|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كيف تستثمر وقتك؟ الشيخ وحيد عبدالسلام بالي ... وبعدُ: هذا رجلٌ مِن عقلاء الناس، له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، وعقل يُفكِّر، لكنه يتصرف تصرفًا عجيبًا؛ إنه يمسك بيده قطعًا من الذهب الثمين، لا يقلُّ ثمن إحداها عن عشرة آلاف جنيه، ولكنه يبيع الواحدةَ بجُنَيه واحدٍ، وأحيانًا يلقيها على الأرض بلا ثمن وينطلق ويتركها! فقيل له: إن هذه الجواهر تساوي آلافًا كثيرة! فنظر إليه غير مهتم، وظلَّ يُبعثر ويُبعثر، وبعد سنوات إذا هذا الرجل بعينه أفقر ما يكون، يطلب رُبُعَ الجنيه فلا يجدُه، وهو يتحسَّر على ما أنفقه! أتدري من هذا الرجل؟ ستفاجأ إذا عرَفته، إنه أنت، نعم أنت يا مَن تُبَعْثِرُ عمرَك، وتضيع وقتك، وتفرِّط في دقائقه وثوانيه، فإذا جاء الموت تمنَّيتَ ساعةً فلم تجِدْها، كم أيامٍ قضيتَها بلا فائدةٍ! وكم سهرةٍ سهرتها بلا نفع! وكم مِن جلسة جلستَها لم تحصلْ منها حسنةً واحدةً! أيامٌ أغلى من الذهب لو عقَلتها، ولحظات أثمن مِن الجوهر لو فهِمتها، وأنفاسٌ أنفس مِن اللؤلؤ لو قدرتها، مرَّت وانقضَتْ لا يمكن إرجاعها، فكل صحيفةٍ تُطوى لا تُفتح، وكل يوم ينقضي لا يعود. يقول الحسن البصري: ما مِن يوم ينشقُّ فجره إلا ويُنادي: يا بن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملِك شهيدٌ، فاغتنمني، فإني لا أعود! نعم، الوقت أغلى مِن الذهب، فلو قيل لرجل عمره ستون سنةً: أعطِنا ما بقي مِن عمرك وخذ ملء الدنيا ذهبًا وتموت الآن، لرفض، وقال: ماذا أصنع بالمال إذا انتهى العمر وانقضى الأجل؟ دقيقةٌ من عمرك: ولأن كثيرًا من الناس لا يعرفون قيمة هذه الدقيقة أردتُ أن أُبيِّنَ لهم قيمتها: دقيقةٌ واحدةٌ تستغلُّها في الطاعة يوميًّا، كم تساوي؟! تستطيع أن تُسبِّح في الدقيقة الواحدة عشر تسبيحات، والتسبيحةُ بعشرِ حسنات تساوي مائة حسنة، فالدقيقة تُساوي مائة حسنة. الدقيقة في الشهر = 100 × 30 = 3000 حسنة. الدقيقة في السنة = 100 × 365 = 36.500 حسنة. الدقيقة في العمر لو كان 50 سنة = 36500 × 50 = 1.825.000 دقاتُ قلب المرء قائلةٌ له: ![]() إن الحياةَ دقائقٌ وثواني ![]() فارفَعْ لنفسِك بعد موتِك ذكرَها ![]() فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثاني ![]() سبب اختيار هذا الموضوع: الذي دفعني لاختيار هذا الموضوع أن الشباب يتهيَّؤون الآن لقضاء العطلة الصيفية: فمنهم مَن يُفكر في مصيف لقضاء الوقت. ومنهم مَن يُفكر في رحلة لصرف الوقت. ومنهم مَن يُفكر في وسيلة لإضاعة الوقت. ومنهم مَن يُفكر في طريقة لقتل الوقت. ولذلك جعلت عنوان هذه الخطبة: (كيف تستثمر وقتك؟). نتكلم فيها بحول الله وقوته حول خمسةِ عناصرَ: أولًا: الإنسان هو الوقت. ثانيًا: حرصُ السلف الصالح على اغتنام أوقاتهم. ثالثًا: برنامج يومي لطالب العلم. رابعًا: برنامج يومي للمسلم العادي. خامسًا: أين تقضي العطلة الصيفية؟ أولًا: الإنسان هو الوقت: الناس في هذه الدنيا مسافرون، وأول منازلهم المهدُ، وآخرُها اللحدُ، والعمرُ مسافة السفر، وسنواته مراحله، وأيامه منازله، وأنفاسه خطواته، وطاعته بضاعته، وأوقاته رأس ماله، وشهواته قُطَّاع طريقه، وربحه الفوز بلقاء الله في دار السلام، والنعيم المقيم. وخسرانه البُعْد عن الله في دار الشقاء والعذاب الأليم. فكل يوم وليلة مرحلةٌ مِن مراحل العمل، فلا يزال يَطْويها، مرحلةٌ بعد مرحلة حتى يصل إلى عتبة القبر. نَسِيرُ إلى الآجال في كلِّ لحظةٍ ![]() وأيامُنا تُطوى وهُنَّ مَراحلُ ![]() ولم أرَ مثلَ الموتِ حقًّا كأنَّه ![]() إذا ما تخطَّته الأمانيُّ باطلُ ![]() وما أقبحَ التفريطَ في زمنِ الصبا ![]() فكيف به والشيبُ للرأس شاغلُ ![]() ترحَّل مِن الدنيا بزادٍ مِن التُّقى ![]() فعمرُك أيامٌ وهنَّ قلائلُ ![]() وفي صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخُلُ المَلَكُ على النُّطفة بعدما تستقرُّ في الرَّحِم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلةً، فيقول: يا ربِّ، أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فيكتبانِ، فيقول: أي رب، أذكرٌ أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحف، فلا يزاد فيها ولا ينقص))[1]. فهل يُكتب العمر بالأعوام؟ كلا، ولا بالشهور، ولا الأيام، ولا بالدقائق ولا الساعات، إنما يُكتب بالأنفاس؛ فيكتب مثلًا: سيعيش 30 مليون نَفَسٍ، فكلما تنفست نفسًا نقص مِن عمرك جزءٌ، بقي لك عشرون نفسًا، 15 نفسًا، عشرة أنفاس، خمسة أنفاس، ثلاثة أنفاس، نَفَسٌ واحدٌ، لم يبقَ لك نفسٌ، فتموت! إنا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها ![]() وكل يومٍ مضى يدني مِن الأجلِ ![]() فاعمَلْ لنفسِك قبل الموت مجتهدًا ![]() فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ ![]() وكثيرٌ مِن الناس لا يقدِّر قيمة وقتِه، فيغبن فيه، ويضيعه بلا فائدةٍ فيخسر في الدنيا، ويندم في الآخرة. ولذلك روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ))[2]. الإنسان هو الوقت، فمَن استغلَّ وقته في الطاعات كان مِن الصالحين، ومَن قضى وقته في السيئات كان من الخاسرين، ومَن ترك وقته بلا فائدةٍ كان مِن النادمين. الأيام ثلاثةٌ: • أمس مضى لا تستطيع إرجاعه. • وغدٌ لم يأتِ لعلك لا تدركه. • ويومك فهو رأسُ مالِك فاجتهد فيه. أترجو أن تكون وأنت شيخٌ ![]() كما قد كنتَ أيامَ الشبابِ ![]() لقد خدعَتْك نفسُك، ليس ثوبٌ ![]() قديمٌ كالجديدِ من الثيابِ ![]() ثانيًا: حرص السلف على اغتنام أوقاتهم: لقد حرَص السلفُ أشدَّ الحرص على أوقاتهم أن تمرَّ بلا فائدة، أو تُنفَق في بطالة؛ لأن العبد يفاجأ بأثر الوقت يوم القيامة؛ فيقال للسعداء في الجنة: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 24]، وينادى على الأشقياء في النار: ﴿ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [غافر: 75]. لقد بلغ مِن حرص بعض السلف على الوقت ألا يجدوا وقتًا لتناول الطعام. عُبيد بن يعيش: هذا عُبيد بن يعيش - شيخ البخاري ومسلم - يقول عن نفسه: (أقمتُ ثلاثين سنةً ما أكلتُ بيدي بالليل، كانتْ أختي تلقمُني، وأنا أكتبُ الحديث)؛ انظر إلى حرصه على وقته! الخطيبُ البغدادي: كان مِن المحافظين على أوقاتهم؛ حتى إنه كان يمشي وفي يده جزءٌ يطالعه، وذلك من حفظه لوقته! الإمام سليم الرازي المتوفى سنة 447 هـ - وهو من أئمة الشافعية في زمانه - حفي عليه القلم، فإلى أن قطَّه[3] جعل يحرك شفتَيْه بذكر الله تعالى، حتى لا تمرَّ هذه الثواني بلا طاعة! فلله دَرُّه، ما أحفظه لوقته! وما أرضاه لربه! عرَفوا الله فعرَفهم، وأطاعوا الله فوفقهم، وأنابوا إليه فأرشدهم. اعمل وأنت من الدنيا على حذرٍ ![]() واعلَمْ بأنك بعد الموتِ مبعوثُ ![]() اعلَمْ بأنك ما قدَّمتَ مِن عملٍ ![]() مُحصًى عليك وما خلَّفتَ مَوروثُ ![]() إمام الحرمين الإمام الجويني: يقول عن نفسه: "أنا لا أنام ولا آكل عادةً، وإنما أنام إذا غلبني النوم ليلًا كان أو نهارًا، ولا آكل إلا إذا اشتهيت الطعام"، وكانتْ لذته ونزهته في مذاكرة العلم[4]. أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي: من مؤلفاته كتاب (الفنون) بلغ ثمانمائة مجلدٍ. يقول عن نفسه: لا يحل لي أن أضيع ساعةً مِن عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعمَلتُ فكري في حال راحتي وأنا منطرحٌ، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أُسَطِّره[5]. مجدُ الدين ابن تيمية: جد شيخ الإسلام ابن تيمية، كان حريصًا على وقته، حتى إنه كان إذا دخل الخلاء، قال لابنه: اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتَك حتى أسمع[6]، وذلك مِن حرصه على العلم، وحفظه لوقته. يقول الحسن البصري: لقد أدركتُ أقوامًا كانوا أشد حرصًا على أوقاتهم مِن حرصكم على دراهمكم ودنانيركم. محمد بن الحسن الشيباني: كان لا ينام بالليل، وكان يضع عنده دفاتر يقرأ فيها، فإذا ملَّ مِن نوعٍ نظَر في نوعٍ آخر مِن الكتب، وكان يزيل النوم عنه بالماء[7]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |