مِنْ كُنُوزِ الْهِجْرَةِ : بَيَانُ أَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَيْأَسَ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1105 - عددالزوار : 128088 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4739 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مسيرة الجيش إلى تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2025, 10:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي مِنْ كُنُوزِ الْهِجْرَةِ : بَيَانُ أَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَيْأَسَ

مِنْ كُنُوزِ الْهِجْرَةِ : بَيَانُ أَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَيْأَسَ

محمد سيد حسين عبد الواحد



اَلْعَنَاصِرُ الْأَسَاسِيَّةُ :
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ : مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الرَّسُولِ حِفْظُ أَيَّامِهِ . .
الْعُنْصُرُ الثَّانِي : دَلَالَةُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ .
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ : لَا تَيْأَسْ مِنْ رُوحِ اللَّهِ وَتَفَائَلْ .
الْعُنْصُرُ الرَّابِعُ : الْأَمَلُ فِي اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْقَطِعُ .

الْمَوْضُوعُ :
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ اَلْكِرَامُ : فِي سَابِقَةٍ وَحِيدَةٍ فَرِيدَةٍ لَمْ تَحْصُلْ لِنَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَمْ تَقَعْ لِرَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَمْ تَكُنْ لِبَشَرٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَفِظَ اللَّهُ تَعَالَى سُنَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ، وَحَفِظَ أَقْوَالَهُ ، وَأَفْعَالَهُ ، وَأَيَّامَهُ ، وَمَا يُحِبُّ ، وَمَا يَكْرَهُ ، خَلَقَهُ ، وَخَلْقَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا مِنْ الزَّمَانِ ، وَسَيَبْقَى مَحْفُوظًا بِتَمَامِهِ وَكَمَالِهِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا . .

جَمِيعُ الْمَوَاقِفِ الَّتِي مَرَّتْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنْ يَوْمِ مَوْلِدِهِ ، فَتْرَةَ الصِّبَا ، فَتْرَةَ الشَّبَابِ ، قَبْلَ بَعْثَتِهِ ، بَعْدَ بَعْثَتِهِ ، قَبْلَ هِجْرَتِهِ ، وَبَعْدَ هِجْرَتِهِ ، وَغَزَوَاتِهِ ، وَصَوْلَاتِهِ ، وَجَوْلَاتِهِ ، جَمِيعُ الْحَوَادِثِ الَّتِي مَرَّتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَحْنُ كَمُسْلِمِينَ ، لَا نَجْهَلُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يَخْفَى عَلَيْنَا مِنْهَا شَيْئًا . .
وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ بِحِفْظِ سِيرَةِ وَسُنَّةِ وَأَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ هُوَ أَنَّهُ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ فَلَا رِسَالَةَ بَعْدَ رِسَالَتِهِ ، وَلَا أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِهِ وَلَا كِتَابَ بَعْدَ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ . .

قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « إِنَّ لِي أَسْمَاءً : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يَحْشُرُ النَّاسَ عَلَى قَدَمِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ ، وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ »
قُلَّتُ : وَمِنْ أَبْرَزِ الْأَيَّامِ وَالْمَوَاقِفِ الَّتِي مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ وَحَفِظَ اللَّهُ تَعَالَى أَحْدَاثُهَا ( هِجْرَتُهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُمِّ الْقُرَى مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ .
حُفِظَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ وَالْمَوَاقِفُ وَالْأَحْدَاثُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الصِّحَاحِ وَكُتُبِ السُّنَنِ وَكُتُبِ السِّيَرِ أَحَدٌ ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنْ تَبْقَى بَيْنَ أَيْدِينَا حَاضِرَةً نَقْرَأُهَا وَنَتَعَايَشُ مَعَهَا وَنَسْتَنْبِطُ مِنْهَا الْعِظَاتِ وَالْعِبَرَ . .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )
أَبْرَزُ الْأَيَّامُ وَالْمَوَاقِفُ الَّتِي مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ وَحَفِظَ اللَّهُ تَعَالَى أَحْدَاثَهَا ( هِجْرَتُهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ
حَادِثٌ مَلِيءٌ بِالْعِظَاتِ وَالْعِبَرِ وَالْفَوَائِدِ وَالْفَرَائِدِ . .

{{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}} [ سورة التوبة] .
مِنْ أَعْظَمِ الدُّرُوسِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ حَادِثِ الْهِجْرَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يَمْتَلِأَ الْقَلْبُ ثِقَةً وَأَمَلًا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . .
بِسَبَبِ النُّبُوَّةِ ، وَبِسَبَبِ دَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ ، حَضَرَتْ الْعَدَاوَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ الْقَرِيبِ وَمِنْ الْبَعِيدِ وَرَمَتْهُ قُرَيْشٌ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تُنَكِّلُ بِالرَّسُولِ وَبِالصَّحَابَةِ هُنَا وَهُنَاكَ . .

وَرَسُولُ اللَّهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ مُتَفَائِلٌ ، فِي قَلْبِهِ يَقِينٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمًا مَا سَيَفْتَحُ هَذِهِ الْقُلُوبَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَإِذَا جَاءَ أَحَدُهُمْ يَشْتَكِي مِنْ أَلَمِ الْأَذَى أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ جُرْعَةَ تَفَائُلٍ وَاطْمِئْنَانٍ «( وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَتَمَنُّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضَرِ مَوْتٍ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبُ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ قَوْمٌ تَسْتَعْجِلُونَ )»
مَهْمَا كَانَتْ التَّعْقِيدَاتُ لَا تَيْأَسْ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ، وَلَا تَقْنَطْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، مَهْمَا كَانَ الْعَدُوُّ وَمَهْمَا بَلَغَتْ أَعْدَادُهُ وَقُوَّتُهُ وَجَبَرُوتُهُ وَغَشَمُهُ ، أَنْتَ كَمُؤْمِنٍ لَا تَيْأَسْ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَلَا تَقْنَطْ مِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ، وَأَيُّ مَخْلُوقٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَيْمْنَعَ عَنْكَ رِزْقًا ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْصِفَ لَكَ عُمْرًا ، لَا سَاحِرَ بِيَدِهِ شَيْءٌ ، وَلَا ظَالِمَ بِيَدِهِ شَيْءٌ ، وَلَا غَاشِمَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، ذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ وَحْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ . .
{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
[سورة يونس.

أَحْدَاثُ اَلْهِجْرَةِ :
بِدَايَةٌ مِنْ تَآمُرِ قُرَيْشٍ ، وَمِنْ إعْدَادِهَا لِلْعُدَّةِ ، وَمِنْ إحْكَامِهَا لِلْمَكِيدَةِ ، وَمِنْ تَتَبُّعِ الْآثَارِ ، وَمِنْ وُقُوفِهِمْ أَمَّا غَارٍ ( ثَوْرٍ ) وَمِنْ رَصْدِ الْأَمْوَالِ الطَّائِلَةِ لِمَنْ يَأْتِي بِرَسُولِ اللَّهِ وَصَاحِبِهِ . . مُرُورًا بِالطَّرِيقِ الْوَعِرِ الَّذِي سَلَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ ثَابِتُ الْقَلْبِ هَادِئُ النَّفْسِ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَمَلَأَ قَلْبَهُ فِي اللَّهِ رَجَاءً وَأَمَلًا كُلُّ ذَلِكَ يُعْطِيكَ دَلَالَةً أَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ بِيَدِهِ شَيْءٌ ، وَأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ . .

{{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}} [سورة التوبة] .
حَسَنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَمَلُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ فِي اللَّهِ تَعَالَى حَاضِرٌ فِي كُلِّ تَفْصِيلَةٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الْهِجْرَةِ . .
مِنْ بِدَايَةِ الْإِعْدَادِ لَهَا ، وَمِنْ كِتْمَانِ خَبَرِهَا ، وَمِنْ حُسْنِ اخْتِيَارِ أَفْرَادِهَا ، وَمِنْ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ الْأَسْبَابِ الْمُمْكِنَةِ.. هَذَا يُعْطِيكَ دَلَالَةً أَنَّ يَقِينَكَ فِي اللَّهِ ، وَأَنَّ حُسْنَ ظَنِّكَ بِاللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ كَيْدِ الْكَائِدِينَ . .
وَصَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى الْغَارِ حَيْثُ انْتَهَتْ آثَارُ الْأَقْدَامِ ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ وَصَاحِبُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى ابْصَارِهِمْ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَلَائِكَةً تَسْتُرُ الرَّسُولَ وَصَاحِبَهُ بِأَجْنِحَتِهَا . .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَرَآنَا . . فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ، يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ، يَا ابَا بَكْرٍ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتُرُنَا بِأَجْنِحَتِهَا . .

{{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} } [سورة التوبة] .
هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْرِسُهُ غَرْسًا فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ ( اِحْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، اِحْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى انْ يَنْفَعُوكَ فَلَنْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَأَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى انْ يَضُرُّوكَ فَلَنْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) .
وَأَنْتَ تَقْرَأَ فِي أَحْدَاثِ الْهِجْرَةِ ، وَأَنْ تَسْمَعَ لَهَا ، مِنْ هُنَا أَوْ مِنْ هُنَاكَ سَتَأْتِي عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ
{{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}} هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي يُشَكِّلُ فَهْمُهَا عَلَى بَعْضِ النَّاسِ {{ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }}

هَلْ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَمْكُرُ ؟
هَلِ الْمَاكِرُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ؟

وَالْجَوَابُ :
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ : يَمْكُرُ بِالْمَاكِرِينَ ، وَيَخْدَعُ الْمُخَادِعِينَ ، وَيَسْتَهْزِءُ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ . .

وَنُثْبِتُ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ فِي إِطَارِ أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَّصِفُ إِلَّا بِكُلِّ كَمَالٍ بِيلِيقٍ بِجَمَالِهِ وَجَلَالِهِ وَكَمَالِهِ . .
ثُمَّ إِنَّ الْمَكْرَ : إِذَا نُسِبَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الدَّلَالَةَ عَلَى كَمَالِ الْعِلْمِ وَالسُّلْطَانِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى مُعَاقَبَةِ الظَّالِمِينَ . .
اللَّهُ تَعَالَى يَمْكُرُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِحَقٍّ أَيْ يُدَبِّرُ لَهُمْ الْخَيْرَ وَيُهْدِيهِمْ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الْمِحَنِ وَالْبَلَايَا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ . .
وَاللَّهُ تَعَالَى يَمْكُرُ بِالظَّالِمِينَ بِحَقٍّ أَيْ يُفْسِدُ حِيَلَهُمْ ، وَيَرُدُّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ وَيَأْخُذُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ . .
وَالْمُكَرُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ صِفَةُ مَدْحٍ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَعْنِي أَنَّهُ حَكِيمٌ وَعَزِيزٌ وَغَالِبٌ وَقَاهِرٌ . .
وَلَيْسَ الْمَاكِرُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى ، فَمَا سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ مَاكِرًا وَلَا سَمَّاهُ الرَّسُولُ مَاكِرًا . .
أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ اَلْكِرَامُ : هَذَا مَا نَفْهَمُهُ فِيمَا يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَمَالِهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
نُسَالُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يَكْتُبَ لَنَا الْخَيْرَ ، وَأَنْ يُسَعِّدَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
بَقِيَ لَنَا فِي خِتَامِ اَلْحَدِيثِ عَنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَدَوَامِ الْأَمَلِ فِي سَتْرِهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ وَغَوْثِهِ ، بَقِيَ لَنَا أَنْ نَقُولَ :

إِنَّ الْغَرَضَ مِنْ دُرُوسِ الْعِلْمِ ، وَمِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ ، وَمِنْ حُضُورِ الْجَمْعِ وَالْجَمَاعَاتِ ، هُوَ تَذْكِيرُ النَّاسِ ، وَتَعْلِيمُ النَّاسِ ، وَمِنْ الْمَكَاسِبِ الْعَظِيمَةِ لِحُضُورِ الْجَمْعِ وَالْجَمَاعَاتِ ، أَنْ يَتَعَلَّمَ الْإِنْسَانُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ، وَأَنْ يَتَأَثَّرَ الْإِنْسَانُ بِمَا يَسْمَعُ ، وَأَنْ يُصَحِّحَ الْإِنْسَانُ أَخْطَاءَهُ ، وَأَنْ يُحَوِّلَ الْإِنْسَانُ مَا تَعَلَّمَهُ فِي حَيَاتِهِ إِلَى وَاقِعٍ عَمَلِيٍّ وَإِلَى مَنْهَجِ حَيَاةٍ . .
مِنْ بَرَكَاتِ الْحَدِيثِ الْيَوْمَ عَنْ دَرْسٍ مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ أَنْ لَا يَظُنَّ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ إِلَّا خَيْرًا ، أَلَّا تَيْأَسَ مَهْمَا كَانَتْ الْمُعَوِّقَاتُ ، عَلِّقْ الْأَمَلَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَيْأَسْ مِنْ رُوحِ اللَّهِ ، وَلَا تَقْنَطْ مِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . .
سَيِّدُنَا أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرِضَ مَرَضًا عَجِيبًا فَرِيدًا دَامَ سَنَوَاتٍ أَقْعَدَهُ عَنْ الْحَرَكَةِ ، خَسِرَ بِسَبَبِهِ أَصْحَابُهُ ، وَهَجَرَهُ بِسَبَبِهِ أَقْرَانُهُ ، وَخَسِرَ فَوْقَ ذَلِكَ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ، كُلُّ ذَلِكَ وَأَيُّوبُ لَمْ يَيْأَسْ وَلَمْ يَقْنَطْ وَلَمْ يَفْقِدْ الْأَمَلَ أَنَّ يَوْمًا سَيَأْتِي وَيَشْفِيهِ اللَّهُ تَعَالَى . . وَقَدْ كَانَ .
{{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ} } [سورة الأنبياء] .
فَقَدْ سَيِّدُنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَدَهُ يُوسُفَ ، فَقَدَهُ لِمَا يُقَارِبُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاثِقٌ فِي انْ اللَّهَ تَعَالَى سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِ ، حَزِنَ عَلَى الْفِرَاقِ ، وَذَهَبَتْ عَيْنُهُ مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْقِدْ الْأَمَلَ {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ}
وَمَرَّتْ الْأَيَّامُ وَلَمَّ اللَّهُ الشَّمْلَ وَرَجَعَ يُوسُفُ إِلَى أَبِيهِ وَارْتَدَّ يَعْقُوبُ بَصِيرًا {{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ، قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ، فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }} [سورة يوسف] .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ : الْحَدِيثُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ يَطُولُ ، وَالْمَوَاقِفُ كَثِيرَةٌ فِي حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ، مَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَقْرَأَ ، وَنَتَدَبَّرَ ، وَنَتَفَكَّرَ ، ثُمَّ نَتَأَثَّرَ ، وَنَسْتَحْضِرَ مِثْلَ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ فِي حَيَاتِنَا وَاَيَامِنَا وَلَيَالِينَا . .
حِفْظَ قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَجْلِ هَذَا ، حُفِظَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمِ مِنْ أَجْلِ هَذَا ، حُفِظَتْ السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ مِنْ أَجْلِ هَذَا ، حَفِظَتُ سِيرَةَ وَأَيَّامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنْ نَتَحَسَّسَ خُطَاهُ وَنَأْتِيَ مَا كَانَ يَأْتِي وَنَذِرَ مَا كَانَ يَذَرُ
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا وَأَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا مِنْ النِّفَاقِ ، وَأَعْيُنَنَا مِنْ الْخِيَانَةِ ، وَأَلْسِنَتَنَا مِنْ الْكَذِبِ ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.91 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]