|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ساعات الندم (1) عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا؛ أما بعد أيها الإخوة المؤمنون: فساعات الندم محطات يمر بها العبد المؤمن والأمة المؤمنة لزومًا، فوجب التنبيه عليها لتجنب الندم؛ حيث لا ينفع. وحديثي إليكم في هذه الخطبة وفي الخطبة اللاحقة بإذن الله في التحذير من ساعات الندم. وحديثي إليكم اليوم عن ساعتين من ساعات الندم التي تكون في الدنيا، ويمكن تدارك الأمر قبل فوات الأوان، إذا كنَّا صادقين في ندمنا. تعريف الندم وأهميته: الندم هو الحزن والتأسف على فوات طاعة أو فعل معصية، وقصدنا بالأساس فوات مصلحة دينية يعود نفعها على الدين والدنيا والآخرة، أو ارتكاب مفسدة يتعدى ضررها إلى الدين والدنيا والآخرة، والندم مفيد للمؤمن؛ لأنه يدفعه إلى التوبة والرجوع إلى الله تعالى. فما الساعة الأولى التي يندمها الإنسان في دنياه؟ ساعة الندم الأولى: الندم على فوات الطاعة: أيها الإخوة المؤمنون، المداومة على الطاعة نعمة ربانية، والطاعة أن تمتثل أمر الله وتجتنب نواهيه. وتأملوا معي أدلة قرآنية تدلكم على هذا الأمر: • قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23]، ليس كمن يصلي تارة ويقطع أخرى، بل مداوم على الصلاة في المنشط والمكره. • وقوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]؛ أي: ما دمت حيًّا يجب عليَّ التزام الصلاة. • وقوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، واليقين هو الموت، فأنت في عبادة متجددة، وليس عندنا التقاعد في الطاعة والعبادة؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، فأنت دائمًا في عبادة حتى تلقى الله سبحانه وتعالى. ولذلك سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أيُّ الأعْمَالِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قَالَ: أدْوَمُهَا وإنْ قَلَّ، وقَالَ: اكْلَفُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ))[1]، ونقول باللسان الدارج: (قليل ومداوم خير من كثير ومقطوع)، فيجب أن نفهم أن الدوام على الطاعة نعمة إلهية. وذمَّ الله الغافلين عن طاعته؛ وقال: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205]، نعوذ بالله من الغفلة، الإنسان يحدث له نوع غفلة بسبب النفس الأمَّارة بالسوء، أو الشيطان، أو الرفقة السيئة، بسبب كثرة الملاهي... فيفوِّت عليه طاعات واجبة أو مندوبة. فمن الواجبات التي يغفل عنها الإنسان: • كأن يترك الصلاة بالمرة فلا يصلي، وقد يصلي، ولكنه غافل عن أوقاتها، أو عن الصلاة مع الجماعة، أو يجمع الصلوات الخمس ويصليها دفعة واحدة؛ قال الله محذرًا هؤلاء: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5]. • وقد يكون عنده مال وتجب عليه الزكاة، فلا يخرجها، وهذا نوع غفلة؛ وهؤلاء حذرهم الله بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34]، فالذي أوجب لهم العقوبة عدم الإنفاق، وهو نوع غفلة. • وقد يستطيع الحج فلا يحج؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، فهناك من يستطيع ماليًّا وبدنيًّا، ولكنه لا يفكر في الحج، وتراه يكنز الذهب والفضة، لا يشارك في قرعة الحج؛ لأنه لا يحدث نفسه أن هناك فريضة اسمها الحج، وجب عليه أداؤه متى استطاع. • وقد يكون قادرًا على أداء دين، فيماطل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مطل الغني ظلم))[2]، وهذا نوع غفلة. ومن المستحبات المندوبات التي يغفل عنها الإنسان: • قيام الليل؛ قد يستطيع ولكنه لم يفعل، هو ليس واجبًا علينا، نعم، ولكنه اقتفاء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودأب الصالحين. يستطيع الإنسان إعطاء الصدقة من غير الزكاة الواجبة، ويستطيع التصدق ببعض ماله على الفقراء، فلا يفعل، وهذا نوع غفلة لبخل فيه وقلة سخاء اليد؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92]، فهؤلاء حزنوا ألَّا يجدوا مالًا ينفقونه في سبيل الله. • الصوم الواجب رمضان، لكن هناك صيام مندوب كالاثنين والخميس، فيه فضل وأجر عظيم، ولكن لا تحدثهم أنفسهم بصيام النافلة، وهذه غفلة. ولذلك أيها الإخوة المؤمنون، من نعم الله على العبد أمران: 1- أن يرزقه النفس اللَّوامة: تلومُك على فوات الطاعات، وتحثك على استدراك ما فات. 2- أن يرزقك الندم: وهو ركن من أركان التوبة، فإذا ندمت، دفعك الندم إلى التوبة دفعًا. قصة حاتم الأصم وندمه في فوات الصلاة في جماعة. روي أن حاتم الأصم فاتته صلاة العصر في جماعة، فجاءه أصحابه يعزونه، لماذا يعزونه؟ هل لفقد ابن من أبنائه؟ أو قريب من أقاربه؟ لا، وإنما لفوات صلاة العصر في جماعة، ليس لأنه لم يصلِّها أبدًا، وإنما الجماعة فقط، فنظر إليهم وكانوا قلة فبكى، قالوا: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: لو مات ابن من أبنائي، لأتى أهل المدينة كلهم يعزونني، أما أن تفوتني صلاة، فلا يأتيني إلا بعض أهل المدينة، والله لموت أبنائي جميعًا أهون عندي من فوات صلاة الجماعة. فماذا نقول نحن - أيها الإخوة الأفاضل - في تفريطنا، ليس في جماعة واحدة، وإنما في جماعات، فاللهم اجعلنا من المداومين على طاعتك حتى نلقاك، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى؛ أما بعد: فقد رأينا في الخطبة الأولى الندم على فوات طاعة من الطاعات، فكل واحد منكم يسأل نفسه بصدق: أي طاعة فرطت فيها؟ فيحاول جاهدًا لتداركها. فما الساعة الثانية التي يندم فيها الإنسان في دنياه؟ ساعة الندم الثانية: الندم على فعل معصية: المؤمن ليس معصومًا عن الخطأ، فقد تصدر منه المعصية، لكن ترى نفسه تلومه، فيؤوب إلى ربه، ويرجع لأجل حياة قلبه. قال عبدالله بن المبارك: رأيتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ ![]() وقد يورثُ الذُّل إدمانُهَا ![]() وتركُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ ![]() وخَيْرٌ لِنَفْسِكِ عِصْيَانُهَا ![]() وهو يعلم أن سبب المصائب هي الذنوب والمعاصي، وسبب رفعها واستجلاب النعم هو الندم والتوبة، والرجوع إلى الله. قال علي بن أبي طالب: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة". ورحم الله القائل: إذا كنت في نعمة فارعها ![]() فإن الذنوب تزيل النعم ![]() وحطها بطاعة رب العباد ![]() فرب العباد سريع النقم ![]() وإياك والظلم مهما استطعت ![]() فظلم العباد شديد الوخم ![]() وسافر بقلبك بين الورى ![]() لتبصر آثار من قد ظلم ![]() • وأختم بقصة لشاب صغير السن، هداه الله، لكنه في بيت مليء بالفجور والمعاصي، فأبوه لا يعرف القبلة، حاول أن يدعو أباه بلا فائدة. فأتى إمام المسجد وقال له: إن أبي يعصي الله، ولا يعرف ربه، حاولت أن أدعوه، فلم يستجب لي، فماذا أفعل؟ قال له الإمام: إذا قمت في الثلث الأخير من الليل، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم صلِّ ركعتين، وادعُ الله أن يهدي أباك، في هذا الجزء من الليل؛ حيث: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟))[3]، فكان الشاب في كل ليلة يفعل ذلك، وفي ليلة من تلك الليالي دخل الأب على عادته متأخرًا يسهر في الفجور والمعاصي، وفتح الباب وكل من في البيت نائم، لكنه سمع صوت بكاء في غرفة فاقترب رويدًا، فإذا ابنه يرفع يديه داعيًا وهو يقول: اللهم افتح صدر أبي للهداية، اللهم اهدِ أبي، فسمع الأب هذا الكلام وتأثر فأخذته قشعريرة، فخرج من الغرفة واغتسل، ثم رجع والابن على حاله، فصلى إلى جانبه، وأمَّن على دعاء ابنه، فلمَّا فرغ الابن، التفت، فإذا أبوه يبكي، فاعتنقه، وجعلا يبكيان، فكانت بداية هداية هذا الأب. قال تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]. فاللهم اجعلنا من النادمين على فوات الطاعات، ومن النادمين على معاصٍ اقترفوها، واجعلنا من التوابين الراجعين إليك، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا... (تتمة الدعاء). [1] رواه البخاري برقم: 6464. [2] رواه مسلم برقم: 1564. [3] رواه مسلم برقم: 758.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ساعات الندم (2) عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت الخطبة الأولى إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله. نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. أما بعد أيها الإخوة المؤمنون: سبق أن تحدثنا في الخطبة الماضية عن ساعتين من ساعات الندم التي يندم فيهما الإنسان، ألا وهما: الندم على فوات طاعة من الطاعات، والندم على ارتكاب معصية من المعاصي، ومن أراد الله به الخير رزقه النفس اللوَّامة التي تلومه على ترك الطاعة، وتلومه على فعل المعصية، فيدفعه ذلك إلى التوبة والندم والاستغفار، وإلى الرجوع إلى ربه سبحانه وتعالى، وميزة الساعتين السابقتين أن الندم فيهما يمكن تداركه؛ لأنه يكون في الدنيا. وأما الندم الذي سأتحدث عنه اليوم فلا يمكن فيه الاستدراك، وإنما سنتحدث عنه من باب التذكير والإعداد حتى لا نندم حيث لا ينفع الندم، هذه الساعة هي ساعة الاحتضار عند الموت. وكلنا سنمر بهذه الساعة،إنها ساعة مرتبطة بالموت قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، وهي ساعة يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، وهو طريح على فراش الموت، ويعاين رسل ربه، وهم جالسون مد بصره كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [القيامة: 29 - 32]، حينئذٍ يستصغر الإنسان الحياة ويدرك حقيقتها، ويدرك أنها لهو ولعب، ويدرك أن الآخرة هي الحياة الحقيقية كما قال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]. وتدرك أن الحياة الحقيقية هي الآخرة كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، "ويود لو أنه اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابه قبل هرمه، وصحته قبل سقمه، وغناه قبل فقره، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل موته" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم في المستدرك، ويود لو أنه لم يؤجل عمل اليوم إلى الغد، وأنه ترك عنه تسويف العمل، سلاح الشيطان: سأعمل! سأصلي! سأحج! وإذا كانت أنثى: سأستر نفسي! سألبس حجابي!... ولكن الموت قد يأتي بغتة ولا يزال في الأماني، فيحصل الندم. وحاله: لا أؤخر شغل اليوم عن كسل ![]() إلى غَدٍ إن يوم العاجزين غَدُ ![]() ![]() ![]() ولسان حاله: إذا كنتُ أعلمُ يقينًا ![]() بأنَّ حياتي كساعَهْ ![]() فَلِمْ لا أكون ضنينًا بها ![]() وأجعلها في صلاح وطاعَهْ ![]() عند حضور أجل الإنسان يستحضر في ذهنه أمنيات هي عنوان الندم، وإذ أذكرها عسى أن نتعظ بها قبل فوات الأوان: الأمنية الأولى: يتمنى عند الاحتضار الرجوع إلى الدنيا ليعمل عملًا صالحًا: فهل هذا ممكن؟ وهل تتحقق له أمنيته؟ كلا، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، فيرفض الطلب، إذن ما الحل؟ هو أن تعمل الآن. الأمنية الثانية: يتمنى أن يرجع إلى الدنيا لتكثير الصدقات والعمل الصالح: فأين كنت لما كنت في الحياة، وفي زمن الإمهال، لماذا لا تتصدق؟ لماذا لا تُخرج زكاة مالِكَ؟ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11] فاستغل دنياك فهي دار الاختيار، ودار الإمكان قبل فوات الأوان، أما إذا حلَّ الموت انتهى هذا الزمان وحل الحساب. قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]. فهذا جزاء دنيوي، وأمَّا في الآخرة قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108]. ولذلك الإنسان يموت ويعاتبه الله أنه: ♦ كذَّب بالله ورسوله. ♦ وأنه ترك الصلاة. ♦ وأنه عاش متكبرًا على الله وعلى الخلق، قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 26 - 36]. يا غافلًا عن العمل ![]() قد غرَّه طولُ الأمل ![]() الموت يأتي بغتة ![]() والقبر صندوق العمل ![]() فنحن الآن في الأمنية فوجب العمل على تحقيقها، فهذا إبراهيم التيمي، افترض افتراضًا نستفيد منه، قال: مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها، وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحًا، قال: فقلت أنت في الأمنية فاعملى!. فبادروا إلى العمل الصالح قبل أن تندموا ساعة الاحتضار. وفقني الله وإياكم للعمل الصالح آمين، والحمد لله رب العالمين. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى، ثم أما بعد: رأينا في الخطبة الأولى أن ساعة الاحتضار ليس فيها الإمهال، فاجتهدوا قبل فوات الأوان. فما هي بعض قصص النادمين للاعتبار؟ من قصص النادمين عند الاحتضار: ♦ وهذا أبو هريرة رضي الله عنه عند وفاته بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: بُعْد السفر، وقلة الزاد، والخوف من الوقوع من الصراط في النار، فماذا عساي أن أقول أنا وأنت؟! إذا كان أبو هريرة يشتكي من قلة الزاد، ولكن عزاؤنا أننا نرجو الله، فالمؤمن عند إقباله على ربه يغلب الرجاء على الخوف حتى لا ييأس من رحمة الله. ♦ وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، الذي اهتز عرش الرحمن لموته، لما حضرته الوفاة قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، ثم قال: مرحبًا بالموت، مرحبًا، زائر مُغِبٌّ، وحبيب جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك. حتى معاذ يشتكي الفاقة في أعماله، فماذا نقول نحن؟! ♦ قصة شاب: إبان بن عياش عليه رحمة الله يقول: خرجت من عند أنس بن مالك رضي الله عنه- عندما كان في البصرة بعد الظهر- قال: فرأيت جنازة يحملها أربعة نفر، فقلت: سبحان الله! رجل مسلم يموت ويمر بسوق البصرة ولا يشهد جنازته إلا أربعة نفر، والله لأشهدن هذه الجنازة، يقول: فحملت معهم، ثم بعد ذلك لما دفنا الرجل قلت لهؤلاء الأربعة: ما شأنكم؟ وما شأن هذه الجنازة؟ قالوا: استأجرتنا هذه المرأة لدفن هذا الرجل، يقول: فتبعتها حتى وصلت بيتها، فجئتها وقلت: لله ما أخذ وله ما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، قالت: الحمد لله أولًا وآخرًا، قلت لها: ما شأن هذا الرجل الذي دفنتموه؟ قالت: هو ولدي كان مسرفًا على نفسه بارتكاب الذنوب والمعاصي، وكان عاقًّا لي، وقال لي وهو مريض وهو في سكرات الموت: يا أماه! إذا أنا متُّ فلقنيني كلمة التوحيد، فإذا قلتها وقضيت حياتي وأردت لي السعادة فضعي قدمك على خدي وقولي: هذا جزاء من عصى الله، ولا تخبري أحدًا بموتي؛ فهم يعلمون عصياني فلن يشهدوا جنازتي، ثم إذا دفنت فارفعي يديك إلى الله إن كنتِ تريدين لي السعادة، وقولي: يا رب، إني راضية عن ولدي فارض عنه! قال ابن عياش: فما عملتِ؟ قال: فضحكت، فقلت: ما يضحككِ يا أمة الله؟ قالت: والله بعد أن دفن رفعت يدي إلى الله وقلت: يا رب، إني راضية عنه فارض عنه! قالت: فو الله، إني سمعته بأذُنيَّ ينادي: يا أماه! قدمت على رب كريم رحيم غير غضبان علي ولا ساخط. لا إله إلا الله، ما أعظم بر الوالدين! ما أحوجنا إلى الدعاء منهما! ولذلك علينا أيها الأخوة الأفاضل أن نبادر بالعمل قبل فوات الأوان، فاللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، وفي السر والعلن، وارزقنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر آمين... (تتمة الدعاء).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |