إني صائم

[ابوالوليد المسلم]

الثبات على الحق














إني صائم




أحمد مظهر العظمة



"إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني صائم"[1] كنت أسمع هذا الحديث الشريف من المحدثين، وأقرأ عنه، فأجد به خلقاً كريماً عالياً ترشد إليه الرسالة العربية العالمية السمحة، التي إن تكلمت، فلحكمة، وإن هدت، فلنور، وإن بينت، فللوصول إليه.





وكنت أفكر منذ أيام في مزايا الصيام، فأوحي إلي موضوع محاضرة في الجندية لكلمتي "إني صائم"، في الحديث معاني ما أحوج الجندي إليها، وكل مسلم جندي بأحكام دينه، لغير سفك الدماء، واستعباد الحرية، وما إليهما، بل لنصرة الحق القوي بنفسه، العزيز بجنوده.





"إني صائم" كلمتان[2] لو قالهما ابن الهدى والعلم والمجد، كما كان يقولهما أبوه، للضلال، للجهل، للذل، بصيحته، وعزيمته، وعقيدته، لما ضل، ولما ذل، ولما عسره[3] الزمان (الذي لا يعرف المداراة أو المحاباة) بعد أن كانت فيه سنة لن تجد لها تبديلاً.





ومثل (إني صائم)، يقال للظالم: إني أبيّ، وللخب: إني يقظ، وللمفسد: إني مصلح، وللعابث: إني جاد، وللمنفّر: إني متدين، وللمستعمر: إني عزيز، وحسبك أن تقول لهؤلاء وأمثالهم كلمة جامعة هي: (إني مسلم) فإن الإسلام الصحيح يقيك مصارع السوء، ويعصمك من مكر ذويه وبطشهم.





ومثل (إني صائم) يقول المولى: إني مسؤول، والتاجر والزارع والصانع..: إني محاسب، فلا ترى بعد إلا أبناء (المدينة الفاضلة) التي تستند إلى الحقيقة، وتظهر (بالفعل)، فتفضل المدينة التي تعيش في (القوة) على أجنحة أحلام الفلاسفة.





وبإخلاص (إني صائم) قال أبو بكر رضي الله عنه: (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم)[4].





وبعدل (إني صائم) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر: (اللهم إني غليظ فليني لأهل طاعتك بموافقة الحق ابتغاء وجهك والدار الآخرة، وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة والنفاق من غير ظلم مني لهم ولا اعتداء عليهم، اللهم إني شحيح فسخني في نوائب المعروف قصداً من غير سرف ولا تبذير ولا رياء ولا سمعة، واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة)[5].





وبغضبة (إني صائم) قال المغيرة ابن شعبة لجماعة رستم حين جلس على سريره فوثبوا وأنزلوه: (إنا معشر العرب سواء، لا يستعبد بعضنا بعضاً، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، اليوم علمت أن أمركم مضمحل وأنكم مغلوبون؛ وأن ملكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول)[6].





وبعزيمة (إني صائم) قال طارق بن زياد في خطبته: (وإني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم (الذريق) فقاتله إن شاء الله تعالى؛ فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه، فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمّ من فتح هذه الجزيرة بقتله).





وبعد، أفلستم ترون (إني صائم) مدرسة أو ثكنة يمحص الإسلام بها الصابرين على الشدائد، الثابتين في النضال، المخلصين الغاية لله، المجاهدين في سبيله؟ فأين مدرسو المدرسة، أين طلابها، أين قواد الثكنة، أين جنودها أين المناصرون؟





المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثانية، العدد الثامن، 1356هـ - 1937م






[1] حديث متفق عليه.




[2] أو ثلاث مع الضمير.




[3] عسره الأمر أي اشتد عليه.




[4] العقد الفريد: ج 2.





[5] العقد الفريد: ج 2.




[6] الكامل ومروج الذهب.