وقفة محاسبة في زمن الفتن - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 609 - عددالزوار : 114385 )           »          كيف نحمي أطفالنا من الآثار الضارة للألعاب الإلكترونية (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 1 - عددالزوار : 13 )           »          أغض للبصر وأحصن للفرج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مواعظ نبوية بشأن الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          عدسة الانتقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من معالم النصرة الواجبة بين المسلمين: استثمار العاطفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          عبادة إيناس الوحشان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          هل بعض الآثار الخارقة موجودة قبل آدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التطرف والغلو في ميزان الشرع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          هل محمد عليه الصلاة والسلام لا يورَث دون غيره من الأنبياء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2025, 08:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,846
الدولة : Egypt
افتراضي وقفة محاسبة في زمن الفتن

وقفة محاسبة في زمن الفتن

الشيخ عبدالله محمد الطوالة

إنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون [آل عمران:102].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون [الحشر:18].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70].

أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار.

معاشر المؤمنين الكرام:
لو أعمَل العاقل فِكْره في سرعة مرور الليالي والأيام، لرأى من ذلك عجبًا لا ينقضي، فبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ سَيُطْوَى بِسَاطُ عامٍ كاملٍ بكل ِمَا عُمِلَ فِيهِ مِنْ طَاعَاتٍ وَآثَامٍ، فَهَنِيئًا لِمَنْ أَحْسَنَ فِيهِ وَاسْتَقَامَ، وَيَا حَسْرَةَ مَنْ أَسَاءَ فِيهِ وَارتكت الْحَرَامَ؛ فَإِنَّمَا العمر ساعات وأيام.. تنقضي سريعا، وتمضي جميعًا.. وإذا بالْمَرْءِ يقف بين يدي الملك العلام.. ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون [البقرة:281]..

قال الفُضَيل بنُ عِياض رحمه الله لِرجُلٍ: كم مضى من عمرك؟.. قال: سِتُّون سنةً.. قال الفضيل: فأنت مُنذُ سِتِّين سنةً تسِيرُ إِلى ربِّك.. تُوشِكُ أن تبلُغ.. فقال الرّجُلُ: إِنّا لله وإِنّا إِليهِ راجِعُون.. قال الفضيل: وهل تعلمُ ما معنى: إِنّا لله وإِنّا إِليهِ راجِعُون.. قال الرّجُلُ: فسِّرها يا أبا علي.. قال الفضيل: إِنّا لله، أي: أنا لله عبدٌ، وأنا إِلى الله راجِعٌ، فمن علِم أنّهُ عبدٌ لله، وأنّهُ إِليهِ راجِعٌ، فليعلم بِأنّهُ موقُوفٌ، ومن علِم بِأنّهُ موقُوفٌ، فليعلم بِأنّهُ مسؤولٌ، ومن علِم أنّهُ مسؤولٌ فليُعِدّ لِلسُّؤالِ جوابًا صوابًا.. إنه يومُ القيامة.. يومُ الحسرةِ والندامة، يومُ الميزانِ والمحاسبة: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ [آعمران:30].. ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار [إبراهيم:48].. ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [النبأ:18].. ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين [المصطففين:6].. ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار [غافر:15].. ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَة * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَة * أَبْصَارُهَا خَاشِعَة [النازعات:6].. ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106].. ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه [عبس:34].. ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد [الحج:2].. ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَة [الحاقة:18].. ﴿يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّر [القيامة:13].. ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون [النحل:111].. ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه [الانفطار:19].. ﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم [الشعراء:88].. ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى [النازعات:35].. ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:23].. فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الصحيح: «يَا عِبَادِي: إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».

أيها المسلمون:
يجب على العاقل أن يرجع إلى نفسه، فيحاسبها على ما قدم في يومه وأمسه، فإن كان خيرًا فليحمد الله، وليتزود ويكثر من الصالحات، وإن كان غير ذلك فليتب، ويستغفر ويتخلص من السيئات.. هكذا يكون شأن العاقل: يحاسب نفسه في ختام يومه وأسبوعه وشهره، وفي نهاية عامه، فإن من حاسب نفسه في الدنيا، خفّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن أهمل نفسه وأطلق لها العَنان ظهرت عند الموت حسراته، وطالت في العرصات ندامته، وقادته إلى المقت والخزي سيئاته.. ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [قصلت:46].. في الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).. ويقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبدُ تقيًّا حتى يكونَ مع نفسه أشدَّ من الشريك الشحيح مع شريكه".. ويقول ابن حبان: "أفضلُ ذوِي العقولِ منزلةً أدومُهم لنفسه محاسبةٍ".. ثم إنَّ الاطلاعَ على عيوبِ النفسِ ومثالبها.. يُلجِمها عن الغيّ، ويكفُها عن الضلال، كما أنَّ معرفة العبدِ قدر نفسَه، وعِظمَ موقِفه بين يدي ربه.. يورثُه تذلّلًا وعبوديةً وانكسارًا لله.. فلا يُعجَبُ بعملِه مهما عظُم.. ولا يحتقِر ذنبًا مهما صغُر.. يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا يتفقَّه الرجل كلَّ الفقه حتى يمقتَ الناسَ في جنب الله ثم يرجِع إلى نفسِه فيكون لها أشدَّ مقتًا).. والتعرّفُ على حقّ الله، وعظيم فضله.. وتذكّرِ كثرةِ نعمِه.. يُطأطِئ الرأسَ للجبّار جلّ وعلا حياءًا وخجلا.. ويُدرك المرءُ معه عِظم تقصيرَه في حق المنعم جلّ وعلا.. وأنّه لا نجاةَ إلا بالرجوع إليه تبارك وتعالى، وأنّ حقهُ سبحانه أن يطاعَ فلا يُعصى، وأن يُشكرَ فلا يكفر.. ولذا يقول أهل العلم: "بدايةُ المحاسبةِ أنّ تقايِس بين نعمِ عزَّ وجلّ عليك.. وبين جنايتِك في حقه.. فحينئذ يظهرُ لك التفاوتُ.. وتعلَم أنّه ليس ثمَ ّ إلا عفوُه ورحمته.. أو الهلاكَ والعطب".. وهكذا يا عباد الله: فالمحاسبة وتفقّدُ العيوبِ.. يزكّي النفسَ ويطهّرها، مصداق ذلك في قول الحق جل وعلا: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا [الشمس:9]، ويقول مالك بن دينار: "رحِم الله عبدًا قال لنفسه: ألستِ صاحبةَ كذا؟! ألستِ صاحبةَ كذا؟! ثم زمَّها، ثم خطمَها، ثم ألزمها كتابَ ربّها، فكان لها قائدًا".

يا عباد الله:
لقد ذهب عامكم شاهدًا لكم أو عليكم، فخذوا لما سيأتي زادًا كافيًا، وأعدوا للسؤال جوابًا شافيًا، واستكثروا فيما بقي لكم من الحسنات، وتداركوا ما مضى من الهفوات والغفلات، وليحاسب كل واحدٍ منا نفسه، فقد سعُد والله من لاحظها وراقبها وفاز ولا شك من حاسبها، وعاتبها، فانظر يا عبدالله في صحائف أيّامك التي خلت؛ ماذا ادَّخرتَ فيها لآخرتك، واخلُ بنفسِك وحاسِبها حسابَ الشريك لشريكه.. فالموفقُ مَن وقفَ مع نفسه وقفةَ حسابٍ وعتاب؛ يُصحِّح مسارها، ويتدارك زلَّاتَها.. ألا وإنَّ غيابَ المحاسبةِ نذيرَ خطرٍ كبير، فما أردَى الكفارَ في لُجج النار إلا ظنُّهم أنّهم سيمرحون ويلعبون بلا رقيب ولا حسيب، فاسمع ما قاله سبحانه وتعالى عنهم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا [النبأ:28].

فطوبى لمسلم حاسبَ نفسهُ فانتفع بعمره، متذكرًا قول نبيه صلى الله عليه وسلم: "خيركم من طال عمره وحسن عمله".. لاهجًا بدعاءه المأثور: "اللهم اجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموتَ راحةً لي من كل شر".. ونضر الله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ورضي عنه ذا الكلمة الراشدة الراسمة طريق النجاح: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله) ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].
أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى..

أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ، وَاحمَدُوهُ كثيرًا عَلَى مَا نَعِيشُهُ من أمن وأمان، ورغدٍ واستقرار، فالعالم كلهُ يضجُّ بالفتن وَالنِزَاعَات، وَالنَّاسُ من حَولَنَا في حروبٍ شرسةٍ وصِراعات، وفَقرٍ وَجوعٍ وَمعاناة، فِتَنٌ كقطع الليلِ مُظلِمات، أنهارٌ من الدِّمَاءِ، وَتَسَلُّطِ فجٌ من الأَعدَاءِ، وَدَمَارٌ وَحِصَارٌ وأشلاء، وَقنابل وصواريخ تملأ الأرضَ والفضاء، فَلْنَحمَدِ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ، ولنحذر الذنوب والمعاصي، فبسببها ينزلُ البلاء ويتسلطُ الأعداء، وَلْنُقَوِّ عَلاقَتَنَا بِرَبِّ الأرض والسماء، وَلْنُكثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ بِأَن يَحمِيَنَا وَيَحمِيَ بِلادَنَا وَبِلادَ المُسلِمِينَ مِن كُلِّ سُوءٍ وبلاء، وَلْنَعلَمْ أَنَّهُ لا مَخرَجَ مِنَ الفِتَنِ إِلاَّ بِالاعتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلُزُومِ الجَمَاعَةِ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون [آل عمران:103].. وَعَنِ العِرباضِ بنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: وَعَظَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم مَوعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَت مِنهَا العُيُونُ وَوَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوصِنَا، قَالَ: "أُوصِيكُم بِتَقوَى اللهِ وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عبدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلَالَةٌ" صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.. نعم هناك اختلاف كبير يا عباد الله، فمع هذه الثورة التقنية الهائلة، صَارَ العالم كله كَالقَريَةِ الوَاحِدَةِ، وأصبحت أدق الأخبار تعرف على مدار اللحظة والثانية.. بل ومعها لِقَاءَاتٌ وَندوات، وَتَحلِيلٌ وَإِثَارَةٌ وَشَائِعَاتٌ، وَلا يَخفَى عَلَى العَاقِلِ اللَّبِيبِ، مَا يَكُونُ لِمِثلِ هذا مِن آثَارٍ وَأَضرَارٍ وأَخطَارٍ، فإن كانت السلامة لا يعدلها شيءٌ، فأول ذلك سلامة العقيدة وحسن الظن بالله.. ثم فقه التعامل مع مثل هذه الأحوال الطارئة.. نسأل الله أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن.. في الصَّحِيحَينِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المَاشِي، والمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لَهَا تَستَشرِفْهُ، فَمَن وَجَدَ مَلجًَا أَو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ".. وَفِي الحديث الصحيح أَيضًا قَالَ صلى الله عليه وسلم: "العِبَادَةُ في الهَرْجِ كَهِجرَةٍ إِليَّ".. فَجَدِيرٌ بِالمُسلِمِ العَاقِلِ الَّذِي عَافَاهُ اللهُ وَكَفَاهُ، أَن يَهتَمَّ بِمَا يُصلِحُ به شَأنَهُ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى مَا يَنفَعُ بِهِ نَفسَهُ وَمُجتَمَعَهُ، فَالعُمرُ أَقصَرُ مِن أَن يُضِيعَ منه شيءٌ فيما لا ينفع.. ومن حسن إسلام المرء تركهُ ما لا يعنيه.. وَمَن أيَقَّنَ أَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يَكُنْ، فسيطمَئنّ قَلبُهُ، وَتهَدَأَ نَفسُهُ، وَمن حَفِظَ اللهَ فسيحفَظَهُ، فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا * وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا [الطلاق:2]..

أعوذ الله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد * وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَام [الزمر:36]..

يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفرقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.00 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]