فضل التواضع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الْفُتْيَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          التزهيد في أصول الفقه!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 4 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 84 - عددالزوار : 15912 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 216 - عددالزوار : 68297 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 34 - عددالزوار : 12867 )           »          مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          العقيدة اليهودية والسيطرة على العالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          حاجتنا إلى النضج الدعوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 26792 )           »          وهو يتولى الصالحين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 04-09-2025, 01:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,007
الدولة : Egypt
افتراضي فضل التواضع

فضل التواضع

رمزي صالح محمد

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وآله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فهذه رسالة قد جمعتها في فضل التواضع، وما أشرفه وأكرمه من خُلُق، وقد جعلتها في سبعة أبواب:
الباب الأول: ما هو التواضع.
الباب الثاني: ما جاء في كتاب الله في الحض على التواضع.
الباب الثالث: ما جاء في السنة الصحيحة من ذلك.
الباب الرابع: تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء قبله.
الباب الخامس: تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.
الباب السادس: ما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم.
الباب السابع: ما جاء عن التابعين ومن بعدهم من الأئمة.

الباب الأول: ما هو التواضع:
التواضع ضد الكبر، فإذا علمنا ما هو الكبر علمنا ما هو التواضع. وخير من عَرَّف لنا الكبر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَدْخُلُ الجنةَ من كان في قلبِهِ مثقالُ ذرةٍ من كِبْرٍ» فقال رجلٌ: إن الرجلَ يحبُ أن يكونَ ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنةً، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن اللهَ جميلٌ يحبُ الجمالَ، الكِبْـرُ بَطَرُ الحقِ، وَغَمْطُ الناسِ». رواه مسلم في صحيحه[1].

قال العلماء: «بَطَرُ الحقِ» يعني دفعه وإنكاره، و«غَمْطُ الناسِ» يعني احتقارهم[2].


فنستطيع من هذا التعريف الصحيح للكبر أن نعلم ما هو التعريف الصحيح للتواضع، فنقول إن التواضع ليس في ترك لُبْس الثياب أو الأحذية الحسنة الجيدة ولو كانت غالية الثمن، فكم من الصحابة ومن السلف الصالح وأئمة الدين من كان يلبسها، وإنما التواضع في كلمتين اثنتين، الأولى: قبول الحق من أي أحد وعدم دفعه ولا إنكاره، والثانية: عدم احتقار الناس ولا ازدرائهم.

وهذا ما قاله علماء السلف في تعريفهم للتواضع: فعن إبراهيم بن الأشعث، قال: سألتُ الفضيلَ بن عِياض عن التواضع، فقال: «التواضعُ أن تخضعَ للحقِ وتنقادَ له، ولو سَمِعْتَهُ من صَبِيٍّ قَبِلْتَهَ منه، ولو سَمِعْتَهُ من أجهلِ الناسِ قَبِلْتَهَ منه»[3].

وعن هشام بن حسان أن قوما سألوا الحسن البصري رحمه الله فقالوا: أي شيء التواضع يا أبا سعيد؟ قال: «يخرج من بيته فلا يلقى مسلما إلا ظن أنه خير منه»[4].

الباب الثاني: ما جاء في كتاب الله في الحض على التواضع:
قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37].

قال الطبري رحمه الله: «أي لا تمش في الأرض مختالا مستكبرا»[5].

وذكر لنا عز وجل في وصية لقمان لابنه قوله:
﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18].

قال ابن كثير رحمه الله:
«أي لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم، ولكن أَلِن جانبك وابسط وجهك إليهم»[6].

الباب الثالث: ما جاء في السنة الصحيحة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى: من تواضعَ لي هكذا - وجعل الراوي باطِنَ كَفِّهِ إلى الأرضِ، وأدناها إلى الأرضِ - رفعتُه هكذا - وجعل باطِنَ كَفِّه إلى السماءِ، ورفعَها نحوَ السماءِ». رواه أحمد بإسناد صحيح[7].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما نَقَصَتْ صدقةٌ من مال، وما زادَ اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عِزّا، وما تواضعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه اللهُ». رواه مسلم في صحيحه[8].

وعن مصعب بن سعد قال: رأى سعد بن أبي وقاص أن له فضلًا على من دُونَه من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم - يعني بسبب شجاعته وغير ذلك - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل تُنصَرونَ وتُرزقُون إلا بضُعفائِكم». رواه البخاري في صحيحه[9].

وفي رواية قال: «إنما ينصرُ اللهُ هذه الأمةَ بضعيفِها، بدعوتِهم وصلاتِهم وإخلاصِهم». رواها النسائي في سننه[10].

قال العلماء: «أراد صلى الله عليه وسلم بذلك ‌حض ‌سعد ‌على ‌التواضع، ونفي الزهو على غيره، وترك احتقار المسلم في كل حالة»[11].

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ابْغُونِي ضُعفاءَكم، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائِكم». رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح[12].

قال العلماء: «ابْغُونِي ضُعفاءَكم» أي اطلبوا لي الضعفاء، وهم من يستضعفهم الناس لرثاثة حالهم، كي أستعين بهم، «فإنكم إنما ترزقون وتنصرون» على أعدائكم «بضعفائِكم» بسببهم، فلا يغتر الأقوياء بقوَّتهم. وقيل إن هذا قاله صلى الله عليه وسلم عند الخروج للجهاد، وطلبهم ليكتبهم في ديوان المجاهدين ويستعين بهم[13].

الباب الرابع: تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء قبله:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خَيْرَ البَرِيَّةِ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك إبراهيمُ عليه السلام». رواه مسلم في صحيحه[14].


قال النووي رحمه الله: «قال العلماء: إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعا واحتراما لإبراهيم صلى الله عليه وسلم، ‌لِخُلَّتِهِ وأبوته، وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم» ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدمه، بل قاله بيانا لما أمر ببيانه وتبليغه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ولا فخر»»[15].


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «نحن أحقُ بالشكِّ من إبراهيمَ إذ قال: ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]، ويَرْحَمُ اللهُ لوطًا لقد كان يأوي إلى رُكنٍ شديدٍ، ولو لَبِثْتُ في السجنِ طولَ ما لَبِثَ يوسُفُ لأجبتُ الداعِيَ». رواه البخاري ومسلم[16].


قال العلماء: قوله صلى الله عليه وسلم «نحن أحقُ بالشكِّ من إبراهيمَ» يعني أن إبراهيم عليه السلام عندما قال ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ﴾ [البقرة: 260] لم يقلها شَكًّا في قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى، فلو كان شَكًّا، لكنا أولى بذلك منه، فلما لم نشك نحن، دَلَّ ذلك على أن إبراهيم لم يشك، فالمراد به نفي الشك عن إبراهيم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ويَرْحَمُ اللهُ لوطًا لقد كان يأوي إلى رُكنٍ شديدٍ» يشير إلى قول لوطٍ عليه السلام ﴿ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 80] وذلك عندما جاءه قومه، وأرادوا أن يفعلوا الفاحشة مع أضيافه، فتمنى لوط ساعتها أن لو كان يأوي إلى ركن شديد، أي أقارب وعشيرة تمنعه. وكأنه من شدة الأمر نسي أنه كان يؤوي إلى أشد ركن وهو الله عز وجل.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولو لَبِثْتُ في السجنِ طولَ ما لَبِثَ يوسُفُ لأجبتُ الداعِيَ» أي لو سجنتُ فترة طويلة، كالتي قضاها يوسفُ في السجن، ثم جاءني رسول الملك، كما جاء يوسف، لبادرت بالخروج من السجن، ولم أفعل كما فعل يوسف، حيث طلب إظهار براءته أولا قبل الخروج، وهذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعا، وثناء على يوسف عليه السلام، وبيان لصبره[17].


وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا ينبغي لعبدٍ أن يقولَ: أنا خيرٌ من يُونُسَ بنِ مَتَّى». رواه البخاري ومسلم[18].


قال الخطابي رحمه الله: «وإنما خص يونس بالذكر فيما نرى والله أعلم، لما قصه الله تعالى علينا من شأنه، وما كان من قلة صبره على أذى قومه فخرج مغاضبا، ولم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل»[19].


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما يهوديٌ يَعْرِضُ سلعةً له، أُعطي بها شيئًا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجلٌ من الأنصار، فقام فلطم وجهَه، وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أَظْهُرِنا؟ فذهب اليهوديُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبا القاسم، إن لي ذِمةً وعهدًا، فما بالُ فلانٍ لطم وجهي، فقال: «لم لطمتَ وجهَه» قال: قال - يا رسول الله - والذي اصطفى موسى على البشر وأنت بين أظهرنا، قال: فغضبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى عُرِفَ الغضبُ في وجهِه، ثم قال: «لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكونُ أولَ من بُعِثَ، فإذا موسى آخذ بالعَرْشِ، فلا أدري أحوسب بصعقته يومَ الطور، أو بعث قبلي». رواه البخاري ومسلم[20].


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عِفريتًا من الجن تَفَلَّتَ عليَّ البارحةَ ليقطعَ عليَّ الصلاةَ، فأمكنني اللهُ منه، فأردتُ أن أَرْبِطَهُ إلى ساريةٍ من سَواري المسجدِ حتى تُصبحوا وتنظروا إليه كلُّكم، فذكرتُ قولَ أخي سليمان: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ص: 35]، فَرَدَّهُ اللهُ خاسِئًا». رواه البخاري ومسلم[21].


«العِفْريت» هو العاتي المارد من الجن. «تَفَلَّتَ» أي تعرض لي في صلاتي فجأة.

الباب الخامس: تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ما كان شخصٌ أحبَّ إليهم من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رَأَوْهُ لم يقوموا، لما يعلمونَ من كراهيتِه لذلك». رواه أحمد بإسناد صحيح[22].


وعن أنس رضي الله عنه أيضا، أن امرأة كان في عَقْلِها شيءٌ، فقالت: يا رسولَ اللهِ إن لي إليك حاجةً، فقال: «يا أمَّ فلانٍ انظري أيَّ السِّكِكِ شِئْتِ، حتى أقضيَ لك حاجَتَكِ» فخلا معها في بعضِ الطرقِ، حتى فرغتْ من حاجَتِها. رواه مسلم في صحيحه[23].


قال النووي: (خلا معها في بعض الطرق) أي وقف معها في طريق مسلوك، ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية، فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها، لأن مسألتها مما لا يظهره والله أعلم[24].


وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه مرَّ على صِبيانٍ فَسَلَّمَ عليهم، وقال: «كان النبيُ صلى الله عليه وسلم يَفعلُه». رواه البخاري ومسلم[25].


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بَعَثَ اللهُ نبيًا إلا رَعَى الغَنمَ»، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم، كنتُ أرعاها على قَرارِيطَ لأهلِ مكةَ». رواه البخاري[26].


والقراريط جمع قيراط، والقيراط جزء من الدينار أو الدرهم، فالمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم لأهل مكة على شيء يسير من المال، وهذا المعنى رجحه طائفة من العلماء كالحافظ ابن حجر وشيخنا ابن عثيمين، وقيل إن قراريط هذا هو اسم مكان في مكة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرعى فيه الغنم، قاله إبراهيم الحربي ورجحه ابن الجوزي[27].


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أهديَ إليَّ ذراعٌ لقبلتُ، ولو دُعيتُ إلى كُرَاعٍ لأجبتُ». رواه البخاري في صحيحه[28].


الذراع معروف، والمعني به ذراع الشاة، والكُراع جمعه أكارع، وعوام الناس يقولون كوارع وهو خطأ، وهو معروف أيضا، وهو أطراف الدابة وقوائمها. قال العلماء: في هذا الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وتواضعه، وجبره لقلوب الناس، وعلى قبول الهدية، وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله، ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل[29].


وعن قُدَامَةَ بنِ عبد الله رضي الله عنه، قال:
«رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يرمي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يومَ النحرِ على ناقةٍ له صَهْبَاءَ، لَا ضَرْبَ، وَلَا طَرْدَ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ».

رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن[30].


«صَهْبَاء» أي يخالط لونها حُمْرة، قال العلماء: أي ما كانت الناس تُضْرَبُ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تُطْرَدُ، ولا يُقالُ لهم: تنحوا عن الطريق، ولعل مقصود قُدامة بهذا التعريض بالذين كانوا يعملون ذلك[31].



الباب السادس: ما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أول خطبة خطبها أبو بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بدأها بحمد الله، والثناء عليه بالذي هو أهله، ثم قال: «أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله. والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله»[32].


وروى أبو داود في الزهد أيضا هذه الخطبة مختصرة من طريق قيس بن أبي حازم عن أبي بكر، ثم نقل عن الحسن البصري أنه قال: «بلى والله إنه لخيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه»[33].


وعن خُبَيْبِ بن عبد الرحمن قال: سمعت عمتي أنَيْسَةَ قالت: كُنَّ جواري الحي ينتهين بغنمهن إلى أبي بكر الصديق فيقول لهن: «أتحبون أن أَحْلُبَ لكم حَلْبَ ابن عَفْراء؟»[34].


وعن أنس بن مالك، قال: كان أبو بكر يخطبنا فَيَذْكُرُ بَدْءَ خلق الإنسان فيقول: «خرج من مجرى البول مرتين»، فيذكر حتى يتقذر أحدُنا نفسَه[35].


وعن طارق بن شهاب قال: لما قَدِمَ عمرُ أرضَ الشام أتِيَ بِـبِـرْذَون فَرَكِبَه، فهزه، فكرهه، فنزل عنه، ورَكِبَ بعيرَه، فَعَرَضَتْ له مَخَاضَةٌ، فنزل عن بعيره، ونزع مُوقَيْهِ، فأخذهما بيده، وخاض الماء، وهو ممسك بعيره بخطامه، أو بزمامه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض، قال: فصك في صدره، ثم قال: «أَوِّهْ - يَمُدُّ بها صوتَه - لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذلَ الناس، وأقلَ الناس، وأحقرَ الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله»[36].


وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا:
«إِن العبدَ إِذا تواضع لله رفع الله حَكَمَتَه، وقال: انْتَعِش نَعَشَك الله، فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس كبير، وإن العبد إذا تكبر وعدا طَوْرَه وَهَصَه الله إلى الأرض، وقال اخسأ أخسأك الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس صغير، حتى لهو أحقر عندهم من خِنزير»[37].


«رفع الله حَكَمَتَه» أي قَدْرَه ومنزلته. «انْتَعِش نَعَشَك الله» أي ارتفع رفعك الله، والعرب تقول: قد انْتَعَشَ الرجل: إذا ارتفع بعد خمول، أو استغنى بعد فقر. «وَهَصَه الله إلى الأرض» أي حَطَّه وضرب به الأرض[38].


وقال الحسن البصري: «رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقيل - يعني ينام القيلولة - في المسجد وهو يومئذ خليفة، ويقوم وأثر الحصباء في جنبه»[39].


وفي رواية أخرى قال: «رأيت عثمان ينام في المسجد متوسّدًا رداءَه»[40] يعني جعل رداءه وِسادة يضع عليها رأسه وعن عقيل بن عبد الرحمن الخولاني قاضي الموصل قال: حدثتني عمتي وكانت تحت عَقِيل بن أبي طالب، قالت: «دخلت على علي بْن أبي طالب وهو جالس على برذعة حمار مبتلة»[41].


وعن عون بن عبد الله، قال: قال عبد الله بن مسعود «لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يَحِلَّ بِذِرْوَتِهِ، ولا يَحِلَّ بِذِرْوَتِهِ حتى يكونَ الفقرُ أحبَّ إليه من الغنى، والتواضعُ أحبَ إليه من الشرف، وحتى يكون حَامِدُهُ وَذَامُّهُ عنده سواءً».

قال عون: ففسرها أصحاب عبد الله، قالوا: «حتى يكونَ الفقرُ في الحلال أحبَّ إليه من الغنى في الحرام، وحتى يكون التواضعُ في طاعة الله أحبَّ إليه من الشرف في معصية الله، وحتى يكون حامدُه وذامُّه في الحق سواءً»[42].


وعن خالد بن عمير العدوي، قال: خطبنا عتبة بن غزوان رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فذكر خطبته......، فكان مما قال فيها: «وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا»[43].


وعن عبد الله بن حنظلة أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه مر في السوق، وعليه حزمة من حطب، فقيل له: أليس قد أغناك الله عن هذا؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أدفع به الكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر»[44].


وعن محمد بن سيرين قال: «دخل حذيفةُ المدائن وهو على حمار، وقد سدل رجليه من جانب، ومعه عِرْق لحم يَتَعَرَّقُه، وهو أمير»[45].


«يَتَعَرَّقُهُ» يعني يأكله.

وعن ثابت البُناني قال: «كان سلمان أميرًا على المدائن، فجاء رجل من أهل الشام من بني تيم الله معه حِمْل تين، وعلى سلمان أَنْدَرْوَرْد وعَباءة، فقال لسلمان: تَعالَ احْمِلْ، وهو لا يعرف سلمان، فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا: هذا الأمير، قال: لمْ أعرفك، فقال له سلمان: لا حتى أبْلُغَ منزلَك»[46].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 129.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 127.72 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]