لا تصيروا امر الله فضولاً - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 809 - عددالزوار : 75082 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 32679 )           »          من أحكام سجود السهو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          فضل الدعاء وأوقات الإجابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ملخص من شرح كتاب الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 2023 )           »          من مائدة الفقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 1288 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته، ثم استنجى من تور، ثم دلك يده بالأر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          مفهوم القرآن في الاصطلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          تفسير سورة الكافرون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-11-2019, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,917
الدولة : Egypt
افتراضي لا تصيروا امر الله فضولاً

لا تصيروا امر الله فضولاً



الشيخ محمد كامل السيد رباح






عناصر الخطبة:
تمهيد:
فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولأثره على الفرد والمجتمع.
ضوابط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وختامًا.

الحمد لله رب العالمين، ونشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعدُ:
سفينة المجتمع تسير بركابها، والعواصف والأمواج من حولها، والمياه المغرقة تحيط بها، فإن ظلت السفينة متينة وركابُها متماسكين، عبرت البحر بأمان، وإن أصابها الخلل، فلن يسلم من الغرق إلا مَن رحم الله! ولكنّ ثمة أناس يحاولون خرقها، ويسعون جهدهم لإتلافها، نظروا لمصلحتهم وغفلوا عن هلاكهم وهلاك غيرهم؛ وحين يترك القوم هؤلاء يغرق الجميع، إنها سفينة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يقول ابن القيم: وأيُّ دِينٍ وأي خير فيمن يرى محارم الله تُنتهك، وحدوده تُضيَّع، ودينه يُتْرك، وسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُرغب عنها، وهو بارد القلب! ساكت اللسان! شيطانٌ أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق.

وهل بَليَّة الدِّين إلا مِن هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم، فلا مبالاة لما جرى على الدين، وخيارُهم المتحزِّن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بَذَلَ وتَبَذَّل، وجَدَّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه؛ اهـ.

اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصن الإسلام المنيع، يحجز عن الأمة الفتن وشرور المعاصي، ويحمي أهل الإسلام من نزغات الشيطان ونزغات الهوى، وهو البناء المتين الذي تتماسك به عرى الدين، يحفظ العقائد والسلوك والأخلاق، ويدرأ المحن والرذائل، أوجبه الله على عموم الرجال والنساء، في القيام به صلاح الأمم، وحفظ النعم، ووفرة الأمن، وإجابة الدعاء، وصرف كيد الأعداء، مع رفعة الدرجات والإحسان إلى الخلق.

قيل لابن مسعود: من ميت الأحياء، قال: (الذي لا ينكر منكرًا).


واستنبط الحسن - رضي الله عنه - من قوله - جل وعلا -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21]، إن في الآية دليلاً على أن الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر منزلته تلي منزلة النبيين، فلذلك ذكرهم عقبهم.

عباد الله:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من أوجب فرائض الإسلام، وشعيرة من أعظم شعائره، وقد ذكر بعض العلماء أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الركن السادس من أركان الاسلام عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، وصوم رمضان سهم، والحج سهم، والجهاد سهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهم".

وقال ابن حزم: "اتفقت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف منهم".

قال الشاعر:
فَانَى الْخَيْرُ وَالصُّلَحَاءُ ذَلُّوا
وَعَزَّ بِذُلِّهِمْ أَهْلُ السَفَاهِ

وَبَاءَ الآمِرُونَ بِكُلِّ عُرْفٍ
فَمَا عَنْ مُنْكَرٍ فِي النَّاسِ نَاهِ



وقال غيره:
لا يُدْرِكُ الْمَجْدَ إِلا مُخْلِصٌ وَرِعٌ
يُرَاقِبُ اللهَ فِي سِرٍّ وَإِعْلانِ

وَلَيْسَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لائِمَةٌ
إِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي بَيْتِ إِنْسَانِ



فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثره على الفرد والمجتمع:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الأعمال وأشرفها؛ لما فيها من المزايا العديدة والفضائل الحميدة، ولما فيه من الخير العظيم للفرد والمجتمع، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي:-
1- سبب في الخيرية:
لقد جعل الله - سبحانه وتعالى - هذه الأمة، أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير أمة أخرجت للناس، وذكر من أسباب هذه الخيرية أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه ﴾ [آل عمران: 110] ((قال مجاهد: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ اُمّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] على الشرائط المذكورة في الآية)).

والشرائط المذكورة في الآية هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، وعلى قول مجاهد: كنتم خيرَ أمةٍ إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وقيل: إنما صارت أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير أمةٍ؛ لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفْشَى، وفي هذه الآية مدح هذه الأمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتَواطَؤوا على المنكر، زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم).

وقال ابن سعدي في تفسيره: هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم، وأنهم خير الناس للناس؛ نصحًا، ومحبة للخير، ودعوة، وتعليمًا، وإرشادًا، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وجمعًا بين تكميل الخلق، والسعي في منافعهم، بحسب الإمكان، وبين تكميل النفس بالإيمان بالله، والقيام بحقوق الإيمان).

2- سبب في الفلاح:
وكما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعله الله - سبحانه - سببًا لخيرية هذه الأمة، فقد جعله أيضًا سببًا للفلاح لمن قام به؛ كما في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ﴾ [آل عمران: 104].

والفلاح مكسب عظيم للإنسان، فهو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، فلاح في الدنيا، وفلاح في الآخرة، فلاح في الدنيا بالحياة الطيبة، بما فيها من سعة الرزق، وصحة البدن، وأمن في الوطن، وصلاح في الأهل والولد، وغير ذلك الكثير من جوانب الحياة الطيبة، وفوق ذلك كله الفلاح بالآخرة بالفوز بجنة عرضها السموات والأرض، ورضوان من الله، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، ومع ذلك النجاة من العذاب الأليم، فيا له من فضل عظيم يحصل عليه الإنسان بقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات النبي - صلى الله عليه وسلم:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - التي وصف بها في الكتب المتقدمة؛ كما في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [الأعراف: 157].

وتظهر أهمية هذه الصفة إذا علمت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مدار رسالة الرسل التي بعثوا من أجلها، فهم يدعون إلى كل خير ويحذرون من كل شر، فهو زبدة الرسالة ومدار البعثة.

4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات المؤمنين:
كما سبق بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أخص صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو أيضًا أخص أوصاف أتباعه على دينه من المؤمنين؛ كما وصفهم الله - سبحانه وتعالى - بقوله: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].

وقد ورد وصف المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آيات أخر؛ منها: قوله تعالى ﴿ التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112].

وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ ﴾ [الحج: 41].

6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للنجاة من الهلاك:
إنما تهلك المجتمعات، ويحق عليها العذاب، إذا كثر فيها الفساد، وطغى العباد؛ يقول: - سبحانه -: ﴿ وإذا أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾ [الإسراء: 16]. يقول ابن كثير: سلطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكهم الله بالعذاب، وهو قوله: ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ﴾ [الأنعام: 123]، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والربيع بن أنس.

ولا يكثر الخبث في مجتمع من المجتمعات إلا إذا قل فيه أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولقد أشار الله - سبحانه وتعالى - في محكم كتابه إلى طائفة فيما مضى من الزمان، كان سبب نجاتها هو النهي عن الفساد في الأرض حين قال - سبحانه -: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 116، 117].

6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المكفرات:
من فضل الله - سبحانه وتعالى - على عباده أن جعل لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سببًا لتكفير الذنوب؛ كالصلاة، والصوم، والحج، ونحوها، ومن هذه المكفرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما في الصحيحين من حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا، قَالَ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، وَكَيْفَ؟ قَالَ: قَالَ قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَالَ عُمَرُ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ:أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ)).

7- أنه يزيد في الإيمان:
من المعلوم في مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد بين الإمام النووي في تبويبه لصحيح الإمام مسلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يزيد به الإيمان حين قال: ((باب كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان))، ثم ساق بعده حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)).

ووجه كونه سببًا في زيادة الإيمان، أنه أحد شُعب الإيمان، ثم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الذي يبتغي بذلك وجه الله - سبحانه وتعالى - سيحاسب نفسه على ما يأمر به، وما ينهى عنه خوفًا من الوعيد الشديد الذي جاء في حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يقول يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون أي فلان، ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه).

فيكون بهذا من المسارعين إلى ما يأمر الناس به، ومن المبتعدين عن ما ينهاهم عنه، فيحصل به من زيادة الإيمان الخير الكثير.

9- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجاة من إثم القول:
إن اشتغال الإنسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوق ما يكسبه من الأجر الكثير والثواب الجزيل، فإنه يكون سببًا في سلامته من إثم القول، ومن عثرات اللسان، وقد قال المولى - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114].

كما أخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أن كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حين قال: ((كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر الله عز وجل)).

القيام بعبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصنع شخصية مؤمنة مؤثِّرة نافعة مُصلحة، ذات عزيمة تحلِّق فوق هاماتِ الشموخ؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].

ولن نكون من المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم حتى نتصف بصفة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 111-112].

ضوابط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
1- لا إنكار في مسائل الخلاف لا بد من أن يكون المنكر الذي يُنهى عنه والمعروف الذي يُؤمر به مما لا خلاف في كونه معروفًا أو منكرًا عند جميع العلماء أو بالنصوص الشرعية، قال سفيان الثوري: "لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى".

2- أن يكون الأمر والناهي قدوة لغيره، فالله - عز وجل = يقول: ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 112]، فوصف سبحانه من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتوبة إلى الله والعمل الصالح بمختلف أنواعه وبحفظ حدود الله، وبذلك يكون نصحه مقبولاً وزجره محترمًا.

3- مراعاة المصالح والمفاسد:
كان شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يُفتي بعدم الإنكار على التتار لشربهم الخمر؛ لأنهم إذا أفاقوا واستقامت لهم عقولهم التفتوا إلى المسلمين يقتلون ويفسدون، ومما يحتاجه كل قائم بالأمر بالمعروف أن يبدأ بأولى المنكرات بالإنكار، وليس من الحكمة أن ينكر أمرًا، وثمة غيره مما هو أشد منه وأشنع، وتأمل في حال الرسول الكريم، فقد جاء بالنبوة والناس واقعون في الزنا، والِغون في الخمر، يئدون البنات، ويأكلون الميتات، فانصب جهدُه على النهي عن الشرك؛ إذ هو أشنع الأمور، وعرَّج على غيره من الأمور؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "إنما أوجب على الأمة إنكار المنكر؛ ليحصل به المعروف الذي يحبه الله ورسوله، ولكن إذا أفضى إنكار المنكر إلى حدوث آخر شر منه، لم يجز.

4- اتباع الأسلوب اللطيف وَعَلَيْنَا - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - أَنْ نَكُونَ رَفِيقِينَ فِي أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا وَأَنْ نَخْتَارَ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ، وَالأُسْلُوبَ الأَمْثَلَ، وَالطَّرِيقَةَ الْحَكِيمَةَ، فـ"إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمر كُلِّهِ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ"، و"مَا جُعِلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ".

5- والصبرُ سلاحٌ لا ينفك عنه الأمر والناهي، فلا بد أن يناله من أذى الناس وسخريتهم وصدودهم ما يحتاج معه إلى صبر يوطّنه على مواصلة الطريق، محتسباً أجره على الله. ومن وصايا لقمان لابنه: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].

قال العارفون: من وطَّن نفسه على الأذى، وأيقن بثواب الله لم يجد مسَّ الأذى، وحسبك بتوجيه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - معلمًا: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127].

وختامًا:
عباد الله، وبالجملة؛ فالآمِر ينبغي أن يكون طبيبًا ماهرًا، يوازن بين الأمور في حال الإنكار أو السكوت، وكان العلماءُ يوازون بين سوء الأسلوب في الأمر والنهي، وبين السكوت على المنكرات، وينهون عن كليهما.

يقول أحدُهم:
فإيذاء المسلمِ محذورٌ، كما أن تقريره على المنكر محذور، وليس من العقلاء من يغسل الدم بالدم أو البول، ومن اجتنب محذور السكوتِ على المنكر، واستبدل عنه محذور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه، فقد غسل الدم بالبول على التحقيق.

وبالجملة؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان للأفراد والمجتمعات؛ كما قال سفيان - رحمه الله -: "إذا أمرتَ بالمعروف شدَدْتَ ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر، أرغمت أنف المنافق"، وإن ترك هذه الشعيرة ضياع للأفراد والمجتمعات.

وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمر أن الله أوحى إلى يوشع بن نون - عليه السلام - أني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم، وستين ألفًا من شرارهم، قال: يا رب! هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟! قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم.

وقد علم المنصفون تفوق الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سائر الأنظمة البشرية؛ إذ لا يوجد في النُّظم التي ابتكرها الإنسانُ لرعاية القوانين والدساتير نظامًا يصل إلى فكرةِ الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر كمبدأ تربوي جاد، ومدرسةٍ تعليمية تتيحُ لأكبر قاعدةٍ في الأمة أن تعرف ما لا بد من معرفته من الحرام والحلال، والواجب والمسنون، ونحوها، في وقتٍ قصير، وبلا نفقات، وبطريقة مستمرة، وشاملة.

نفعني الله وإياكم بهدى كتابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.23 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]