الأمانة في العلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         3 أسرار لإتقان فن المحادثة.. كيف تكون محبوبًا دون أن تتكلم كثيرًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          طريقة عمل نودلز بالصلصة والثوم.. وصفة سريعة بمذاق غني في أقل وقت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          4 وصفات للاسترخاء بالملح.. عيشي جو مراكز التجميل في البيت بأقل التكاليف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          4 خطوات لتنظيف وجهك بعد يوم عمل طويل.. اتبعيها يوميًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وصفات طبيعية لعلاج حروق الشمس.. استعدى لإجازة المصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          موضة مطابخ السبعينيات رجعت تريند.. 6 أفكار ممكن تنفذيها فى 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل خبز الجزر بالزعتر.. وصفة مبتكرة بطعم بيتى وصحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          5 خطوات فعالة لحماية شعرك من الجفاف والهيشان فى الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          5 عادات فعالة لإنقاص الوزن بسرعة وسهولة.. لو خارج مليان من العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          7 نصائح مضمونة لتجنب رائحة الجسم الكريهة في فصل الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-04-2025, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,590
الدولة : Egypt
افتراضي الأمانة في العلم

الأمانة في العلم


العلامة: محمد الخضر حسين
فلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، وصحة علومها أن يكون رجالها أمناء فيما يروون أو يصفون، فمن تحدث في العلم بغير أمانة فقد مسَّ العلم بقرحة، ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة.
لا تخلو الطوائف المنتمية إلى العلوم من أشخاص لا يطلبون العلم ليتحلوا بأسنى فضيلة، أو لينفعوا الناس بما عرفوا من حكمة، وأمثال هؤلاء لا تجد الأمانة في نفوسهم مستقراً، فلا يتحرجون أن يرووا ما لم يسمعوا، أو يصفوا ما لم يعلموا، وهذا ما كان يدعو جهابذة أهل العلم إلى نقد الرجال وتمييز من يسرف في القول ممن يصوغه على قدر ما يعلم، حتى أصبح طلاب العلم على بصيرة من قيمة ما يقرؤونه، فلا تخفى عليهم منزلته من القطع بصدقه أو كذبه، أو رجحان أحدهما على الآخر، أو احتمالهما على سواء.
قيَّض الله للسنة النبوية رجالاً أشربوا في قلوبهم التقوى، فنهجوا في روايتها نهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يروون إلا ما وثقوا من صحته، وهم بعد هذا الاحتراس البالغ على فريقين: فريق يحافظون في الرواية على الألفاظ لا يغيرون منها حرفاً، ومن أصحاب هذه الطريقة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ورجاء بن حيوة، ومحمد بن سيرين.
وفريق من أولئك الراشدين يحافظون فيما يروون من الحديث على المعنى، ولم يروا بأساً في التعبير عنه بلفظ غير لفظ الرواية على شرط أن يؤدى المعنى كما هو ، ومن أصحاب هذه الطريقة الحسن البصري، والشعبي، وإبراهيم النخعي.
اندسَّ بين هؤلاء الأمناء أشخاص يتشابهون في الاستخفاف بصدق اللهجة، ويختلفون في الأغراض التي دعتهم إلى هذا الاستخفاف.
فمنهم الجاهل الذي يحسب أن من طرق الإحسان إلى الدين وضع أحاديث للترغيب في بعض ما ندب إليه من أعمال صالحة، كما وضع نوح بن أبي مريم أحاديث في فضل سور القرآن، وقال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة.
ومنهم المغلوب على رشده: يضع الحديث لنحو تأييد مذهب أو إصابة عرض زائل كأن يصنع حديثاً فيما يوافق هوى ذي سلطان ليزداد عنده حظوة، مثل غياث ابن إبراهيم رأى المهدي يلعب بالحمام، فتصرف في حديث (لا سبق إلا في نصل أو خف أو خافر) فزاد فيه (أو جناح) وقد شاء الله تعالى أن ينتبه المهدي لهذه الخيانة، فأنَّب غياثاً وترك الحمام وأمر بذبحها.
ومنهم الزنديق: يضع أحاديث ليفسد القلوب ويزعزع الإيمان كما وضع بعض عباد الأوثان حديث: (لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه).
ونهض باللغة العربية وآدابها رجال طبعوا على الأمانة، مثل أبي عمرو بن العلاء، والمفضَّل الضبّي، والخليل بن أحمد، وسيبويه، و الأصمعي، وابن الأعرابي، وأبي عمرو الشيباني، ومحمد بن مسلم الدينوري، ولم تخلص اللغة وآدابها من أن ينتمي إليها نفر لا يتحاشون أن يدخلوا فيها ما ليس من حقائقها، كقطرب ـ كان متهماً في رأيه وروايته عن العرب مقدمة التهذيب لأبي منصور الأزهري ـ، وحمّاد الراوية، ولولا العلماء الذين ينقدون ما يرويه أمثال هؤلاء لأصيبت اللغة بفساد كبير.
وللتاريخ القسط الأوفر من اختلاق الرواة وتزوير الكتَّاب، فكم من حقائق شاخصة حاولوا أن يذهبوا بها هباء، وكم من سير نقية أخرجوها في صورة ما يستحق هجاء، وسير مدنسَّة ألبسوها ثوب ما يستأهل ثناء، ومن ناحية المحرومين من نعمة الأمانة في العلم صدرت كتب مثل كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة ـ وصفت كثيراً من أفاضل السلف في غير إنصاف، وولغت في أعراض الصحابة وهم خير أمة أخرجت للناس، وقد حذَّر أهل العلم من التسرع إلى تسليم ما يكتبه المؤرخون في شأنهم، وإنما يعول في أخبارهم على الروايات الموثوق بها كالأخبار الواردة على طريق علماء الحديث.
وكذلك ترى في غير الحديث واللغة والتاريخ من العلوم رهطاً يمسونها بأيد غير مؤتمنة، ويحشرون فيها ما لا يصح رواية، أولا يقبل دراية، فيتناولها الجهابذة بالنقد، فينفون خبثها، كما تنفي النار خبث الحديد.
فالأمانة زينة العلم وروحه الذي يجعله زاكي الثمر لذيذ المطعم، وإذا قلَّبت النظر في تراجم رجال العلم، رأيت بين العالم الأمين وقرينه غير الأمين بوناً شاسعاً، ترى الأول في مكانة محفوفة بالوقار، وانتفاع الناس منه في ازدياد، و ترى الثاني في منزلة صاغرة، ونفوس طلاب العلم منصرفة عن الأخذ عنه أو متباطئة.
وقد تقرأ كتاباً فتراه حافلاً بالمسائل النادرة، فيكبر صاحبه في عينك، ومتى عرفت أنه من المطعون في أمانتهم، شعرت بأن شطراً من ذلك الإكبار قد ذهب، وخالطك الريب في صحة ما أعجبت به من المسائل الراجعة إلى الرواية.
كيف تكون منزلة الجاحظ عندك لو درست حياته فخرجت مالئاً يدك بالثقة من أنه راوية أمين؟ لا أشك في أن الأمانة إذا انحازت إلى مثل ذكاء الجاحظ وسعة اطلاعه بلغ صاحبها في الشرف والسؤدد المكانة القصوى، ولكنك تقرأ ما شهد به بعض ـ أبو منصور الأزهري في مقدمة كتاب التهذيب ـ ناقدي علماء العربية من أن الجاحظ غير مأمون فيما يروي، فلا يبقى في نفسك من احترامه إلا ما جاءها من ناحية سعَة علمه وبراعة بيانه، ولا أظنك بعد أن تعلم أن أبا الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني غير معدود فيمن يُطمَأن إلى روايته ـ انظر عيون التواريخ لابن شاكر ـ إلا أن تقرأ كتاب الأغاني على أنه كتاب أدب يجمع بين الصحيح والسقيم ، حتى إذا أردت تحقيق موضوع تاريخي، لم تعول على ما ينفرد بروايته فتورده كما تورد ما يرويه ابن جرير الطبري مثلاً ـ وأنت مطمئن إليه، ولو كنت إذ درست حياة أبي الفرج وجدتها خالصة مما يخدش في أمانته لأخذ في نفسك مكانة فوق المكانة التي حازها من جهة سعة اطلاعه وإتقانه لصناعة التأليف.
فالرجل الذي يكون على جانب من العلم ولا يتصرف فيه بأمانة حصينة، يرمقه الناس بازدراء، وتذهب ثقتهم به فلا يكادون ينتفعون بما يمكنهم أن ينتفعوا به من معلوماته الصحيحة، وهذا صاعد بن الحسين البغدادي ـ دخل قرطبة أيام المنصور بن أبي عامر، وكان عالماً باللغة والأدب والأخبار، ولكن أهل العلم اختبروه فوجدوه يتنفَّق بالكذب، فأعرضوا عنه ولم يأخذوا منه شيئاً، وألف كتاباً سماه الفصوص نحا فيه نحو الأمالي لأبي علي القالي، فغلب شؤم ما فيه من كذب على ما فيه من صدق، وكان شكرهم لهذا الكتاب أن طرحوه في النهر.
قد يقع الرجل في حال يرى أن الاعتراف فيه بالجهل يذهب بشيء من احترام سائليه له، فيقف بين داعيين: فضيلة الأمانة تدعوه إلى أن يقول: (لا أدري) ، وحرصه على أن يبقى احترامه في نفوس سائليه غير منقوص يدعوه إلى أن يستمد من غير الحقيقة جواباً، وفي مثل هذا الحال يظهر مقدار صلة العالم بمزية الأمانة، فإن كان راسخاً فيها رسوخ الجبل تشتد به العواصف فلا تزحزحه قيد شعرة، أجاب داعيها، واستيقن أن الاحترام الحق في الوقوف عند حدودها، وإن كانت الأمانة كلمة يقولها بفمه ويسمعها بأذنه دون أن تتخلل مسلك الروح منه، آثر لذة الاحترام في ذلك المشهد، وأجاب بما ليس له به علم.
حضر بعض أدباء المغرب مجلس السلطان إسماعيل أو ابنه محمد، وقرأ هذا الأديب بين يديه صحيفة، فجاءت كلمة (الوخيد) ـ الوخيد للإبل الإسراع ـ فقرأها (الوخيذ) بالذال المعجمة، فأرجعه السلطان، فقال ذلك الأديب: إنه بالمعجمة والمهملة، فطلب منه شاهداً على ذلك فارتجل:
أقول لصاحبي لمّا ارتحلنا وأشرعنا النجائب في الوخيذ
تمتع من لذيذ كلام حورا فما بعد العشية من لذيذ
وإذا كان هذا الأديب قد خرج من مجلس السلطان في ستر، فقد لقي ما يلقاه المستخف بحق الأمانة في العلم، فافتضح أمره، ووعت صحف التاريخ حديثه، فأزرى بقدره.
وإذا أبديت في العلم رأياً، ثم أراك الدليل القاطع أو الراجح أن الحق في غير ما أبديت، فمقتضى الأمانة أن تصدع بما استبان لك أنه الحق، ولا يمنعنك من الجهر به أن تنسب إلى سوء النظر فيما رأيته سالفاً، فما أنت إلا بشر، وما كان لبشر أن يبرئ نفسه من الخطأ، و يدَّعى أنه لم يقل ولن يقول في حياته إلا صواباً، والأمانة هي التي كانت تحمل كبار أهل العلم على أن يعلنوا في الناس رجوعهم عن كثير من أراء علمية أو اجتهادات دينية تبيَّنوا أنهم لم يقولوا فيها قولاً سديداً، تجد هذه الفضيلة في الأئمة المقتدى بهم كمالك بن أنس، وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، والفتاوى التي رجع عنها أمثال هؤلاء العظماء منبَّه عليها في كتب الأحكام، ولا يعد شيء منها فيما يصح الاقتداء به إلا أن يراه بعض المجتهدين صحيح الاستنباط ثابت الأصل فحكمه العلم على ما رأى.
يُسأل العالم ذو الخلق العظيم عما لا يعلم، فلا يجد في صدره حرجاً أن يقول لا أعلم) ،وهذه سيرة علمائنا الأجلاء، يلقى على الواحد منهم السؤال في العلم الذي علا فيه كعبُه، فإذا لم يحضره الجواب أطلق لسانه بكلمة (لا أدري) غير مستنكف ولا مبال بما يكون لها من الأثر في نفوس السائلين، وإذا فاته أن يجيب طالب العلم عما سأل، لم يفته أن يعلمه خلقاً شريفاً هو أن لا يتحدث في العلم إلا على بصيرة، فيحفظ مقامه من أن يرمى بضعف الرأي إن كانت المسألة من قبيل الدراية، أو بقلة الأمانة إن كانت عائدة إلى الرواية، ولأن يقال: سئل فقال: لا أدري، خير من أن يقال: سئل فقال خطلاً، أو روى ما لم يكن واقعاً. قال ابن هرمز: ينبغي للعالم أن يُورث جلساه قول (لا أدري).
والمسائل التي قال فيها كبار العلماء (لا أدري) بالغة من الكثرة مالا يحيط به حساب، سأل رجل مالك بن أنس عن مسألة، وذكر أنه ارسل فيها من مسيرة أشهر من المغرب، فقال له: أخبر الذي أرسلك أنه لا علم لي بها، قال: ومن يعلمها؟ قال: من علمه الله، وسأله آخر عن مسألة استودعه إياها أهل المغرب، فقال: (ما أدري ما هي) فقال الرجل: يا أبا عبد الله تركت خلفي من يقول: ليس على وجه الأرض أعلم منك، فقال مالك غير مستوحش: إذا رجعت فأخبرهم أني لا أحسن، وقال الكاتبون في سيرته: لو شاء رجل أن يملأ صحيفته من قول مالك (لا أدري) لفعل.
ونقرأ في سيرة الشعبي أنه سئل عن مسألة فقال: (لا أدري) فقال له السائل : فبأي شيء تأخذون رزق السلطان، فقال: لأقول فيما لا أدري (لا أدري).
ومن شواهد أمانة محمد بن الأعرابي : أن محمد بن حبيب سأله في مجلس واحد عن بضع عشرة مسألة من شعر الطرماح، فكان يقول: لا أدري، ولم أسمع أفأحدس لك برأيي.
وقد تخون الرجل ذاكرته أو تأخذه غفلة فيقع لسانه في خطأ، ويُنبه بعد أو يتنبه من نفسه إلى هفوته، فإن كان على حظ عظيم من الأمانة بادر إلى إصلاح خطئه بنفسه غير مستنكف من الاعتراف بما أخذه من ذهول قلب أو غلط لسان، حضر أبو بكر بن العربي مجلس أبي الفضل النحوي فسمعه يقول: طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآلى وظاهر، فلما انصرف قصده إلى منزله، وقال له: أصلحك الله: قلت: إنه صلى الله عليه وسلم، لم يظاهر، فإن الله جعل الظهار منكراً من القول وزوراً، فكان من أبي الفضل أن شكره، ومن الغد قال أبو الفضل لأهل مجلسه بعد أن قرب ابن العربي إليه: إني قد قلت لكم بالأمس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق وآلى وظاهر، وإن هذا أرشدني إلى أن لم يظاهر، وهو كما قال، وإنه شيخي في هذه المسألة.
من الأمانة : الرجوع إلى الحق، وهو كمال لا تحرص عليه إلا نفوس ذلك لها سبل المكارم تذليلاً. ومن الأمانة: أن تنقد الآراء، ولا تغمض فيما تراه باطلاً، وإن كان بينك وبين صاحبها صلة الصداقة أو القربى، قدَّم أبو جعفر أحمد بن يوسف الفهري للملك المستنصر في تونس كتاباً في النحو، فدفعه المستنصر للأستاذ أبي الحسن حازم، فزار أبو جعفر حازماً يوماً، فرأى الكتاب بين يديه، فقال له يا أبا الحسن: (وعين الرضا عن كل عيب كليلة) فقال له حازم: أنت سيدي وأخي، والعلم لا يحتمل المداهنة، فقال له أبو جعفر: فأخبرني بما عثرت عليه، فأراه مواضع فسلمها وأصلحها بخطه.
ومن أمانة العالم :أن لا يفتي أو يقضي بما يراه باطلاً، فحرام عليه أن يفتي أو يقضي برأي غيره، وهو لا يتردد في بطلانه، ويبقى النظر في المسائل التي تعود إلى الاجتهاد ولا يتعدى حكمها مراتب الظنون، وهذا ما يمكن أن يكون موضع اختلاف الفقهاء في قضاء العالم أو إفتائه بغير مذهبه، كأن يقضي بين خصمين من أتباع بعض المذاهب على مقتضى المذهب الذي تقلداه، كان العالم الجليل قاسم بن محمد بن سيَّار يفتي في الأندلس بمذهب مالك، وهو يخالفه في كثير من المسائل، فقال له أحمد بن خالد: أراك تفتي الناس بما لا تعتقد! وهذا لا يحل لك، فقال: إنما يسألونني عن مذهب جرى في البلد فعرف، فأفتيهم به، ولو سألوني عن مذهبي لأخبرتهم به.
ويسهل على العالم السبيل لإفتاء القوم بمذهب إمام تقلدوه: أن المجتهد وإن خالف غيره من المجتهدين في بعض الأحكام المستنبطة، يرى أن عبادات كل مجتهد ومن يقلدونه في مذهبه صحيحة، لأنها قائمة على الاجتهاد الذي هو أقصى ما كلفهم الله بالعمل عليه، وليس عليهم أن يكون اجتهادهم مطابقاً لما هو الصواب عند الله تعالى.
وممن لا يجيز للعالم أن يحكم بمذهب غير راجح في نظره أبو بكر الطرطوشي، فإنه كان ينكر ما يفعله ولاة قرطبة من أنهم إذا ولوا أحد القضاء شرطوا عليه أن لا يخرج عن قول ابن القاسم، وقال: هذا جهل عظيم.
والحق أن ولاية القضاة المتبعين لمذهب بعض الأئمة المفتى بهم ـ عند فقد المجتهدين ـ صحيحة، ولوليِّ الأمر أن يشترط عليهم الحكم بالمشهور أو المرجح في مذهب يعينه عند الولاية، ضبطاً للأحكام وسداً لأبواب اتباع الأهواء، ولا حرج في قضائهم على هذا الشرط وإن حكموا بما لا تطمئن إليه نفوسهم، فإن آراء من لم يبلغ رتبة الاجتهاد المطلق أو المقيد تسقط أمام آراء المجتهدين، وليس لها في نظر الشارع من قيمة، أو بالغ رتبة الاجتهاد فليس له أن يحكم بغير ما قامت الأدلة القاطعة أو الراجحة على أنه حكم الله الذي شرع لعباده.
وإذا كانت الأمانة في العلم منبع حياة الأمم وأساس عظمتها، زيادة على أنها الخصلة التي تكسب صاحبها وقاراً وجلالة، كان حقاً علينا أن نعطف على نشئنا من طلاب العلم، ونتخذ كل وسيلة إلى أن نخرجهم أمناء فيما يروون أو يصفون، ذلك بأن نتحرى في دروسنا الأمانة فيما نروي، ولا نجيب سؤالهم إلا بما ندري أو بقولنا (لا ندري) وإذا أوردنا رأياً استبنّا بعدُ أنه مأخوذ من غير أصل، قلنا لهم في صراحة: قد أخطأنا في الفهم، أو خرجنا على ما تقتضيه أصول العلم.
ومن أساليب تلقينهم الأمانة في العلم : أن نتلقى مناقشاتهم بصدر رحب، ولا نقتل آراءهم بالكلمات الجارحة، أو نتعسف في ردها فندافعها بما نعتقد في أنفسنا أنه غير كاف لدفاعها.
وعلى الأستاذ بعد أن يقوم بحق الأمانة ملاحظة سيْر الطلاب حتى إذا وقع أحدهم فيما يدل على أنه غافل عن رفعة شأنها وغزارة فوائدها، أرشده إلى أن العلم بغير أمانة شر من الجهل، وأن ذكاء لا يصاحبه صدق اللهجة نكبة على العقل:[وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] {الإسراء:36}.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.21 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]