|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شعور البدء والإنهاء (1) أحمد مقرم النهدي هذا الشعور لا بدَّ أن يلازم كلَّ إنسان على وجه الأرض، ولا يخلو وجه مِن أوجه الحياة وجوانبها، وظروفها وأحوالها من ملازمته لنا؛ فهناك بدايات جزئية مكرَّرة دائمًا كبدايات كل يوم بمطلع الفجر، وبدايات كل يومِ عملٍ بدوام الحضور، وبدايات الأسابيع والأشهر، وبدايات دخول البيت، والخروج منه، وبدايات القراءة والكتابة والبرنامج الرياضي اليومي، وغيرها من الأمور الكثيرة، وهناك البدايات الكبرى كبداية العام الدراسي، وبداية المشاريع التجارية المختلفة، وهلم جرًّا. وهذا الأمر يُطلَق عليه في اللغة (الشروع)، وشُروعنا في الأمور على مُختلف أنواعها له اعتباراتٌ يجب أن تُراعى وتؤخَذ في البال، ومنها ما يُراعى تلقائيًّا، ومنها ما قد يَغفُل عنه الإنسانُ أو يجهله: • التسمية وذكْر الله تعالى والتوكل عليه: وذلك بَركةُ كل عمل، والإقدام على الأعمال يكون بعد فهمها واستيعابها، ولو بحصول قدْر جيِّد مِن الشعور بالقدرة على أدائهاوإنجازها، وبذلك يكون التوكُّل عند البدء فيها. • مناسبة وقتِه وأولويته: كما هو معروف في مربَّع الأعمال الشائع، فالبداية طبعًا بالعاجل المهمِّ، ويليه العاجل غير المهمِّ، وأفضل المربعات غير العاجل المهم، وما أكثرَه وما أهمَّه في حياتنا، وهو باختصار عُنوان الحصافة، ومنطلق الإعداد لما سيواجهك حتمًا من ظروف الحياة وأولوياتها، وقد قيل: (اجعل قوسك مهيَّأة؛ ولكن أجِّل إطلاق السهم)، وأخيرًا المربع غير العاجل وغير المهم. والغرض من ذلك عدمُ الندم والتحسُّر وقت اللحظة الحاسمة، والتي كان يمكن قبلها أفضل مما كان، فكل ما يمكن أن تطبق فيه هذه القاعدة (كان بالإمكان أفضل مما كان)، فاشرع فيه فورًا ونفِّذه. • معرفته وتصوُّره: وذلك من أجْل البدء فيه على رويَّة ودراية، ويدخل في هذه الدائرة بداية أخرى قبل الشروع في العمل، وهي بداية فهم العمل وتصوُّر خطوات تنفيذه، سواء ممن يشرحه ويوضِّحه، أو من الآليات الموجودة في شرح طريقة التعامل معه، وهي أهم البدايات على الإطلاق؛ إذ بها يكون النجاح في أداء العمل، والإنتاجية فيه، والاستمرار في أدائه. • أثناء العمل تُلازِمنا عدَّة أنواع من المشاعر الإيجابية أو السلبية: كشعور الفتور أو عدم الإكمال، وهذا هو البتْر الذي تعاني منه أعمالُنا؛ نظرًا لكثرة ما في الذهْن من أشغال نودُّ أن نُنجزها، فنَنتقِل إليها لشعور وهميٍّ بأنها أهم من العمل الذي نقوم به، أو أنه قد حان وقتُها وقد أخَّرناها كثيرًا، ولو تصوَّرنا أهمية أي عمل نحن فيه الآن، لما انتقلْنا إلى آخَر إلا بعد إنهائه؛ فالعمل الحالُّ في القائمة الآن ذو أهمية قُصوى في زيادة الخبرة والفهم والمعرفة، ولا يقل أهميةً عن اللاحق، وقد تُستثنى هذه القاعدة إذا ما كان الانتقال إلى أمر طارئ مؤقَّتٍ وعاجل لا يحتمل التأجيل، فانتقل إليه على نية العود إلى السابق، وهذا يقدِّره الإنسان حسب ظروف عمله وحياته، أويمكن أن تُستثنى هذه القاعدة أيضًا إذا كان العمل السابق له وقت مخصَّص في الأسبوع، شريطة الالتزام به وإتمامه. • ومما يَعترينا أثناء أداء الأعمال تتابُعُ التوجيهات والنصائح من الآخرين، فتسمع من يُخبرك بأن ما تقوم به ليس الأفضل، أو هناك ما هو أولى منه وأوفر وقتًا، وهذا صحيح وموجود فعلاً، ولكن لا ينبغي قطع العمل بناءً على هذا التوجيه العاجل؛ فكلٌّ له طريقته في التفكير،وربما نصحك بناءً عليها، ولا سيما إن كان التوجيه مِن قَرين ليس له خِبرة في المجال، فاعتمد طريقتكَ في التَّفكير إن كنت مقتنعًا بما تفعل، والْزم الاستمرار فيه ولو أخذ وقتًا طويلاً، وكَون الإنسان أضاع وقتًا في عملٍ ما فهذا يعدُّ مِن الخبرات التي اكتسبها في الحياة، ولا بدَّ أن يبدأ الواحد منا بداياتٍ غيرَ سليمة من ناحية خبراته القاصرة، وهذا ما يُشعرك بلذَّة العمل تلو العمل؛ حتى يكون لديك إلمام بأفضل آليات أدائه بعد زمن، ولن تأتي الخبرات هكذا من قراءة كتب أو حضور دورات متعدِّدة؛ بل لا بد من المُعايشة، ومما يُذكر في ذلك أن أحد الخبراء اليابانيين سُئل عن سداده وتوفيقه في أعمال كثيرة أوصلته إلى ما هو فيه من مركز مرموق، فقال في إجابة مُقتضبة: بالخبرة، ثم سئل: كيف حصلت على الخبرة؟ فقال: بالقرارات الصائبة، ثم سئل: وكيف حصلت على القرارات الصائبة؟ فقال: بالقرارات الخاطئة! فكانت إجاباتٍ مختصرةً لخَّصت مُعادلة النجاح في الحياة، ونحن كمسلمين نستلهم التوفيق من الله عقيدةً وتعبُّدًا؛ لأنه هو المُلهم والمُرشد والهادي إلى سواء السبيل، وربما بارك لنا في أعمالنا وأوقاتنا؛ فاختصرت جهود كثيرة في وقت يسير، وهذا مما يشعر به فئامٌ من الناس، نرجو الله تعالى أن يجعلنا منهم، فتوفيق الله وبركته على فرد من أبناء آدم في أعماله لا يعني أنه أنجزه بسرعة، أو كيفما اتَّفق، ولكنه صدَق اللهَ تعالى في النفع ورغبة الإفادة، فكانت النتيجة أنْ هداه الله تعالى وسدَّده، وفي ذلك جاء وصْف عُمر - رضي الله عنه - أنه عبقريٌّ، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما رأيت عبقريًّا يَفرِي فَرِيَّه)). • ممَّا يُلازم أثناء العمل أيضًا توقُّع نجاحه أو توقُّع فشله، فيعيش الإنسان نشوةً بالِغة قد يُصدم بعكسها بعد إظهار العمل،والتفاجُؤ بردود الأفعال أو الآراء حوله، أو قد يتوقَّع فشله؛ فيوقفه ويَبتُره، مع أنه قد يكون جيدًا وناجحًا ومفيدًا وإبداعيًّا وهو لا يدري؛ فعليه إزاء ذلك كله أن يعتمد قواعد الأداء في العمل؛ من حيث حسْن البداية والتصور كما سلف، والأداء المستمر أثناءه على خطى واثقة وثابتة، مع التدارك كلما ظهر أمر جديد، والإنهاء الأوليّ والمراجعة بعد الإنهاء مرات ومرات؛ إذ في كل مرة يتجدَّد العقلُ، وتأتي شواردُ مُفيدةٌ ومدعِّمة أو موجِّهة ومرشِدة، قال شكسبير في معادلة غريبة ولكنها قد تكون واقعية: "إذا أردتَ النجاح في الحياة، فعليك أن تعرف أكثر مِن الآخَرين، وتُنجز أكثر من الآخرين، وتتوقَّع الحصول على أقل مما يَحصل عليه الآخَرون"، فإن لازمك هذا الشعورُ، فسوف تظل تَبذل وتبذل وأنت تتوقَّع أن هناك من سيَبذل أفضل منك، فتُخرج الكامنَ من الطاقات، والجديد من الابتكارات، وإذا بك تقترب من المقدِّمة سابقًا الركب، وفي مقولة أُخرى تعيد التوازن أيضًا، قال الرئيس الأمريكي روزفلت: "إني أمشي ببطء، ولكن لم يحدث أبدًا أن رجعت خطوةً واحدةً إلى الوراء". • الانخراط في العمل بعد البدء فيه يُصاحبه شعور من المُتعة والابتكار، واكتشاف النقْص والخلل، والزيادة على القديم، والسَّير على الأسلوب الأفضل؛ وقد قال عُمر رضي الله عنه -: "من بورك له في عمل، فليَلزمه"، ويظهر ذلك من استفادة الآخَرين من العمل، والإقبال عليه، وسدِّه ثغرةً في جانب معيَّن من جوانب الحياة؛ ومن القواعد التي أؤمن بها في مجالات الحياة أن هناك دائمًا أسلوبًا أفضلَمن الذي نقوم به،ولكن لما نُدركه أو لما نعرفه، ونصل إليه بخطوة واحدة أولية، هي الاقتناع بأننا لم نصلْ بعدُ إلى أفضل الأساليب في الأداء وممارسة العيش، وليس كل ما نفعله - ولو ألفْناه - هو الصحيح، ناهيك عن أن يكون الأصح؛ فما أكثر المُقتنعين بتربيتهم لأولادهم، ونمط معيشتهم، وحدود معرفتهم، وعبادتهم لربهم؛ ولذلك كان البحثُ والاختيارُ الجيد صنعةً احترافيةً، قال عنها ابن الجوزي-رحمه الله-: "لكل شيء صناعة، وصناعةُ العقل حسنُ الاختيار". • من أجل التوازن أيضًا هناك (القناعة)، وهي لا تُعارض الحديث الآنِف الذكْر، فالقناعة ليست محدودةً؛ بل هي كنز، ولكنها كنز في أمور ومجالات محددة، أما ما ذكرناه من المجالات السابقة وأشباهها، فلا ينبغي فيها القناعة، بل الزيادة والاستزادة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما قال عن الأعرابي الذي جاءه ليعرف الإسلام: ((قد أفلح إن صدق، أو إن فعل))، فليس معنى ذلك أنه لا يريد منه فعل النوافل، ولكن ليس هذا وقتَ الأمر بالنوافل بالنسبة لهذا الشخص، وإلا فقد أُمِرنا بالسباق إلى الفردَوس والتشمير لها، ولن يكون ذلك - كما دلَّت النصوص والآثار - بالاقتصار على الفرائض فقط، وقال ابن عمر - رضي الله عنها -: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخِرتك كأنك تموت غدًا"، ولذلك ليس في القناعة حجَّة للكُسالى والمتخاذلين، والمتمنِّين على الله الأمانيَّ، ولكن للباذِلين الذين يستطيعون البذل أكثر، وما زالوا يبذلون، ولعلَّ أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - يقدِّم لنا درسًا عظيمًا في تَوق النفس إلى المعالي بعد كل درجة ينالها من الدنيا، حتى أراد الدرجة التي ليس هناك أعلى منها. فتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلَهم ![]() إن التشبُّهَ بالكِرام فلاحُ
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |