قليلاً من التلاوم ولنسع في الإصلاح - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 156 - عددالزوار : 16895 )           »          ألا تحب أن تُذكر في الملأ الأعلى؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          شرح وترجمة حديث: ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التوفيق بين الزهد في الدنيا وإظهار العبد نعم الله عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          بساطة العيش (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          فوائد من التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أوهام الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          يأخذ بقلبي مطلع سورة صٓ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ثمرات التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الرحمة في الحدود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-07-2020, 03:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,280
الدولة : Egypt
افتراضي قليلاً من التلاوم ولنسع في الإصلاح

قليلاً من التلاوم ولنسع في الإصلاح
عبد الله بن محمد البصري



الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ:
فَـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
في كُلِّ مَرَّةٍ يَخرُجُ فِيهَا سَفِيهٌ مَارِقٌ أَو يَتَجَاسَرُ غِرٌّ جَاهِلٌ، فَيُفَجِّرُ نَفسَهُ مُنتَحِرًا في مَكَانٍ عَامٍّ، أَو يَعتَدِي عَلَى آمِنِينَ فَيَقتُلُ مِنهُم مَن شَاءَ اللهُ أَن يَجعَلَهُ شَهِيدًا أَو يَختِمَ لَهُ بِخَيرٍ، نَندَفِعُ جَمِيعًا بما أُوتِينَا مِن بَلاغَةٍ وَفَصَاحَةٍ، وَتَضِجُّ قَنَوَاتُنَا وَتَرتَجُّ إِذَاعَاتُنَا، ثم لا يَزِيدُ أَكثَرُنَا عَلَى رَفعِ الصَّوتِ بِالتَّندِيدِ، وَإِخرَاجِ مَا في مُعجَمِهِ مِن أَلفَاظِ النَّبزِ وَمُفرَدَاتِ التَّعيِيرِ وَعِبَارَاتِ السُّخرِيَةِ وَالاستِهزَاءِ، أَو سَبِّ هَؤُلاءِ المُعتَدِينَ وَشَتمِهِم وَالنَّيلِ مِنهُم، وَالتَّقلِيلِ مِن شَأنِهِم وَتَحقِيرِهِم وَتَسفِيهِ أَحلامِهِم.
وَقَد يَتَجَرَّأُ بَعضُنَا بِحَمَاسَةٍ غَيرِ مُنضَبِطَةٍ، فَيُكَفِّرُهُم وَيُخرِجُهُم مِنَ المِلَّةِ، وَيَقَعُ في المُنزَلَقِ الخَطِيرِ الَّذِي وَقَعُوا فِيهِ، وَقَد يَتَجَاوَزُ آخَرُونَ حُدُودَهُم لِشَيءٍ في نُفُوسِهِم، فَيَعتَدُونَ عَلَى الدِّينِ وَيَتَّهِمُونَ المَنهَجَ الشَّرعِيِّ، أَو يَتَنَاوَلُونَ مَحَاضِنَ التَّربِيَةِ وَيُشَكِّكُونَ في بِيئَاتِ التَّعلِيمِ، أَو يَنسِبُونَ ضَلالَ أُولَئِكَ الضَّالِّينَ إِلى مَدَارِسَ مُعَيَّنَةٍ أَو مَنَاهِجَ خَاصَّةٍ أَو مُقَرَّرَاتٍ، أَو يَحسِبُونَهُ عَلَى مَرَاكِزَ أَو مَسَاجِدَ أَو دُرُوسِ عِلمٍ أَو حَلَقَاتٍ، أَو يَربِطُونَهُ بِعُلَمَاءَ أَو طُلاَّبِ عِلمٍ أَو خُطَبَاءَ أَو دُعَاةٍ، وَتَرَى مَن يَعزُو ضَلالَ هَؤُلاءِ إِلى أَنَّهُم استَمَعُوا خُطَبًا أَو تَرَبَّوا عَلَى مُحَاضَرَاتِ، أَو لأَنَّهُم جَالَسُوا هَذَا أَو رَافَقُوا ذَاكَ، وَهَكَذَا في سَيلٍ جَارِفٍ مِنَ اللَّومِ لِمَن قَد لا يَكُونُونَ في الوَاقِعِ مَلُومِينَ، وَاتَّهَامِ مَن قَد لا يَكُونُ لَهُم شَأنٌ بِهَذَا العَبَثِ الصِّبيَانِيِّ، وَلا يُمَثِّلُهُم ذَاكَ الطَّيشُ الطُّفُولِيُّ.
وَقَلِيلٌ مِنَّا وَلِشَدِيدِ الأَسَفِ مَن تَرَاهُ يَفهَمُ مِثلَ هَذِهِ الأَحدَاثِ الفَهمَ الصَّحِيحَ، وَيَنظُرُ في الوَضعِ العَامِّ نَظرًا مُتَوَازِنًا، فَيَعرِفُ أَنَّهُ لا يَكفِي لِمُوَاجَهَةِ مِثلِ هَذِهِ الفِتَنِ وَالشُّرُورِ وَالتَّصَدِّي لها وَاتِّقَائِهَا مُجَرَّدُ ذَمِّهَا عَبرَ وَسَائِلِ الإِعلامِ، أَو استِنكَارِهَا فَوقَ المَنَابِرِ أَو مِن خِلالِ القَنَوَاتِ، وَأَنَّ المُوَاجَهَةَ الحَقِيقِيَّةَ لَهَا تَحتَاجُ إِلى وَضعِ حُلُولٍ تَربَوِيَّةٍ عَمَلِيَّةٍ تَطبِيقِيَّةٍ، يَعِي فِيهَا كُلُّ فَردٍ في هَذَا المُجتَمَعِ مَسؤُولِيَّتَهُ، وَيُؤَدِّي كُلُّ أَحَدٍ وَاجِبَهُ، وَيَتَحَمَّلُ أَمَانَتَهُ وَمَا كُلِّفَ بِهِ.
أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ الضَّجِيجَ وَالصُّرَاخَ وَرَفعَ الصَّوتِ، وَتَبَادُلَ التُّهَمِ وَكَثرَةَ التَّسفِيهِ وَالتَّجرِيحِ، فَضلاً عَنِ استِغلالِ مِثلِ هَذِهِ الحَوَادِثِ لِتَصفِيَةِ الحِسَابَاتِ مَعَ الصَّالِحِينَ وَالمُصلِحِينَ، وَإِلصَاقِ التُّهَمِ بِالأَبرِيَاءِ الغَافِلِينَ، إِنَّهُ لَنَوعٌ مِنَ التَّخَاذُلِ الَّذِي يَضُرُّ وَلا يَنفَعُ، وَيَقمَعُ وَلا يَرفَعُ، وَيُذِلُّ وَلا يُعِزُّ، بَل وَقَد يَزِيدُ الطِّينَ بِلَّةُ وَالدَّاءَ عِلَّةً، وَيُفَاقِمُ المُشكِلاتِ وَيُضَاعِفُ المُعضِلاتِ. كَم مَرَّةً ضَجَّ النَّاسُ لِمِثلِ هَذِهِ الحَوَادِثِ المُؤلِمَةِ، وَعَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم بِاللَّومِ عَلَى مَن سِوَاهُ وَبَرَّأَ نَفسَهُ، وَكَم بَالَغَ بَعضٌ في التَّجرِيحِ وَتَفَنَّنُوا في إِلبَاسِ فِئَامٍ مِنَ البُرَآءِ أَنوَاعًا مِنَ التُّهَمِ، ثم مَضَى كُلُّ وَاحِدٍ بَعدَ ذَلِكَ لِدُنيَاهُ وَاشتَغَلَ بِمَصَالِحِهِ الخَاصَّةِ، تَارِكِينَ جُرحَ الأُمَّةَ يَنزِفُ دُونَ مُغِيثٍ.
وَظَلَّ شَبَابُنَا وَأَبنَاؤُنَا وَفَلَذَاتُ أَكبَادِنَا صَيدًا سَهلاً لأَعدَاءِ الأُمَّةِ عَلَى مُختَلِفِ عَقَائِدِهِم وَتَوَجُّهَاتِهِم، بَينَ غَالٍ مُتَشَدِّدٍ يَقذِفُ بِالشُّبَهَاتِ في أَوسَاطِهِم لِيَجعَلَهُم سِهَامًا في صُدُورِ أَقوَامِهِم وَمَعَاوِلَ هَدمٍ لِمُجتَمَعَاتِهِم، وَجَافٍ مُتَسَاهِلٍ يُغرِقُهُم بِالشَّهَوَاتِ وَيُفسِدُ قُلُوبَهُم بالمُلهِيَاتِ، لِيَغدُوا وَيَرُوحُوا كَالبَهَائِمِ لا هَمَّ لَهُم إِلاَّ الأَكلُ وَالشُّربُ وَقَضَاءُ الأَوطَارِ الحَيَوَانِيَّةِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
إِنَّ الجِرَاحَ أَكبَرُ مِن أَن نَكتَفِيَ بِبُكَاءٍ وَصِيَاحٍ وَعَوِيلٍ، وَإِنَّهُ مَا لم يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا مَشرُوعُهُ البِنَائِيُّ في مُجتَمَعِهِ، وَبَرنَامَجُهُ الإِصلاحِيُّ في أُمَّتِهِ، فَسَنَظَلُّ فَرِيقًا مِنَ النَّائِحِينَ، الَّذِينَ يَضِجُّونَ وَيَلطُمُونَ، وَيَكتُبُونَ وَيَتَكَلَّمُونَ، وَيَذُمُّونَ وَيَنقُدُونَ، وَيَتَبَادَلُونَ التُّهَمَ وَيَتَلاوَمُونَ، ثم مَا تَلبَثُ الأَيَّامُ أَن تَلِدَ لَهُم بَينَ حِينٍ وَآخَرَ فَاجِعَةً تُنسِيهِم الَّتي قَبلَهَا، وَتَذهَبُ بِعُقُولِهِم وَتَطِيشُ بِأَحلامِهِم. وَأَمَّا خُرُوجُ الفِرَقِ الضَّالَّةِ وَغُربَةُ الدِّينِ في آخِرِ الزَّمَانِ، فَإِنَهُ قَدَرٌ كَونيٌّ وَاقِعٌ لا مَحَالَةَ، وَلا مَفَرَّ مِنهُ وَلا مَنَاصَ، وَقَد أَخبَرَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِافتِرَاقِ الأُمَّةِ عَلَى أَكثَرَ مِن سَبعِينَ فِرقَةٍ ضَالَّةٍ، وَلَكِنْ... طُوبى لِلغُرَبَاءِ، الَّذِينَ يَصلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ، أَو يُصلِحُونَ مَا أَفسَدَ النَّاسُ، طُوبى لِلمُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ، طُوبى لِلصَّابِرِينَ المُرَابِطِينَ، وَهَنِيئًا لِمُعَلِّمٍ خَيرًا، أَو نَاشِرٍ عِلمًا، أَو بَاذِلٍ مَعرُوفًا، أَو مُطفِئًا فِتنَةً وَدَافِعٍ شَرًّا، أَو خَافِضٍ بَاطِلاً وَرَافِعٍ حقًا، وَيَا فَوزَ مَن رَبَّى النَّاشِئَةَ عَلَى الحَقِّ وَأَلزَمَهُمُ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ بِقَولِهِ وَعَمَلِهِ أَو مَالِهِ، وَجَانَبَ الجَدَلَ وَالخِصَامَ وَحَذِرَ القَذفَ وَالاتِّهَامَ !!
ذَلِكُم - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - هُوَ الطَّرِيقُ الصَّحِيحُ لِمَن صَحَّت نِيَّتُهُ، إِذِ القَدَرُ الشَّرعِيُّ يَقتَضِي دَفعَ القَدَرِ الكَونِيِّ وَمُغَالَبَتَهُ، وَكَشفَ زُيُوفِ البَاطِلِ وَفَضحَهُ، وَإِبطَالَ شُبَهِهِ وَتَجفِيفَ مَنَابِعِهِ، وَمُزاحَمَتَهُ بِبَرَامِجَ عِلمِيَّةٍ دَعَوِيَّةٍ، وَمُهِمَّاتٍ إِصلاحِيَّةٍ تَوجِيهِيَّةٍ. ثم إِنَّ هَذِهِ المِحَنَ وَالبَلايَا، وَإِن هِيَ عَظُمَت وَضَاقَت بها الصُّدُورُ وَتَزَعزَعَت بِسَبَبِهَا الصُّفُوفُ، فَإِنَّهَا اختِبَارٌ لِلأُمَّةِ وَتَمحِيصٌ لِلمَوَاقِفِ، يَتَبَيَّنُ بها صِدقُ الصَّادِقِينَ وَصَبرُ الصَّابِرِينَ، وَيَفتَضِحُ بها خِدَاعُ المُنَافِقِينَ وَضِيقُ عَطَنِ الجَزِعِينَ، وَيَتَّخِذُ اللهُ بها شُهَدَاءَ مِنَ المُؤمِنِينَ، وَهِيَ في النِّهَايَةِ وَإِن ظَنَنَّاهَا عَذَابًا لِلأُمَّةِ أَو شَقَاءً عَلَيهَا في الدُّنيَا، إِلاَّ أَنَّهَا رَحمَةٌ لَهَا وَنَجَاةٌ وَرِفعَةٌ في الأُخرَى، قَالَ - سُبحَانَهُ -: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ * وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ) وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِنْ كُنتُم مُؤمِنِينَ * إِنْ يَمسَسْكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالمِينَ).
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: ((أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرحُومَةٌ، لَيسَ عَلَيهَا عَذَابٌ في الآخِرَةِ، إِنَّمَا عَذَابُهَا في الدُّنيَا الفِتَنُ وَالزَّلازِلُ وَالقَتلُ وَالبَلايَا)) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
لَيسَ في دُرُوسِ عُلَمَائِنَا وَلا كَلامِ دُعَاتِنَا وَخُطَبَائِنَا، وَلا في حَلَقَاتِنَا وَلا في خِطَابِنَا الدِّينِيِّ كَمَا يُسَمِّيهِ بَعضُ المُغرِضِينَ وَاللاَّمِزِينَ، لَيسَ فِيهَا بِحَمدِ اللهِ خُرُوجٌ عَن مَنهَجِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَلا تَسَاهُلٌ في بَيَانِ الحَقِّ أَو كِتمَانٌ لِلعِلمِ، وَلم تَزَلْ أَلسِنَتُنَا وَأَقلامُنَا بِحَمدِ اللهِ تُفصِحُ بما نَعِيشُهُ مِن وِفَاقٍ وَوِئَامٍ، وَتُذَكِّرُ بما نَنعَمُ بِهِ مِن أَمنٍ وَسَلامٍ، وَتُشِيدُ بما نَتَقَلَّبُ فِيهِ مِن رَغَدِ عَيشٍ، وَتُؤَكِّدُ عَلَى عَظِيمِ حُرمَةِ الدِّمَاءِ المَعصُومَةِ، وَخَطَرِ التَّهَاوُنِ بها أَوِ التَّسَاهُلِ في أَمرِهَا.
وَإِنَّ الإِسلامَ لَبَرِيءٌ مِن كُلِّ عَمَلٍ لا يَدعَمُهُ دَلِيلٌ مِن كِتَابٍ أَو سُنَةٍ بِفَهمٍ صَحِيحٍ، وَدَرءَ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلبِ المَصَالِحِ، وَطَاعَةَ وُلاةِ الأَمرِ مِن طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَعدِلْ وَلْنَظُنَّ خَيرًا؛ فَإِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيُشهِدُ اللهَ عَلَى مَا في قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى في الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهَاد).
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاحمَدُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ وَاشكُرُوهُ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَهُ لَيسَ مِن عِلاجِ هَذِهِ الفِتَنِ أَن تَكثُرَ التَّحلِيلاتُ السِّيَاسِيَّةُ، وَلا أَن تُصدَرَ الَبَيانَاتُ الإِعلامِيَّةُ، وَلا أَن نَنشَغِلَ بِنَشرِ الشَّائِعَاتِ وَبَثِّ الأَرَاجِيفِ، أَو أَن يُنَصِّبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفسَهُ لِتَوزِيعِ الاتِّهَامَاتِ وَالخَوضِ في النِّيَّاتِ أَو تَخوِينِ الآخَرِينَ. لَيتَنا نَعلَمُ عِلمَ اليَقِينِ أَنَّ مَا أَصَابَنَا مِن مُصِيبَةٍ أَو نَقصٍ أَو تَسَلُّطِ عَدُوٍّ، فَإِنَّمَا هُوَ بما كَسَبَت أَيدِينَا وَبِسَبَبِ تَقصِيرِنَا في جَنبِ اللهِ، فَيَشتَغِلَ كُلٌّ مِنَّا بِنَجَاةِ نَفسِهِ، وَيَعِيَ مَسؤُولِيَّتَهُ وَيَحمِلَ أَمَانَتَهُ، وَيَسعَى في حِفظِ مَن يَعُولُ وَإِصلاحِ مَن يَرعَى، فَعَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: ((اِمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)) أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ.
إِنَّ النَّاشِئَةَ في مُقتَبَلِ أَعمَارِهِم دِيوَانٌ مَفتُوحٌ وَسِجِلٌّ نَقِيٌّ نَاصِعٌ، أَو كَأَرضٍ بِكرٍ طَاهِرَةٍ، فَإِذَا نَحنُ أَهمَلنَاهُم وَتَرَكنَا لَهُمُ الحَبلَ عَلَى الغَارِبِ، بَل وَأَطَعنَا المُنَافِقِينَ المُغرِضِينَ وَالجَهَلَةِ النَّاعِقِينَ، فَمَنَعنَا البَرَامِجَ الدَّعَوِيَّةَ الصَّادِقَةَ وَزَهَّدنَا فِيهَا، وَضَيَّقنَا عَلَى الأَعمَالِ الخَيرِيَّةِ الجَادَّةِ وَوَقَفنَا ضِدَّهَا أَو خَذَلنَاهَا وَلم نَدعَمْهَا، وَنَظَرنَا لِمُؤَسَّسَاتِنَا الدَّعَوِيَّةِ وَالخَيرِيَّةِ نَظرَةَ اتِّهَامٍ وَتَخوِينٍ، فَمَاذَا عَسَى أَبنَاؤُنَا أَن يَفعَلُوا؟! لَن نُسَوِّغْ لَهُم أَن يَتَّجِهُوا لِكُلِّ ضَالٍ أَو يَتَّبِعُوا كُلَّ مُبتَدِعٍ، وَلَكِنَّنَا لَن نَستَطِيعَ أَن نُقَدِّمَ لأَنفُسِنَا عُذرًا مَقبُولاً، إِذَا استَطَاعَ غَيرُنَا أَن يَجذِبَهُم إِلَيهِ وَهُم قَلِيلُو عِلمٍ وَخِبرَةٍ، بما يُصَوِّرُهُ لَهُم مِن أَنَّ هَذِهِ التَّفجِيرَاتِ هِيَ أَقصَرُ طَرِيقٍ لِلجَنَّةِ، أَو أَقرَبُ سَبِيلٍ لِنَصرِ الأُمَّةِ. أَمَّا شَبَابُنَا، فَلْيَعلَمُوا أَنَّهُم هَدَفٌ لِلأَعدَاءِ، وَسَوَاءٌ لَدَيهِم مَن وَقَعَ مِنهُم في شَرَكِ الشُّبُهَاتِ، أَو غَاصَ في وَحَلِ الشَّهَوَاتِ، فَالقَصدُ هُوَ إِفسَادُهُم وَإِبعَادُهُم عَن دِينِهِم، وَجَعلُهُم أَدَوَاتِ إِفسَادٍ وَفِتنَةٍ، فَاللهَ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - عَامَّةً وَيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ خَاصَّةً، لا تُؤتَيَنَّ الأُمَّةُ مِن قِبَلِكُم، وَعَلَيكُم جَمِيعًا أَن تَرجِعُوا إِلى العِلمِ الشَّرعِيِّ وَالعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ الرَّاسِخِينَ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ المِرَاءِ وَالجَدَلِ، وَإِيَّاكُم وَالدُّخُولَ في مَعَارِكَ فِكرِيَّةٍ لا مُنتَهَى لها، وَإِنَّمَا هِيَ تَزيِينٌ مِنَ المَفتُونِينَ وَتَهيِيجٌ لِلفِتَنِ.
رَحِمَ اللهُ عَبدًا قَالَ خَيرًا فَغَنِمَ، أَو سَكَتَ عَن شَرٍّ فَسَلِمَ، هَنِيئًا لِمَن كَانَ مِنَ الفِتَنِ أَنأَى وَأَبعَدَ، وَعَنهَا أَجبَنَ وَلَهَا أَخوَفَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: ((سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لها تَستَشْرِفْهُ، فَمَن وَجَدَ مَلجَأً أَو مَعَاذًا فَلْيَعُذْبِهِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.77 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]