الإنسانُ ونظرتُه لذاتِهِ: بين الإيمان ومشابهة الشيطان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 34 - عددالزوار : 12819 )           »          مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          العقيدة اليهودية والسيطرة على العالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حاجتنا إلى النضج الدعوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 26756 )           »          وهو يتولى الصالحين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 44 - عددالزوار : 14267 )           »          عطاءات المتقين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          علاج العشق من كلام ابن الجوزي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          العلمانية المختبئة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-11-2024, 12:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,994
الدولة : Egypt
افتراضي الإنسانُ ونظرتُه لذاتِهِ: بين الإيمان ومشابهة الشيطان

الإنسانُ ونظرتُه لذاتِهِ: بين الإيمان ومشابهة الشيطان

ميساء بنت حسين باشا


إن أعظمَ ما أنعَمَ الله عز وجل به على عباده أنْ جَعَلَ النبوَّةَ مصاحِبةً لخَلْقِهم منذ بدء الخليقة، وتميَّز أول الأنبياء آدم عليه السلام بمَزِيَّة الوجود في السماء، والكلام مع الله عز وجل، ومشاهدة الملائكة عليهم السلام، بله عدوه الشيطان، وسُكناه مع زوجه الجنةَ، في مقابل خروج عدوِّه إبليسَ منها.

ولا شكَّ في أن معاينته عليه السلام لموقف الشيطان المتكبِّر على ربه، على رغم علمه بأنه خالقه القادر عليه، وموقف الملائكة المتفوِّقة في الخَلْقِ والعبودية لله سبحانه، فتعرَّف بطريقة عملية على نماذج الخير والشر، وربما كان في أمر الله عز وجل لهم بالسجود له درسٌ ينظر من خلاله، ويعتبر ويختار، مع أي الفريقين سيعقد تحالفه وانتماءه؟ خاصة وأنه قد علِمَ أن له عمرًا محددًا بخلاف رموز الخير ورمز الشر إبليس الذين امتازوا عنه بالخلود؛ قال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 11 - 22]، فكانت نتيجة هذه الخبرة أنه لما تجرَّأ على العصيان سارَعَ بالتوبة والندم، وتأكَّد عداء الشيطان، وأصبح على يقين من أن أسلوبه المنمَّق ليس إلا خُدعة يتسلَّط عليه بها؛ قال تعالى: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 23 - 25]، فيُعلم بذلك تميُّز آدمَ بمقام الأُبُوَّة لجميع الجنس البشري، وبهذه الخبرة العملية بالإضافة إلى مقام النبوة ليتمكن من إرشاد ذريته إلى ما يحبه الله ويرضاه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33].

ثم أنْعَمَ عز وجل على البشرية بتعاقُبِ هذه النعمة كلما احتاجوا إليها، وابتعدوا عن الحق الذي كانوا عليه مع ابتداء الخليقة؛ قال تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213]، إلى أن ختمها سبحانه بنبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وألزَمَ كلَّ مَن علِم ببعثته اتباعَه والعملَ بشَرْعِهِ؛ قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40]، وقال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

وبذلك علِم أن أعظمَ ما يُفسد العبد، ويمكِّن الشيطان منه نظرةُ الإنسان لنفسه التي تقوم على التميُّز والاستعلاء واحتقار الغير، لبُعْدِ ما بينه وبينهم من مميزات؛ من جهة الخَلْقِ، أي: حسن صورته، ومن جهة الخُلُق، أي: الطبع، والذكاء والمهارات والقدرات، أو من جهة ما منَّ الله عليه من رزق؛ جنسًا، ونسبًا، وعلمًا، ومالًا، وولدًا، أو من جهة العمل، سواء ما وفقه الله تعالى له من أعمال صالحة، أو ما وفقه إليه من حسن تعامل مع الآخر، ومميزات شخصية تجذب الآخرين إليه، وغيرها، في مقابل غفلته عن عيوبه ونقصه، فيتكبر أو يُعجَب بنفسه؛ لذلك كان أعظمَ جهاد مجاهدةُ النفس وتربيتها على خلاف ما تهوى مما يدخل عليه الكِبْرُ والعُجب؛ لِما فيه من هلاك بموجِب سخط الله عز وجل؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ مُهلِكات: شحٌّ مُطاع، وهوًى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه من الخُيَلاء، وثلاثٌ مُنجِيَات: العدل في الرضا والغضب، والقصد في الغِنى والفاقة، ومخافةُ الله في السر والعلانية))[1]، فيكون على حذرٍ من النفاق، ويُخلِص القصد لله.

وعلى الرغم من ذلك، فلا بد من النظرة العادلة مع النفس، حتى لا تقع تحت سطوة الشيطان؛ أول المتكبِّرين الْمُعْجَبين بأنفسهم، أو ازدراء الآخرين الواقعين في شباك الكِبر والعُجب، واستعلاء النفس، وادِّعاء استحقاقها؛ فيعرف المؤمن خيرية نفسَه من خلال أمرين:
الأول: خيرية ما فطره الله عز وجل عليه وجَبَله؛ فيتعبَّد الله به عملًا وشكرًا في تواضع وسَكِينة؛ ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس رضي الله عنه: ((إن فيك لَخُلُقَين يُحبهما الله، قلت: ما هما يا رسول الله؟ قال: الحِلْمُ والحياء، أو الحلم والأناة، قلت: أقديمًا كانا في أو حديثًا؟ قال: بل قديم، قلت: الحمد لله الذي جبلني على خُلُقَين يحبهما))[2].

والثاني: خيرية الإيمان المعلومة من التقوى، التي هي دليلُ صدق الإيمان وأول ثماره؛ حيث يكون العبد على حَذَرٍ في كل أقواله وأفعاله، ومع ذلك يفرح بإحسانه، ويحزن إذا أساء؛ لعِلْمِهِ أنَّ الإيمانَ يزيد وينقص، والعباد فيه على تفاوتٍ، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّتْهُ حَسَنَتُه، وساءته سيئته، فذلكم المؤمن))[3].

وبذلك يُعلَم أن النظر إلى النفس والآخرين هو انعكاس لمدى إدراك الإنسان، لعبوديته لله، ولذاته؛ صفاتٍ وأفعالًا، وأن الكِبْرَ والعُجبَ بابا الفساد المشرعان، بينما الصلاح والارتقاء بالنفس، لا تكون إلا بالتواضع، مع الثقة بالنفس إن كانت معتصمة بالله؛ فالوعي الذاتي للعلاقة بين أنفسنا وخالقنا والوجود من حولنا هو أساس الخيرية، وإدراك العبد لحدود قدراته، وتقدير الآخرين يعكس عمق إيمانه وتقواه؛ فكلما زاد الإنسان تواضعًا وحرصًا على طاعة الله، زادت قدرته على مواجهة الفتن والابتعاد عن طريق الاستعلاء.

ومن هنا، يتحتم على كل إنسان أن يتخذ من آدم عليه السلام نموذجًا للتعامل مع الله عز وجل والنفس والأعداء، ويتأمل في ذاته وأفعاله وتفاعله مع من حوله، ويستعينَ بالله عز وجل أن يوفِّقه لِما فيه صلاح نفسه.
==================================
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط عن أنس رضي الله عنه (5/ 38 برقم: 5452).

[2] أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أشج عبدالقيس رضي الله عنه (12/ 242 برقم: 6848).

[3] أخرجه الترمذي في السنن عن عمر رضي الله عنه (1/ 812 برقم: 2165).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 51.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.84 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]