|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مجتمع الصدق وكونوا مع الصادقين د. حسن أحمد خفاجي الحمد لله الكبير المتعال، دعا عباده إلى الصدق في الأقوال والأفعال وجميع الأحوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والكمال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المنعوت بأشرف الخصال، خير مَن أوتي الحكمةَ وجوامع المقال، صلى اللهم وسلم وبارَك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل؛ أما بعد: فيا أمة الإسلام أمة النبي صلى الله عليه وسلم، أُسِّس المجتمع الإسلامي الأول على صفة عُرف بها النبي صلى الله عليه وسلم منذ بداية حياته وقبل بعثته، ألا وهي الصدق، فكان يُعرف بالصادق الأمين، فأمر المؤمنين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]. وتأملوا البيان القرآني:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾، دون اتقوا الله واصدقوا، جاء البيان القرآني جاء بفعل الكينونة، وكونوا لإفادة الاستمرار التجددي، بل انظر إلى الروعة والجمال في قول ذي الجلال﴿ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ بالمعية دون من الصادقين، لاستصحاب الصدق في كل أقوالك وفعالك وأحوالك مع الناس، ومع نفسك ومع ربك. فالمجتمع في أمسِّ الحاجة إلى التخلق بهذه الصفة، لتكون السمة العامة لجميع الأمة, فأهم معيار لبناء المجتمعات ورقي الأمم، هو صدق أفرادها، ولقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من مجتمع يتخلى أفراده عن الصدق، فإذا تخلى المجتمع عنها، عُرف بالسنوات الخداعات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ؛ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ، يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ»[1]. لأن غياب الصدق معناه انهيار ما بين أفراد المجتمع من عهود ومواثيق، وفقد الثقة بينهم، بخلاف لو ساد الصدق لانسدت أبواب الفساد والمنكرات، فلا غش ولا سرقة ولا خيانة ولا قطيعة ولا انتقام. ولقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الأول على هذه الْمُثل، وبه بدأ سيدنا أبو بكر، فلما وَلِيَ الخلافة قام خطيبًا معلمًا الأمة كيفيةَ البناء الأمثل للمجتمع، فعَنْ أَوْسَطَ، قَالَ: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامِي هَذَا عَامَ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: "سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطَ عَبْدٌ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الْعَافِيَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ وَالْبِرِّ فَإِنَّهُمَا فِي الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فَإِنَّهُمَا فِي النَّارِ"[2]. ولقد أخبرنا القرآن بأن مرتبة الصِّديقية تأتي في المرتبة الثانية بعد مرتبة النبوة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]. وتساءلت: لم كانت المرتبة الثانية؟ فيأتينا الجواب من سيد الأحباب بأن الصدق يهدي إلى البر، فمن وظيفة الأنبياء هداية الناس إلى التوحيد وإرشادهم إلى الحق، فمن صدَّقهم وتعامل بالصدق، عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»[3]. والقرآن عندما وصف البر وصفه في خمس عشرة صفة، ثم بيَّن أنهم ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾ [البقرة: 177]، ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. فهما أساس أي مجتمع ناجح، وليس النجاح الدنيوي فحسب، فلقد أخبرنا الله في كتابه أنه لن ينفع العبد ولن ينجيه من عذاب الله يوم القيامة إلا الصدق؛ فقال تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾ [المائدة: 119]. وفي الصدق: تفريج للكربات، وإجابة الدعوات، وما قصة أصحاب الغار عنا ببعيد، فعند الإمام البخاري عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ، إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ، لاَ يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ، فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ»[4]؛ الحديث، فكان سبب نجاتهم صدقهم مع الله. ولقد صار الصدق بين أفراد الأمة ولم يعهد عليهم الكذب أبدًا، فقد ذكر المؤرخون مثلًا لأحد الرواة الصادقين الذين لم يعهد عليهم الكذب أبدًا، قال أبو مسلم صالح بن عبدالله العجلي: حدثني أبي قال: ربعي بن حراش كوفي تابعي ثقة، يقال: إنه لم يكذب قط، وكان له ابنان عاصيان زمن الحجاج، فقيل للحجاج: إن أباهما لا يكذب قط، ولو أرسلت إليه فسألته عنهما، فأرسل إليه، فقال له: أين ابناك؟ قال هما في البيت، قال: قد عفونا عنهما لصِدقك! أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم. الخطبة الثانية حمدًا لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على الحبيب المصطفى، ومن سار على نهجه واقتفى؛ أما بعد: فيا أيها الإخوة، ويا أيتها الأخوات، الصدق من الحاجات الأساسية في الحياة الإنسانيةوالاجتماعية، وعلمنا القرآن من الأدعية التي حث الله رسوله على أن يدعو بها الصدق في المدخل والمخرج؛ فقال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 80]. نقرأ في كل جمعة سورة الكهف لنتعلم كيف صدق الفتية مع ربهم، فجوانب الصدق متعددة، الصدق مع الله، مع الناس، ومع نفسك، فلا بد من الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال، والعرب قديمًا كانت تنفر من الكاذبين غير الصادقين، فأبو سفيان بن حرب في حديثه مع هِرَقل ملك الروم لما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مشرك، يقول: واللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الكَذِبَ، لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الكَذِبَ عَنِّي، فَصَدَقْتُهُ[5]. يجب على الآباء والأمهات وكافة المربين أن يغرسوا فضيلة الصدق في نفوس الأطفال، حتى يشبوا عليها ويعتادوا عليها، حتى تصبح جزءًا من شخصيتهم وسلوكهم في أقوالهم وأحوالهم كلها. وينبغي على الوالد أن يربي ولده على الصدق من حين الصغر؛ فإنهم إذا نشؤوا على ذلك صار لهم عادة ملازمة، وصفة دائمة، وقد كان عبدالملك بن مروان يقول لمؤدب ولده: عَلِّم بَنيَّ الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنِّبهم الكذب، وإنْ كان فيه كذا وكذا؛ يعني القتل[6]. الكثير من الناس ينبهر بالغرب، ويتشدق بأن من أهم صفات المجتمعات المتحضرة والمتقدمة هو صدق الحديث، والصدق في المواعيد، ونحن يجب أن نكون أكثر صدقًا بل عنوانًا ونموذجًا للصادقين؛ لأنه لا يوجد دين ولا تراث دعا إلى الصدق وأكده، بمثل الحجم الذي أكده الإسلام والقرآن. فالإسلام ما انتشر في أطراف الشرق الإسلامي إلا بالصدق. ما أحوج المجتمع إلى الطبيب الصادق في عمله والمهندس الصادق في عمله والموظف الصادق في عمله، ما أحوجنا إلى المعلم الذي يصدق في تعليمه للطلاب، وإلى الفلاح والعامل والمواطن الصادق في كل ذلك. فاللهم اجعلنا مع الصادقين وألحقنا بالنبيين والصديقين، اللهم فرِّج همَّ المهمومين ونفِّس كرب المكروبين، واقْضِ الدين عنا وعن المدينين، ويسِّر أمور المسلمين. اللهم ارفع عنا الوباء، واصرِف عنا البلاء، واكتُب للإنسانية عاجل الشفاء. اللهم إن لنا أخوة مرضى، فنسألك يا مولانا أن تشفيهم، اللهم امسحنا وإياهم بيمينك الشافية، وهبْ لنا ولهم من لدنك سترًا وعافية، واجعل لنا ولهم من داء دواءً، ومن كل مرض شفاءً، ومن كل بلاء عافية. اللهم املأ قلوبنا إيمانًا بك، وتوكلًا عليك، ويقينًا بموعدك، نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم انصُر الإسلام والمسلمين، واخزل المشركين أعداء الدين، اللهم لا ترفَع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية. اللهم إنَّا نسألك عيش السعداء وموت الشهداء، ومرافقة الأنبياء والحشر مع الأتقياء. [1] سنن ابن ماجه: 4036، مسند أحمد: 8440، صَحِيح الْجَامِع: 3650، الصَّحِيحَة: 1887، 2253. [2] مسند أحمد: 5، وقال الشيخ: شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره. [3] صحيح البخاري: 6094. [4] صحيح البخاري: 3465. [5] صحيح البخاري: 2941. [6] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ص 51.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |