الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لو بتتخانقوا كل ما تتكلموا.. 5 خطوات تحسن التواصل بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          إيه الفرق بين الدعم والتدخل فى حياة الآخرين؟ شعرة هتغير شكل علاقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          5 خطوات لعمل ميكب عيون ناعم.. مكياج احترافى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          طريقة عمل أومليت السبانخ والجبنة القريش.. فطار صحى غير تقليدى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          5 حيل نفسية للتغلب على العصبية لو الأطفال بيخرجوكى عن شعورك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لو عندك أرضيات رخام فى بيتك.. 5 طرق سهلة وفعالة لتنظيفها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          5 منتجات للعناية بالبشرة لا غنى عنها فى الصيف.. لبشرة ناعمة ومشرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إزاى تعاتب حد بتحبه من غير ما تخسره؟.. ما تخلطش بين العتاب واللوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل السمك الفيليه مع بطاطس محمرة لايت.. صحية ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          4 ربطات تمنع شعرك من النمو تجنبيها واعرفي النوع الأفضل لحمايته من التلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-01-2025, 09:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,987
الدولة : Egypt
افتراضي الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية


  • حينما يصبح الوقف جزءًا من ثقافة المجتمع وحياته ويتغلغل تأثيره في مظاهر الحياة كافّة سيحظي بلا شك بالإبداع والابتكار والتجديد
  • مثّلت الأوقاف في الدرجة الأولى إحدى الدعامات الكبرى للنهوض بالمجتمع من خلال رعاية أفراده وتوفير مختلف الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية لهم
  • للوقف دور كبير في تحقيق خيرية الأمة فهو من خصائص المسلمين ومن الإحسان المستمر فبالوقف نشأت المساجد ومعاهد للتعليم من الكُتّاب إلى الجامعة
امتاز الوقف الإسلامي بإبداعاته، وما من عصر من العصور الإسلامية إلا عُرف بأوقاف تفي بحاجات وضرورات ذلك العصر، بل ببعض تحسينيّاته ومظاهر رفاهيته أحياناً، أوقاف قدمت رسالتها الحضارية، وبلغت في الوفاء بحاجات الفرد والمجتمع مبلغًا لم يعرف له مثيل بين الأمم والشعوب، وعملت على إسعاد البشر بالحفاظ على عقيدتهم وتوحيدهم وعلومهم الشريفة، وكرامتهم الإنسانيّة، وسموّ أخلاقهم، وهناء حياتهم، وحمايتهم من كل ما يضرهم.
وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالإنسان، وبالعمل الصالح وفعل الخيرات، وأتاحت للناس ذلك، فكانت القيم الحضارية النابعة منها معدنًا للفضائل، وسببًا للرحمة التي نشأت في القلوب باعتبارها واحدة من ضروريّات الإيمان، فولّدت رغبةً جامحة في نفوس المؤمنين في ألا ينقطع عملهم بعد الموت، فجعلوا يقفون أموالهم كلها أو بعضها على إطعام الجائع، وسقاية الظمآن، وكسوة العريان، وإيواء الغريب، وعلاج المريض، وتعليم الجاهل، ودفن الميت، وكفالة اليتيم، وإعانة المحروم، وعلى كل غرض إنساني شريف، بل لقد أشركوا في برِّهم الحيوان مع الإنسان!
فكان من ثمرات ذلك سد الحاجات، وتيسير القيام بالواجبات، وازدهار العلم، وعمران المدارس، ونهوض العلوم الإسلاميّة في شتى أبوابها ومجالاتها الدينيّة والدنيويّة.
أوسع أبواب الفقه اجتهادًا
وباب الوقف من أوسع أبواب الفقه اجتهادًا، ومن أكثرها حيويّة وتجدّدًا عبر التاريخ، فهو باب في حقيقته يبحث الممارسة المنضبطة للعمل الخيريّ، ليعبّر عن الوعي العالي عند شرائح عريضة من المجتمع الإسلامي، نهضت لتعالج بعض أشكال القصور الاجتماعي التي قد يقصّر فيها مجموع الناس أحيانًا، كما قد تعاني من التقصير الحكومي وضعف الرعاية الرسميّة لها أحياناً أخرى.
الدور الحضاري للوقف الإسلامي
من معالم الحضارة الإسلاميّة المميّزة لها، إرساؤها أصول العمل المؤسسي ووضعها لنواته وضعاً محكماً متيناً، هذا ما يلحظه المتتبّع لتاريخ الأمة الإسلاميّة، إذ يبهره النّظام المؤسسيّ المختصّ بكلّ مجال من المجالات الحياتيّة كافّة، تعبّديّة روحانيّة، أو سياسيّة وجهاديّة وعسكريّة، أو صحيّة، أو تعليميّة، مع توفير ما يسندها من الدعم الماليّ اللازم لها جميعاً، ويؤمّن لها مواردها، وقد تمثّل ذلك في الأوقاف، تلك الصفحة التي هي من أشدّ صفحات حضارتنا الإسلاميّة إشراقاً.
مثّلت الأوقاف في الدرجة الأولى إحدى الدعامات الكبرى للنهوض بالمجتمع من خلال رعاية أفراده، وتوفير مختلف الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية لهم، فقد مثّلت وعي القادرين من أفراد المجتمع لطبيعة مسؤولياتهم الدينيّة والأخلاقيّة، وضرورة تحمّلهم إلى جانب الدولة جزءًا من المسؤوليّات.
وشاركت الدّولة في تنظيم هذه العمليّة، فتحمّلت نصيبها من المسؤوليّة، فقد ارتبط كل وقف بحجة شرعية توضح أركانه والغرض منه وحجمه وكيفية الاستفادة من ريعه، والصفة المنضبطة للمستفيدين، وعدد الموظفين والخدم القائمين على رعاية شؤونه، وغير ذلك من الجوانب التي توضح الإطار العام لنظام الوقف، وتوفّر كل المعلومات اللازمة لحفظ الحقوق والتّقاضي عليها، في حال طروء النسيان، أو نشوب النزاع والخلاف وظهور الدّعاوى.
تحقيق خيرية الأمة
وللوقف دور كبير في تحقيق خيرية الأمة، فهو من خصائص المسلمين، ومن الإحسان المستمر، فبالوقف نشأت المساجد، ومعاهد للتعليم من الكُتّاب إلى المدارس الجامعة، وبه تأسست مستشفيات للعلاج المجاني، وصيدليات لتقديم الدواء بلا مقابل، وشُيّدت في المدن وحولها قلاع وحصون لتوفير الأمن، والتكايا والملاجئ لإيواء من لا مأوى لهم، وإطعامهم وكسوتهم وعلاجهم، وتعليم من هو في سن التعليم منهم، كما شُيّدت في القرى مضايف لاستقبال الغرباء، ومنازل لإقامة عابري السبيل والمسافرين، وفي المدن والقرى -بدرجة أقل- بُنيت أسبلة مياه الشرب، ومقابر الصدقة، ووزعت خيرات على الفقراء والمساكين والأيتام وذوي الخصاصة، لإعاشتهم وللتوسعة عليهم في مناسباتهم الخاصة، وفي المواسم والأعياد، وزُوّد المجاهدون بالمؤن، والصائمون بالفطور والسحور، وحجاج بيت الله الحرام بما يبلّغهم مقصدهم، ويساعدهم على قضاء مناسكهم.
دور الأوقاف في التعليم
وكان للأوقاف دور هام في مقوّم أساس من مقوّمات الحضارة ألا وهو التعليم، سواء في الكتاتيب أو المدارس، فالأوقاف هي التي ثبّتت أركان المدرسة، ودعمت نظامها، ومكّنتها من القيام برسالتها، «وكان الريع الذي تغلّه الأعيان الموقوفة على المدرسة شهريا أو سنويا، نقداً أو عيناً، هو الضمان لاستمرار العمل بالمدرسة، حيث تدفع منه مرتبات أرباب الوظائف بالمدرسة والطلبة حسب شرط الواقف».
والمدقق في تاريخ الحضارة الإسلامية يجد أنها من حيث بناؤها النظامي قد نهضت على ركيزتين، وبُنِيَت على قيمتَيْن، وهما: العلم والعدل، وقد مثّلتهما في حقبة ممتدة من التاريخ الإسلامي، المدارس ومؤسسة القضاء، وقد انتفعت هاتان المؤسستان أيّما انتفاع بالأوقاف التي خُصّصت لهما، تحقيقاً للاستقلال والنزاهة والكرامة.
لقد ظل الوقف قيد التطبيق لمئات السنين، وبقي نظاما قويا وثابتا لإدارة الثروات، نظراً لسهولة تطبيقه ومرونة المقاصد الشرعية التي ينطلق منها ويعمل في خدمتها، ورغم الاختلافات الجغرافية والسكانية داخل الدول الإسلامية إلا أن نظام الوقف ظل قابلاً للتطبيق دون أية عقبات في مختلف مناطق العالم الإسلامي، وحتى في غير بلدان العالم الإسلامي، فأندونيسيا والهند مثلاً يختلفان اختلافاً جذريا من حيث الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل منهما، بل وفي عاداتهما الخاصة في توزيع الثروات بين العائلات، إلا أن نظام الوقف جرى تطبيقه في كل منهما دون عوائق كبيرة.
وبقي هذا النظام شديد الارتباط بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى جانب ارتباطه الوثيق بالجوانب الروحية والأخلاقية، لذلك فالوقف الإسلامي يعد أحد أهم النظم التي أسهمت في تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية؛ لما فيه من حفظ للضرورات الخمس وفي مقدمتها حفظ الدين، بإقامة المساجد، وحفظها، ورعايتها، وبحفظ الهوية الإسلامية.
وحينما يصبح الوقف جزءًا من ثقافة المجتمع وحياته، ويتغلغل تأثيره في مظاهر الحياة كافّة، سيحظي -بلا شك- بالإبداع والابتكار والتجديد، وحينما يكون الوقف مجالاً للتنافس في الخيرات وتوفير الاحتياجات لفئات المجتمع، فإننا سنقرأ بدائع وقفية سطرها لنا التاريخ بكل فخر واعتزاز.
توظيف القدرات والطاقات
وحينما يتحقق العدل في الأمة، ستوظف يقينًا القدرات والطاقات لتُسهم في تحقيق الحياة الكريمة للمجتمع بكل مكوناته، وحينما تتشارك الجهود من قبل الدولة والمجتمع، سنرى أوقافاً تُسهم في تنمية الأوطان، وحينما يأمن الواقف على المال الذي أوقفه، ويضمن حفظه واستمراره، فإننا سنرى أوقافاً جديدة تخفف الأعباء عن الدولة وتخدم المجتمع، وحينما تشيع ثقافة الوقف وبث روح العمل من أجله، ومن أجل رعايته وضمان استمراره، فإننا سنجد إبداعا في اختيار مجاله، وتسطير شروطه، وتحديد وجهة ريعه، واختيار نظارته، وترشيد إدارته، وضمان بقائه واستمراره، وسبل حمايته، ونعيش آثاره ومخرجاته الإيجابية المثمرة.


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-02-2025, 12:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,987
الدولة : Egypt
افتراضي الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية – المقاصد الشرعية التي يحققها الوقف

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية – المقاصد الشرعية التي يحققها الوقف


  • الوقف من أفضل القربات وأجل الطاعات لما فيه من استمرار العمل الصالح واستمرار أجره لصاحبه بإذن الله تعالى
  • بلغت الجوانب الإنسانية في أوقافنا الآفاق وأثبتت أن الأمة الإسلامية أمة حية أمة تجديد لا أمة تبديد
  • يُعد نظام الوقف أحد أهم النظم المؤسسية التي أسهمت في تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية
جاءت الشريعة الإسلامية لجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، قال الشاطبي -رحمه الله-: «إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً»، ويؤكد هذا الأصل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور فيقول: «واستقراء أدلة كثيرة من القرآن والسنة الصحيحة يوجب لنا اليقين بأن أحكام الشريعة الإسلامية منوطة بحكم وعلل راجعة للصلاح العام للمجتمع والأفراد».
والوقف ثبتت مشروعيته في الإسلام بظاهر القرآن والسنة والإجماع وعمل الصحابة، فهو باب من أبواب الخير الذي يتنافس فيه الناس لينالوا مرضاة الله -سبحانه- ولتحقيق المصلحة العامة من تشريع الوقف.
ثنائية جامعة
وأساس الوقف ثنائية جامعة مفادها: «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة»، هذا ما نص عليه العلماء والفقهاء، قال أبو زهرة -رحمه الله-: هذا أجمع تعريف لمعاني الوقف: حبس العين وتسبيل ثمرتها، أو: حبس عين للتصدق بمنفعتها، فهو أصل ثابت وثواب دائم، ومن مقاصد الوقف: الأجر للواقف في حياته وبعد مماته، ونفع للموقوف عليه في عين الوقف أو غلته، فهو قربة إلى الخالق -سبحانه- وإحسان إلى المخلوق.
الأصل في مشروعية الوقف
والأصل في مشروعية الوقف: أن يكون قربة إلى الله -تعالى-، وأن يستمر نفعه في أوجه البر، لذا يراعى في مصلحة الوقف أمرين: مصلحة الواقف والموقوف، ومصلحة الموقوف عليه؛ لأن للوقف غايتين كليتين: دينية تعبدية، واجتماعية تنموية.
من خصائص المسلمين
وهو من خصائص المسلمين: قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «لم يحبس أهل الجاهلية دارًا ولا أرضاً فيما علمت تبرُّراً»، قال الإمام النووي -رحمه الله-: «الوقف من خصائص المسلمين ومخالف لشوائب الجاهلية»، قال ابن رشد الجد: «الأحباس سنة قائمة، عمل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون بعده». واتفق الفقهاء على أن الوقف مشروع يقول الإمام الشربيني -رحمه الله-: «اتفق العلماء على أن بناء المساجد، وإخراج أرضها من ملكية واقفها، أصلها «وقف الأصل، وحبس الأصول، والتصدق بثمرتها، فيقاس عليه غيره»، ونقل ابن الجلاب -رحمه الله- أن الصحابة -رضي الله عنهم- عملوا بالوقف كعثمان، والزبير، وطلحة وعلي بن أبي طالب، وعمر وبن العاص وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين.
أهم النظم المؤسسية
و«نظام الوقف» يُعد أحد أهم النظم المؤسسية التي أسهمت في تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وأن فعالية هذا النظام وكفاءته في تحقيق أهدافه قد ارتبطت بمدى اقترابه من تلك المقاصد من جهة، وبقدرة المجتمع على توظيفه في مجالات تستوعب مقاصد الشريعة بأولوياتها وبمستوياتها المختلفة: الضروريات، والحاجيات، والتحسينات.
الوقف حفظ الدين
ففي العهد النبوي: الوقف حفظ الدين بوقف الأراضي وبناء المساجد وإقامة حلق العلم والتذاكر وتثبيت الإيمان في النفوس، واستقبال الوفود لتتعرف على الإسلام؛ والتجهيز للغزوات ورد المعتدين، وحفظ النفس بوقف الماء والطعام فأُوقفت الآبار والبساتين والأشجار ومساكن ابن السبيل، وحفظ العقل بخطب الجمعة والتوجيه والإرشاد في المساجد، ورد الشبهات وتثبيت العقيدة الصحيحة في النفوس التي كان منطلقها في المساجد.
حفظ النسل بالوقف
وحفظ النسل بالوقف الذري الذي حفظ كرامة الذرية من الأبناء والبنات؛ حيث خصهم بما يديم الأخوة والمودة بينهم، ويوفر لهم الحياة الكريمة، وأوقاف الصحابة على الذرية مشهود ومشهور؛ وحفظ المال بحفظ الأصول الثابتة بوقف الدور والبساتين وغيرها على الذرية حتى لا يضيِّع الأبناء ما جناه الأباء.
وسائل لتحقيق المقاصد الشرعية
لا شك أن الأوقاف الإسلامية ومؤسساتها هي وسائل لتحقيق المقاصد الشرعية ووسائل إصلاح من شأنها أن تدفع للإصلاح الديني والاجتماعي والاقتصادي والعلمي، ليكون واقعاً متحققاً في الحياة طبقاً لما أمر الله به أو ندب إليه في الكتاب والسنة، والمشاريع الوقفية هي وسيلة يتوصل بها إلى ما نريد تحقيقه من خلالها. ويطول الحديث عن الوقف في الإسلام وامتثال الصحابة -رضوان الله عليهم- وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اتباع سنة الوقف «وهو أن يحبس الأصول من بساتين ودور وآبار» ليصرف من ريعها على أبواب الخير، حديثٌ عظيم، فقد أسهمت تلك الأوقاف في تمكين الاقتصاد الإسلامي وتنمية الموارد لتفي بحاجات الدول وأهلها، لا شك أنها أوقاف في نهضة الأمة وبناء اقتصادها لخصائص الوقف الإسلامي، فهو نظام محكم متعدد الجوانب متجدد العطاء، وموقظ للقدرات ففيه إبداع وتجديد، يحفظ عز الأمة ومكانتها بدوام فوائده وبقاء عوائده.
الجوانب الإنسانية
وقد بلغت الجوانب الإنسانية في أوقافنا الآفاق وأثبتت أن الأمة الإسلامية أمة حية، أمة تجديد لا أمة تبديد، وأمة ابتكار لا أمة تكرار، وأمة إبداع لا أمة ابتداع، جوانب رائعة تأخذ الألباب من دقتها واهتماماتها بأمثلتها الرائعة، وتفردها بنتاجها الحضاري عن سائر الأمم.
حل مشكلة الفقر
أوقاف عديدة حلت مشكلة الفقر، وأسهمت في حل المشكلات الاجتماعية والصحية والنفسية والعلمية والبيئية والإنمائية رحمة بالناس وتخفيفا لمعاناتهم وحفظاً لكرامتهم في الحياة، أما بعد الممات فأوقفت المقابر، وخصصت الأوقاف التي تصرف على أكفان الموتى وسد ديون من مات ومعلق في رقبته دين، وأوقاف أوقفت لتكون استراحة للمسافرين ومأوى وإطعاما؛ وآبار حفرت لأهل البادية وعابري السبيل لسقي رَكُوبهم وماشيتهم، يقصد منها التقرب إلى الله -تعالى-، وكسب الأجر في الحياة وبعد الممات.
من أفضل القربات وأجل الطاعات
فالوقف من أفضل القربات وأجل الطاعات؛ لما فيه من استمرار العمل الصالح واستمرار أجره لصاحبه بإذن الله -تعالى-، وهو من خصائص المسلمين؛ إذ لم يعرف من قبلهم؛ ولذا قال الإمام النووي -رحمه الله-: الوقف من خصائص المسلمين. وقال أيضا: وهو مما اختص به المسلمون، قال الشافعي: لم يحبس أهل الجاهلية دارا ولا أرضا فيما علمت. «الفقه الإسلامي وأدلته».


اعداد: عيسى القدومي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26-03-2025, 12:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية – روائع الأوقاف في الحياة العلميّة


  • أسهم الوقف في بناء حصانة فكريّة متينة في المجتمعات الإسلامية على امتداد التاريخ الإسلامي ووُفرت كل مصادر العلم وأدواته في المساجد والمدارس والكتاتيب وغيرها
  • تعزز من خلال مؤسسات الوقف الجانب الأخلاقي والسلوكي في المجتمع وعولجت السلوكيات والممارسات الخطأ والمشكلات الاجتماعية الطارئة
كانت (اقرأ) هي الكلمة الافتتاحيّة للرسالة الإلهيّة الخاتمة التي حملتها هذه الأمّة الإسلاميّة وآمنت بها، ودعت إليها الخلق أجمعين، منذ فجر الإسلام إلى هذا اليوم، ودلالة هذه الافتتاحيّة ظاهرة على أنّ العلم والرقيّ المعرفيّ هو جوهر هذه الحضارة الإسلاميّة وروحها، ولا يحتاج الإنسان إلى تكلف كثير لكي يتصوّر حال التخلّف العقليّ والأخلاقيّ التي كانت عليها الإنسانية قبل الإسلام، لا فرق في ذلك بين العرب وغيرهم، إذا ما قورن الحال بالقيم الحضاريّة والعلميّة والأخلاقيّة التي أضاء بها الإسلام مناحي الحياة الإنسانيّة كافّة.
ولأهميّة العلم في بناء الحضارات وتقوية شوكة الأمّة، وكونه مفتاح النهضة، والترياق الشافي -بإذن الله- من التخلّف، فقد اتجهت الأوقاف الإسلاميّة على مرّ العصور إلى رعاية العلم والتعليم على نحو يصعب حصر أشكاله أو الإحاطة بها، فضلاً عن توثيقه كلِّه وإحصائه، نقول هذا دون مبالغة ولا تهويل.
بناء حصانة فكريّة متينة
وقد أسهم الوقف في بناء حصانة فكريّة متينة في المجتمعات الإسلامية على امتداد التاريخ الإسلامي، فكان المسجد النواة الأولى لحلقات العلم، وتبع ذلك إقامة الكتاتيب، والمدارس، وعيّن المدرسون، وأُنفق على الطلبة، ووُفرت كل مصادر العلم وأدواته في المدارس والرُّبَط والكتاتيب وغيرها. فتعزز من خلال مؤسسات الوقف الجانب الأخلاقي والسلوكي في المجتمع، وعولجت السلوكيات والممارسات الخطأ، والمشكلات الاجتماعية الطارئة، وانتشرت القيم والفضائل، وواجه المجتمع الإسلامي النّزعات الهدّامة والفرق الباطنية، وقوّم أفكار أبنائه، وحفظ العقيدة الإسلامية، ونشر تعاليم الإسلام النقية في عدد كبير من الدول والأمصار.
نماذج من بقاع إسلاميّة مختلفة
وليس لنا في هذا العرض إلّا إيراد نماذج من بقاع إسلاميّة مختلفة وعصور مختلفة، لتقديم صورة كلّيّة فقط عن عناية الواقفين على اختلاف مستوياتهم برعاية العلم والوقف عليه وعلى أهله ومصادره ووسائله وأدواته وأسباب تيسيره لطلّابه، الأمر الذي يدعو كلّ قارئ له ومطّلع عليه إلى أن يرفع رأسه اعتزازاً بدينه، وثقافته، وانتمائه الإسلامي.
أوّلاً: المكتبات الوقفيّة
«ارتبطت حركة الثقافة العربية بشكل عميق وقوي بالمكتبة، منذ أن شرع العرب في تشكيل أعمال تأليفية بسيطة وتوجهوا نحو تخصيص مكان يجمع فيه ما يصنف ويؤلّف، ليصل إليه أكبر قدر ممكن من القراء، ومنذ البدء، كان الفرد هو صاحب الفضل في ترسيخ بنية المكتبة، هو الذي يبحث ويجمع ويكوّن مكتبة، ثمّ يوقفها لتكون نافذة ثقافة للجميع». فالركن الأساس للنشاط العلمي في أي مكان وزمان هو الكتب والمكتبات، فمن دونها لا تتمكن المدارس من أداء رسالتها، ولا يستطيع المدرّسون والطلبة والباحثون مواصلة دراستهم وأبحاثهم، لذلك لم تخلُ مدرسة في العهود الإسلامية من خزانة كتب، «وقد شارك في هذه الأنماط الوقفية قطاع عريض من المجتمع: خلفاء وسلاطين، وحكام وأمراء، وأثرياء وعلماء ووزراء، وبعض من عامة الناس». ومن المسلّمات أنّ المكتبات الوقفيّة عند المسلمين كانت هي العامل الأوّل في توفير الكتب لطلّاب العلم على مدى قرون طويلة، وقد انتشرت في العالم الإسلاميّ حتى لا تكاد تجد مدينة خالية منها، حتى قال أبو حيان النحوي الأندلسي: «أنا أيَّ كتاب أردتُه استعرته من خزائن الأوقاف».
تأثير المكتبات الوقفيّة
وكان مما قاله ياقوت -في وصف مدينة مرو الشاهجان-: «أقمتُ بها ثلاثة أعوام فلم أجد بها عيبًا إلا ما يعتري أهلها من العرق المديني فإنهم منه في شدة عظيمة، قلَّ من ينجو منه في كل عام، ولولا ما عَرَا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات، لما في أهلها من الرِّفْد، ولين الجانب، وحسن العشرة، وكثرة كتب الأصول المتقنة بها، فإنّي فارقتها وفيها عشرُ خزائن للوَقْف لم أر في الدنيا مثلها كثرةً وجودةً. منها خزانتان في الجامع، إحداهما يقال لها العزيزية، وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزنجاني، أو عتيق بن أبي بكر، وكان فُقَّاعيًّا للسلطان سنجر، وكان في أوّل أمره يبيع الفاكهة والريحان بسوق مرو، ثم صار شرابيًا له، وكان ذا مكانة منه، وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، والأخرى يقال لها الكمالية لا أدري إلى من تنسب، وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد محمد بن منصور في مدرسته، ومات المستوفي هذا في سنة 494هـ وكان حنفيّ المذهب. وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحق في مدرسته، وخزانتان للسَّمْعانيين، وخزانة أخرى في المدرسة العميدية، وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها، والخزائن الخاتونية في مدرستها، والضميرية في خانكاه هناك، وكانت سهلة التناول، لا يفارق منزلي منها مائتا مجلد وأكثر بغير رهن، تكون قيمتها مائتي دينار! فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبها كل بلد، وألهاني عن الأهل والولد، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره ممّا جمعته فهو من تلك الخزائن. وهذا وحده يبيّن لنا إلى أيّ مدى كان تأثير المكتبات الوقفيّة على الحياة العلمية، وإلى أي مدىً كان محتواها مبذولاً بكلّ يسر لأهل العلم والفضل، الأمر الذي ينبئ عن مخالطة محبّة العلم ورعايته دماءَ فُضلاء هذه الأمة وأرواحَهم.
الإسكندريّة والحياة العلميّة فيها
قال ابن جبير في رحلته -يصف انطباعه عن الإسكندريّة والحياة العلميّة فيها-: «ومن مناقب هذا البلد ومفاخره العائدة في الحقيقة إلى سلطانه: المدارس والمحارس الموضوعة فيه لأهل الطِّبِّ والتعبُّد، يَفِدُون من الأقطار النائية فيلقى كل واحد منهم مسكناً يأوي إليه، ومدرِّسًا يعلِّمُه الفنّ الذي يريد تعلُّمَه، وأُجَرَاءَ يقوم به في جميع أحواله. واتّسع اعتناء السلطان بهؤلاء الغرباء الطارئين حتى أمر بتعيين حمّامات يستحمون فيها متى احتاجوا إلى ذلك، ونصب لهم مارستانًا لعلاج من مرض منهم، ووكّل بهم أطبّاء يتفقّدون أحوالهم، وتحت أيديهم خُدَّامٌ يأمرونهم بالنّظر في مصالحهم التي يشيرون بها من علاج وغذاء، وقد رتّب أيضاً فيه أقواماً برسم الزيارة للمرضى الذين يتنزّهون عن الوصول للمارستان المذكور من الغرباء خاصة، ويُنْهُون إلى الأطباء أحوالَهم ليتكفّلوا بمعالجتهم»، وأيُّ عنايةٍ فوق هذه؟! وقد استمرّت هذه الرُّوح في محبّة العلم وتعظيم أهله وطلبته وحملته، حتى نصّ عارف حكمت (ت 1275هـ) في وثيقة وقْف مكتبته المشهورة بالمدينة المنوّرة، أن تُفتح المكتبة كلَّ يومٍ بعد طلوع الشمس بساعة واحدة، حتى قُبَيْل ساعة من الغروب، ولو لم يجيء أيُّ فردٍ إليها، كيف لا؟! وهذا المذكور -رحمه الله، وتقبّل منه-، بذلَ ذات يومٍ أربعمائة جنيهٍ عثمانيٍّ لشراء كتابٍ واحد.
حرص أهل الخير على الكتاب
ومن حرص أهل الخير على الكتاب وصيانته باعتباره وعاء العلم، فقد كان كثيرٌ من الواقفين يمنعون خروج الكتاب خارج المكتبة خوفاً من ضياعه، بل يمنعون من عُرف عنه التّفريط في الكتب وامتهانها من الاطّلاع عليها، ولو داخل المكتبة. قال نجم الدِّين الغزِّي في ترجمة خطّاب الضّرير: «خطّاب، الشيخ الصالح العابد الزاهد، شيخ الإقراءِ بمدرسة الشيخ أبي عمر بصالحيّة دمشق، كان ضريراً حافظاً لكتاب الله تعالى، نافعاً للمجاورين بالمدرسة المذكورة، وكان إذا حصل له شيءٌ من الدّراهم اشترى به مصحفاً، ووَقَفَه».


اعداد: عيسى القدومي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16-04-2025, 07:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية – المكتبات الوقفيّة وشؤونها في التاريخ الإسلامي


  • حفظت المكتبات الوقفية الكتب والمخطوطات ويسّرتها للمطالعين من غني وفقير ورجال ونساء وأحرار وعبيد ومماليك للتعلم والارتقاء حتى ذاع صيتهم بين الأمصار
  • بنى الملك العادل نور الدين زنكي في دمشق البيمارستان الكبير المستشفى الذي كان من مفاخر ملوك الإسلام ووَقَفَ عليه خزانة كتب
نشر الوقف الإسلامي الكتب والمكتبات ما أدى لنشر الثقافة بين فئات المجتمع، الفقير منهم، والغني، والحر، والعبد المملوك، والأيتام، والإماء من النساء، حتى غدا بعضهم علماء وأعلام باقتنائهم الكتب النفيسة وصدق فيهم قول الشاعر: «ورفع العبد المملوك حتى أجلسه مجالس الملوك». ورعى طلبة العلم في المكتبات وهيأ لهم البيئة المرغبة في طلب العلم، والتأليف، والنسخ، والتحقيق، وكان يعطيهم الورق للنسخ أو الكتابة، ويعطيهم الوَرِق وهو المال ليصرفوا على أنفسهم، وهذا ما جعل إقبال الطلبة عليها من البوادي والحواضر، فالمكتبات الوقفية حفظت الكتب والمخطوطات ويسرتها للمطالعين من غني وفقير ورجال ونساء وأحرار وعبيد ومماليك، للتعلم والارتقاء حتى ذاع صيتهم بين الأمصار.
مكتبة أبي القاسم الشافعي المَوْصلي
وَقَفَها على طلبة العلم العلّامة جعفر بن محمد بن حمدان، أبو القاسم الفقيه الشافعي المَوْصلي (ت 323 هـ)، قال ياقوت الحموي: «قال ابن الزمكدم: وكانت له ببلده دارُ علمٍ قد جعل فيها خزانة كتب من جميع العلوم وقفًا على كلِّ طالبٍ لعلم، لا يُمنع أحد من دخولها إذا جاءها غريبٌ يطلب الأدب، وإن كان معسراً أعطاه ورَقاً ووَرِقاً، تُفتح في كلّ يوم ويجلس فيها إذا عاد من رُكُوبه، ويجتمع إليه الناس فيملي عليهم من شعره وشعر غيره ومصنّفاته، مثل «الباهر» وغيره من مصنّفاته الحِسان، ثم يملي من حفظه من الحكايات المستطابة، وشيئًا من النّوادر المؤلّفة، وطرفًا من الفقه وما يتعلق به».
المكتبة الظاهريّة بدمشق
قلّ أن تجدَ علمًا من أعلام الشّام منذ القرن السابع الهجري إلى يوم النّاس هذا، إلّا وله صلةٌ ما بهذه المكتبة، فما قصتها؟! هذا الاسم يُطلق في الأصل على مدرسة بناها الملك الظاهر غازي، ابن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب سنة 613هـ، وكانت هذه يقال لها الظاهريّة البرّانيّة، وهذه الآن «قد انطمست آثارها وخَفِيَ محلّها» كما قال الشيخ عبدالقادر بن بدران -رحمه الله-، واسمها هذا اكتسبته في مقابل الأخرى التي بناها الملك السعيد، ابن الملك الظاهر بيبرس، التي كان يقال لها الظاهريّة الجوّانيّة، سنة 676 هـ، ودُفن هو وأبوه فيها، رحم الله الجميع. ولعظمة تأثير هذه المدرسة وانتشار خيرها وتعاقب الأئمة على كراسيّ التدريس فيها، لم يكن المسلمون ليفوّتوا اغتنام الأجر بالوَقْف عليها، فوُقفت عليها أوقاف كثيرة، قال النُّعيمي: «ومن وَقْف هذه المدرسة: الحصص بالقنيطرة، ثم كفر عاقب والصرمان بكمالها، والأشرفية قبليّ دمشق، ونصف قرية الاصطبل بالبقاع، ونصف الطرّة والبستان بالصالحيّة». أقول: هذا السلسبيل المتدفّق من الكتب والعلوم الذي كانت دائرته تتسع مع السنين، هو الذي أصبح يُعرف بـ (المكتبة الظاهريّة) التي أنتجت لهذه الأمّة إماماً مثل الشيخ العلّامة محمد ناصر الدّين الألباني -رحمه الله-، مجدّد علوم السنة النبويّة في القرن الماضي، وهكذا العمل الصالح، وهذه هي منافع الوَقْف، لا يحصيها إلّا الذي شرع لهذه الأمّة وسيلةً تدرّ عليهم الحسنات إلى قيام الساعة، وقد أَرِمَت أجسادُهم.
المكتبة الظاهريّة بالقاهرة
هي المكتبة الملحقة بالمدرسة الظاهرية التي بناها الظاهر بيبرس سنة 662هـ في محلّة بين القصرين بالقاهرة، وقد كانت هذه المدرسة الوقفيّة مؤسّسة تعليميّة اجتماعيّة متكاملة، قال ابن تغري بردي: «ثم في هذه السنة شرع الملك الظاهر في عمارة المدرسة الظاهريّة ببين القصرين، وتمّت في أوائل سنة اثنتين وستين وستمائة، ورتّب في تدريس الإيوان القبليّ القاضي تقي الدين محمد بن الحسين بن رزين الشافعي، وفى تدريس الإيوان الذي يواجهه القاضي مجد الدين عبدالرحمن بن العديم، والحافظ شرف الدين الدّمياطي لتدريس الحديث في الإيوان الشرقي، والشيخ كمال الدين المحلّي في الإيوان الذي يقابله لإقراء القرآن بالروايات والطرق، ثم رتّب جماعة يُقرئون السبع بهذا الإيوان أيضاً بعد صلاة الصبح، ووَقَفَ بها خزانة كتب، وبنى إلى جانبها مكتباً لتعليم الأيتام، وأجرى عليهم الخبز في كلّ يوم، وكسوةَ الفصلَيْن، وسقايةً تعين على الطّهارة؛ وجُلس للتدريس بهذه المدرسة ثالث عشر صفر من سنة اثنين وستين»، وقال المقريزي: «ولم يقع الشروع في بنائها حتى رتّب السلطان وَقْفَها، وكان بالشام، فكتب بما رتّبه إلى الأمير جمال الدين بن يغمور، وأن لا يستعمل فيها أحداً بغير أجرة، ولا ينقص من أجرته شيئا».
مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو
هي أقدم وأعرق دور المخطوطات الشرقيّة بعد مخطوطات تركيا، هناك بالقرب من مسجد الغازي خسرو بيك في عاصمة البوسنة والهرسك، أسّسها الغازي خسرو بيك عام 944هـ، وتحوي آلاف المخطوطات العربية والتركية والفارسية، ومن أشهر مكتبات المدارس في البوسنة؛ المكتبة التي أقامها المحسن الكبير الحاج محمد بيك الشهير بقركوز بيك رحمه الله سنة 977هـ / 1569م في مدينة موستار، إلى جانب مدرسته الشهيرة في موستار، والتي عرفت باسمه أيضاً، وجعل نواتها كتبه الخاصة التي أوقفها على طلاب المدرسة، وسماها في وقفيته.
مكتبات البوسنة
وإلى جانب ما تقدّم ذكره عرفت البوسنة منذ وصول الإسلام إليها مكتبات عديدة من أشهرها: مكتبة مدرسة حسن ناظر، وقد أنشئت سنة 957 هـ/1550م في مدينة فوتشا، مكتبة المدرّس عثمان أفندي، وقد أسست في القرن الحادي عشر من الهجرة / السابع عشر من الميلاد في مدينة فوتشا، مكتبة عثمان شهدي أفندي، التي أسسها سنة 1173هـ / 1759 م في سراييفو، ومكتبة جامع أحمد باشا، المؤسسة في القرن الثاني عشر للهجرة، في بلدة (غرادتشانيتسا)، ومكتبة الحاج خليل أفندي بن أحمد الغرادتشانيتسوي القاضي في المحكمة الشرعية ببلغراد، وقد أسسها في القرن الثاني عشر للهجرة، ببلدته غرادتشانيتسا.
دار الحديث بدمشق من مآثر القائد نور الدّين زنكي
قال أبو شامة: «وبنى بدمشق أيضًا دار الحديث، ووَقَفَ عليها وعلى من بها من المشتغلين بعلم الحديث وقوفاً كثيرة، وهو أول من بنى داراً للحديث فيما علمنا، وبنى أيضاً في كثيرٍ من بلاده مكاتبَ للأيتام، وأجرى عليهم وعلى معلِّميهم الجِرَايَاتِ الوافرة، وبنى أيضاً مساجدَ كثيرةً ووَقَفَ عليها وعلى من يقرأ بها القرآن، مرّ على دار الحديث الدمشقيّة النوريّة هذه أعلام وأئمّة، مثل علم الدّين البِرزالي، وكان نور الدين قد بناها أصلاً من أجل خاتمة حُفّاظ الوقت؛ أبي القاسم ابن عساكر -رحمه الله-، فكان هذا العَلَم أوّل شيوخها، ومنهم: أبو شامة المقدسي، وأبو الحجّاج المزّي، وعلاء الدين ابن العطّار، وآخرون يطول تعدادهم.
مكتبة مستشفى أحمد بن طولون
قال الدكتور أحمد عيسى: «وقال السّخاوي: إن أحمد بن طولون بنى إلى جانب جامعة البيمارستان، وكان في أحد مجالس البيمارستان العتيق -أي بيمارستان أحمد بن طولون- خزانة كتب كان فيها ما يزيد على مائة ألف مجلد في سائر العلوم، يطول الأمر في عدّتها»، «وأمّا خزانة الكتب فكانت في أحد مجالس البيمارستان العتيق اليوم، كان فيها ما يزيد على مائة ألف مجلد في سائر العلوم، يطول الأمر في عدّتها».
مكتبة مستشفى نور الدين زنكي بدمشق
بنى الملك العادل نور الدين زنكي في دمشق البيمارستان الكبير الذي كان من مفاخر ملوك الإسلام، ووَقَفَ عليه خزانة كتب، وانتدب له المنتخصّصين، فصار بالفعل كلّيّة طبٍّ متكاملةً كالمستشفى الطولونيّ المذكور آنفاً، وكان نور الدين -رحمه الله- قد وَقَفَ على هذا البيمارستان جملة كبيرة من الكتب الطّبيّة، وكانت في الخرستَانَيْنِ اللَّذَيْن في صدر الإيوان.
مكتبة المستشفى المنصوري بالقاهرة
بناه الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي سنة 682هـ، وحسبك بهذا الصرح الطبيّ العالميّ في ذلك الوقت، أن يكون رئيس أطبّائه العلّامة ابن النّفيس، فريدُ عصره ووحيد دهر في علم الطِّبِّ في ذلك الوقت، وقد ألحقَ به الملك المنصور قبّةً كانت داراً للكتب في شتّى العلوم، ومدرسةً وكُتَّاباً للأيتام، وقد بلغ من شأن دار الكتب هذه وأهمّيّتها، أنّ العلّامة ابن النّفيس شيخ الأطبّاء قد وَقَفَ دارَه وكتبَه بع وفاته عليها وعلى المستشفى.


اعداد: عيسى القدومي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-05-2025, 03:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,987
الدولة : Egypt
افتراضي الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية





الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية – الوقف الإسلامي ومجانية التعليم


  • بلغت مدارس بيت المقدس بين القرنين الخامس عشر والثاني عشر الهجريَّيْن نحو سبعين مدرسة لا زالت آثارُ كثيرٍ منها ماثلةً إلى اليوم حول المسجد الأقصى
  • من أهمّ آثار الأوقاف في التعليم هو التفرّغ التامّ الذي توفّر للعلماء نتيجةً لضمان أرزاقهم من غلّات الأوقاف وما يلحق ذلك من صفاء الذهن والاستقلاليّة الماليّة
  • عامّة النّاس من المسلمين كان لهم دورٌ بارزٌ في وقف المدارس والوقف عليها كما تحفظ لنا كتب التاريخ
أسهمت كثرة الأوقاف في تحقيق مجانية التعليم، على النواحي التعليمية من: مدارس وكتاتيب وحلقات العلم، في المساجد في عصور الازدهار المادي للحضارة الإسلامية؛ حيث حرص واقفو المدارس ودور التعليم المختلفة -في كثير من العواصم الإسلامية- على توفير احتياجات الطلبة الدارسين فيها ومدرسيهم كافة، ولا سيما المسكن الملائم لهم؛ لتوفير المناخ المناسب للعلم والتعلم.
إنّ المتتبّع لتاريخ أمصار الإسلام -منذ القرون الإسلاميّة المبكّرة- يجد -وبلا مبالغة ولا تهويلٍ- أنّ المؤسّسات التعليميّة التقليديّة وهي المدارس الشرعيّة والكتاتيب، كانت تقومُ حقًّا مقام الكليّات والجامعات والمعاهد في وقتنا الحاضر، بما في الكلمة من معنى، ولا تنقصُ عنها شيئًا، بل قد تزيدُ! ولعلّ من أهمّ آثار الأوقاف في هذا الجانب بحقّ، هو التفرّغ التامّ الذي توفّر للعلماء، نتيجةً لضمان أرزاقهم من غلّات الأوقاف، وما يلحق ذلك من صفاء الذهن، والاستقلاليّة الماليّة التي تستتبعُ الاستقلاليّة الفكريّة بلا أدنى شكّ؛ بحيثُ كان المخدومُ بكلّ هذا العطاء هو دينُ الله حقًّا وصدقاً، بعيداً عن أيّة أغراضٍ أو مآرب أو شوائب، ومن أبرز المدارس الوقفية ما يلي:
المدرسة الحلّاويّة (الحَلَويّة) بحلب
أنشأها الملك العادل نور الدين زنكي عليه -برّد الله مضجعه- عام 543هـ في حلب، ولا يبدو أنّ ثمّة مدرسة اشتُقَّ اسمُها من بعض لطائفِ عطائِها كما هو الحال مع هذه المدرسة. «وقد شَرَطَ الواقف أن يُحمل للمدرسة في كلِّ رمضان من وَقْفِها ثلاثة آلاف درهمٍ يُصنع بها للفقهاء طعامٌ، وفي ليلة النصف من شعبان يُصنع حلواء معلومة، وفي الشتاء ثمن بياض، لكلِّ فقيه شيء معلوم، وفي أيّام شرب الدّواء من فصلي الربيع والخريف ثمن ما يُحتاج إليه من الدّواء والفاكهة، وفي المواليد أيضاً الحُلْو، وفي الأعياد ما ينفقونه دراهم معلومة، وفي أيام الفاكهة ما يشترون به بطيخاً ومشمشاً وتوتاً».
المدرسة المستنصريّة ببغداد
بناها الخليفة المستنصر بالله، الذي ولي الخلافة العبّاسيّة عام 623هـ، قال فيه ابن تغري بردي: «باني المدرسة المستنصرية ببغداد، التي لم يُبْنَ في الإسلام مثلُها في كثرة أوقافِها وكثرة ما جُعل فيها من الكتب»، وقد كانت المستنصريّة ببغداد، على شاطئ دجلة الشرقيّ، «وقد وَقَفَها على المذاهب الأربعة، وألحق بها مستشفىً وحمّامًا ودارَيْن؛ أحدهما للقرآن الكريم، والآخر للحديث الشريف». واعتنى الخليفة المستنصر بتوفير مكتبة شاملة كبيرة في هذه المدرسة، وأنفق أموالاً طائلة لجمع أكبر قدر من الكتب فيها، مما أدى إلى وقوع أزمة في سوق الكتاب في عصره عبَّر عنها ابن النجار بقوله: وبيعت كتب العلم في أيامه بأغلى الأثمان لرغبته فيها، ولوقفها.
المدرسة المحمودية بالقاهرة
وأسس هذه المدرسة محمود الأستادار المتوفي سنة 799 هـ، ووقف عليها مجموعة كبيرة من الكتب يقول عنها المقريزي «لا يعرف بديار مصر ولا الشام مثلها، وبهذه الخزانة كتب الإسلام من كل فن»، وظلت هذه المدرسة باقية حتى عصر المقريزي، وقد أشار هو إلى ذلك؛ حيث قال: «وهي باقية إلى اليوم، وأورد السخاوي نصاً يوحي بأنها كانت تضم في العشر الثاني من القرن التاسع الهجري قرابة من أربعة آلاف مجلد».
مدرسة أعظم شاه في مكة المكرمة
وهي من أوقاف سلطان البنجال أعظم شاه بن اسكندر شاه غياث الدين أبي المظفر وقد بدء في التدريس بها عام 814، ومن المؤكد أنها كانت تضم مكتبة حافلة، وكان موقعها عند باب أم هاني بجوار الحرم المكي الشريف، يبدو أنها هي ذاتها التي وقف عليها محمد سعيد الشرواني الداغستاني والي الحجاز المتوفي سنة 1291هـ كتبه، وكانت مجموعة نفيسة.
مدرسة الأرسوفي
وهي من مدارس مكّة المكرمة، وقفَها العفيف عبدالله بن محمد الأرسوفي سنة 591هـ، وغيرها كثير.
مدارس القدس والمسجد الأقصى
بلغت مدارس بيت المقدس بين القرنين الخامس عشر والثاني عشر الهجريَّيْن نحو سبعين مدرسة، لا زالت آثارُ كثيرٍ منها ماثلةً إلى اليوم، حول المسجد الأقصى، وداخله، منها:
المدرسة الباسطيّة:
قال العليمي: «بعضُها على المدرسة الدويدارية، واقفُهَا القاضي زين الدّين عبدالباسط بن خليل الدمشقي، ناظر الجيوش المنصورة، وعزيز المملكة، وأوّل من اختطّ أساسَها وقَصَدَ عمارتها شيخ الإسلام شمس الدّين محمّد الهروي شيخ الصلاحيّة، وناظر الحَرَمَيْن، فأدركته المنيّة قبل عمارتها، فعمّرها عبدالباسط وَوَقَفَهَا». وقد أقام العلّامة ابن رجب الحنبلي مدة طويلة في المدرسة السكّريّة بدمشق، وهي واحدةٌ من بين ثلاثمائة وخمسين مدرسةً فيها آنذاك!
كُتّاب الضحّاك بن مزاحم
وَلِيَ أولياء الأمور والمحسنون من المسلمين أمر إنشاء الكتاتيب والإنفاق عليها، وشارك في هذا الفضل المعلمون الذين كانوا يقومون بمهنة التدريس احتساباً، ولا سيما في العهد الأول للإسلام، ثم انتشرت الكتاتيب العامّة الموقوفة بعد ذلك عبر العصور حتى أصبح الكُتَّاب في بلاد ما وراء النهر يضم الأطفال اليتامى والفقراء والمساكين، حتى أصبح كتَّاب الضحاك بن مزاحم عام 105 هـ يحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف طفل، كما أصبحت بالشام كتاتيب موقوفة لتعليم أبناء المسلمين.. ثم تلا بعد ذلك الكتاتيب في مصر». ومن الملاحظ أنّ عامّة النّاس من المسلمين كان لهم دورٌ بارزٌ في وقف هذه المدارس والوقف عليها كما تحفظ لنا كتب التاريخ، ولم يكن الأمر قاصراً على الأغنياء وذوي الملاءة الماليّة المستقرّة، بل شارك فيها فضلاء، وإن لم يكونوا من المشاهير.


اعداد: عيسى القدومي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16-05-2025, 12:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية – الكراسي العلميّة في المساجد والمدارس


  • كان لنماء مال الوقف دور في الإنفاق على المدارس ومرافقها وأجور المدرسين فقد كفتهم أحوال الوقف عن التفكير في أمر تدبير المعيشة لهم ولأسرهم
  • كانت الكراسي العلمية ظاهرة تربوية تعليمية تميزت بها الجوامع والمدارس في المغرب وكان التنافس قويا بين العلماء في التفرد بكرسي علمي أو بمجموعة من الكراسي
نظراً لكون المساجد هي دور العلم الأساسيّة في الإسلام، والذي ينقطع للتّدريس ستتضرّر دنياه ومعيشته ولا بد بما ينعكس سلباً على قدراته العلميّة وجودة أدائه، فلم يكن المدرّسون في المساجد، فضلاً عن المدارس الوقفيّة مهملين من أوقافٍ تضمن لهم جِراياتٍ توفّر لهم حياةً كريمة.
الكراسي العلمية الوقفية في المغرب
في مجال التعليم العالي ازدهرت الكراسي العلمية في المغرب بمال الوقف، فقد كانت الكراسي العلمية ظاهرة تربوية تعليمية، تميزت بها الجوامع والمدارس في المغرب، وكان التنافس قويا بين العلماء في التفرد بكرسي علمي أو بمجموعة من الكراسي ولاسيما الكراسي الخاصة بالتعليم العالي، التي كان يحفرها الطلبة والعلماء والمختصون، ولا يتم ذلك للعالم إلا إذا كان مرجعاً وحجة في مادته.
وقد اشتهرت كراسي عديدة بأسماء أصحابها، ومن أبرز العلماء الذين كانت لهم كراسي علمية مشهورة: الونشريشى أبو الربيع سليمان الفارس (ت705هـ)، والفقيه محمد بن أحمد العارمي السليماني (ت 771هـ)، وعبدالعزيز الورياغلي (ت880هـ)، وانو الغازي المراكشي أبو محمد (ت919هـ) والخطيب أبو محمد عبدالله بن على بن أحمد العاصي (ت 908هـ).
وممن كانت لهم كراسي علمية عديدة لسعة معارفهم الفقيه أبو العباس أحمد بن على المنجور (ت995هـ) كانت له كراسي التفسير والسيرة، وكانت أجور هؤلاء العلماء وغيرهم ممن اعتلوا الكراسي العلمية تؤدى من مال الوقف.
المجالس العلمية
وكانت هناك ظاهرة علمية أخرى في الجوامع والمدارس انتعشت ونمت بفضل مال الوقف، وهي ظاهرة المجالس العلمية؛ حيث كان العالم يلقي دروسه وهو جالس على الأرض بدلاً من الكرسي، والظاهرتان معًا -أي الكراسي والمجالس العلمية- ما زالتا قائمتين في المساجد في عصرنا الحاضر.
ولم تكن لتزدهر الكراسي العلمية بمعزل عن المدارس، التي كانت تبنى من مال الوقف ويرفق معها مرافق أساسية من سكن الطلبة وأساتذتهم، وتخصص منح للطلبة المنتسبين للمدرسة وهي كالأحياء الجامعية بكل متطلباتها.
نماء مال الوقف
وكان لنماء مال الوقف دور في الإنفاق على تلك المدارس ومرافقها، وكانت أجور المدرسين مناسبة لمعيشتهم حتى لا يبحثوا عن عمل آخر ليكملوا حاجاتهم المعيشية، فقد كفتهم أحوال الوقف عن التفكير في أمر تدبير المعيشة لهم ولأسرهم.
الحفاظ على المدارس في المغرب
وفي المغرب بلغ حرصهم في المحافظة على المدارس، أنهم كانوا ينقشون الموقوفات على رخام كان يبنى في جدرانها حفاظاً على استمرار إنفاقه عليها، وكانت المدارس في المغرب تستقبل الطلبة بعد حفظهم للقرآن الكريم في الكتاتيب دون أن يشترط تحديد السن، وهذا ما جعل إقبال الطلبة عليها من البوادي والحواضر؛ فقد رعت الأموال الوقفية عملية التعليم وأسهمت في إصلاحها واستمرارها من مرحلة الطفولة حتى المراحل الدراسية العليا المتخصصة، وإن أغلب فقهاء المسلمين وعلماء دينهم ترعرعوا ونشأوا على ما وضعته أموال الوقف تحت تصرّفهم.
الإنفاق على الطلبة المهاجرين
وتحدث ابن خلدون في مقدمته عن الفتيان الذين ولدوا وترعرعوا في القرى والأرياف البعيدة عن المدن والعمران، ولكن لم تتوافر لهم الفرصة للتعليم والارتقاء في مجتمعاتهم المتواضعة؛ فكان لزامًا عليهم الهجرة والسفر من أجل الحصول على تعليم يحقق لهم طموحهم العلمي والفني، يقول ابن خلدون: «إن ما ساعد مثل هؤلاء الشباب هو ترف ما أُغدق على معاهد التعليم والتدريب في المدن من موقوفات، جعلت الهجرة إلى مراكز الحضارة من أجل طلب العلم أمراً مشروعاً»، ثم يعطي أمثلة على ذلك في بغداد وقرطبة والكوفة والبصرة والقيروان، كل ذلك بما وفرته الأموال الموقوفة.
وممن كانت لهم كراسي علمية عديدة لسعة معارفهم الفقيه أبو العباس أحمد بن على المنجور (ت995هـ) كانت له كراسي التفسير والسيرة، وكانت أجور هؤلاء العلماء وغيرهم ممن اعتلوا الكراسي العلمية تؤدى من مال الوقف.



اعداد: عيسى القدومي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25-05-2025, 02:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. من روائع الأوقاف القرآنية


  • اتجهت الجهود الصادقة من أبناء الأمة جيلا بعد جيل للعناية بالقرآن العظيم وسَخَّرت جُلّ علومها ومعارفها في سبيل ذلك
جاء في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته».
ذكر ابن مرزوق أنه وقف على المصحف المذكور في قبة الشراب بالحرم المكي، وقال: «وقد رأيت بمكة -شرفها الله- المصحف الذي بعثه أبو يعقوب بخط ابن حسن، وكان وجهه محلى بالذهب المنظوم بالجواهر النفيسة، فانتزع ما عليه، وبقي في قبة الشراب يقرأ فيه احتساباً، وقد قرأت فيه في أعوام».
كما أن السلطان أبا الحسن المريني (ت 752 هـ) بعث إلى الحرم المكي مصحفًا كتبه بيده، وتولى تنميقه وتذهيبه مشاهير الوراقين كما تولى ضبطه وتهذيبه أكابر القراء، بينما تفنن مهرة الصناع في تغشية وعائه بصفائح الذهب وترصيعه بالجواهر واليواقيت (واتخذ له أصونة الجلد المحكمة الصنعة المرقوم أديمها بخطوط الذهب ومن فوقها غلائف الحرير الديباج وأغشية الكتان).
شراء أوقاف على القراء
ولم يكتف السلطان أبو الحسن ببعث هذا المصحف، بل شفع ذلك بمبلغ مالي قدر بستة عشر ألف وخمسمائة دينار ذهب لشراء الضياع بالمشرق لتحبيسها على القراء في المصحف، وذكر ابن الوردي في تاريخه في أثناء حوادث عام 747هـ (أن أبا الحسن كتب من مدة قريبة بخطه ثلاثة مصاحف، ووقفها على الحرمين الشريفين وعلى حرم القدس) ثم أضاف بأن أبا الحسن جهز مع المصاحف الثلاثة عشرة آلاف دينار اشترى بها أملاكاً في الشام ووقفت على القراء والخزنة للمصاحف المذكورة.
بعث السلطان عبدالله بن إسماعيل إلى المسجد النبوي ثلاثة وعشرين مصحفا بين كبير وصغير كلها محلاة بالذهب مرصعة بالدر والياقوت، ومن جملتها المصحف الذي يقال بأن عقبة بن نافع نسخه من المصحف العثماني.
وقف المصاحف
خطاب الضرير المتوفي بدمشق سنة 968 هـ، كان أحد الفقراء المهتمين بوقف المصاحف، فكان «إذا حصل له شيء من الدراهم اشترى به مصحفا ووقفه»، وكان محمد ابن أحمد بن حسن العينتابي وهو من أهل القرن التاسع، خطاطاً مجيداً كتب لنفسه ولغيره. وقد وقف مجموعة من المصاحف بخطه.
وقف حفظ القرآن الكريم
هناك وقف للصبيان الذين يحفظون شيئًا من القرآن الكريم يسمعونه كل يوم خميس ويأخذون دراهم استنهاضاً لهممهم، وتفريجًا لقلوبهم، تمثل دور الكتب صروحًا فكرية وحضارية في التاريخ الإسلامي، وهي ذات رسالة سامية تتمثل في التشجيع على نشر العلم والفكر، ولم يقتصر دور الكتب على أنها أماكن تحفظ فيها آلاف الكتب، بل كانت مراكز علمية تعقد فيها المجالس والدروس، وكان طلاب العلم يقصدونها من كل حدب وصوب، للأخذ من أمنائها أو العلماء فيها.
فقد وقف رمضان بن إلياس وقفه على قراءة القرآن العظيم في الجامع العمري الكبير في غزة، ووقف ابن مزهر مزرعة جادور بالقدس على قراءة القرآن بالصخرة المشرفة، وخصص الغرس خليل بن الشهابي جزءاً من وقفه لرجل يقرأ القرآن عقيب صلاة الفجر بالجامع الجديد، وحددت وقفية عائشة الرومية خمسة قراء يقرؤون القرآن بالصخرة الشريفة كل يوم بعد العصر جزأين كاملين من القرآن الكريم في تربة الواقف.
إضافة إلى القرآن الكريم فقد نال الحديث الشريف نصيبا من وقفياتهم؛ إذ وقف مقبل الحسامي وقفه على من يقرأ صحيح البخاري في شهر رجب وشعبان ورمضان في كل يوم خميس واثنين بجامع صفد المحروسة، وخصص أولاد الزيني أمير حاج جزءاً من وقفيتهم لشيخ له سند متصل بالإمام البخاري يقرأ في كل يوم في شهر رجب وشعبان ورمضان من صحيح البخاري ما تيسر.
توفير الألواح للكتابة
في المغرب أوقاف كانت لتوفير الألواح التي يكتب عليها التلاميذ القرآن الكريم، أو الأقلام والإنارة وعطاء لمعلمي القرآن الكريم.
العناية بالقرآن الكريم وخدمته
العناية بالقرآن العظيم والاشتغال به وخدمته والسعي إلى إيصال رسالته للعالمين كافة، يعد من أجل الأعمال والقربات التي يتقرب بها العبد إلى رب الأرض والسموات، وهي من أفضل الطاعات التي يُنفق المسلم الصادق في سبيلها الأعمار والأوقات، ويَبذل من أجلها كل غال ونفيس؛ فقد اعتنى المسلمون منذ فجر التاريخ وانبثاق نور الوحي على ربوع العالم بالقرآن الكريم عناية كُبرى، شملت جميع نواحيه وأحاطت بكل ما يتصل به من علوم ومعارف.
وكان لهذه العناية والرعاية آثارها المباركة الطيبة في حياة الناس عموما والمسلمين خصوصا، وقد أفاد منها كل مظهر من مظاهر النشاط الفكري والعملي عرفه الناس في حياتهم، وتأسست على هديه المبارك وفي ضوء تعاليمه الرفيعة أمة عظيمة، صدّرت كل خير للإنسانية، وأقامت حضارة شامخة أفادت البشرية؛ فلله دُر هذا الكتاب العظيم الذي أحيا الله به أمة من العدم.
وقد اتجهت الجهود الصادقة والقلوب المخلصة من أبناء هذه الأمة جيلا بعد جيل للعناية بالقرآن العظيم تلاوة وحفظا، وكتابة وتفسيرا، ومُدارسة وتدبرا، وتعلما وتعليما، وسَخَّرت الأمة جُلّ علومها ومعارفها لخدمة القرآن؛ إذ لا يكاد يُوجد علم من العلوم التي اشتغل بها المسلمون في تاريخهم الطويل إلا كان الباعث عليه هو خدمة القرآن العظيم من ناحية ذلك العلم.
وفي إطار اهتمام الأمة بالقرآن العظيم أقام بعض المخلصين من أبنائها هيئات ومؤسسات لتحفيظ القرآن، وتدبر القرآن؛ إلا أنه لم تقم حتى الآن مؤسسة أو هيئة مُتخصصة في ترجمة تفسير القرآن الكريم
ولم يتوقف عطاء الأمة تجاه القرآن العظيم وخدمته والاعتناء به وبدراساته وعلومه عند هذا الحد؛ بل تجاوزه إلى التنافس في كتابته بأحسن ما تفتقت عنه عبقرية الفنان العربي المُسلم من خطوط هي آية في الجمال والفن والإبداع، وتسابقت الدول والحُكام -حتى الطُّغاة المُتجبرين الفاسدين منهم- فضلا عن أهل الخير في الأمة إلى طباعته على أجود ما تكون الطباعة؛ فانتشرت طبعات المصحف الشريف في كل مكان، وتبارت الدول والحكومات حتى الأنظمة التي تُحارب أحكام وشريعة القرآن العظيم في تقديم الطبعات الفاخرة لكتاب الله -جل وعلا-، وهذا من فضل الله العظيم على أمة الإسلام، فقد تكفل الحق -سبحانه وتعالى- بحفظ كتابه الكريم؛ فقال -جل شأنه-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.



اعداد: عيسى القدومي






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 127.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 123.05 كيلو بايت... تم توفير 4.44 كيلو بايت...بمعدل (3.48%)]