذا باع جزءًا منها وعرف أنه قد أدخل القيمة وما زاد عليه، نشَر الإعلانات بالتخفيضات التي قد تصل إلى 75%، فيكون قد أضرَّ بالمُشتري الأول، فيكون ذلك مِن باب المكر والخداع؛ فالناس كلهم ليسوا على مستوى المعرفة بالسِّلع وقِيَمها، وقد لا يَنتظر التخفيضات، فقد تَنفذ السِّلع بقِيَم زائدة عن المعقول، ويتضرَّر الأول مِن المشترين فيُثري هذا التاجر على حساب الآخرين، يقول نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم-: ((البيِّعان بالخيار ما لم يَتفرَّقا؛ فإن صدَقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتَما، مُحقتْ بركة بيعهما)). والبعض قد يكون صاحب شركة أو مؤسَّسة، فتُعلن الدولة عن مشروع عامٍّ نفعُه للعباد والبلاد فيتقدَّم له أشخاص بقِيَم لا تَتناسب مع تَكلفتِه؛ بل بأضعاف ذلك فيرسو على أحدِهم، فيوزِّع هذا المشروع مِن الباطن على أفراد أو مؤسَّسات ليست على مستوى هذا المشروع بنصف قيمة ما رسا عليه، فيأخذ النصف دون أن يعمل شيئًا فيتعطَّل المشروع وقد يَفشل؛ لعدم تَناسُب القيمة الأخيرة معه، فيتضرَّر العامة المُستفيدون مِن المشروع، ويُخدع المسؤولون عن هذا المشروع، وقد يكون منهم مَنْ تعاوَن معه على هذا الخداع، أو يُحسِن الظن به، ويكون مِن المغفَّلين الذين لا يَصلُحون لمثل هذا العمل، فلا بدَّ لكل عمل من رجال صالحين مُصلِحين. وقد يكون العبد على عمل مِن أعمال الدولة على حسب موقعها من الأهمية، وقد دخل فيها على علمٍ وبصيرة بأيامِ وساعات العمل ومِقدار الراتب، فيَتساهل هذا الموظَّف في أيام وساعات العمل ويأخُذ الراتب لهذه المدة كاملاً، وقد يُبرِّر لنفسه فيأخذ أجرةً أكثر مِن مدة العمل، وقد يكون عمله من الأعمال الحساسة والعامَّة التي يَحتاجها الناس؛ فيَتضرَّرون بسبب غيابه عن هذا العمل بكثرة المُراجِعين وطول المدة، وقد يكون سجينًا أو مَن يَطلُب قُوته وقوت مَن يَعول؛ فيتضرَّر مجموعة بسبب فرد أخلَّ بما التزم به، وأدخل على نفسه ومَن يعول مالاً لا يستحقه. والبعض ممَّن ولي أمرًا من الأمور العامة غيرُ أمين فيما ولي عليه، فيَخون؛ بأن يُحابي مَن يريد نفعه، أو يَرتشي، وقد تكون الرشوة تبادُل مصالح كما قيل: "شد لي وأقطع لك"، وقد لُعن الراشي والمُرتشي والرائش، وهو الواسِطة بينهما، فالأمر عظيم، والتساهُل في هذا الأمر كثير، وقد يكون الشخص من أصحاب الأموال الكثيرة دخلَت عليه عن طريق البيع والشراء، وقد يكون في هذا مُعاملة محرَّمة كالربا والمخادعة، أو دخلت عليه عن طريق أخرى، وقد يتساهَل في إخراج زكواتها وما يجب فيها، فيكون قد تسبب في منع هذه الحقوق؛ كالفقير الذي له حقٌّ فيها - يأخذه بدون منَّةٍ ولا ذلَّة - فيترتب على ذلك كثرة الشِّقاق، والنزاع، والبغضاء، والحياة الفانية التي يَعقبها الحسرة والندامة في الدار الآخِرة الباقية والنعيم المقيم. والبعض قد يكون لديه معلومات عن مشاريع حكومية، فيَتحايل على الاستفادة منها بطرق غير صحيحة؛ إما بالزيادة على ما تستحقه، أو بوضْع العَراقيل في طرقها؛ كمَن لدَيه علم مُسبق أن الطريق العام سيتَّجه مِن جِهة إلى جِهة أخرى، فيتحيَّل على الاستيلاء على أراضٍٍ عامَّة يمر بها المشروع مِن أجْل أن تقدَّر له، فيترتب على هذا المشروع مدة أو يُضاف إلى تكلفته؛ من أجل أن يأخذ هذا المتحيِّل عوضًا لا يستحقه من بيت مال المسلمين؛ فيعمُّ ضررُه القريبَ والبعيد. والبعض قد لا يكون على طريق مَنفعة لفئة خاصة كالفُقراء، فيأمر ولي الأمر - وفقه الله - بصرف مبلغ مُعيَّن لهذه الفئة عن طريق ذلك الشخص، فيُسيء التصرُّف في هذا المبلغ المخصَّص لتلك الفئة؛ إما بألا يُعطي كل فرد ما يَستحِقُّ، أو لا يعطي منه شيئًا، أو يصرف لأناس أغنياء ليسوا مِن تلك الفئة المخصَّص لها المبلغ، ويكون ذلك من باب الخيانة ونفْع مَن لا يستحق تلك المنفعة. فعلى العبد أن يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسَب في: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وما دام لديه فرصة في هذه الحياة، فليتذكَّر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضه بعضًا)). فإذا شعَر كل فرد مِن أفراد المسلمين بما يَجب عليه نحو أخيه المسلم، سَهُل عليه ما يَبذله لأخيه، وشقَّ عليه ما يضرُّه، سواء مِن قِبَله هو أو مِن غيره، فلا بدَّ مِن إيمان صادِق فيما يأتي العبْد ويذَر، ولا بد أن يكون العبد رقيبًا على نفسه فلا يحتاج إلى رقيب من البشر، كما أن الرقيب من البشر قد يَغفل أو يَتغافل، وقد يكون الرقيب يحتاج إلى رقيب عليه، فيَصعب الإصلاح، ويقلُّ الصلاح، ويتضرَّر معظم البشر كما هو الواقع في هذه الأزمان، وقد لا يُفيد العلاج خصوصًا إذا استفحَل المرض، فالكفاح قد يطول، وكم نسمع من مكافحة الفساد، ومع هذا فَنَارُهُ مُشتعِلة، فما دام لم يتوقَّف مِن المُفسِدين بإصلاح أنفسهم وتَحصُل الوقاية، فإن العلاج قد يطول؛ فالوقاية خير مِن العلاج. أرجو الله - جلَّ وعلا - أن يُصلح أحوال المسلمين، ويردَّ ضالَّهم إلى الصواب، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |