|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (1) يحيى بن إبراهيم الشيخي الحج في اللغة: القصد. وفي الشرع: التعبُّد لله تعالى بأداء المناسك على ما جاء في سُنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[1]. حكم الحج والعمرة: واجبان. من أدلة وجوب الحج: قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]. ومن السُّنة في وجوب الحج والعمرة: عن أبي رزين رجلٍ من بني عامر أنه قال: ((يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: احجُج عن أبيك واعتمر))[2]. حدثني عمر بن الخطاب قال: ((بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، إذ جاءه رجل ليس عليه عناء سفر، وليس من البلد، يتخطى حتى ورك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يجلس أحدنا في الصلاة، ثم وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، ما الإسلام؟ فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان، قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم؟ قال: نعم، قال: صدقت))[3]. قال الصبي بن معبد: أتيت عمر رضي الله عنه، فقلت: إني كنت نصرانيًّا، فأسلمت، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبتين عليَّ، وإني أهللت بهما جميعًا، فقال عمر: هُديت لسُنة نبيك، قال ابن المنذر: ولم ينكر عليه قوله[4]. وعن عائشة رضي الله عنها: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة))[5]. قال الموفق تقي الدين: "إن العمرة واجبة على الآفاق دون المكي، والذي ذكره صاحب الإنصاف عن الشيخ أن العمرة سنة، وعند الإمامين مالك وأبي حنيفة: العمرة سنة وليست بواجبة"[6]. ويرى بوجوبها بعض الصحابة؛ منهم عمر وابنه عبدالله، وابن عباس، وابن مسعود، وجابر بن عبدالله، وزيد بن ثابت، ذكر عنه ابن حزم في المحلى، والبيهقي في سننه، وهو قول الشافعي والأوزاعي، واختار البخاري في صحيحه[7]. شروط وجوب الحج والعمرة: الإسلام، الحرية، التكليف (العقل، البلوغ)، الاستطاعة (الزاد، والراحلة)، وجود مَحْرَم للمرأة. شرط الإسلام: فلا يُقبل أي عمل إلا من مسلم؛ قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]. والحرية: هذا بالإجماع؛ لقوله تعالى: ﴿ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]. المكلَّف: أجمع العلماء على ذلك؛ لحديث: ((رُفِعَ القلم عن ثلاثة))[8]. القادر: وهذا بالإجماع؛ لقوله جل ذكره: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]. والمقصود بالسبيل إلى الحج هو الزاد والراحلة. مسألة: هل يلزم الحج من كان عاجزًا ببدنه ولديه مال؟ من أعجزه مرض أو كِبَرُ سنٍّ، وكان ذا مال، لزمه الحج؛ وهو قول الشافعي وكثير من العلماء، وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]. ولحديث ابن عباس: ((جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركَت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحُجَّ عنه؟ قال: نعم))[9]. ومثله الحج عن الميت؛ عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: ((قال رجل: يا نبي الله، إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دَين، أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدَين الله أحق))[10]. رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حُجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمك دَين، أكنتِ قاضيةً؟ اقضوا اللهَ؛ فالله أحق بالوفاء))[11]. وفي "شرح مسلم" للنووي: أن جواز الحج عن الميت مذهب جمهور الأئمة، سواء أكان العجز عن حج مفروض، أم عن حج منذور، وسواء أوصى به الميت أم لا، ويُجزئ عنه. يخرج من تركة الميت؛ وهو قول الشافعي وكثير من العلماء، وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط بالموت فلا يلزم الورثة أن يحُجوا عنه، إلا أن يوصي بذلك، فإن أوصى أخرج من ثلثه. وقال مالك والليث: لا يحج أحد عن أحدٍ إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام. ويكون في العمر مرة، وهذا بالإجماع؛ لحديث أبي هريرة قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيها الناس، قد فرض عليكم الحج فحُجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم، لَوجبَت ولَما استطعتم...؛ الحديث))[12]. ويكون على الفور؛ وهو قول أبي حنيفة ومالك وأكثر العلماء، وبه قال الشيخ تقي الدين وابن القيم، وعند الشافعي وبعض المالكية على التراخي. دليل التعجُّل قوله صلى الله عليه وسلم: ((تعجَّلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرِض له))[13]. هل يصح الحج من العبد والصبي؟ يصح منهما نفلًا، وبه قال مالك والشافعي وأكثر العلماء، وحكى ابن رشد في "بداية المجتهد" عن أبي حنيفة أن الحج لا يصح من الصبي[14]. دليلنا حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لَقِيَ ركبًا بالروحاء، فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، قالوا: من أنت؟ قال: رسول الله فرفعت امرأةٌ صبيًّا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر))[15]. وفي حديث: ((أيما صبي حج ثم بلغ الحنث، فعليه أن يحج حجةً أخرى، وأيما أعرابيٍّ حجَّ ثم هاجر، فعليه أن يحج حجةً أخرى، وأيما عبدٍ حج ثم أعتق، فعليه أن يحج مرةً أخرى))[16]. تنبيه: ذهب كثير من العلماء إلى أن العبد إذا حج بعد بلوغه، ثم عُتق، لا يلزمه إعادة الحج، ورجح هذا القول ابن حزم في المحلى، وهو اختيار الشيخ عبدالرحمن بن سعدي. ومن الشروط وجود مَحْرَمٍ للمرأة؛ وهو قول أبي حنيفة، وأكثر علماء الحديث؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يومٍ، إلا مع ذي مَحْرَمٍ عليها))[17]. وقال ابن المنذر: "أغفل قوم القول بظاهر هذا الحديث، واشترط كل منهم شرطًا لا حجة لهم فيما اشترطوه، فقال مالك: تخرج مع جماعة من النساء، وقال الشافعي: تخرج مع ثقة حرة مسلمة، وقال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين، ولا نعلم مع هؤلاء حجة توجب ما قالوا"[18]. [1] شرح زاد المستقنع/ كتاب الحج/ محمد بن عثيمين. [2] أخرجه أبو داود (1810) واللفظ له، والترمذي (930)، والنسائي (2621)، وأحمد (16184) من حديث أبي رزين، صححه الألباني. [3] صحيح ابن حبان/ ج10/ ص9. [4] صحيح أخرجه أبو داود (1799)، والنسائي (2719)، وابن ماجه (2970). [5] البدر المنير، الصفحة أو الرقم: 9/ 36، خلاصة حكم المحدث: صحيح. [6] كتاب السلسبيل في معرفة الدليل/ ص: 323/ صالح البليهي. [7] كتاب السلسبيل في معرفة الدليل للشيخ صالح البليهي/ كتاب مناسك الحج (ص: 322، 323) بتصرف. [8] صحيح، رواه أبو داود والترمذي، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه، وأحمد، سنن أبي داود، 4403. [9] صحيح البخاري ومسلم. [10] صحيح، أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3619) واللفظ له، وابن حبان (3992)، والطبراني (12/ 15) (12332). [11] صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1852. [12] أخرجه البخاري (7288) مختصرًا، ومسلم (1337) باختلاف يسير. [13] رواه أحمد (2721)، وصححه الألباني في الإرواء (990). [14] بداية المجتهد لابن رشد، ج2، ص 83. [15] صحيح مسلم [16] غريب، ورُوي مرفوعًا، تاريخ بغداد، رقم الحديث أو الصفحة: 8/ 206، أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2731)، والبيهقي (8875)، والضياء في الأحاديث المختارة (537). [17] متفق عليه. [18] كتاب السلسبيل في معرفة الدليل، ج1، ص327.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (2) يحيى بن إبراهيم الشيخي باب المواقيت المواقيت نوعان: مكانية وزمانية، فالزمانية هي أشهر الحج؛ وهي شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة، وهذه المواقيت هي أشهُر الحج التي يحج فيها الناس، أما المواقيت المكانية، فالمقصود بها هنا المواقيت المكانية للحج أو العمرة، وهي المواضع التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحرام منها لمن أراد الحج أو العمرة. وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم عدة مواقيت لأهلها، ولمن مر عليها؛ وهي: 1- ذو الحُلَيفة وهو: ميقات أهل المدينة ومن يمر عليها، ويُعرف بأبيار علي. 2- الجُحْفَة: ميقات أهل الشام والمغرب ومصر ومن في طريقهم، وهي في الشمال الغربي من مكة، وهي قريبة من رابغ، وقد صارت رابغ هي ميقاتهم، وميقات من يمر عليها، بعد ذهاب معالم الجُحفة. 3- قرن المنازل: ميقات أهل نجد، وهو جبل شرقيَّ مكة. 4- يَلَمْلَم: ميقات أهل اليمن، وهو جبل جنوبي مكة. 5- ذات عرق: ميقات أهل العراق، وهي موضع في الشمال الشرقي لمكة. هذه المواقيت وردت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة: ذا الحُليفة، ولأهل الشام: الجُحفة، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة))[1]. وعن عائشة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق))[2]. وتكون عمرة أهل مكة من الحِلِّ؛ ودليل ذلك حديث عبدالرحمن بن أبي بكر ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة، فيعمرها من التنعيم))[3]. [1] متفق عليه. [2] إسناده صحيح على شرط مسلم، التخريج: أخرجه أبو داود (1739) واللفظ له، والنسائي (2653) مطولًا باختلاف يسير (الألباني). [3] صحيح مسلم.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (3) يحيى بن إبراهيم الشيخي سُنن الإحرام يُسَنُّ لمن يريد الإحرام: 1- الغُسل: لحديث زيد بن ثابت ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرَّد لإهلاله واغتسل))[1]. وعن ابن عمر قال: "السُّنَّة أن يغتسل الرجل عند إحرامه وحين يدخل مكة"[2]. تنبيه: المرأة يُسَنُّ لها أن تغتسل للإحرام، ولو كانت حائضًا؛ لأنه عليه السلام أمر عائشة بذلك؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((لما جئنا سَرِفَ حضتُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعلي ما يفعل الحاج، غير ألَّا تطوفي بالبيت حتى تطهري))[3]، وكذا النُّفساء؛ عن جابر بن عبدالله ((أن رسول الله خرج لخمسٍ بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه، حتى إذا أتى ذا الحُليفة، ولدت أسماء بنت عميس محمدَ بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله: كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي، ثم استثفري، ثم أهِلِّي))[4]. 2- التطيُّب: لحديث عائشة: ((كنت أُطيِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يُحرم، ولحلِّه قبل أن يطوف بالبيت))[5]. تنبيه: الطِّيب في البدن للإحرام سُنة، ويجوز استدامته، أما الطِّيب في ملابس المحرِم، فلا يجوز، ويجب الغُسل. 3- أن يلبس أبيضين؛ أي: يكون لباس الإحرام أبيضين؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((البَسوا من ثيابكم البياضَ؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم))[6]. 4- عقب ركعتين: يُستحب ذلك، وبه قال الثلاثة؛ لما جاء في حديث جابر، في وصفه حج النبي صلى الله عليه وسلم، قال ((خرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحُليفة، فولدت أسماء بنت عميس، فقال: اغتسلي واستثفري بثوبٍ، وأحْرِمي، وصلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القَصوى))[7]. الذي اختاره شيخ الإسلام أنه يُستحب لمريد الإحرام أن يُحرم عقب فريضة إن تيسر له، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه. تنبيه: قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "أداء الصلاة قبل الإحرام ليس شرطًا في الإحرام، وإنما ذلك مستحب عند الأكثر"[8]. ويشترط النية؛ لحديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى))[9]. قال ابن رشد في بداية المجتهد: "واتفقوا على أن الإحرام لا يكون إلا بنية"[10]. ويُستحب أن يشترط عند إحرامه؛ فيقول اللهم: (وإن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني)؛ لِما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لضباعة بنت الزبير: ((حجِّي واشترطي: أن محلي حيث حبستني))[11]؛ قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: "وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نُسكه؛ من مرضٍ أو صدِّ عدوٍّ، جاز له التحلل ولا شيء عليه"؛ [انتهى][12]، ومن عوائق إتمام حج هذا الزمان ما يعترض الحاج من حوادث السيارات، أو عدم وجود تصاريح للحج، أو لم يتم أخذ التطعيمات الوقاية المطلوبة؛ إلخ، فكل هذه العوائق وما ماثلها، يفيد فيها الاشتراط، فإن لم يشترط، ومنع من إكمال حجه أو عمرته، فإنه يكون مُحصرًا، والمحصر – وهو الممنوع من إتمام النسك – عليه أن يذبح هديًا، ويحلق رأسه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية لمَّا منعه المشركون من دخول مكة، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديَه، وحلق رأسه، وأمر الصحابة بذلك، فقال لهم: ((قوموا فانحروا ثم احلقوا))[13]. 5- التلبية بعد الإحرام سُنة عند جمهور الفقهاء، ويُسَنُّ الإكثار منها عند الارتفاع وعند الهبوط، وعند إقبال الليل، وبعد الصلوات المفروضة، ويُسن رفع الصوت بها للرجال، وصيغة التلبية هي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)[14]، أما النساء فيُخفين أصواتهن بها. [1] أخرجه الترمذي (830) واللفظ له، والدارمي (1794)، صححه الألباني. [2] المعجم الأوسط، رقم الحديث أو الصفحة: 8/ 86. [3] متفق عليه. [4] صحيح النسائي، الصفحة أو الرقم: 427، صححه الألباني. [5] متفق عليه. [6] أخرجه أبو داود، وقال: حديث حسن صحيح، كتاب اللباس، باب في البياض (4/ 51)، رقم: (4061)، والترمذي، أبواب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما يُستحب من الأكفان (3/ 310)، رقم: (994). [7] صحيح مسلم. [8] (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند، ج2، ص 218، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 17/ 67). [9] متفق عليه. [10] بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، ص270. [11] صحيح البخاري. [12] مجموع فتاوى ابن باز 50/ 17. [13] رواه البخاري. [14] صحيح البخاري.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (4) يحيى بن إبراهيم الشيخي والأنساك ثلاثة: الإفراد والقِران والتمتع، وأفضلها التمتع؛ ودليل ذلك في الصحيحين، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به أصحابه، وأمرهم أن يُحلوا من الحج ويجعلوها عمرة، وغضِب النبي عليه الصلاة والسلام لما تردد بعضهم وقال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسُقِ الهَدْيَ، وجعلتها عمرة))[1]. ويكون على الأفقي دمٌ؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 196]. معنى ﴿ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 196] عند العلماء: فعند الشافعية هو من كان دون مسافة القَصْرِ، وعند مالك هم أهل مكة وذي طوى، وما كان مثل ذلك، وعند أبي حنيفة من كان مِن الميقات إلى مكة. يشترط لوجوب الدم شروط: 1- أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحج. 2- أن يُحرم من عامه. 3- ألَّا يسافر بين العمرة والحج سفرًا بعيدًا تقصر في مثله الصلاة. 4- أن يُحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج. 5- ألَّا يكون من حاضري المسجد الحرام. 6- تكون نية العمرة في ابتداء العمرة أو في أثنائها. 7- أن يُحرم بالعمرة من الميقات. [1] البخاري: 1651، ومسلم: 1218.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (5) يحيى بن إبراهيم الشيخي محظورات الإحرام وهي تسعة: 1- حلق الشعر. 2- تقليم الأظافر. 3- الطِّيب. 4- لبس المَخيط. 5- تغطية الرأس. 6- قتل الصيد. 7- الجماع. 8- عقد النكاح. 9- مباشرة النساء. فائدة: يجوز للمحرم حكُّ رأسه وبدنه عند الحاجة كما في حديث عائشة، قالت: ((يا رسول الله، هذه ليلة عرفة، وإنما كنت تمتعت بعمرة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: انقُضي رأسكِ، وامتشطي، وأمسكي عن عمرتكِ))[1]. قالوا: فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بالامتشاط مع أنها مُحرِمة، وإنما أمرها بالاغتسال لإحرام الحج، فقد كان إحرامها في أصله للعمرة. يقول الشوكاني في قوله: ((وامتشطي)): "فيه دليل على أنه لا يُكره الامتشاط للمُحرم[2] وقيل: إنه مكروه". مسألة: من قلَّم ظفرًا واحدًا أو ظفرين، أو قطع شعرة أو شعرتين أو ثلاثًا، فهل عليه دم؟ قال البيهقي: "عن عطاء أنه قال: في الشعرة مُدٌّ، وفي الشعرتين مُدَّان، وفي الثلاثة فصاعدًا دم، ثم قال البيهقي: روينا عن الحسن البصري وعطاء أنهما قالا: في ثلاث شعرات دمٌ، الناسي والمتعمد فيها سواء". وذكر الوزير في (الإفصاح) عن أبي حنيفة: إن حلق ربع رأسه فصاعدًا فعليه دم، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة، وأما مالك فلم يعتبر العدد، بل يجب الدم بحلق ما يحصل به الترفُّه، وما يحصل به إماطة الأذى. وإن غطى رأسه بملاصق فدَى، والفدية هي: شاة تذبح بمكة وتُوزع على المساكين هناك، أو صوم ثلاثة أيام، أو التصدق بثلاثة آصَعٍ من طعام تُوزع على مساكين الحرم؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القُمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخِفاف، إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخُفَّين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّه الزعفران، ولا الوَرْسُ))[3]. ما يجوز للمحرم فعله: 1- يجوز له أن يستظل بالشمسية والسيارة التي ليست مكشوفة؛ لحديث أم حصين: ((حججتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالًا أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافعًا ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة))[4]. 2- ويجوز لبس الحياصة - هي المِنطقة وما يُشد به الوسط - والساعة وما في معنى ذلك للحاجة؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن الهميان للمُحرم؟ فقالت: "وما بأس؟ ليستوثق من نفقته"[5]. 3- ويجوز عقد الإزار إذا احتاج إلى ذلك، ولا فدية عليه. 4- ويجوز قتل الصيد الصائل (المؤذي) ولا جزاء عليه؛ وهو قول الشافعي وأكثر العلماء، فمن آذى طبعًا قُتل شرعًا؛ لحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأُحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلَّا نملةً واحدةً))[6]. ويجوز للمحرمة التحلي؛ روى البيهقي من طريق ابن باباه المكي: "أن امرأة سألت عائشة: ما تلبس المرأة في إحرامها؟ قالت عائشة: تلبس من خزها وبَزها، وأصباغها وحليها"[7]. وقد أفتى هيئة كبار العلماء بأنه يجوز للمرأة أن تحرم وبيدها أسورة ذهب أو خواتم ونحو ذلك، ويُشرع لها ستر ذلك عن الرجال غير المحارم؛ خشية الفتنة بها[8]. ما يحرُم على المحرم فعله: 1- يحرم عليه الطِّيب في بدنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وَقَصَتْهُ راحلته: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا))[9]. وكذلك في ثوبه وهو قول أكثر العلماء خلافًا لأبي حنيفة؛ لحديث يعلى بن أمية: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، وهو متضمخ بطيب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة... إلى أن قال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك، قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم))[10]. 2- ويحرم قتل الصيد وذلك بالإجماع؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95]. فائدة: على الصحيح من المذهب يجوز للمحرم أن يأكل من صيد الحلال إذا لم يَصِدْه لأجله، وبه قال الشيخ تقي الدين، ورجح هذا القول ابن القيم في (تهذيب السنن)، واختاره، وهو قول مالك والشافعي وأكثر العلماء، وأدلة ذلك شهيرة معروفة[11]. باستثناء صيد البحر؛ لقوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة: 96]. تنبيه: إذا قتل المحرم صيدًا، أو الحلال صيدًا في الحرم، فهو ميتة لا يجوز أكله، وهو قول الجمهور. 3- ويحرم عقد النكاح ولا يصح، وهو قول عمر وعليٍّ، وعبدالله بن عمر، وزيد بن ثابت، ومالك والشافعي، وهو اختيار ابن القيم، وعند أبي حنيفة يجوز؛ لحديث عثمان: ((لا ينكِح المحرم ولا يُنكح، ولا يخطب ولا يُخطب عليه))[12]. وتصح الرجعة: وبه قال الثلاثة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [البقرة: 231]، ولأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نهيٌ عن ذلك، فالأصل الإباحة والجواز. ما يفسد الحج والعمرة: أولًا: يفسد بالوطء في الفَرْج ولو بغير إنزال، ولكن لا يفسد الحج أو العمرة، إلا بتوفر عدة شروط: 1- التمييز. 2- القصد. 3- العلم بالتحريم. 4- الاختيار. 5- أن يكون الوطء قبل الفراغ من العمرة، أو قبل التحلل الأول من الحج. رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه سُئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنًى قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بَدَنَة"[13]. وعن عكرمة مولى ابن عباس: "أن رجلًا وامرأته من قريش لقيا ابن عباس بطريق المدينة، فقال: أصبت أهلي، فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل، فحُجَّا عامًا قابلًا، ثم أهِلَّا من حيث أهللتما، وحيث وقعت عليها ففارقها، فلا تراك ولا تراها حتى ترميا الجمرة، وأهدِ ناقةً، ولتُهد ناقةً"[14]. ما يترتب على من وطِئ زوجته قبل التحلل الأول: إذا جامع قبل التحلل الأول يفسد حجه، وعليه أن يتمه وعليه أن يقضيه بعد ذلك، ولو كان حج تطوعٍ، كما أفتى بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه بدنة يذبحها ويقسمها على الفقراء بمكة المكرمة[15]. أما إن كان الوطء بعد التحلل الأول قبل أن يطوف للإفاضة: قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "الوطء بعد التحلل لا يفسد الحج، سواء كان مفرِدًا أو قارنًا، وإنما يفسد الإحرام فقط، بمعنى أنه لا يصح منه طواف الإفاضة حتى يخرج إلى الحل، فيُحرم، ثم يدخل إلى مكة، فيطوف طواف الإفاضة في إحرام صحيح ليجمع بين الحل والحرم. وعليه فدية شاة تُذبَح في الحرم، وتطعم المساكين، ولا يأكل منها شيئًا، وعلى الزوجة فدية شاة أخرى إن كانت مطاوعة، فإن كانت مكرهة فلا شيء عليها"[16]. ثانيًا: ويبطل الحج العمرة بالردة عن الإسلام - والعياذ بالله - ولا يجوز المُضي فيهما؛ لأنه يخرج منهما بالبطلان بخلاف المفسد الأول. معنى المضي فيه: يعني يتم الحج والعمرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]. تنبيه: فرق بين فساد الحج والعمرة وبطلانهما، ففساد الحج والعمرة لا يبطلهما فعليه إتمامهما، حتى وإن فسدا، بعكس بطلانهما فإنه لا يتمهما، ويخرج منهما بطلانهما. فائدة: الهَدْيُ الواجب في الجماع شاة عند مالك وأبي حنيفة، وعندنا وعند الشافعية بدنة. دليلنا: عن عطاء عن ابن عباس: "أنه سُئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنًى قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنَة"[17]. وتحرم المباشرة لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]. والمباشرة هي مقدمات الجماع، فإذا باشر بشهوة لزمته الفدية؛ وهي: شاة، أو بدل الشاة من الإطعام أو الصيام[18]. ومما يحرم لُبس البرقع والقفازين للمرأة؛ لحديث: ((لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين))، وفي رواية عن ابن عمر: ((لا تنتقب المُحرِمة))[19]. ومما يحرم: تغطية المرأة وجهَها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ((كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذَوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه))[20]. وقال الإمام ابن رشد الحفيد المتوفى سنة 595 هـ: "وأجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها"[21]؛ [انتهى]، وهذا في حال عدم وجود رجال أجانب حولها، فإن وجد رجال حولها، فإنها تغطي بغير النقاب والبرقع؛ قال الشيخ: "ويجوز للمرأة المحرمة أن تغطي وجهها بملاصق خلا النقاب والبرقع، ولا نكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الموجه لا بعود ولا بغيره"[22]. [1] البخاري (316)، ومسلم (1211). [2] نيل الأوطار (5/ 94). [3] متفق عليه. [4] صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 3949، ومسلم في صحيحه رقم (1298) باختلاف يسير. [5] إسناده صحيح: انظر «حجة النبي صلى الله عليه وسلم» للألباني (ص: 30). [6] صحيح البخاري (3319)، ومسلم (2241). [7] عمدة القاري شرح صحيح البخاري - المجلد 9 - الصفحة 166. [8] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، الشيخ عبدالرزاق عفيفي، الشيخ عبدالله بن قعود. [9] متفق عليه. [10] متفق عليه. [11] السلسبيل في معرفة الدليل، صالح البليهي، ص337. [12] أخرجه مسلم (1409) مختصرًا. [13] الموطأ (1/ 384) 20 - كتاب الحج، 50 - باب من أصاب أهله قبل أن يفيض، وهو حسن لغيره. [14] رواه البيهقي (5/ 168) (10067)، وصحَّحه الذهبي في المهذب (4/ 1922). [15] نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند، ج2 ص 232؛ [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (17/ 129)]. [16] فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم (5/ 203، 204). [17] الموطأ ص209. [18] شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، لأحمد حطيبة، ص5. [19] صحيح البخاري (1838)، وصحيح مسلم (1177). [20] رواه أبو داود (1833)، وقال الألباني في جلباب المرأة المسلمة (ص107): حسن في الشواهد. [21] بداية المجتهد 1/ 336. [22] السلسبيل في معرفة الدليل 342.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (6) يحيى بن إبراهيم الشيخي الفدية في الحج الفدية في الحج: ما يجب بسبب فعل محظور، أو ترك واجب، أو إحصار، أو بسبب النسك (كالتمتع والقِران). الفدية تنقسم إلى قسمين: فدية على التخيير، وفدية على الترتيب. القسم الأول: فدية التخيير: وهي نوعان: النوع الأول: يُخيَّر فيه المُحرم بين ثلاثة أمور: ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين مُدٌّ من القمح، أو مُدَّان من غير القمح كالتمر والشعير والزبيب، والمد: ملء كفَّتَي الرجل الوسط. وهذا النوع من فدية التخيير يجب في نوعين من المحظورات: الأول: محظورات يستوي فيها العمد وغير العمد (الخطأ والنسيان والإكراه)، وهي ما يلي: أ - إزالة ثلاث شعرات فأكثر من رأسه أو من بدنه: فتجب فيها الفدية؛ لقول الله عز جل: ﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [البقرة: 196]، ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: ((مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت القِدر، فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم، فدعا الحلاق فحلقه، ثم أمرني بالفداء))[1]. ب- إزالة ثلاثة أظفار فأكثر من أظافر يديه أو قدميه: أما أقل من ذلك، ففي كل شعرة أو ظفر صدقةٌ، كما أشرنا سابقًا. ج- المباشرة – من تقبيل وضمٍّ ونحو ذلك – بغير إنزال ففيها الفدية؛ قال ابن عثيمين: "فإن باشر ولم ينزل بل أمذى، أو كان له شهوة، ولكن لم يُمذِ، ولم يُنزل؛ فليس عليه بَدَنَة، بل عليه فدية أذًى... فالصحيح أن المباشرة لا تجب فيها البدنة، بل فيها ما في بقية المحظورات"[2]. د- خروج المَنِيِّ بسبب نظره إلى النساء؛ لأنه فعل محرم حال الإحرام فوجبت فيه الفدية. الثاني: محظورات يجب فيها هذا النوع من الفدية في حال العمد فقط، أما الناسي والجاهل فليس عليه شيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه))[3]؛ وهي: أ- المَخيط أثناء الإحرام. ب- التطيُّب. ت- تغطية الرأس. تنبيه: العلة في اعتبار الخطأ والنسيان والإكراه في لبس المَخيط، وتغطية الرأس، والتطيب، ولم يعتبر ذلك في الحلق وتقليم الأظفار؛ لأن الحلق والتقليم حصل فيهما إتلاف، فاستوى فيهما العمد والخطأ. النوع الثاني من فدية التخيير: وهو خاصٌّ بقتل الصيد، سواء قتله وهو مُحرم أو قتله في الحرم، وسواء كان عمدًا أو خطأً أو نسيانًا، فيُخيَّر بين ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن ينظر إلى هذا الصيد الذي صاده، ويأتي بما يماثله من بهيمة الأنعام - الإبل والبقر والغنم - ويحكم بالمماثلة ذوا عدل من المؤمنين، فيحكمان بأن هذه البهيمة من النعم تماثل هذا الصيد، ثم يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم. الأمر الثاني: أن يقوم هذا المثل من بهيمة الأنعام ويشتري بقيمته طعامًا – من جنس ما يخرج في زكاة الفطر - ثم يُوزع على المساكين، لكل مسكين مُدٌّ من القمح أو الأرز، أو مُدَّان من غيرهما. الأمر الثالث: أن يصوم عن كل مسكين يومًا، بمعني أن ينظر كم عدد المساكين الذين كان سيطعمهم لو اختار الإطعام – وكمية الطعام تختلف حسب قيمة الصيد الذي قتله – ثم يصوم عن كل مسكين يومًا. والدليل على هذا النوع من الفدية هو قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ [المائدة: 95]. وأما وجوب الفدية في الصيد مع الخطأ والنسيان والجهل؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم ((جعل في الضبع إذا صاده المحرم كبشًا))[4]، ولم يفرِّق بين العمد وغيره، ولأن فيه إتلافًا فيستوي فيه العمد والخطأ كما سبق؛ قال ابن قدامة: "قال الزهري: (على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة)[5]؛ يعني: وجوب الفدية في قتل الصيد ثابتة على المتعمد بنص الآية، وعلى المخطئ بالسنة". القسم الثاني من الفدية: الفدية على الترتيب: بمعنى أنه يجب عليه دم (ذبح شاة، أو سُبع ناقة، أو سبع بقرة، حيث تُجزئ الناقة عن سبعة، والبقرة كذلك عن سبعة)، فإن عجز فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وهذا يكون عند ارتكاب محظور من المحظورات الآتية: أ- إذا حج متمتعًا أو قارنًا، أو ترك واجبًا من واجبات الحج؛ لقول الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [البقرة: 196]. ب- "يجوز صيام ثلاثة أيام التشريق لمن لم يصم أيام التسع؛ وهو قول مالك وكثير من العلماء؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 196]، وهو قول عائشة وعبدالله بن عمر، ذكر ذلك عنهما مالك في الموطأ، والبيهقي في سننه، وعند الشافعي لا يُجيز صيامها أيام التشريق"[6]، وقد أفتى الشيخ ابن باز بجواز صيام ثلاثة أيام التشريق لمن لم يصمها قبل[7]، وقوَّى هذا القول حديث عائشة وابن عمر: ((لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهديَ))[8]. ج- المُحصَر: وهو الذي مُنع من تمام النسك فيجب عليه دم؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196]، فإن لم يجد، صام عشرة أيام بنية التحلل من إحرامه؛ قياسًا على المتمتع؛ وفي الحديث: "كان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن حُبس أحدكم عن الحج، طاف بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلًا، فيهدي، أو يصوم إن لم يجد هديًا"[9]. د- الجِماع قبل التحلل الأول: فمن جامع قبل التحلل الأول، فسد حجه، وعليه بَدَنَةٌ؛ لِما ثبت عن عبدالله بن عباس: "أنه سُئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنًى قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنةً"[10]. ه- الجماع بعد التحلل الأول: فعليه شاة؛ لأن الإحرام قد خفَّ بالتحلل الأول. و- إذا جامع في العمرة قبل أن يتحلل منها فعليه شاة؛ لأن العمرة دون الحج فكان حكمها دون حكمه؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والعمرة التي وقع فيها الجماع عمرة فاسدة، ويجب عليك شاة تذبح في مكة وتُوزع على الفقراء، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، ويجب -أيضًا - أن تقضي عمرة بدل العمرة التي فسدت"؛ [انتهى][11]. [1] صحيح البخاري (5665)، ومسلم (1201). [2] الشرح الممتع (7/162). [3] صحيح الجامع (1836)، صححه الألباني. [4] رواه أبو داود برقم: (3801)، وابن ماجه برقم: (3085)، واللفظ له، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. صحيح الجامع برقم: (4251)، إرواء الغليل برقم: (1050). [5] المغني (5/ 397). [6] السلسبيل في معرفة الدليل (344). [7] من ضمن أسئلة الحج بمنى عام 1407هـ؛ [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (15/ 379)]. [8] صحيح البخاري (1998). [9] صحيح البخاري (1810)، ومسلم (1230). [10] الموطأ (1/ 384) 20 - كتاب الحج، 50 - باب من أصاب أهله قبل أن يفيض، وهو حسن لغيره. [11] "اللقاء الشهري" (54/9).
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (7) يحيى بن إبراهيم الشيخي جزاء الصيد: نهى الله تعالى عن قتل الصيد في الحرم على المحرم في قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 95]، وكذلك يشمل النهي حتى غير المحرم، فلا يجوز له قتل الصيد في الحرم؛ كما في حديث ابن عباس: ((إن هذا البلد فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها...))؛ الحديث بطوله[1]، فما هو المقصود بالصيد هنا؟ المراد بالصيد المحرَّم قتله: هو ما توفرت فيه ثلاثة أمور: 1- أن يكون الصيد مباحًا أكله. قال الإمام أحمد رحمه الله: "إنما جُعلت الكفارة في الصيد المحلل أكله"[2]. 2- أن يكون الصيد وحشيًّا. قال ابن حجر رحمه الله: "واتفقوا: على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال، من الحيوان الوحشي، وأن لا شيءَ فيما يجوز قتله"[3]. 3- أن يكون الصيد بريًّا ليس بمائيٍّ. قال الله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة: 96]. فمن قتل صيدًا متعمدًا، فجزاؤه مثل ما قتل من النعم، ومن ذلك: حمار الوحش، وبقرته، والأيل، والثيتل، والوعل بقرة، والضبع كبش، والغزال عنز، والوبر والضب جَدْيٌ، واليربوع جفرة، (والأيل) نوع من الظباء، وفي (الثيتل)، وهو نوع من الظباء؛ نقل ابن قدامة في (المغني)[4]، وشيخ الإسلام في (شرح العمدة)[5] إجماع الصحابة: عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير: أنهم حكموا في النعامة ببدَنَة، وفي حمار الوحش ببقرة، وفي الأيل ببقرة، وبقر الوحش ببقرة، وفي الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي اليربوع بجفرة، وفي الأرنب بعناق[6]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه جعل في حمامة الحرم على المحرم والحلال في كل حمامة شاة"[7]. تنبيه: على الصحيح من المذهب الذي لا مثل له من الطيور فيه قيمته؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كل طير دون الحمام ففيه قيمته"[8]. ومما يحرم على المحرم فِعْلُه في الحرم: قطع شجر الحرم وحشيشه إلا الإذخر. حديث عبدالله بن عباس: ((حرَّم الله مكة فلم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي، أُحِلَّت لي ساعةً من نهار، لا يُختَلى خلاها، ولا يعضُد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تُلتقط لقطتها، إلا لمعرف، فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا؟ فقال: إلا الإذخر...؛ الحديث))[9]. نقل ابن المنذر إجماع العلماء على ذلك[10]. بيان ما يجوز قطعه، وما لا يجوز من شجر الحرم: أولًا: ما يجوز قطعه: 1- ما يُنبته الناس في الحرم من الزروع والبقول. 2- اليابس من شجر الحرم وحشيشه. 3- أخذ ما فيه منفعة من شجر الحرم للغذاء والتداوي. ثانيًا: ما لا يجوز قطعه من شجر الحرم: تحريم قطع الرطب من الكلأ والعشب؛ لحديث: ((لا يُختلى خَلاها))[11]. تحريم قطع الشوك؛ لحديث: ((لا يُعضد شوكه))[12]. تحريم أخذ الكلأ لعلف البهائم؛ وذلك لإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر رضي الله عنهما عندما اختلى لفرسه في الحرم، ولم يُقرَّه عليه[13]. جزاء من قطع شجر الحرم أو حشيشه: الصحيح أنه لا جزاءَ عليه، بل يستغفر الله؛ وذلك لعدم ورود الدليل الصحيح من الكتاب والسنة أو الإجماع في إيجاب الجزاء[14]. [1] البخاري (1834)، ومسلم (1353) واللفظ له. [2] المغني (3/ 266). [3] فتح الباري (4/ 21). [4] المغني (5/ 204، 404). [5] شرح العمدة شيخ الإسلام (2/ 283). [6] الشرح الممتع، ج7، صفحة: 211. [7] أخرجه البيهقي (5/ 205)، وفي «إرواء الغليل» (4/ 247): إسناده صحيح. [8] أخرجه ابن أبي شيبة (15956) من طريق الحارث عن عكرمة من قوله. [9] صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1349. [10] الإجماع، لابن المنذر (ص57). [11] رواه البخاري (1284). [12] البخاري (1834)، ومسلم (1353) واللفظ له. [13] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 172)، وأحمد في المسند (2/ 12)، (ح4600)، وفي فضائل الصحابة (2/ 894). [14] انظر: المحلى (7/ 261)، المغني (3/ 352).
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (8) يحيى بن إبراهيم الشيخي دخول الحرَم: يُستحب للحاج عندما يدخل إلى المسجد الحرام أن يقدم رجله اليمنى قائلًا: ((أعوذ بالله العظيم، ووجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك))، ويُشرع هذا الدعاء عند دخول سائر المساجد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى البيت قال: ((اللهم زِد هذا البيتَ تشريفًا وتعظيمًا، وتكريمًا ومهابةً، وزِد من شرَّفه وكرمه ممن حجَّه واعتمره تشريفًا وتعظيمًا، وتكريمًا وبرًّا))[1]. ويُسن الاضطباع في طواف القدوم وهو قول الجماهير من العلماء؛ لحديث يعلى بن أمية قال: ((طاف النبي صلى الله عليه وسلم مُضطبعًا ببُرد أخضر))[2]. ويحاذي الحجر الأسود: لفعله صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا عمرُ، إنك رجل قويٌّ، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوةً فاستلمه، وإلا فاستقبله فهلِّل وكبِّر))[3]. ويستلمه ويقبِّله: أجمع العلماء على استحباب ذلك؛ لحديث عبدالله بن عمر: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود - أول ما يطوف - يخُب ثلاثة أشواط))[4]، وفي رواية البخاري: ((يستلمه ويقبِّله))[5]. فإن شقَّ عليه لمسه وتقبيله، أشار إليه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالبيت على راحلته، فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه))[6]، وفي حديث عبدالله بن السائب أنه كان يقول في ابتداء الطواف: ((بسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك))[7]. ويجعل البيت عن يساره: أجمع العلماء على ذلك؛ لحديث جابر: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه، فرمل ثلاثًا، ومشى أربعًا))[8]. ويطوف سبعًا: هذا من شروط صحة الطواف؛ لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، يخُب ثلاثة أطواف، ويمشي أربعةً...))[9]. ويُشرع الرمل للأفقي؛ أي من يأتي من خارج مكة كما تقدم الدليل، أما غير الأفقي يعني ممن هو من أهل مكة، فالرمل غير مشروع له؛ لحديث ابن عباس: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه))[10]. ومعنى الرمل: هو إسراع المشي مع تقارب الخُطى في الأشواط الثلاثة الأولى منه، لا يفصل المحرم بينها بوقوف، إلا أن يقف على استلام الركنين، ويمشي في الأشواط الأربعة الباقية مع بقائه على هيئة الاضطباع. والطواف يكون من وراء جدار الحجر لا من داخله: عن عائشة قالت: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر أمن البيت هو؟ قال: نعم، قالت: ما لهم لم يدخلوه في البيت، قال: إن قومك قصرت بهم النفقة))[11]. والطهارة من الحدث شرط في الطواف دون السعي: قال ابن قدامة: "الطهارة من الحدث: شرط الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف، في المشهور عن أحمد، وهو قول مالك، والشافعي، واستدل الجمهور بالأدلة التالية: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الطواف بالبيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه))[12]. وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ))، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((خُذُوا عني مناسككم))[13]. وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة لما حاضت: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألَّا تطوفي بالبيت حتى تطهري))[14]. أما السعي: فلا تشترط الطهارة من الحدثَين الأصغر والأكبر في السعي بين الصفا والمروة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول أكثر أهل العلم، وحُكِيَ الإجماع على ذلك[15]. ومن أدلتهم: قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، وقد حاضت: ((افعلي كما يفعل الحاج، غير ألَّا تطوفي بالبيت))[16]، وقوله: ((ألَّا تطوفي بالبيت)) دليل على أن السعي لا تشترط له الطهارة. تنبيه: مسألة: إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة وأرادت رفقتها السفر وما زالت حائضًا، ولم تستطع الانتظار، فماذا تصنع؟ قال ابن عثيمين رحمه الله عندما سُئل عن امرأة لم تطُف طواف الإفاضة، وحاضت ويتعذر أن تبقى في مكة، أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف، ففي هذه الحالة يجوز لها أن تستعمل واحدًا من أمرين: فإما أن تستعمل إبرًا توقف هذا الدم وتطوف، وإما أن تتلجم بلِجام يمنع من سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة، وهذا القول الذي ذكرناه هو القول الراجح، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وخلاف ذلك واحدٌ من أمرين: إما أن تبقى على ما بقي من إحرامها، بحيث لا تحل لزوجها، ولا أن يُعقد عليها إن كانت غير مزوَّجة، وإما أن تعتبر محصرة تذبح هديًا، وتحل من إحرامها، وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة لها، وكلا الأمرين أمر صعب، فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مثل هذه الحال للضرورة؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر ثم ترجع إذا طهرت، فلا حرج عليها أن تسافر، فإذا طهرت رجعت، فطافت طواف الحج، وفي هذه المدة لا تحل للأزواج؛ لأنها لم تحل التحلُّل الثاني؛ [انتهى][17]. سُنَّة الرمل: الرمل مشروع في حق الرجال دون النساء ومثله السعي؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((يا معشر النساء، ليس عليكن رمل بالبيت، لكن فينا أسوة))[18]. سُنة استلام الركنين: يُسَنُّ استلام الحجر الأسود والركن اليماني من غير مشقة، فإن كان فيه زحام فيُكره؛ لأن فيه إيذاء له ولغيره من الطائفين؛ فقد جاء في السنة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، فقال: ((إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّلك ما قبَّلتُك))[19]. وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((لم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت، إلا الركنين اليمانيين))[20]. قال ابن عبدالبر: "وهذا المعنى في الفقه كله جائز عند أهل العلم، لا نكير فيه، فجائزٌ عندهم أن يستلم الركن اليماني، والركن الأسود، لا يختلفون في شيء من ذلك، وإنما الذي فرقوا بينهما فيه، التقبيل لا غير، فرأوا تقبيل الركن الأسود والحجر، ولم يروا تقبيل اليماني، وأما استلامهما جميعًا، فأمر مجتمع عليه، وإنما اختلفوا في استلام الركنين الآخرين"[21]. قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: "يشرع للطائف أن يستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط من أشواط الطواف، كما يُستحب له تقبيل الحجر الأسود خاصة بدون مشقة، فإن تعسَّر أشار إليه بيده أو عصاه، ويكبِّر مرة واحدة، فإن شقَّ عليه استلامه، كره المزاحمة من أجل ذلك، أم الركن اليماني فلم يرِد فيما نعلم ما يدل على الإشارة إليه، وإنما يستلمه بيمينه فقط (يمسح بيده) إذا استطاع دون مشقة، ولا يقبِّله ويقول: بسم الله الله أكبر، أو الله أكبر، ولا يقبِّله، والتكبير يكون مرة واحدة ولا أعلم ما يدل على مشروعية التكرار، ويقول ما تيسر في طوافه من الدعوات، ويختم كل شوط بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار))[22]. ركعتا الطواف: يُسن أن تصلَّى ركعتا بعد الطواف خلف المقام إن أمكن، وإلا ففي أي مكان من المسجد؛ ((لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم، قرأ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، فصلى ركعتين، فقرأ فاتحة الكتاب، و﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، ثم عاد إلى الركن فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا[23]. ويجوز صلاة ركعتي الطواف في أي مكان من المسجد، أو مكة والحرم. روى الإمام مالك في الموطأ عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، أن عبدالرحمن بن عبدالقاري أخبره: "أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح، فلما قضى عمر طوافه، نظر فلم يرَ الشمس طلعت، فركب حتى أناخ بذي طوًى، فصلى ركعتين"[24]. وأجمع أهل العلم على أن الطائف يجزيه ركعتا الطواف حيثما صلَّاهما، إلا مالكًا، فإنه كره أن يصلي ركوع الطواف في الحجر[25]. وقال ابن قدامة رحمه الله: "يُسَن للطائف أن يصلي بعد فراغه ركعتين، ويستحب أن يركعهما خلف المقام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]. وحيث ركعهما، ومهما قرأ فيهما، جاز؛ فإن عمر ركعهما بذي طوى[26]. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا يجب على الطائف أن يصلي الركعتين خلف مقام إبراهيم، ولكن يشرع له ذلك إذا تيسر من دون مشقة، وإن صلَّاهما في أي مكان من المسجد الحرام، أو في أي مكان من الحرم كله، أجزأه ذلك، مستدلًّا بحديث صلاة عمر بذي طوًى، وصلاة أم سلمة خارج المسجد"[27]. ويسعى بين الصفا والمروة: وبعد الانتهاء من الطواف وسننه يرقى إلى الصفا، فإذا دنا منه، فعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قرأ قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158]، وقال: ((أبدأُ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله، وكبَّره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة))[28]. وشروط صحة السعي ثمانية: النية، والإسلام، والعقل، والمشي مع القدرة، والموالاة، وتكميل السبع، وكونه بعد طواف ولو مسنونًا، واستيعاب ما بين الصفا والمروة. وبعد الانتهاء من السعي من كان متمتعًا، قصر من شَعره، وحلَّ من عمرته، ومن أهلَّ قارنًا أو مفردًا بقِيَ على إحرامه حتى يوم النحر؛ فعن عائشة رضي الله عنها: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهلَّ بالحج، ومنا من أهل بعمرة وأهدى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أهلَّ بعمرة ولم يُهدِ، فَلْيحلِلْ، ومن أهلَّ بعمرة فأهدى فلا يحل، ومن أهلَّ بحجة فليتم حجَّه))[29]. تنبيه: على الحاج قبل حجه أن يتعلم كيفية حج النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتدي به في أفعال الحج قولًا وعملًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني مناسككم؛ لعلي لا أراكم بعد عامي هذا))[30]. [1] ورد بعدة طرق كلها ضعيفة، لكن ذهب كثير من العلماء إلى العمل به، ومنهم الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 184)؛ [ابن عبدالبر في "الكافي في فقه أهل المدينة" (ص/ 365)]. [2] أخرجه أبو داود (1883) واللفظ له، وابن ماجه (2954)، حديث حسن. [3] تخريج المسند لشعيب الأرنؤوط/ 190، حديث حسن. [4] متفق عليه. [5] صحيح البخاري (2946). [6] أخرجه النسائي (2955) واللفظ له، وأخرجه البخاري (1612) بلفظ مقارب، ومسلم (1272) بنحوه. [7] التلخيص الحبير، ابن حجر العسقلاني، (3/ 873)، قال المحدث: لم أجده هكذا ومن طريق ابن ناجية بسند له ضعيف، وذكر في نيل الأوطار ص57، ج5، رواية عن الواقدي في المغازي بزيادة، ثم يصلي على النبي مرفوعًا. [8] صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1218. [9] أخرجه مسلم (1261). [10] حديث صحيح: أخرجه أبو داود (2001)، وابن ماجه (3060). [11] أخرجه البخاري (1584)، ومسلم (1333) بلفظ مقارب. [12] رواه الترمذي (960)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (121). [13] رواه مسلم (1297)، فتاوى الشيخ ابن باز (17/ 213، 214). [14] أخرجه البخاري (305)، ومسلم (1211). [15] بدائع الصنائع للكاساني (2/ 135)، التاج والإكليل للمواق (3/ 117)، الأم للشافعي (2/ 231)، كشاف القناع للبهوتي (2/ 487)، الاستذكار (4/ 178). [16] سبق تخريجه في (3). [17] من فتاوى إسلامية (2/ 237). [18] حسن، رواه البيهقي في «الكبرى»، (5/ 84)، (رقم: 9069)، وأورده في «معرفة السنن والآثار» (4/ 66)، (رقم: 2951). [19] رواه البخاري (1597) واللفظ له، ومسلم (1270). [20] رواه البخاري (1609)، ومسلم (1267) واللفظ له. [21] التمهيد (22/ 259، 260). [22] انظر: مجموع الفتاوى، ج١٧، ص٢٢٠. [23] أخرجه مسلم (1218). [24] الموطأ (1/ 368). [25] الإشراف (3/ 287). [26] المغني (3/ 347). [27] فتاوى ابن باز (17/ 228). [28] صحيح مسلم (1218). [29] أخرجه البخاري (319)، ومسلم (1211)، والنسائي (2991) واللفظ له، وأحمد (24920). [30] فتح الباري لابن حجر، الصفحة أو الرقم: 3/ 675.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (9) يحيى بن إبراهيم الشيخي أعمال الحاج اليوم الثامن والتاسع ويُسَنُّ للمُحلِّين بمكة: أن يتوجهوا مُحرمين إلى مِنًى قبل الزوال، ويبيتون بمنى؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا، أن نُحرم إذا توجهنا إلى مِنًى، فأهللنا بالأبطح))[1]، وفي حديث جابر قال: ((لما كان يوم التروية توجَّهوا إلى مِنًى، فأهلُّوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلًا ...؛ الحديث))[2]. تنبيه: المبيت بمِنًى ليلة عرفة سنة وليس بواجب على الصحيح من المذهب. فإذا طلعت الشمس، يُسَنُّ لمن بات بمِنًى ليلة عرفة ألَّا يسير منها إلى عرفة، إلا بعد طلوع الشمس؛ لفعله عليه السلام كما فعل في حديث جابر، ولفظه: ((ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، فأجاز حتى أتى عرفة))[3]. وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((نحرت ها هنا، ومِنًى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا، وجَمعٌ كلها موقف))[4]. ويُسَن أن يجمع بين الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، جمعَ تقديم، بأذان وإقامتين؛ لحديث جابر: ((ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئًا))[5]، وفي لفظ لعبدالله بن عمر عند أبي داود: ((فجمع صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح على الموقف من عرفة))[6]. ويُسن أن يُكثر من الدعاء: لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الدعاء دعاءُ يوم عرفةَ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))[7]. ويقف بعرفة ولو لحظة؛ لحديث عروة بن مضرس الطائي قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمُزدَلِفة، حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبلَي طيِّئ، أكللتُ راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حجٍّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهِد صلاتنا هذه، وقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه وقضى تَفَثَه))[8]. والوقوف يبدأ من فجر يوم عرفة إلى فجر اليوم التالي؛ هذا المقدم من المذهب؛ ودليله حديث عروة بن مضرس المتقدم ذكره، وفيه: ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا))[9]. والقول الثاني: يبدأ الوقوف من الزوال إلى فجر اليوم التالي، وهو قول الأئمة الثلاثة، واختيار الشيخ تقي الدين. ومن وقف نهارًا ودفع قبل الغروب ولم يعُد فعليه دمٌ، وحجه صحيح، وعلى الصحيح من المذهب، فإن عاد ومكث بعد الغروب، فلا شيء عليه؛ وهو قول الشافعي، وعند أبي حنيفة من دفع قبل الغروب، لزِمه دم، ولا يسقط الدم برجوعه. ومن أدلة وجوب الدم ما روى مالك في الموطأ، والشافعي والبيهقي عن ابن عباس أنه قال: "من ترك نُسُكًا أو نسِيَه، فلْيُهرق دمًا"[10]. والدليل على صحة حجِّ مَن دفع قبل الغروب حديث عروة عن مضرس المتقدم ذكره. ومن وقف ليلًا فقط، فلا شيء عليه، وحجه صحيح؛ لحديث عروة بن مضرس وفيه: ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا، تم حجه، وقضى تفثه))، وقد سبق تخريجه. ويدفع إلى مزدلفة بعد الغروب بسَكِينة؛ كما في حديث جابر في وصفه لحجة الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه: ((فلم يَزَلْ واقفًا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلًا، حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليُصيب مورِك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس، السَّكينةَ السكينة))[11]. والسُّنَّة السير بتوسط إلا في حالة سعة الطريق، وقلة الزحام يسرع قليلًا؛ لحديث أسامة بن زيد أنه قال: ((كان يسير العنق، فإذا وجد فجوةً، نصَّ، قال وكيع: والنَّصُّ يعني فوق العنق))[12]، ومعنى العنق؛ أي: يسير سيرًا متوسطًا، ولا يسرع؛ لئلا يضايق الناس ويؤذيهم، وليكون قدوة لغيره، فإذا وجد فجوة بين الناس وطريقًا فسيحًا، أسرع في سيره. [1] شرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، للعلامة عبدالرحمن، ج10، ص10. [2] صحيح مسلم: 136 – 1213 – 881. [3] صحيح مسلم: 1218. [4] صحيح مسلم: 1218. [5] سبق تخريجه. [6] صحيح أبي داود: 1913. [7] رواه الترمذي (3585)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1536). [8] صحيح: أخرجه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (3043). [9] سبق تخريجه. [10] أخرجه مالك (1583)، وابن وهب في "الجامع" (113)، والبيهقي (8997) جميعهم باختلافات يسيرة. [11] صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1218. [12] أخرجه البخاري (2999)، ومسلم (1286)، وأبو داود (1923)، والنسائي (3023)، وابن ماجه (3017) واللفظ له، وأحمد (21833).
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ملخص من شرح كتاب الحج (10) يحيى بن إبراهيم الشيخي المبيت بمزدلفة • فإذا وصل مزدلفةَ، جمع بين العشاءين؛ وهو قول الأئمة الثلاثة، واختيار ابن القيم؛ لحديث جابر المتقدم وفيه: ((أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبِّح بينهما شيئًا))[1]. • ويبيت الحاج بمزدلفة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، والمبيت بها واجب من واجبات الحج؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لتأخذوا مناسككم))[2]. في مقدار المبيت على أقوال: • قالت المالكية: النزول بالمزدلفة قدر حط الرحال في ليلة النحر واجب، والمبيت بها سُنة؛ أي: إنه إذا مرَّ بالمزدلفة، وبمقدار ما نزل فيها، وحط رحله فيها ثم ركب ثانيًا وانصرف، فهذا يُقال له: بات بالليل[3]. • وقال الشافعية والحنابلة: يجب الوجود بمزدلفة بعد نصف الليل ولو ساعةً لطيفة، فلا بد أن يكون الحاج في النصف الثاني من الليل موجودًا في هذا المكان، ولو بعضًا من الوقت فيه، حتى يُقال: بات بهذا المكان[4]. • وذهب الحنفية إلى أنه ما بين طلوع فجر يوم النحر وطلوع الشمس، فمن أدرك بمزدلفة في هذا الوقت فترة من الزمن، فقد أدرك الوقوف، سواء بات بها أم لا[5]. والمختار ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، فقولهم أَوْجَهُ، وهو الموافق لهديِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو: أن النزول يكون نزولًا بالليل، فلا يكفي أول الليل، بل لا بد أن يمر عليه نصف الليل، ويدخل في النصف الثاني من الليل[6]. وقد سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لم نستطعِ المبيت في مزدلفة؛ لأننا لم نجد مكانًا إلا على الطريق، ولا يسمحون لأحد بالوقوف على الطريق، فانصرفنا إلى مِنًى، فهل علينا شيء؟ فأجاب: "إن كان لم يجد مكانًا في مزدلفة، أو منعه الجنود من النزول بها، فلا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وإن كان ذلك على تساهلٍ منه، فعليه دم مع التوبة"؛ [انتهى][7]. • وللحاج الدفعُ من مزدلفة بعد نصف الليل؛ هذا عند مالك والشافعي، وعند أبي حنيفة لا يجوز الدفع إلا بعد طلوع الفجر، ومن أدلة الجواز حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كانت سودةُ امرأة ضخمة ثبِطةً، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمعٍ بليلٍ، فأذِن لها))[8]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أنا ممن قدَّم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعَفة أهله))[9]. • السُّنة أن يبقى الحاج في مزدلفة حتى يُسفر؛ يعني: حتى يتضح النور قبل طلوع الشمس، وإذا صلى الفجر يبقى في مكانه في محله، مستقبلًا القبلةَ يدعو ويلبي، ويذكر الله حتى يُسفر؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما الضعفاء فلهم الانصراف بعد نصف الليل. [1] صحيح مسلم 1218. [2] صحيح مسلم: 1297. [3] شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، حطيبة، ص9. [4] المصدر السابق. [5] المصدر السابق نفسه. [6] المصدر السابق نفسه. [7] فتاوى ابن باز (17/ 287). [8] متفق عليه. [9] متفق عليه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |