|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ذاك الذي يمشي على الرمل في ذكر بعض مآثر العم الشيخ عبدالرحمن بن صالح الشثري أبو هشام حامد بن إبراهيم بن عبدالعزيز الشثري الحمد لله الذي جعل للإنسان أجلًا مع الموت، والذكر الحسن حياة ثانية بعد الفوت، أحمده سبحانه وهو القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ [يس: 12]، وأصلي وأسلم على النبي الهُمام، أُثني على جنازة عنده خيرًا فقال: «وجبت لها الجنة»، وقال: «ما من رجلٍ مسلمٍ يموتُ، فيقومُ على جنازتِه أربعون رجلًا، لا يشركون باللهِ شيئًا، إلا شفَّعَهم اللهُ فيه»، و«ما مِن مَيِّتٍ تُصَلِّي عليه أُمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ له؛ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ»، صلـى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ثم أما بعد: وموتُ فتًى كثير الجود محلٌ ![]() فإن بقاءه خصبٌ ونعمة ![]() ![]() ![]() ذاك هو العم عبدالرحمن بن صالح الشثري أبو هشام، (الذي يمشي على الرمل)؛ لأن السير عليه عزيز، والسائِرُ عليه قليل، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «المخلص لربِّه كالماشي على الرمل؛ لا تسمع خطواته ولكن تُرى آثاره». كان العم عبدالرحمن – رحمه الله – رجل الإعلام والصحافة، شارك في تأسيس صحيفة ومجلة، وتنقل بين عدد من الصحف، وأسهم في أعمال إعلامية كثيرة، كان رجل الإعلام بحق وحقيقة، ومثالًا يُحتذى به في الصحافة، صادق الكتابة، نزِه المقالة، يلتمس الحاجة، ويقترح المفقود، بهمته.. برع وفاق أقرانه. نشأ العم عبدالرحمن يتيمًا لكنه ليس كالأيتام؛ لأنه صاحب همة وعزيمة. وإذا كانت النفوس كبارًا ![]() تعبت في مرادها الأجساد ![]() لَهُ هِمَمٌ لا مُنتَهى لِكِبارِها ![]() وَهِمَّتُهُ الصُّغْرى أَجَلُّ مِنَ الدَّهْرِ ![]() يحمل قلبًا عطوفًا رحيمًا، كان كريم النفس والطبع، شهمًا مضيافًا، أحسَّ باليُتْمِ فما أحبَّ أن يتكرر ضعفُ اليتيم والحاجة على أحد، فتلَمَّس الحاجات، وسعى لتنفيس الكربات، كان يتفَقَّد مَنْ حوله، ويهتمُّ بمن جاء إليه، حتى العجائز والأرامل كان يتفقدهن، ويوصي عليهن الزوجة الصالحة، والصاحبة الناصحة، زوجته أم هشام التي كانت خيرَ عونٍ له وأحسن مثال،.. لا غرابة، فقد ترعرعت في بيت علم وكرم، ثم أنجبت من العم عبدالرحمن أبناء وبنات كرماء صلحاء، تُسر برؤيتهم، وتأنسُ بهم، يَقدُرُونَ للمرء قدره، ويوقرون ويحترمون، كما كان والدهم رحمه الله، فنعم الخلف هم. أحبه كل من جالسه وسمع به فملك قلوبهم، ومِلك القلوب ليس بالأمر الهيِّن، فهو لا يكون إلا لموفَّق أعانه الله عليها ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159]، وقد كان العم عبدالرحمن مع الناس والأقارب، البعيد والقريب، يتمثل خُلق النبي صلى الله عليه وسلم بحُسْن حديثه وبشاشة وجهه ولين جانبه وممازحته، وفي الحديث: «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا»، كان- رحمه الله- طلق المحيَّا، دمث الأخلاق، رحيمًا عطوفًا، تشكو إليه في أمر، فيخلعه منك ويلبَسُهُ حتى يقضيه، يُصيِّرُه وكأنه شأنه الخاص، وشغله الشاغل، الذي ليس لديه غيره، شعاره «مَنْ نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ»، ودثاره «وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ»، هِجِّيرَاه «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ»، ووقوده ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]. إِن كانَ لِلأَخلاقِ رُكْنٌ قائِمٌ ![]() في هَذِهِ الدُّنيا فَأَنْتَ الباني ![]() المَجدُ وَالشَّرَفُ الرَّفيعُ صَحيفَةٌ ![]() جُعِلَتْ لَها الأَخلاقُ كَالعُنوانِ ![]() بذل- رحمه الله- للناس أغلى ما يملك، وجاد بأعزِّ ما يحمل، نفسه التي بين جنبيه، حتى أنهكها المرض وهدها التعب، قال ابن القيم رحمه الله: "والجود بالنفس هو أعلى مراتب الجود". يجود بالنفس، إذ ضَنَّ البخيل بها ![]() والجود بالنفس أقصى غاية الجود ![]() ![]() ![]() كان- رحمه الله- مثالًا للتميز والنبوغ، فحكايا المُلهمين هو عنوانها، كان المرض له إلهامًا، شعر بأنه نعمة فخلق من الألم أملًا، ومن المعاناة رحمةً، وهذا من توفيق الله للعبد، أن يشعر بأن البلاء رحمة من الله به، فإنه- رحمه الله- لما أصيب بالفشل الكُلَوي، صبر واحتسب، وأحسَّ بمعاناة المرضى فلم يرضَ ببقائها، وكأن الله أرسله رحمةً لهم، كان أبًا رحيمًا لمرضى الفشل الكُلَوي، تبنَّى علاجهم، ونافَحَ لأجلهم، وسعى في مصلحتهم، فبذل نفسه ووقته وجاهه، أسس جمعية مرضى الفشل الكُلَوي، ومنها أسس أزيد من ثلاثين مركزًا للغسيل الكُلَوي في عدد من محافظات ومُدُن المملكة العربية السعودية، كان يتابعها بنفسه، يذهب لافتتاحها في فرح وسرور، وكأنه حفل زفاف أحد أبنائه. غيَّر- رحمه الله- مفهوم الأوقاف، وطوَّر مجالاتها، وسبق زمانه فيها، كتب مقالًا يبين فكرته، وسعة أفقه وطرحه، فكانت مراكز غسيل الكُلَى خير شاهد له.. هكذا المُلهم، لم يكن المرض عائقًا له، بل كان بداية الانطلاقة. تحدثت في أول مقالتي عن مسيرته الإعلامية لأُبَيِّن للقارئ الكريم أن العم عبدالرحمن قدوة في الإنجاز وتحقيق الأهداف دون الانشغال بالتوافه، كان الإعلام في يده فما استغلَّه للظهور والبروز، لم يكن يُظهِر أعماله للإعلام باسمه، بل كان ينسب الجهد إلى المتبرِّع أو الجمعية، مع أنه أساسُ العمل كُلِّه،.. كان رحمه الله كالسائر على الرمل، لا تسمع له صوتًا، لكن له أثر لا يُمحى، وبصمة لا تُنسى. وَكُن رَجُلًا إِن أَتَوا بَعدَهُ ![]() يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر ![]() ![]() ![]() كتب الكثير عن العم عبدالرحمن، لكنني في مقالتي هذه أتمنَّى أن نتخذ ممن بنوا المجد قدوات حقيقة، فقد ضرب العم عبدالرحمن مثالًا لصاحب الهمة والعزيمة والشجاعة، مثالًا يُحْتذى به في انتقاله من ضعف اليُتْم إلى قوة الهمة، وفي النشاط الإعلامي الصدق وتلَمُّس الحاجة، وفي العطاء البذل للمحتاجين والشفاعة للمهمومين، وفي المرض انطلاقته إلى أبواب الخير، فصيَّر المرض قصة كفاح وعنوان مجد وفلاح، وهكذا كن أنت أيها المبارك، وخذ من قصص الناجحين سبيلًا للتميُّز والنجاح. رحل رحمه الله وأعماله شاهدة، وإنجازاته بارزة، فاللهم أحسن وفادته إليك، واغفر له وارحمه، وعامله بما أنت أهله، وأحسِنْ إليه كما أحْسَن إلى الناس، أكرمه كما أكرمهم، وجد عليه كما جاد عليهم، واعْفُ عنه كما عفا عنهم، وضاعف مثوبته، ونوِّر رَمْسه، وأكرم نزله، وأفسح له في قبره مد بصره، وبشِّره بالروح والريحان، ورب راضٍ غير غضبان، واجعل ما أصابه رفعةً للدرجات، وأسكنه أعالي الجنات، مع النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.. اللهم آمين. والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |