|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحلف بالله تعالى د. طه فارس الحَلِفُ هو اليمين؛ يقال: حَلَف يَحلِفُ حَلِفًا؛ وسُمِّي الحَلِف يمينًا؛ لأنَّ المتحالِفَينِ كأنَّ أحدَهما يَصْفِقُ بيمينه على يمين صاحبه[1]. ويراد من الحلِف (اليمينِ) تقويةُ أحدِ طَرَفي الخبرِ بذكر الله تعالى، أو صفةٍ من صفاته[2]. واليمين على أنواع[3]: فإن كان الحلِف على فعلٍ أو تركٍ ماضٍ كذبًا، سُمي يمينًا غموسًا. فإن حَلَفَ على ما يتأكَّدُ كذبه ليقتطع به مال مسلم، سُمِّي يمينَ صبر؛ لصبر صاحبه على الإقدام عليها مع وجود الزواجر عنها. فإن حلف على ما يظنُّه أو سبق لسانه إلى الحلف من غير قصد، فهو يمين لغو[4]. أما إن كان الحلِف على أمر صدقًا للتأكيد والتقوية، فهي يمين منعقدة. وقد نهى الله تعالى عن كثرة الحلِف، فقال: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ﴾ [القلم: ١٠]، والحَلَّافُ صيغة مبالغة، وهو المُكثر للحلف من غير حاجة[5]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾ [البقرة: ٢٢٤]، قال الإمام الرازي: "نهى عن الجَرَاءة على الله بكثرة الحلِفِ به؛ لأنَّ مَن أكثَرَ ذِكر شيء في معنًى من المعاني، فقد جعله عُرْضَةً له"[6]. كما أمرَ المؤمنين بحفظ أيمانهم، وذلك بعدم الإكثار منها، أو بالبِرِّ بها وعدمِ الحنث[7]؛ فقال تعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: ٨٩]، قال ابن عجيبة (ت1224هـ): "أي: صونوا ألسنتكم عن كثرة الحلف، فيكون الله عرضة لأيمانكم، أو احفظوها بأن تبَرُّوا فيها ولا تحنثوا"[8]. قال الإمام الرازي (ت 606 هـ): "والحكمة في الأمر بتقليل الأَيمان: أنَّ من حَلَفَ في كلِّ قليل وكثير بالله، انطلقَ لسانُه بذلك، ولا يبقى لليمين في قلبه وقْعٌ؛ فلا يُؤمَنُ إقدامُه على اليمين الكاذبة؛ فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين، وأيضًا كلما كان الإنسان أكثرَ تعظيمًا لله تعالى كان أكملَ في العبودية، ومن كَمَالِ التعظيم: أن يكون ذِكرُ الله تعالى أجلَّ وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرضٍ من الأغراض الدنيوية"[9]. فإن احتاج المؤمن للحلِف لتأكيد أمرٍ أو نفيه؛ فينبغي عليه أن يحلِف بالله تعالى أو بصفة من صفاته، وهذا ما أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((مَن كان حَالِفًا، فليحلِفْ بالله أو ليصمُت))[10]، ولا يَحْلِف بالنبي صلى الله عليه وسلم[11]، ولا بأبيه وأمه، ولا بولده؛ فقد سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم من يحلِفُ بأبيه في ركب، فناداهم: ((ألا إنَّ اللهَ ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فَمَن كان حالِفًا فليحْلِفْ بالله وإلا فليَصْمُتْ))[12]. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه حلف في أكثر من ثمانين موضعًا، وأَمَرَه اللهُ بالحلِف في ثلاثة مواضع[13]، إلا أنَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يحلف إلا بالله تعالى أو بصفةٍ من صفاته[14]. ولذلك نجد أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حثَّ على الحلِف بالله تعالى مقيِّدًا ذلك بالبرِّ والصِّدق، وأخبر عن محبة الله ورضاه على من يحلف به، ما دام غرضُ الحالِف مشروعًا؛ كفعل طاعةٍ، أو حثٍّ على خير، أو زجر عن إثم[15]، فقال صلى الله عليه وسلم: ((احلِفُوا بالله وبروا واصدقوا؛ فإن الله تعالى يحبُّ أن يُحْلَفَ به))[16]. [1] انظر: معجم مقاييس اللغة؛ لابن فارس 2: 98 - 6: 159. [2] انظر: التوقيف على مهمات التعاريف ص751. [3] انظر: المصدر السابق ص751. [4] اللغو من الكلام: ما لا يُعتد به، وهو الذي يُورد لا عن رَوية وفكر، فيجري مجرى اللغا، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور. انظر: مفردات ألفاظ القرآن 2: 340، وهناك خلاف بين الفقهاء فيما يطلق عليه اسم اللغو، فينظر في مظانِّه. [5] انظر: تفسير الرازي 30: 606. [6] المصدر السابق 6: 421. [7] المصدر السابق 12: 418. [8] البحر المديد 2: 209. [9] تفسير الرازي 6: 421. [10] أخرجه البخاري في الشهادات برقم 2482، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. [11] هذا هو الرأي الراجح من أقوال العلماء، وهو قول جمهورهم، انظر: الموسوعة الفقهية 40: 59. [12] أخرجه البخاري في الأدب برقم 5643؛ ومسلم في الأَيمان برقم 3105، عن ابن عمر، عن أبيه رضي الله عنهما. [13] زاد المعاد؛ لابن قيم الجوزية 1: 163؛ 3: 302. [14] ولكن قد يُعترض على ذلك بما ورد في صحيح مسلم في كتاب الإيمان (برقم 11) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأعرابي: ((أفلح وأبيه إن صدق))، وقد أجيب عليه: بأن ذلك كان قبل النهي، أو أنه جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحَلِف، أو فيه إضمار اسم الرب؛ كأنه قال: ورب أبيه، انظر: شرح مسلم، للنووي 1: 250؛ فتح الباري 1: 107. [15] انظر: فيض القدير؛ للمناوي 6: 11. [16] أخرجه أبو نعيم في الحلية 7: 267 عن ابن عمر، وقال: تفرد به عفان عن مسعر، قلت: وعفان بن سيَّار: هو قاضي جُرجان، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم عنه: شيخ (تهذيب الكمال 20: 159)؛ وأما مسعر بن كدام: فثقة ثبْت من رجال الصحيحين (تهذيب التهذيب 10: 102)؛ والديلمي برقم 333؛ وقد صحح الألباني الحديث في صحيح الجامع.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |