رحمة الله والسرير الأبيض - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          النقد العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          لماذا يشعر بعض المسلمين أحيانا بثقل بعض الأحكام الشرعية وعدم صلاحيتها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          وحدة الأمة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          التراجم: نماذج من المستشرقين المنصِّرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 8493 )           »          أبرز المعالم التاريخية الأثرية والدينية في قطاع غزة كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 581 - عددالزوار : 304829 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 45 - عددالزوار : 37735 )           »          هل الخلافة وسيلة أم غاية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-01-2020, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,121
الدولة : Egypt
افتراضي رحمة الله والسرير الأبيض

رحمة الله والسرير الأبيض


د. محمد بن خالد الحميد





لقد كان أخي ريان على اتِّصال مع أهلي قبل يومين، وتسامروا معه في إحدى الليالي على ثقل في جسمه، وتنميل بدأ يدبُّ في أطرافه، وهو يتحامل أمام والدتي؛ كي لا تقلق على مرضه، وليهدأ قلب الأم المشتعل على كل زفرةٍ من زفرات فلذات كبدها إذا كانوا في بيتها، وحاضرين أمامها، وقريبًا من حجرتها، ولاشتعالِ قلب الأم على ابنها الغائب أضعافُها، فصبرٌ جميل؛ عسى الله أن يردَّه إلينا ردًّا جميلاً، كان مرضه عارضًا، وكنَّا نحسب أنَّها أزمة بسيطة، ووعكة خفيفة، تمر مرور الزائر الكريم الخفيف، مشقة يسيرة يعقبها أجر كريم، فأخطأ الظن، وصدق خبرُ نقلِه إلى العناية المركزة.
ريان أخي يرقد على السرير الأبيض، وجهاز التنفس عليه.

إنَّه ممددٌ على سرير أبيض موحش، لا يدع القلوبَ إلا وقد ابيضَّت على مضجعه الأليم، في السرير الأبيض أنينٌ وحنين، وألم وأمل، وصبر وأجر، وأمر وتسليم، وعِبرة وبُشرى، فيه تغيب الدنيا وملذاتها وكنوزها، كما تغيب الشمس في الأفق البعيد، فيه يموت الطغيان، ويَهلِك الجبروت، وتصدأ القوَّة، وتشيب الفتوَّة، ويَسُود الضعف، ويُسبل العجز، ويَحقُّ الفقر الإنساني؛ ليعلم الناس حقيقةَ حاجتهم إلى ربهم وخالقهم ومالكهم - جلَّ جلاله.

بيننا وبينه آلاف الأميال، وجبال وبحار، وصحارٍ وأنهار، وليل ونهار، فاجتزناها رافعين أكفَّ الضراعة إلى ربنا: أنَّه مسَّ أخانا الضر، وأنت أرحم الراحمين، ففوضنا أمورنا إليه، وتوكلنا عليه، وآمنا به.

ومَن يشفي السقيم، ويعافي المريض، غير الله؟ أحيا الموتى، وشفى المرضى، وأطعم الجوعى، وأمَّن الخائفين، وكسا العُراة، وقضى الحوائج، وفرَّج الكروب، وكشف السوء، وأجاب دعوة المضطرين، ورزقنا وآوانا وهدانا، أفلا نتوكل عليه، ونمدُّ أيدي الضراعة إليه أن يشفي مريضنا، ويعافي مبتلانا؟

خائبٌ مَن تعلَّق بمخلوق ونسي الخالق، إنَّه لفقير وضعيف مَن توكَّل على بشر ونسي رب البشر وخالقهم ومالكهم، إنَّ تعلُّق المؤمن بالله، وإيمانه بنصره وإعانته وتأييده، أشدُّ مِن تعلُّق مرضى القلوب بأمريكا في أَوْج قوَّتها وجبروتها.

ننتظر مساءَ كلِّ يوم اتصالاً مِن أقاربَ لنا يزورونه؛ ليأتوا بخبره، والزيارة هنالك محدودة، وعلى الزائر أن يتعجَّل الخروج، ويتقلَّل من نظراته المحاورة لجسده الهزيل، وأعصابه المنهكة، فيطمئننا الاتصالُ على حالته، وأنَّه قابل النظرة نظرة مثلها، ثمَّ أرخى أجفانه، ونام نومةً صباحُها صحةٌ وعافية - بإذن الله.

ولئن سألت عن سلوى المؤمنين وأُنسهم، فإنَّه في القرآن الكريم، فما أطيبَ تدبُّرَ آياته! والتفكر في قدرة الله النافذة في خلقه، ومشيئته الشاملة، ولطفه بعباده، وتصرفه الكامل فيهم.

ويقف المتدبر لآيات الله على حقائقَ كبرى عن الحياة، تشرح الصدر، وتجلو الهمَّ، وتُفرغ الألم، وتُعين على النوائب والمصائب والأزمات، وترسم للمؤمن منهجًا في الحياة، لا تزحزحه ولا تزعزعه الرياحُ العاتية، ما دام مؤمنًا بالله وبقضائه وقدره، ومتوكلاً على الله - جلَّ جلاله - كما في قول الله - تعالى -: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11].

وقوله - تعالى -: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].
وقوله - تعالى -: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22].
وقوله - تعالى -: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 54، 55].
وقوله - تعالى -: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].
وقوله - تعالى -: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 17، 18].

وإنَّ مَثَلي في مُصاب أخي كمَثَل رجلٍ تكسرت عظامُه، ولا يزال يكابد في الحياة ويجاهدها وهو كسير، وينتظر الفرج من الله موقنًا بأنَّ بعد الكرب فرجًا، وبعد الحزن فرحًا، وبعد الليل صبحًا، وبعد الضيق مخرجًا، وبعد العسر يسرًا، وبعد البلاء عافية، وبعد المرض شفاءً، وبعد الجرح التئامًا، وبعد الكسر التحامًا.

وإنَّ مصاب والديَّ فيه لأعظم، فلقد فترتْ عيونُ والدتي من كثرة الدعاء أن يشفي الله ابنَها، ويردَّه إليها ردًّا جميلاً، وأصبح فؤاد أمي فارغًا كما فرغ فؤاد أمِّ موسى - عليه السلام - ولَسوف تَقرُّ عينُها - بإذن الله - كما قرَّت عين أمِّ موسى - عليه السلام - بردِّ ولدها إليها.

إنَّها قصة تزور كلَّ جسد، وتترك أثرَها على كل قلب، وتكتب حروفها في كل كتاب، فحديثُك عنها هو حديث كل لسان، ومصابك فيها هو مصاب كل إنسان، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة.

رحمة الله عليكم أهلَ البلاء من المؤمنين، إنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، وإنَّ الله ما حَرَم العبدَ إلا ليعطيَه، ولا أمرضه إلا ليشفيه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا أماته إلا ليُحييه، فربُّنا ينعم على عبده بابتلائه، ويعطيه بحرمانه، ويزيده بنقصانه، ويصحه بسقمه، ويكرمه بفقره, فلايستوحشنَّ العبدُ من حالة تسوؤه أصلاً؛ إلا إذا كانت تغضب الله عليه، وتُبعده منه.

رحمة الله عليكم أهلَ البلاء من الصابرين، وصلواته وسلامه وهدايته، أبشروا فإنَّ الله أعدَّ للصابرين منزلاً كريمًا لا يبلغونه بأعمالهم، ووفَّى لهم أجرًا بغير حساب مثل الماء المنهمر.

وقد قال الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام -: ((مَثل المؤمن حين يصيبه الوَعْكُ، مَثل الحديدة: تدخل النار، فيذهب خبثُها، ويبقى طيبها)).
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من مسلمٍ يصرع صرعة من مرض، إلا بُعث طاهرًا)).
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((والذي نفسي بيده، ما على الأرض مسلمٌ يصيبه أذًى من مرض فما سواه، إلا حطَّ الله عنه خطاياه كما تَحُطُّ الشجرةُ اليابسةُ ورقَها)).

رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولاً، اللهم إنَّا نسألك تعجيل عافيتك، وصبرًا على بليَّتك، وخروجًا من الدنيا إلى رحمتك، أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 28-12-2024 الساعة 04:39 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 51.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.11 كيلو بايت... تم توفير 1.74 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]