سر عظيم لاستجابة الدعاء الخارق (زكريا، ومريم عليهما السلام) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 96 - عددالزوار : 51510 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 49 - عددالزوار : 14475 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 221 - عددالزوار : 68850 )           »          انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق الصحفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الهداية والعقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          حقوق غير المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 304 )           »          الاستصناع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          تخريج حديث: إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي سر عظيم لاستجابة الدعاء الخارق (زكريا، ومريم عليهما السلام)

سر عظيم لاستجابة الدعاء الخارق

(زكريا، ومريم عليهما السلام)

أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي


ضمن الله سبحانه إجابة أي دعاء ندعوه به؛ حيث قال: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، في هذه الآية لم يقل سبحانه: بعض، بل قال: (كل) ما سألتموه، فلن يرد الله أي سائل خائبًا أبدًا، وهذه قاعدة مهمة يجب أن نضعها في الحسبان؛ فليس بينك وبين تحقيق أمنيتك إلا أن تسأله سبحانه.


هناك من يدعو ربه، فيحقق الله سبحانه له دعوةً خارقة، لم يتوقع إجابتها، ويستغرب من تحقق هذا الدعاء؛ فهذا زكريا عليه السلام حينما استُجيبت دعوته قال: ﴿ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ [مريم: 8]، فأجابه الله سبحانه وتعالى: ﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 9]، قد يكون استغرابه أن هذا الابن جاء من زوجته التي لا يمكن أن تلد، ولكن مهما يكن، فالله سبحانه وتعالى قد حقق دعاءه؛ رغم كبر سنه، وكون زوجته عاقرًا، ولعلنا نتفكر في هذه الإجابة، وأسبابها، وكيف حدث هذا الأمر، وكيف يمكن أن يستجيب الله لنا في أمور قد لا نتخيل وقوعها، ولعلنا نبحث في سر استجابة الدعاء الخارق بشكل سريع.


نجد أن الله سبحانه وتعالى حثَّنا، ويحثنا دائمًا على الدعاء، وبشكل مستمر، وضمن لنا عددًا من الصفات الباهرة؛ يقول سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، والدعاء في هذه الإجابة المضمونة ليس دعاء أي إنسان عاديٍّ؛ بل دعاء المضطر الذي أحاط به السوء من كل جانب، فأصبح مخلصًا لله سبحانه، قاطعًا قلبه عمن سواه، موقنًا بإجابة الدعاء، فيجيبه الله سبحانه، بل ويكشف عنه السوء، ويُمكِّن له في الأرض، فالله في هذه الآية يقول: من سيجيب المضطر غيره؟ وهذا فضل، ومنَّة منه سبحانه.


والله قريب جدًّا من السائلين، بعكس ما نتصور: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]؛ حيث ربط الإجابة بالاستجابة له سبحانه، ووعد بالرشاد في كل الأمور، وكذلك يطلب منا ربنا أن نكون قريبين جدًّا من الذين يدعون ربهم بالليل والنهار، ولا نبتعد عنهم أبدًا، ونصبر على معيتهم؛ يقول سبحانه: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 28].


بل ويقول سبحانه: ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾ [الفرقان: 77]، وهذا يعني أن الله لا يهتم، ولا يبالي بنا، لولا أننا ندعوه، فالدعاء يحبه الله ويرضاه، ويطلبه منا؛ وفي آية أخرى وصف من لا يدعو الله بالاستكبار عن عبادته: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].


حتى إن الله يجيب دعوة الكفار إذا أخلصوا له في الدعاء: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65].


وكل ما سبق دليلٌ واضح على أن خالق الأرض والسماء، ومكور الليل والنهار، ومسخر الشمس والقمر يريد منا أن ندعوه، فكرمه سبحانه لا ينتهي أبدًا، وفضله لا ينقطع.


لنعُد بعد هذه المقدمة إلى السر العظيم لاستجابة دعاء زكريا ومريم عليهما السلام، فقد قام زكريا برعاية مريم، والقيام بشؤونها؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37]، وذلك بعد أن أنبتها الله نباتًا حسنًا، وخلد ذكرها في القرآن بسبب تنفيذها وصية ربها في قوله تعالى: ﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 43]، وبسبب تقواها؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18]، وبسبب تصديقها بكتب، وكلمات ربها، وقنوتها له: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 12].

ويكمن سر الاستجابة لدعاء مريم أنها كانت تعبد ربها، وتدعوه في المحراب، وهو هنا ليس المحراب الذي يصلي فيه الإمام، بل هو غرفة بُنيت لمريم تتعبد فيها؛ "مكان مرتفع شريف وُضع للعبادة"؛ ومن العجيب أنه ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ﴾ [آل عمران: 37]، فاستغرب زكريا من مصدر هذا الرزق؛ فربما يكون هناك من يتولى أمرها غيره، وهو من فاز بكفالتها بعد خصومةٍ انتهت بالاستهام بينه وبين جماعة من أحبار بني إسرائيل في عهده، ليشرفوا بكفالتها؛ فسألها بقوله: ﴿ أَنَّى لَكِ هَذَا ﴾ [آل عمران: 37]، يريد أن يتبين، قالت: ﴿ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37]، وهنا توقف زكريا، وربط بين شيئين مهمين؛ هما: أن الرزق الذي أعطاه الله مريمَ أتى بسبب العبادة في المحراب، والثاني: بسبب الدعاء؛ فدعا ربه بدعاء غير الذي كان يدعوه به من قبل؛ فقد كان يدعو ربه دائمًا، ويستجيب الله لدعائه؛ يقول زكريا ممتنًّا باستجابة ربه لدعائه الدائم: ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4]، ولكن توقفه هذه المرة واستغرابه أتى بعدما رأى أمرًا خارقًا لدى مريم، فأراد أن يدعو دعاءً خارقًا؛ فدعا ربه بأن يرزقه الولد، رغم عدم إمكانية ذلك واقعيًّا بالعقل المجرد؛ فهو شيخ طاعن في السن، وهن عظمه، واشتعل رأسه شيبًا، لا يُرجى منه الإنجاب، وامرأته عاقر، لا تلد، اجتمعت كل أسباب المنع، بعدما رأى زكريا الرزق عند مريم، وقع كلامها من أن الله يرزق من يشاء بغير حساب موقعَ القَبول لديه، وحرَّك في نفسه أن يدعو الله بالولد الذي كان يتمناه، وكان من الصعب تحقيقه، وقياسًا بما رأى عند مريم من الرزق العظيم، علِم أن من يسوق الرزق إلى هذه المرأة المنقطعة لعبادتها سيرزقه بالولد إذا حقق هذا الشرط، فدعا ربه بثلاثة أدعية موزونة؛ الدعاء الأول: دعا زكريا ربه أن يهب له ذريةً طيبة، وليس ولدًا فقط، وهذا شيء عجيب، ويقودنا أن ندعو كما دعا زكريا؛ حيث دعا بالذرية، ووصف هذه الذرية بالطيبة، وهذه حكمة عظيمة، وعجيبة، تستلزم أن نفهم كيف ندعو الله بدعاء شامل نافع؛ قال تعالى: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، الدعاء الثاني: وفيه ثقة كبيرة، وحسن ظن بالله أن يجيبه؛ حيث دعا أن يهبه - ليس ابنًا فقط - بل أن يجعل هذا الابن رضيًّا صالحًا، يحمل كل علامات الخير؛ فقال في دعائه: ﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 4 - 6]، الدعاء الثالث: دعا زكريا ربه بأنه وحيد، ليس لديه أبناء، وهذا يُظهر الشفقة عليه؛ قال تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89]، إضافةً إلى ذلك كله، كانت المناداة خفية؛ حيث نادى ربه نداءً خفيًّا، دلالة على الإخلاص، والبعد عن الرياء، فقد تضرع بعيدًا عن أعين الناس، نداء خفيًّا، بصوت ومكان خفي، وقلب تقي؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾ [مريم: 3]، ولم يدعُ ربه فقط، بل سارع إلى فعل الطاعة؛ وفي ذلك يقول سبحانه: ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنعام: 85].


فكان الرد سريعًا: ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 39]، ومن العجيب أن الله أشار إلى المحراب مرة أخرى بعد أن ذكره عند مريم، ليخبرنا أن القرب من الله سبب في إجابة الدعاء، والفاء هنا تعقيبية، تعني أن استجابة الدعاء جاءته مباشرة بعد دعائه وهو قائم يصلي في المحراب، ولم تكن البشارة من الله مباشرة بالولد فقط، بل جعل في هذا الولد خمسَ خِصال عظيمة؛ وهي: أنه مصدق بكلمة من الله، وسيد، وحصور، ونبي، ومن الصالحين؛ ثم يقول سبحانه في موطن آخر: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، فأصلح زوجته أيضًا؛ لأنه اتصف بالمسارعة في الخيرات، والدعاء في كل أحواله، والخشوع، ويعود ذكر المحراب مرةً ثالثة، فمن فرحته ببشارة العزيز الجبار قام إلى قومه لينصحهم، فخرج من محرابه، وطلب منهم كثرة ذكر الله، لأن لها سببًا في إجابة الدعاء؛ قال تعالى: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ [مريم: 11]، ولم يتوقف الأمر على أن وهب الله له الولد؛ بل أعطاه اسمًا جديدًا: ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 7]، وتسميته من قِبل الله سبحانه منقبة عظيمة لزكريا، ولم يتسمَّ به أي مخلوق على وجه الأرض قبله، إضافة إلى أن هذه التسمية رمز للحياة الدائمة.


لعلنا أدركنا سرًّا عظيمًا لإجابة الدعاء، وارتباط هذه الإجابة بالتعلق بالله؛ يقول سبحانه: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، وربط ذكر العبد لله بأن الله يذكر من ذكره: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وطلب أن نذكره أشد من ذكرنا لآبائنا: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، بل إنه حتى على مشارف الحرب يدعونا إلى ذكره؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، وأول ما يفعله الشيطان حتى يسيطر علينا، ينسينا ذكر الله سبحانه: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19]، فما أحوجنا إلى الله! والله ليس بحاجة إلينا، وما أكرم الله! وما ألطفه! فإذا كنا نريد استجابة دعائنا مباشرة، فلا بد من الإقبال عليه بقلب حاضر، وإخلاص ظاهر، وحسنِ ظنٍّ به، وإلحاح في الدعاء، بأن ندعوه بأسمائه، وصفاته، والحذر الحذر من المحرمات من النظر، والغِيبة، وغيرها من المعاصي، والمحافظة على الصلوات، وبقية العبادات، ويمكن احتواء هذا كله في التقوى؛ فهي جامعة للقرب من الله، والبعد عن معصيته، فبعد ذلك يمكن أن يُستجاب لنا، وبسرعة؛ مثل زكريا، ومريم عليهما السلام؛ يقول سبحانه عن التقوى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، فانتظروا فتحًا كبيرًا في البركات من السماء والأرض، فالسماء ستمطر ليس خيرًا، أو رزقًا، أو بركةً فقط، بل ستمطر (بركات)، والأرض لن تنبع خيرًا، أو رزقًا، أو بركةً فقط، بل ستنبع (بركات)، وهل تظنون أن الله يخلف وعده؟ فهذا وعد رباني كبير وعظيم؛ فاستعدوا لجمع هذه البركات، وهيئوا أنفسكم لما يطلبه الله منكم، فستجدون خيرًا عظيمًا من رب كريم مجيب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.03 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]