|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. وأخيراً أيها الأحبة الكرام: ثلة من بستان المتوكلين. تعالوا بنا لندخل هذا البستان الواسع الفسيح، لنقف أمام بعض زهراته؛ فنستنشق عبيرها، ونستمتع بأريجها، لعل الله - عز وجل - أن يرزقنا صدق التوكل عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وليس من الأدب أن أتحدث عن المتوكلين في بستانهم دون أن أبدأ بسيدهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم-. روى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذات الرقاع، فكنا إذا وجدنا شجرة ظليلة تركناها للنبي - صلى الله عليه وسلم-، فنام النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة وعلق سيفه بغصن من أغصانها، فجاء رجل مشرك فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - نائماً، ووجد سيفه معلقاً، فأخذ المشرك السيف ورفعه على وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم، وقال: من يمنعك مني الآن يا محمد؟! فنظر إليه سيد المتوكلين وقال: ((الله))، فسقط السيف من يد المشرك، فأخذ المصطفى السيف ورفعه على المشرك وقال: ((فمن يمنعك مني الآن؟)) فقال المشرك: كن خير آخذ يا محمد -يعني: يمنعني خلقك وحلمك- فقال المصطفى: ((لا، حتى تؤمن بالله ورسوله))، فقال المشرك: لا، إلا أني أعاهدك ألا أقاتلك، أو أكون مع قوم يقاتلونك، فعفا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلى سبيله، فانطلق المشرك إلى قومه ليقول: يا قوم، والله لقد جئتكم من عند خير الناس". وروى البخاري من حديث ابن عباس قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - حين ألقي في النار، وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قال له الناس: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 173-174]). ودعونا قليلاً في بيت إبراهيم، إنه علم الدنيا التوكل، فها هو إبراهيم يأخذ زوجته هاجر وولده الرضيع إسماعيل، والحديث بطوله في صحيح البخاري من حديث ابن عباس، وينطلق إبراهيم بهما من بلاد الشام -من أرض كنعان- إلى أرض مكة زادها الله تشريفاً، وعند دوحة فوق زمزم -ولم تكن عين زمزم قد تفجرت بعد، ولا بني البيت الحرام- وضع إبراهيم هاجر والرضيع إسماعيل، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاءً فيه ماء، وأراد أن ينصرف. أسألك بالله أن تتدبر، وأنا أعلم أنك سمعت هذا مراراً وتكراراً، لكن تدبره الآن في موضوع التوكل؛ لتتعرف على عظمه توكل هذه الأسرة التي علمت الدنيا حلاوة التوكل على الله. إبراهيم يترك زوجته، ويترك رضيعها، يترك ثمرة فؤاده وفلذة كبده، فهو الذي حرم من الولد ما يزيد على الثمانين عاماً، ثم يتركه في صحراء لا إنس فيها ولا ماء ولا ظلال ولا بيوت ولا أشجار ولا أنهار، ومن سافر منكم للحج والعمرة ورأى جبال مكة وصحراء مكة عرف هول المصيبة. فـهاجر تتعلق بإبراهيم وتقول: إلى من تتركنا في هذا الوادي الذي لا شيء فيه؟ فيرفع إبراهيم رأسه إلى السماء وكأنه يريد أن يسلم قلبه وبصره وعقله لله جل جلاله الذي أمره بذلك، فقالت هاجر المتوكلة: آلله أمرك بهذا؟ فأشار برأسه: أن نعم، فقالت أستاذة التوكل: إذاً لا يضيعنا الله أبداً. أعلم أنني قلتها سهلة وكذلك سمعها حضراتكم سهلة، لكن لو تدبرها بعضنا والله لطاش عقلك. هاجر لا ترى شيئاً، بل لا ترى إلا جبال سودتها حرارة الشمس، ولا ترى إلا رمالاً انعكست عليها أشعة الشمس المحرقة، فكادت الأشعة أن تذهب بالأبصار، لا ترى طعاماً.. لا ترى شراباً.. لا ترى شجرة تستظل بها.. لا ترى بيتاً.. لا ترى إنساً، وإبراهيم تركهم! وهي تقول: إذاً لا يضيعنا. وبعد قليل نفد التمر ونفد الماء! بل وجف الماء في ثديها، ورأت الأم المسكينة رضيعها يتلمظ ويتلوى، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت حرارة شمس تصهر الحديد وتذيب الحجارة، فجرت وصعدت على أقرب جبل؛ على الصفا لعلها تجد شيئاً وراء هذا الوادي، فلم تر شيئاً، فنزلت تجري إلى بطن الوادي حتى وصلت إلى المروة، ثم نظرت مرة أخرى ناحية الصفا وجرت وهكذا، تجري المرأة سبعة أشواط تحت حرارة هذه الشمس، على جبال لا يقدر الأقوياء على المشي على حجارتها، وفي المرة الأخيرة سمعت صوتاً فقالت: صه صه، كأنها تريد أن تقول: كأني أسمع صوتاً غريباً، فالتفتت ناحية الرضيع إسماعيل، فوجدت الملك -أي: جبريل- يلامس الأرض. وفي رواية الطبري بسند حسنه الحافظ ابن حجر من حديث علي في كتاب الحج من فتح الباري: نادى جبريل على هاجر وهي على المروة وقال: من أنت؟ فقالت هاجر: أنا أم ولد إبراهيم، ولم تقل: أنا هاجر، وإنما نسبت نفسها إلى إبراهيم؛ لأن إبراهيم يعرفه أهل السماء، فقال جبريل: وإلى من وكلكما إبراهيم؟ يعني إلى من ترككم في هذا المكان، فقالت هاجر: وكلنا إلى الله. فقال جبريل: وكلكما إلى كاف (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36]، وفي قراءة: (أليس الله بكاف عباده)، ثم فجر جبريل عين زمزم، تلك العين المباركة التي هي ثمرة حلوة من ثمار التوكل على الله.. التي شرب منها ملايين البشر، وما زالوا يشربون، لم يجف ماؤها، ولم تنضب عينها، ليعلم ضعاف اليقين والتوكل على رب العالمين، أن الرزق بيد الرزاق ذي القوة المتين. وهذه أم موسى، هل سمعتم في الدنيا كلها أنه يقال لأم: إن خفت على ولدك فارميه في البحر! ما هذا؟! قال الله - تعالى -: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) [القصص: 7]، أي: فإذا خفت عليه فارميه في البحر، (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) [القصص: 7]، تدبر لفظة (إنا) (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7]. وذلك أن فرعون كان يبحث عن الأولاد ويقتلهم؛ لأنه كان يعلم أن ملكه سيزول على يد أحدهم، فألقت الأم المتوكلة رضيعها في اليم وكان في تابوت، ويتهادى التابوت حتى يصل إلى قصر فرعون، ويقف التابوت، ويستخرج جند فرعون التابوت من أمام القصر الفرعوني. يا إلهي! إنه طفل، إنه هو الذي يبحث عنه فرعون بعينه، ولكن الله نجاه لا بالطائرات ولا بالدبابات، وإنما بستر رقيق لا يخطر لأحد على بال، ألا وهو ستر المحبة، فقذف الله حب موسى في قلب امرأة فرعون بمجرد أن نظرت إليه، فقالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) [القصص: 9]، والأوامر في القصور في الغالب للنساء، إذاً: لا يقتل. وأتوا بالمراضع لموسى، كلما قدموا إليه مرضعة أبى هذا الطفل المبارك أن يلتقم ثديها؛ لأن الله قد وعد أم موسى أن يرد موسى إليها، فجيء بأم موسى لتدخل قصر فرعون لتحتضن موسى ولتضم رضيعها إلى صدرها، وفرعون يجلس إلى جوارها ويأمرها أن ترضعه. أخي الكريم، أم موسى كانت بالأمس القريب تخشى على موسى من فرعون وملئه، وهي الآن ترضع موسى في قصر فرعون بأمره، إنه التوكل. ومن الجفاء أن أتحدث عن التوكل وعن المتوكلين ولا أتحدث عن سيد المتوكلين في الأمة كلها بعد نبيها، إنه الصديق أبو بكر - رضي الله عنه -، رحم الله ابن القيم إذ يقول: هذا هو أبو بكر الصديق الذي عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار، فألقى له الصديق حب الحب على روض الرضا، واستلقى الصديق على فراش الفقر آمناً مطمئناً، فرفع الطائر الحب إلى حوصلة مضاعفة وتركه هناك، ثم علا على أفنان شجرة الصدق؛ ليغرد للصديق بأغلى وأعلى فنون المدح، وهو يتلو في حقه قول ربه: (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى) [الليل: 17]. الصديق الذي حقق التوكل في أعلى مقاماته، روى الترمذي بسند صحيح من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة يوماً، فوافق ذلك مالاً كان عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً. يقول عمر: فأتيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بنصف مالي، فقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك يا عمر؟!)) قال: أبقيت لهم مثله يا رسول الله! قال: فجاء أبو بكر بكل ماله، فقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟!))، فقال: أبقيت لهم الله ورسوله". وقد يئن الحضور جميعاً من آبائنا وشبابنا ويقول الجميع: سامحك الله أيها الشيخ، تتكلم عن سادة التوكل من السلف، وأنت تعلم أننا نعيش الآن زماناً يختلف عن الزمان، ومكاناً يختلف عن المكان؟ وأنا أقول: والله لن تخلو أمة الحبيب من المتوكلين أبداً، ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك))، من أجل ذلك تعمدت أن أختم هذا اللقاء مع حضراتكم بهذه الكلمات الرقيقة، لأخت فاضلة متوكلة من أخواتنا، سجن زوجها لسبب ما -وهم من الفضلاء- ورزق الله هذه الأخت الفاضلة ببنت صغيرة وزوجها في السجن، ومرضت البنت في ليلة من الليالي، ارتفعت حرارتها ارتفاعاً كبيراً، حتى انتظرت الأم موت ابنتها. تقول: والله وأنا لا أملك إلا أن أبكي، وأرفع أكف الضراعة إلى الله، فأنا لا أملك لابنتي ثمن الدواء، فأنا أشهد الله لقد كنا نبيت بغير عشاء، تقول: جلست إلى جوارها لأضع لها الماء البارد على جبينها، وأنا أبكي وأتضرع إلى الله، وفي الساعة الثانية ليلاً سمعت الباب يدق، تقول: ففتحت الباب، فرأيت طبيباً يحمل حقيبته ويقول: السلام عليكم، قلت: وعليكم السلام، فقال: أين البنت المريضة؟ تقول: فارتجف جفني وقلت: تفضل، موجودة يا دكتور، فدخل الطبيب وكشف على البنت وكتب الدواء وخرج، فوقف خارج الباب ثم قال: أسرعي يا أخت، قالت: ماذا تريد يا دكتور؟ قال: قيمة الكشف، قالت: والله لا أملك، قال: عيب عليك، تتصلي علي الساعة الثانية ليلاً وأجيء وأكشف على البنت ثم تقولين: لا أملك شيئاً، قالت: والله ما اتصلت، وليس عندي تلفون، قال: أليس هذا بيت فلان، قالت: لا، بل هو البيت الذي بجوارنا، فبكى الطبيب وقال: ما حكايتك؟ وما قصتك؟ فوالله ما أخرجني الله إلا لك، فبكت المرأة وقصت عليه القصة، فبكى الطبيب، وعاد مسرعاً، فأحضر الدواء وأحضر العشاء، وجعل لهذه المرأة الفاضلة راتباً شهرياً حتى خرج زوجها، تقسم بالله وتقول: لما خرج الزوج كان يضيق بنا الحال، فكنت أبتسم وأقول لزوجي: اذهب وسافر فإن ربنا يرزقنا ((لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً)). اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك، اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك، اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك، اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك، اللهم ارزقنا من واسع فضلك، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك. اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً. اللهم إنا نسألك أن تذيقنا حلاوة التوكل عليك، اللهم إنا نسألك أن تذيقنا حلاوة التوكل عليك، وبرد اليقين فيك، ولذة الثقة بك يا أرحم الراحمين. اللهم اهدِ نساءنا وبناتنا، واهدِ أولادنا، وأصلح شبابنا (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74]. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، ومكن للمجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، واجعل مصر واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين، اللهم اجعل مصر سخاءً رخاءً أمناً وأماناً وجميع بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |