استعد من الآن (1) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قصَّة موسى في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 9 )           »          نظرات نفسية في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 1179 )           »          طريقة عمل البطاطس المحشية باللحمة المفرومة.. سهلة وبتشبع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          4 خطوات لتنفيذ المكياج التركى موضة 2025.. هتبقى شبه "توركان سوراى" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          طريقة عمل كيك الحرنكش.. مشبعة وطعمها حلو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          نباتات وزهور يمكن وضعها في مطبخك للتخلص من الروائح المزعجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          لو خلص ومش عارفة تعملى إيه.. 6 خطوات لعمل الفاونديشن في البيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          6 نصائح لحماية الطفل من الاعتداء البدنى والتحرش (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          مكياج ثابت في وجه العاصفة.. 10حيل للحفاظ على جمالك رغم تقلبات الطقس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          7 أنواع كيك لذيذة مثالية للفطار.. من الجزر للزبادى والفواكه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-05-2020, 11:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,173
الدولة : Egypt
افتراضي استعد من الآن (1)

استعد من الآن (1)
الشيخ د. عادل بن أحمد باناعمة


عناصر الخطبة
1/ كيفية الاستعداد مبكرًا لقدوم رمضان
2/ خصائص شهر شعبان
3/ أهم الأعمال المستحبة في شهر شعبان
4/ ذم البدع والمحدثات
5/ أهمية العبادة في أوقات الغفلة
6/ وسائل الاستعداد لاستقبال رمضان.


الخطبة الأولى:


الحمد لله...

منذُ أسابيع تحدثتُ عن الحياةِ الطيبةِ.. وأشرتُ إلى قول أبي بكر البلخيّ: "إنَّ شهر رجبٍ هو بمثابةِ البذرِ، وشهر شعبان هو بمثابةِ سقي الزرع، وأن شهر رمضان هو شهر الحصادِ".

وقد تعلَّقَ بهذه الكلمةِ رجلٌ طيبٌ من أهل مسجدنا أحسبُهُ من الصالحين، فجاءَ متهللاً وقال: جزاك الله خيراً، بإذن الله أبذرُ البذرَ، فلما كانت الجمعةُ الماضيةُ جاءَ وهو على ذُكرٍ من تلك الكلمةِ وقال ما معناهُ: قد بذرتُ قدر جهدي، وأنتظر شعبانَ للسَّقْيِ.


وها قد دنا شعبانُ.. حيث تتمايزُ المراتبُ ويتباين اهتمام الناس بسقي ما زرعوا من صالحاتٍ.

ومن طريف ما أشارت إليه معاجم اللغة أن "الشَّعبَ" في اللغة يطلق على الافتراق والاجتماع معاً! وعلى الإصلاح والإفساد معاً!

يقالُ: شَعَبَ الرجلُ أمره إذا فرّقه تفريقاً، ويقال إذا جمع أمره: شعبه أيضاً! وإذا كسر الرجل الآنية قيل: شعبها، وإذا أصلحها قيل شعبها! فالكسرُ شَعبٌ والإصلاح كذلك شَعبٌ! (التاج 2/113).

قال الخليل -رحمه الله-: من عجائب الكلامِ ووُسعِ العربيّةِ أنّ الشّعب يكون تفرُّقاً ويكون اجتماعاً! (مقاييس اللغة 3/191).

وقد حضرتْني هذه الدلالات والمعاني وأنا أتفكّر في شأن شعبانَ وأعدُّ العدّة لكلمة تبيّن فضله وتحثّ على اغتنامه. فقلت: سبحان الله... إنّ رمضان هو مصبُّ نهر العبادات، وملتقى ضروب الطاعاتِ وإنّ شعبان قبله هو فرصة التجميع أو التفريق!

نعم... فالمسلم في شعبان أحد رجلين: إما رجلٌ يشتغل بجمع ما تفرّق من همته، ولمّ ما تشعّث من شمل فكره، ليجعل ذلك كلّه في طريق واحد هو طريق العبادة، فإذا جاءه رمضان، كان شمله مجتمعاً، وفكره ملتئماً، وهمته مركّزة. فهو بذلك يصلح من نفسه ليصلح له شهر الصوم.

وإما رجل لا يزداد في شعبانَ إلا تشعّباً وتفرّقا في أودية الدنيا، فهو ينتقل من وادٍ إلى وادٍ، ويخرج له من كل شغلٍ شغلين، فإذا جاءه رمضان لم يجد عنده همّة للطاعة مجتمعة، ولا عزيمةً للبرّ متحمّسة. وهو بذلك يفسد من نفسه فيفسد عليه شهر الصوم.

هكذا هو حال الناس في شعبان.. وكأن الله أراد أن يجعل لاسم هذا الشهر نصيباً من واقع الناس فيه! وأنتَ إذا تأمّلت في السرِّ الذي يجعل الناس إزاء هذا الشهر فريقين وجدت أنّ مردّه إلى إدراك حقيقة قيمة هذا الشهر ومنزلتِهِ، إدراكا بالعقل والقلب معاً.

إن النفوس تجتمع وتتفق على إدراك واستشعار فضيلة رمضان فمن ثمَّ هي تجتهد فيه وتسعى للفضائل.. ولكنها من جهة إدراك فضيلة شعبان تتفاوت.. فينبني على ذلك تفاوت عملها واجتهادها فيه.

دعوني أقف مع نفسي ومعكم وقفة صريحة... ولنجبْ على هذه الأسئلة، معطين أنفسنا درجة من عشرة على كل سؤال:
- كيف محافظتنا على الصلوات في جماعةٍ مع التبكير إليها؟
- كيف التزامنا بالورد القرآنيّ اليوميّ؟
- كيف تعاهدنا لقلوبنا وتطهيرنا لها من الغش والحسد والغل والرياء والنفاق؟
- كيف صيانتنا لأبصارنا وأسماعنا عمّا حرم الله من الصور والأصوات؟
- كيف قيامنا بحقوق الناس وأداؤنا لما لهم علينا؟ ولا سيما الوالدان والأقربون؟
- كيف هي قلوبنا عند الصلاة والذكر وقراءة القرآن؟
- كيف هو أنسنا بمجالس الذكر والخلوة بمناجاة الله عز وجل؟
- كيف دعاؤنا لله؟ ما مقداره؟ وما مقدار الخشوع والسكينة فيه؟

- كيف بكاؤنا من خشية الله؟
- كيف حرصنا على النوافل من قيام ليلٍ وصدقةٍ وصيامٍ وغير ذلك؟
حسناً.. هذه عشرة أسئلة في عشر درجات.. يكون المجموع مئةً.. فكم هي درجة أحدنا؟
هل تؤهلك هذه الدرجة للنجاح؟

هل معدّلك يسمح لك بدخول جامعة رمضان؟ وعند هذا السؤال ينبغي أن نقف.. نعم.. هل نحن مؤهلون لدخول جامعة رمضان؟ صحيح أنّ أحداً من الناس لن يردّ عن الدخول إلا من مات.. ولكن الدخول شيء والتأهل له ثم للنجاح في نهاية المطاف شيء آخر! وإذا كنّا غير مؤهلين فماذا نفعل؟

هنا.. أقف مع نفسي ومعك أيها الأخ وأقول لك: إذا كنت غير مؤهل ولا مستعدّ.. فإنّ دروس التقويةِ قد بدأت أوّلَ من أمس..

نعم.. فقبل يومين استقبلنا غرّة شعبان.. وفي شعبانَ يقبلُ الجادّون على ما تشعّث من أمرهم فيلمّونه، ويهتمون بما فسد من شأن عبادتهم فيصلحونه، ويكرّون على قلوبهم صقلاً وتنظيفاً وتطهيراً لتستقبل رمضان وهي في خير أحوالها.

قال أبو بكر البلخي: "مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان"؟!

وإذا كان ذلك كذلك فإنَّه لابدّ لكل واعظٍ من التّنبيه على فضيلة شعبانَ وإن كان الحديثُ في ذلك مكرّراً، فإنّ من المعاني ما لا يخلق عن كثرةِ الرّدِّ، وإنّ منها ما ينبغي أن تقرع به القلوب حيناً بعد حين.

إن شعبان مقدمة لرمضان، فاكتسب فضلاً من هذه الجهة، والعلماء يقولون: إن لكل عبادة مفروضة مقدمة ومؤخرة، فالتقدمة يستعد بها لها، والمؤخرة يرقع بها ما حصل في العبادة من خروق.

ثم إن شهر شعبان شهر تكثر فيه الغفلة وذلك لبعده عن مواسم الخيرات، إذ إن آخر عهد الناس بأزمنة البركة عشر المحرم، فيكون الذي يعبد الله في زمن الغفلة هذا أعظم أجراً، وفي الحديث الذي رواه أسامة بن زيد يقول -صلى الله عليه وسلم- عن شعبان: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" (أخرجه أحمد والنسائي بسند حسن، الترغيب 1511).

"يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه".

وفي إحياء الوقت المغفول عنه فوائد: منها أنه يكون أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، ومنها أنه أشق على النفوس لقلة الموافقين، ومنها أن المنفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس فكأنه يحميهم ويدفع عنهم. (لطائف 283-287).

وهكذا أيها الإخوة يكون العابد المجد في هذا الشهر قد حاز فضيلتين: حسن الاستعداد لرمضان، والذكر زمن الغفلة.

ولعلك أن تقول: وما عساي فاعلا؟ فأقول لك: اعلم أن كل عبادة متأكدة في رمضان فإنه يحسن بك أن تكثر منها في شعبان استعدادا وتهيؤا.. ومن هذه العبادات:

1- الصوم: وهو من أعظم ما يفعل في هذا الشهر. قال ابن رجب -رحمه الله-: قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. (لطائف المعارف 289).

تقول عائشة -رضي الله عنها-: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر منه صياما في شعبان. (البخاري 1969).

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله وكان يقول خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا. (البخاري 1970).

قال ابن المبارك: هو جائز في كلام العرب إذا صام أثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله ويقال قام فلان ليله أجمع ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره. (الترمذي حديث رقم 736).

ويؤيد قول ابن المبارك رواية أخرى للحديث عند مسلم تقول فيها عائشة رضي الله عنها: كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا (مسلم 1156).

وتقول عائشة رضي الله عنها: كان أحب الشهور إليه أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان. (ابن خزيمة - صحيح الجامع 4628).

وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا بقي عليه بقيّة من صيام تطوّع لم يصمها قضاها في شعبان حتى يستكمل نافلته قبل الفريضة.

وعلى هذا يسن صيام هذا الشهر، ويتأكد صوم الأيام المستحبة في غيره كالاثنين والخميس والأيام البيض. ويستحب أن يعم بالصيام أول الشهر وأوسطه وآخره.

وأما حديث أبي هريرة "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان" (رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والدارمي وصححه الألباني في صحيح الجامع397).

فيجاب عنه من ثلاثة وجوه:
الأول: أن جهابذة من أهل الفن قد ضعفوا هذا الحديث كالإمام أحمد وابن مهدي وابن معين وابن المديني وأبي زرعة والأثرم وعدوه من الأحاديث المنكرة، بل قال أحمد: لم يرو العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنكر من هذا الحديث، وقال الأثرم الأحاديث كلها تخالفه، وقال ابن رجب: أكثر العلماء على أنه لا يعمل بهذا الحديث.

والثاني: أنه منسوخ، ذكره الطحاوي (لطائف 292).
والثالث: أن يجمع بين الأحاديث بأن يقال: إن أحاديث الصوم تدل على صوم نصفه الثاني مع ما قبله، وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني، وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف لا العادة ولا مضافا إلى ما قبله. (انظر عون المعبود 6/461 حاشية ابن القيم).

قال الترمذي -رحمه الله-: ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرا فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان (انظر كلامه عند الحديث رقم 738).

لكن على المسلم ألا يتعمد صيام آخر يومين من شعبان مالم تكن عادة لأن تخصيصهما قد يوهم الزيادة في رمضان، وفي الصحيحين "لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصم".

وللنهي عن تقدم صوم رمضان بصوم يوم أو يومين عدة حكم منها: الاحتياط لرمضان لئلا يزاد فيه ما ليس منه، ومنها الفصل بين صيام الفرض والنفل لأن جنس الفصل بين النوافل والفرائض مشروع ولهذا نهي النبي أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام ولهذا شُرع للمصلي أن يغير مكانه إذا قام للنفل، ومنها التقوي على صيام رمضان فإن مواصلة الصوم قد تضعف عن صيام الفرض (لطائف 307-309).

ويجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه شيء من رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ولا يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة ( مثل العذر المستمر بين الرمضانين )، ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو قول مالك والشافعي وأحمد.


الخطبة الثانية:


الحمد لله...

ومن الأعمال التي يمكن للمؤمن أن يعملها في شعبان:
2- قراءة القرآن، ذكر الله تعالى، قيام الليل، الصدقة. وغير ذلك مما هو مشروع في رمضان.

أما ليلة النصف من شعبان / فقد وردت فيها عدة أحاديث منها:
1- "يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" رواه ابن حبان في صحيحه وابن أبي عاصم في السنة وقال الألباني (الصحيحة 3/135): حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا. وصححه بعضهم بشواهده وضعفه البعض، قال ابن العربي: ليس في ليلة النصف من شعبان حديثٌ يساوي سماعه.

2- ومنها "إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه" (البيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 771).

وأصلُ ثبوت الفضيلة لليلة ما لا يعني بالضرورة.
وكان لبعض السلف اجتهاد في إحياء هذه الليلة، فكان خالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، بل كانوا يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المساجد ليلتهم تلك، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية (لطائف 295). وذهب طائفة من أهل الشام إلى أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه وهذا قول الأوزاعي -رحمه الله-، وقد أنكر ذلك عليهم أكثر علماء الحجاز ومنهم عطاء وابن أبي مليكة، وقال فقهاء المدينة وعلى رأسهم أصحاب مالك: هذا كله بدعة.

قال الحافظ العراقي: "حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله وكذب عليه، وقال الإمام النووي في كتاب: (المجموع): "الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء، ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان".

ولعلّ أعد الأقوال في هذا السياقِ أن يقال: إن الموقف من ليلة النصف من شعبان على ثلاث مراتب:
المرتبةُ الأولى: تخصيصها بصلاة "الألفية" وهي الصلاة التي تكون في مئة ركعة تقرأ في كل ركعة منها سورة الإخلاص عشر مراتٍ، فهذه ألف مرةٍ. وهذه الصلاة بهذه الكيفية المحددة بدعةٌ غير مشروعةٍ. والحديث الوارد فيها ينزل عن درجة الضعف إلى درجة الوضع. قال أبو الخطاب: "وقد روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان أحاديث موضوعة وواحدًا مقطوعًا، وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم".

وقال العلامة الشوكاني في: (الفوائد المجموعة) ما نصه: "حديث: "يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة" موضوع، وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه، ورجاله مجهولون، وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل.

وقال: وقد رويت صلاة هذه الليلة- أعني: ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه إلى البقيع، ونزول الرب ليلة النصف إلي سماء الدنيا، وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم بني كلب، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة.

المرتبة الثانيةُ: إحياء ليلة النصف من شعبان بالتعبّد والصلاة المطلقة في المساجد جماعةً وإظهارُ ذلك.

وهذا أيضاً ترجح عدم مشروعيته وإنْ قال به بعض الأئمة رحمهم الله، لأنّ فيه تشبيها لما لم يشرعْ بما شرعَ من قيام رمضان. قال ابن الصلاح: "اتخاذ الناس لها - أي ليلة النصف من شعبان - موسمًا وشعارًا بدعة منكرة".

وقال ابن تيمية: "وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف من الاجتماع العام للصلاة الألفية في المساجد الجامعة ومساجد الأحياء والدور والأسواق فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد وقدر من القراءة مكروه لم يشرع... ولو سوغ أن كل ليلة لها نوع فضل تخصّ بصلاة مبتدعة يجتمع لها لكان يفعل مثل هذه الصلاة أو أزيد أو أنقص ليلتي العيدين وليلة عرفة".

المرتبة الثالثةُ: أن يحيي الرجلُ هذه الليلة منفرداً أو مع جماعةٍ من خاصتِهِ.

وهذه المرتبة الثالثة تنازعت فيها كلمة الأئمة.. فذهب إلى مشروعية ذلك الإمام الأوزاعيُّ وابن الصلاح، وهو مذهب الحنفية وظاهر كلام الإمام الشافعيّ وذلك أخذا بعموم الأحاديث التي تروى في فضل هذه الليلة.

وأنكر جواز ذلك طائفة من علماء الحجاز كابن أبي مليكة وغيره. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من علماء المدينة: لم أدرك أحداً من مشايخنا يفعل ذلك. وحجتهم أنه لم يثبت شيء في هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِهِ. وهذا هو اختيار الشيخ ابن باز -رحمه الله- الذي انتصر له في غير ما موطن.

وبعد هذا البيان يظهر لك أيها الأخُ أنه لا يشرع بحالٍ في هذه الليلة صلاةُ الألفية، وأما الاجتهاد العبادي المنفرد أو مع خاصة الأقربين فالأمر فيه سائغٌ على ما رأيت من الخلافِ ولا يصح فيه الإنكار على من فعل أو ترك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما ليلة النصف فقد روي في فضلها أحاديث وآثار، ونقل عن طائفة من السلف أنهم كانوا يصلون فيها، فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدَّمه فيه سلف، وله فيه حجة، فلا يُنكر مثل هذا ".

وقال -رحمه الله-: إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده أو في جماعة خاصة كما كان يفعل طوائف من السلف فهو أحسن. وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة. كالاجتماع على مائة ركعة بقراءة ألف: "قل هو الله أحد" دائما. فهذا بدعة لم يستحبها أحد من الأئمة. والله أعلم.

ولعلّ من أول الأمور في هذه الليلة اجتناب ما يمنع فضلها وهو - كما جاء في الحديث - الشرك والشحناء، فالله لا يغفر ليلتها لمشرك ولا لمشاحن، فليكن احتفاؤنا بهذه الليلة من هذه الجهة أن نتفقد أنفسنا من الشرك الأصغر والأكبر، وأن نطهر قلوبنا من الشحناء.

وليس يفوتني أن أشير في آخر الحديث إلى ظاهرة عجيبة تشيع في مجتمعاتنا، وهي انطلاق الشباب في شهر شعبان في لهوهم وغفلتهم من مباح ومحرم بحجة أنهم ينفسون عن رغباتهم وشهواتهم في شعبان احتراما لشهر رمضان! وهم يسمون هذه الظاهرة "الشعبنة"!

ولا إشكال أبداً لو انطلق الإنسان فيما يُباحُ - مع أن الأولى به أن يتهيأ بالعبادة كما سبق -، ولكن قد بلغني من بعض إخواننا المحتسبين أنّ الأمر يتجاوز ذلك إلى شرب الخمر والزّنا!! فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وأحب أن يعلم الإخوة أن هذه الشعبنة موجودة من قديم، وقد ذمَّ الإمام ابن رجب أصحابها في كتابه البارع (لطائف المعارف 310) حيث قال: ولربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام!

وذكروا أن أصل ذلك متلقى من النصارى فإنهم يفعلونه عند قرب صيامهم، وهذا كله خطأ وجهل ممن ظنه، وربما لم يقتصر بعضهم على اغتنام الشهوات المباحة بل يتعدى إلى المحرمات، وهذا هو الخسران المبين.. وقد أنشد بعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولت *** فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار *** فإن الوقت ضاق عن الصغار
. اهـ.

وبعد... وبعد أيها الأخ العزيز:
فإني أعظ نفسي وإياك … وأقول لك: الله الله في هذه الأيام أن تتفلت من بين يديك.. وقد عرفت فالزم.. عبد نور الله قلبه بالإيمان.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.75 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]