|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() فن الجدليات عمار سليمان الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّد المرسلين وعلى آله الطاهرين، وعلى صحْبه الغُرِّ المحجَّلين. كثير ما تمرُّ في حياتنا تناقُضات تحيِّر الفِكر، وتَعمر بخَباياها العقل، فالفاحص لهذه الخبرات والتجارب التي تمرُّ به، يأخذ العِبرة والعِظة، والحِكمة والنور من بساتين المعرفة والعلوم، فيَنعم ويتلذَّذ بما يراه غير شقاءٍ له، ويرتفع بما ينظر له الآخر على أنه مَنقصة له، فالناظر الثاقب للأمور ينظر إلى العواقب والتَّبِعات، وهنا أرْشُف بعض الكلمات في فن الجدليَّات. والجدلية هنا أقصد بها من ناحية أن قيام المفهوم واستواء معناه، لا يكتسب حُلَّته إلاَّ بنقيضه وضده، ودون هذا يَتِيه المعنى ويَبتعد عن أصْله. جدلية العلم والجهل: لَمَّا كان العلم هو نِبراس الأمم، ومُقيم حضارتها، ومَنبع ثقافتها، كان لا بدَّ من أن نَلتفت له بجدليَّتنا، فهو ما اعْتنى به الأمراء والفقراء، وهنا ليكتمل معنا العلم لا بدَّ من النظر إلى نقيضه؛ ليستوي معناه ويستقيم؛ فالجهل ليس شرًّا كلَّه، بل هو مُبيِّن للإنسان ضرورةأن يدفعَ نفسه؛ لتتعلَّمَ ولتتحصَّل على العلم والمعرفة، فالجهل بالأمر ليس عيبًا في حد ذاته، لكنَّ التمادي في الجهل جهْلٌ مركَّب، ومصيبة عظيمة، ولَمَّا كان الجهل هو مَن يُبيِّن أثَر العلم وفضْله، وجَب النظر إليه من باب الدافع والحافز؛ للتخلُّص من مَنقصته التي بها يرى الإنسان نفسه متأخِّرًا عن أقرانه، فيدفع نفسه للعلم والجُهد بالاشتغال به، والتنعُّم في بساتينه ورَياحينه. جدليَّة الألَم واللذة: فالألَم فعْلٌ لكلِّ موجِع، ولولاه لَمَا استقام معنى اللذَّة، فالشُّعور باللذة هو في الأصل دفْعٌ للألَم، فلذَّة الطعام لدفْع ألَم الجوع، ولذَّة الشرب لدفْع ألَم العطش، وكذا اللذات هي دفْع للمنغصات، وبالألم يستقيم الشعور بنقيضه، فمن دونه، يفقِد الآخر طبيعته وفرحته. جدليَّة النقد والبناء: فُرَص تتناثر من أفواه أحبابك، ولا تُلقي لها بالاً، ولا تكلِّف النفس في التمعُّن في دُرَر مَن هو حريص عليك، وبذْل نُصحه بين جَنبيك، ولَمَّا كان الصديق والأخ الإيماني حريصًا على أخيه، كان لا بدَّ له من توجيه وتقويم الخطأ فيه - إن وجَده، وهذا مدخل للنقْد، فكثير منَّا يرى النقد من باب التنقُّص من الذات، ولو نظرنا إلى نقيض النقد ألا وهو البناء - "فالنقد هدْمٌ لسلوك أو فكرة، وعكْسه بناءٌ لها وثناءٌ عليها" - لوجدْنا فُرَصًا لتطوير أنفسنا وذَواتنا ومجتمعاتنا، فالنقد البنَّاء - وهو من المفهوم الذي اكتسَب أصْلَه من ضده - يكون مِعْوَلَ بِناء للمُجتمعات، فليس تجربة بشريَّة مجرَّدة من الكمال، لا تحتاج إلى نقْدٍ وتفكيك، وبناءٍ من جديد؛ لتَبني مجدًا تليدًا من تاريخ مَجيد واصل كالذهب والثريد. إفادة من جدليَّتنا الثلاث: لولا الألَم، لَمَا استقام للذَّة أصلٌ. ولولا الجهل، لَمَا اتَّضح للعلم فضلٌ. ولولا النقد، لكان الفكر ضحْلاً.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |