|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() اسم الله السلام (1) د. محمد ويلالي سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (29) اسم الله: السلام (1) انتهَينا في الجزأينِ الماضيينِ - ضمن سلسلة شرح أسماء الله الحسنى - من بيانِ اسم الله "الحسيب" أصلًا وفقهًا؛ فعرَفنا أنه يدل على الكفاية من جهة، وعلى المحاسبة من جهة أخرى، وتبينَّا فقهَه ضمن ثمانية أمور: 1 - العلم بأن كفاية الله لعباده عامَّةٌ وخاصَّةٌ. 2 - الحسيب يقتضي صدقَ التوكُّل عليه. 3 - الاعتقاد بأن الله يُحصِي كلَّ شيء من أقوالنا وأفعالنا، وحركاتنا وسكناتنا. 4 - ضرورة الانصياع للقوانينِ الانضباطية التي لا تُخالف القرآن والسُّنة. 5 - استشعار معيَّة الخالق للعبد في كل زمان ومكان. 6 - المؤمن يحسب حسناته ويزيد فيها، ويحسب وسيئاته ويسعى في محوِها. 7 - عدم المبالغة في إصدار الأحكام. 8 - محاسبة المؤمن نفسَه عن أعماله قبل أن يُحاسَب عليها. وننتقل - اليوم إن شاء الله تعالى - إلى اسمٍ جليل آخر، له مِن الأسرار العجيبة، والأبعاد الرشيدة - ما يجعَل العبدَ في مأمنٍ مِن خوفِ غير الله، أو سؤال غير الله، أو اعتقاد القوة والعظمة عند مخلوقٍ من مخلوقات الله، اسمٍ يُغنِينا عن التأوُّه والتضجُّر، ويدعونا للرضا بقضاء الله وقدرِه، اسمٍ يجعَلُنا نُكثِر مِن حمد الله على الضراء، كما نُكثِر حمدَه على السراء، اسمٍ قال فيه ابن القيم - رحمه الله -: "الله أحقُّ بهذا الاسم مِن كل مسمًّى به؛ لسلامته سبحانه مِن كل عيب ونقص من كل وجهٍ". إنه اسمُ الله "السلام" الذي يدل على تنزيه الخالق سبحانه مِن كل نقص وضعف، ويجعَلُه العظيم المتعاليَ على كلِّ شيء، الذي يحتاج إليه كلُّ شيء، قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾ [الحشر: 23]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصَرَف مِن صلاتِه استغفر ثلاثًا وقال: ((اللهم أنت السلامُ، ومنك السلام، تبارَكْتَ ذا الجلالِ والإكرام))؛ مسلم. • والسلام لغةً يدلُّ - كما قال ابن فارس - على الصحة والعافية. • والسلام مصدرٌ استعمل اسمًا للموصوف بالسلامة من كل آفة ظاهرة وباطنة. • والسلام: الحِلم وقول الخير والسداد، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، قال ابن كثير: "أي: إذا سَفِه عليهم الجُهَّال بالسيِّئ، لم يُقابلوهم عليه بمثلِه، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا". وقال مجاهد: "﴿ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]؛ يعني: قالوا: سدادًا". ومِن جميل ما وجَّه به الحسن البصريُّ رحمه الله قولَ المؤمنين للجاهلين: ﴿ سَلَامًا ﴾ - قولُه: "إن المؤمنين قومٌ ذُلُلٌ، ذلَّت منهم - والله - الأسماعُ والأبصارُ والجوارحُ، حتى يحسبَهم الجاهل مرْضى، وإنهم لأصحَّاء القلوب، ولكنْ دخَلَهم من الخوف ما لم يدخل غيرَهم، ومنَعَهم من الدنيا علمُهم بالآخرة". وقال أيضًا: "حُلماء لا يَجْهَلون، وإن جُهِل عليهم حَلُموا ولم يَسفَهوا، هذا نهارُهم، فكيف ليلهم؟! خير ليلٍ، صَفُّوا أقدامهم، وأَجْرَوا دموعَهم على خدودهم، يطلبون إلى الله جلَّ ثناؤه في فكاك رقابهم". • والسلامُ: الخير والبركة؛ قال تعالى في ليلة القدر: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 5]؛ أي: سالِمةٌ مِن كل شَرٍّ وضُرٍّ، لا يُقضَى فيها إلا الخير، قال ابن زيد: "﴿ سَلَامٌ هِيَ ﴾ ليس فيها شيء، هي خيرٌ كلها". ويصح الابتداء بقولِه تعالى: ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ ﴾ [القدر: 4، 5]، قال قتادة: "﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ ﴾ [القدر: 4، 5]؛ أي: هي خيرٌ كلُّها إلى مطلع الفجر". وقال في البحر: "أي: هي سلامٌ، جعلها سلامًا؛ لكثرة السلام فيها، قيل: لا يَلْقَوْنَ مؤمنًا ولا مؤمنة إلا سلَّموا عليه في تلك الليلة، وقال منصور والشعبي: سلام، بمعنى التحية؛ أي: تُسلم الملائكة على المؤمنين". • والسلام: الأَمَنة والحِفظ؛ قال تعالى في حق سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 33]، قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول: والأمَنة مِن الله عليَّ مِن الشيطان وجندِه يومَ وُلِدْتُ أن ينالوا مني ما ينالون ممَّن يُولَد عند الولادة". والذي اتَّبَع هدى الله عاش سالِمًا مِن كل كرب، معافًى من كل همٍّ، قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، وقال تعالى: ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ [طه: 47]؛ أي: سلم مِن كرب الدنيا وغمِّ الآخرة، قال السعدي رحمه الله: "أي: مَن اتَّبع الصراط المستقيم، واهتدى بالشرع المبين، حصَلَتْ له السلامة في الدنيا والآخرة". وتسمَّى الجنةُ دارَ السلام؛ قال تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 127]؛ لأنها سالِمةٌ مِن المصائب والابتلاءات، عاريةٌ عن الأحزان والكربات، بعيدةٌ عن الأسقام والآفات، بل هي سعادةٌ دائمة، ونعمة مقيمة، ﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾ [يس: 55 - 58]. • وقيل: السلام بمعنى التحية؛ لأن تحية أهلها فيها سلامٌ، ويمكن أن تكون الجنة مضافةً لاسمِ الله "السلام"؛ تشريفًا وتعظيمًا، كما قال تعالى: ﴿ نَاقَةُ اللَّهِ ﴾ [الأعراف: 73]، قال ابن سِيدَهْ في المُحكَم: "ودارُ السَّلامِ الجنَّةُ؛ لأنَّها دارُ الله عزَّ وجلَّ، فأُضِيفَتْ إليه تَفْخِيمًا لها". دارُ السلام وجنةُ المأوى ومَنْـ ![]() ـزلُ عسكرِ الإيمانِ والقرآنِ ![]() فالدار دار سلامةٍ وخطابُهم ![]() فيها سلامٌ، واسمُ ذي الغفرانِ ![]() • والسلامُ تحيةُ المسلمين التي ذَهَل عنها أهلُ الديانات الأخرى، سُمِّيت سلامًا؛ لأنها خالصةٌ مِن سوء الطويَّة وخبث النيَّة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:خلَق اللهُ آدمَ على صورتِه، طولُه ستُّون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهَبْ فسلِّم على أولئك النفرِ مِن الملائكة، جلوسٌ، فاستمِعْ ما يُحيُّونَك؛ فإنها تحيَّتُك وتحيَّةُ ذرِّيتِك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلامُ عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله))؛ متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: ((السلامُ اسمٌ مِن أسماء الله، وضَعَه الله في الأرض، فأَفشُوه بينكم؛ فإن الرجلَ المُسلِم إذا مرَّ بقومٍ فسلَّم عليهم، فردُّوا عليه، كان له عليهم فضلُ درجةٍ بتذكيره إياهم السلام، فإن لم يردُّوا عليه، ردَّ عليه مَن هو خيرٌ منهم وأطيب))؛ (أي: الملائكة الكرام)"؛ صحيح الجامع. • والله تعالى هو السلام؛ لأنه مُتنزِّهٌ عن الظلم، قال الزجَّاج: "السلامُ هو الذي سلِم مِن عذابه مَن لا يستحقُّه". • وهو السلامُ؛ لأنه كاملٌ كمالًا مطلقًا، مُتنزِّهٌ عن كل عيب، قال السعدي في قوله تعالى: ﴿ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ﴾ [الحشر: 23]: "القدوس كالسلام، يَنفيانِ كلَّ نقصٍ من جميع الوجوه، ويتضمَّنانِ الكمال المطلق من جميع الوجوه؛ لأن النقص إذا انتفى ثبَتَ الكمال كلُّه". • وهو السلام؛ لأنه المُنزَّه عن مُماثَلة غيره له، فكلُّ المخلوقات يَعتَرِيها الضعفُ والنقص والاحتياج، وهو سبحانه سالِمٌ مِن كل ذلك. وهو السلامُ على الحقيقة سالِمٌ ♦♦♦ مِن كل تمثيلٍ ومِن نُقصانِ وقال ابن القيم رحمه الله في بيان شافٍ لحقيقة اسم الله "السلام": "إذا نظرتَ إلى أفراد صفات كماله، وجدتَ كلَّ صفةٍ سلامًا مما يضادُّ كمالَها: فحياته سلامٌ من الموت ومِن السِّنَة والنوم. وكذلك قيوميَّتُه وقدرتُه سلامٌ مِن التعب واللُّغوب. وعلمه سلامٌ مِن عزوب شيء عنه، أو عروض نسيان، أو حاجة إلى تذكُّر وتفكُّر. وإرادته سلامٌ مِن خروجها عن الحكمة والمصلحة. وكلماتُه سلامٌ مِن الكذب والظلم، بل تَمَّت كلماتُه صدقًا وعدلًا. وغِناهُ سلامٌ مِن الحاجة إلى غيرِه بوجهٍ ما. وحِلمُه وعفوُه وصفحُه ومغفرتُه وتجاوزُه: سلامٌ من أن تكونَ عن حاجةٍ منه، أو ذل، أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محضُ جُودِه وإحسانه وكرمه. وكذلك عذابه وانتقامه، وشدة بطشه، وسرعة عقابه: سلامٌ مِن أن يكون ظلمًا أو تشفيًا، أو غِلظة، أو قسوة، بل هو محضُ حكمته وعدله، ووضعه الأشياءَ مواضعَها، وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء، كما يستحقُّه على إحسانه وثوابه ونعمه، بل لو وضع الثوابَ موضع العقوبة، لكان مناقضًا لحكمته ولعزَّته، فوَضْعُه العقوبةَ موضعها هو من عدله وحكمته وعزته. وقضاؤه وقَدَره سلام من العبث والجَور والظلم. وشرعه ودينه سلامٌ من التناقض والاختلاف والاضطراب، بل شرعُه كلُّه حكمةٌ، ورحمة، ومصلحة وعدل. وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة، أو لحاجة إلى المعطَى. ومنعُه سلامٌ من البخل وخوف الإملاق، وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه، فإنه سلامٌ عما يتخيله مُشبِّه، أو يتقوَّله مُعطِّل". إنْ مَسَّنا الضُرُّ أو ضاقت بنا الحِيَلُ ![]() فلن يَخيبَ لنا في ربِّنا أَمَلُ ![]() اللهُ في كلِّ خطبٍ حَسْبُنا وكفى ![]() إليهِ نرفعُ شكوانا ونَبتهلُ ![]() ومَنْ نلوذُ بهِ في كَشْفِ كُرْبَتِنا ![]() ومَن عليه سوى الرحمَنِ نتَّكِلُ ![]() فافْزَعْ إلى اللهِ واقرَعْ بابَ رَحمَتِهِ ![]() فهْو الرَّجاءُ لِمَنْ أعيتْ بهِ السُّبُلُ
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() فقه اسم الله السلام (2) د. محمد ويلالي سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (30) تناوَلْنا في المناسبة الماضية - ضمنَ سلسلة شرح أسماء الله الحسنى في جزئِها التاسع والعشرين - الحديثَ عن اسم الله "السلام" أصلًا، فعرَفنا أنه يدلُّ على سلامةِ الله سبحانه من كلِّ عيبٍ ونقصٍ؛ لأنه يتضمَّن كمالَه المُطلَق مِن جميع الوجوهِ؛ بحيث إنَّ كل صفةٍ ثابتة له هي سلام مما يضادُّ كمالها، مع سلامته من كل تشبيه بمخلوقاته أو تمثيل. وهو السلامُ على الحقيقةِ سالِمٌ ♦♦♦ مِن كلِّ تمثيلٍ ومِن نقصانِ وقصدُنا - اليوم إن شاء الله تعالى - أن نقفَ على بعضِ الأبعادِ التربوية المرتكزة على فقه هذا الاسم الجليل "السلام"، ويمكن إجمالُها في أربعة أبعاد: 1- أن اسم الله "السلام" يتجلَّى في سلامة خلقِه سبحانه مِن كلِّ خلل أو تناقضٍ، فكلُّ شيءٍ في الكون يجري بمقدارٍ، وبدقَّةٍ مُتناهية لا يقدِرُ عليها إلا الله "السلام". فهذه الأرضُ التي تحمِلُنا - ولا نشعُرُ بحركتِها - تدورُ حول نفسِها بسرعةِ 465 مترًا في الثانية، علمًا بأن سرعة الصوت لا تزيد على 335 مترًا في الثانية، وكلُّ شيءٍ ثابتٌ في مكانه، والجاذبيةُ تقومُ بدورِها بأمرٍ من الله، فلا شيء يختلُّ، ولا نظام ينفرطُ، في ضبطٍ مُطلَق لحركة الدوران، وربطٍ عجيب بين حركة الشمس والقمر، وما ينجُمُ عن ذلك من تكوير الليل على النهار، والنهار على الليل، ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 38 - 40]. 2- إقامةُ التشريع على ما يحقِّق السلام من كل وجه: • فاعتقادُ وحدانية الله سلامٌ مِن الشِّرك والبدع. • وعبادة الله وحدَه سلامٌ مِن تقديس غيرِه، ومنجاةٌ مِن التذلُّل إلى سواه؛ ففي السجود لله رفعةُ العقل، وفي الخضوعِ لأمره عزةُ القلب، وفي مناجاتِه صفاءُ الرُّوح، وفي التقرب إليه طمأنينةُ النفس، وفي القيام بين يدَيْه قوةُ البدن. • والصلاةُ سلامٌ مِن المعاصي والمُنكَرات؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]. • والصيامُ سلامٌ مِن الكسل والأمراض؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((عليك بالصوم، فإنه لا مِثْلَ له))؛ صحيح سنن النَّسائي. • والزكاةُ سلامٌ مِن الأَثَرة والشُّحِّ؛ قال تعالى:﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]. • والحجُّ سلامٌ مِن الكِبْرِ والرياء؛ قال أنس بن مالك رضي الله عنه: حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على رَحْلٍ رثٍّ، وقطيفةٍ تساوي أربعةَ دراهمَ أو لا تساوي، ثم قال: ((اللهم حجةً لا رياءَ فيها ولا سُمعةَ))؛ صحيح سنن ابن ماجَهْ. 3- إقامة العقوبات في الإسلام لا تُنافِي بسطَ السلام، بل هي عين السلام، حين يوجد مِن بينِنا مَن يقضُّ أمنَ المسالِمين، ويطرُدُ السكينة عن المُطمئِنين، ويُروِّع عباد الله الآمنين، ويسعى بالفساد بين الساكنين - فلا يردَعُه إلا الضربُ على يدِه، والأخذُ بزجره؛ حتى يسلَمَ الناسُ مِن شرِّه، والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول: ((المسلمُ مَن سلِم المسلمون مِن لسانِه ويدِه))؛ متفق عليه. ولغيابِ هذا الفهم الصحيح لاسم الله "السلام"، انتشرتِ الجرائم، وتفشَّتِ الاعتداءات، وكثُرَ المعتدون المتجاوِزون، حتى اضطُرَّت السلطات - عندنا - أن تُوقِفَ في شهر غشت من السنة الماضية (2017) أزيدَ مِن 28000 شخصٍ لأسباب إجراميَّة؛ كحيازة وترويج الموادِّ المُخدِّرة والمؤثِّرات العقلية، والتورُّط في ارتكاب أفعال تتراوح بين الاعتداءات الجسدية، وحمل السلاح الأبيض، والسرقة الموصوفة، والجرائم الجنسية، والسُّكر العلني البيِّن، وجرائم القتل، والانتحار، واعتداء الأزواج على الزوجات، واعتداء الأبناء على الآباء، والإخوة بعضهم على بعضٍ، والجيران بعضهم على بعضٍ، والمتعلِّمين على مُعلِّميهم، مما يندى لسماعه الجَبِينُ، علمًا بأن قرابة 54% مِن السجناء - عندنا - معتقلون بسبب جرائم الأموال والمُخدِّرات؛ أي: قرابة 45 ألف شخص مِن مجموع 83 ألفًا، معهم قرابة الألفين من النساء. وتشير الدراسات والإحصائيات إلى أنه في بعض الدول يقعُ أزيدُ مِن 50 جريمة قتل يوميًّا، وأن 50 %من سكان بعض البلاد سُرِقت أموالُهم أو ممتلكات أحد أفراد أسرهم، وأن 36% لا يشعُرون بالأمان عند خروجهم ليلًا؛ مما يحيل الحياة حربًا لا سِلمًا، وعدوانًا لا إحسانًا. 4- دعوة الإسلام إلى السلام تجعلُ الحرب استثناءً، لا يُلجَأ إليها إلا عند الضرورة القصوى، وبآداب تحفَظُ البلدانَ من الدمار، وتحفظ الإنسان والحيوان والنبات من الهلاك، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 61]. والناس في منظورِ الإسلام مشارِبُ مختلفةٌ، ومعتقدات متبايِنة، وألوانٌ متعددة، لكنهم يرجِعون إلى أصل واحد، وينهَلون مِن مَشرَب واحد، فكان التفاضلُ بينهم على قَدْرِ الاعتراف بهذا الأصل، والتعبُّد بموجبِه، قال صلى الله عليه وسلم: ((ألَا إن ربَّكم واحد، وإن أباكم واحد، ألَا لا فضل لعربيٍّ على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى))؛ رواه أحمد، وهو في صحيح الترغيب. لكن الإسلام أنزله الله تعالى لينتشرَ في الأرض، ويُحقِّق مرادَ الله تعالى في بسط دينه وإعلاء كلمته، ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، ولا يحقُّ لأحدٍ أن يقف في طريق دين الله، أو يدعوَ إلى نقضه ومعارضته، فآنذاك يكونُ قد استعدى المسلمين ضدَّه، واستجلب النقمةَ على نفسه، ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، ومِن ثَمَّ كانت حروبُ الإسلام على أنماطٍ: • إما دفاعية في وجه الصائل المعتدي؛ كغزوةِ بدرٍ، التي ما كانَتْ إلا بسبب تجبُّر كفَّار قريش، الذين طردوا المسلمين من مكة، بعد أن سلبوهم أموالَهم وممتلكاتِهم، واضطهدوهم وعذَّبوهم. • وإما بسبب نقضِ العدوِّ للعهد الذي بينه وبين المسلمين؛ كما فعل اليهود في غزوة الخندق، والمشركون في صُلح الحُدَيْبية. • وإما لردِّ العدوان؛ كما في غزوة أُحُد والخَنْدق. • وإما للوقاية من شر الأعداء؛ كغزوة مُؤْتة، بعد قتل الرومِ لرسولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، والاعتداء بالقتل على مَن لديهم من المسلمين، فهي مقاتلة في مقابل اعتداء، قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]. أتيناك نَرجُوك حسنَ الختامْ ![]() إلهي فلَسْنَا على ما يُرامْ ![]() على بابِ عفوِكَ نحن اليتامى ![]() وأنتَ السلامُ ومِنكَ السلامْ ![]() ونرى الإسلامَ يأمرُ جنود المسلمين بسلوكِ مَسلَك قصد تحقيق الهدف بأقصر الطرق، وبأقل التكاليف والخسائر؛ فيبدأ بالدعوة السلمية؛ كما في غزوة خيبر؛ حيث أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليًّا قائلًا: ((ادعُهم إلى الإسلامِ، وأخبِرْهم بما يجبُ عليهم مِن حق الله فيه، فوَاللهِ لأَنْ يَهدِيَ الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك مِن أن يكون لك حُمْر النَّعَم))؛ متفق عليه. فليستِ الغايةُ هي الغنائمَ والمال، أو إثباتَ القوة واستعراضَ العضلات؛ وإنما الغايةُ الهداية إلى شرع الله تعالى، والفوزُ بالدارين، مع النهيِ عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعُبَّاد ممن لا يُحارِبون، والحفاظ على مُقدرات البلاد من التلف والتخريب؛ كما أوصى أبو بكر الصديقُ رضي الله عنه يزيدَ بنَ أبي سفيان قائلًا: "إنك ستجد قومًا زعَموا أنهم حبَسوا أنفسهم لله، فذَرْهم وما زعَموا أنهم حبَسوا أنفسهم له، وإني مُوصيك بعَشْرٍ: لا تقتلنَّ امرأةً ولا صبيًّا ولا كبيرًا هَرِمًا، ولا تقطعنَّ شجرًا مُثمِرًا، ولا تخربنَّ عامرًا، ولا تعقرن شاةً ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقنَّ نخلًا، ولا تفرقنه، ولا تَغلُلْ، ولا تجبن"؛ مع التوصية بالأُسارى خيرًا. وطيلة عمر الدعوة النبوية لم يَزِدْ عددُ القتلى من المشركين والمسلمين على الألف، مع أن الرقعةَ التي تحرَّك فيها المسلمون هي أكثر مِن مليون ميلٍ مُربَّع، يسكنها أكثر مِن مليون من البشر، مما يعدل قتيلًا واحدًا في الشهر، وهو دليلٌ على أن فقه اسم الله "السلام" كان يُجلِّل مسارَ الدعوة النبوية السلمية. ولنا أن نُقارِنَ هذه الآداب الرفيعة بهمجية الحروب المعاصِرة، التي تأتي على الأخضر واليابس، مع ما يصحَبُها من الترويع والتدمير والتخريب. شتَّانَ ما بين تشريعِ السماء لنا ♦♦♦ وبين تشريعِ أهلِ الأرضِ شتَّانَا
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() من آثار الإيمان باسم الله السلام (3) د. محمد ويلالي سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (31) سبق الحديث - في إطار سلسلة (شرح أسماء الله الحسنى) في جزئها الثلاثين - عن القسم الثاني من أقسام شرح اسم الله "السلام"، الذي خصَّصناه لفقهِ هذا الاسم الجليل، عبر أربعة محاور: (سلامة خَلْقه سبحانه مِن كل خلل أو تناقض، وأن التشريع قائمٌ على ما يُحقِّق السلام من كل وجهٍ، وأن العقوبات في الإسلام لا تُنافي بسطَ السلام؛ بل تحميه وترفدُه، وأن الحرب في ديننا استثناءٌ وليست أصلًا). ونقفُ اليوم إن شاء الله تعالى على بعض آثار الإيمان باسم الله "السلام"، ونجليها مِن خلال ثلاثة أبعاد كبرى: 1- اعتقاد سلامة الله تعالى مِن كل عيب ونقص، فلا يُصِيبه تعبٌ أو نَصَب، ولا يعتريه عجزٌ أو مَلَل؛ لأنه الكاملُ في أسمائه وصفاته. قال الرازيُّ رحمه الله: "فإن الذي يطرَأُ عليه شيءٌ من العيوب تزول سلامته ولا يبقى سليمًا"، وكذلك اعتقاد سلامة عدله في معاملته خلقَه، فلا ظلم ولا جَور، ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]. ويُبرِز ابنُ عاشور رحمه الله السرَّ في ترتيب أسماء الله عز وجل في قوله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ﴾ [الحشر: 23]، فيقول: "وعَقَّب بـ(القدوس) وَصْفَ (المَلِك)، إشارةً إلى أنه مُنَزَّه عن نقائضِ الملوك المعروفة، مِن الغرور والاسترسال في الشهوات، ونحو ذلك من نقائض النفوس، وعَقَّب بـ(السلام) للدلالةِ على العدل في معاملته الخلق"، ولهذا التقارب والتواشج بين هذه الأسماء لم يؤتَ بحرفِ العطف بينها. قال ابن القيم رحمه الله: "كلما كان التغايرُ أبينَ كان العطف أحسن، ولهذا جاء العطفُ في قوله: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ﴾ [الحديد: 3]، وترك في قوله: ﴿ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ﴾ [الحشر: 23]". 2- العمل على استجلاب سلامةِ الله في أشدِّ المواطن احتياجًا إليها، وهي المذكورةُ في قوله تعالى - تكريمًا لسيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام -: ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 15]، قال سفيان بن عُيَينة رحمه الله: "أَوْحَشُ ما يكونُ الخلقُ في ثلاثة مواطن: يوم يُولَد، فيرى نفسَه خارجًا مما كان فيه، ويوم يموت، فيرى قومًا ما شاهدهم قط، ويوم يُبعَث، فيرى نفسه في محشرٍ عظيم". والمسلمون الصادقون يَسلَمون مِن أهوال خروج الروح؛ حيث تُسَلِّم عليهم الملائكة، يُطَمْئِنون نفوسَهم، ويُسكِنون قلوبَهم، ويُذْهِبون رَوْعَهم، ويُؤمِّنون خوفهم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، قال مجاهد: ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾؛ أي: عند الموت، لا تخافوا ما تُقْدِمون عليه من أمر الآخرة، ولا تحزَنوا على ما خلَّفتم من دنياكم من أهلٍ وولدٍ؛ فإنا نَخلُفكم في ذلك كلِّه". والمسلمون الصادقون يَحْظَون من أنواع السلامة في قبورهم ما تهفو إليه نفس كل مؤمن يحب لقاء الله. ولنتأمَّل في هذا الحديث العجيب، الذي يُظهِر لنا قيمةَ المؤمن عند ربه، الذي سَيُسَلِّمه مِن أهوال القبر، ويُبشِّره بأنواعٍ مِن البشارات، وألوانٍ مِن المسرَّات، نذكره على طوله لأهميته. فعن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه، قال: خرجنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جنازة رجلٍ مِن الأنصار، فانتهَيْنا إلى القبر ولَمَّا يُلحد، فجلس رسولُ الله وجلسنا حولَه كأنَّ على رؤوسنا الطيرَ، وفي يدِه عُودٌ ينكُتُ به في الأرض، فرفع رأسه، فقال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر))، مرتين أو ثلاثًا، ثم قال: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ مِن الدنيا وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكةٌ مِن السماء بِيضُ الوجوه كأنَّ وجوهَهم الشمسُ، معهم كفنٌ مِن أكفان الجنة، وحَنُوطٌ مِن حنوط الجنة، حتى يَجلِسُوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء مَلَكُ الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرُجي إلى مغفرة من الله ورضوانٍ، فتخرج تَسِيلُ كما تسيل القَطْرة مِن في السِّقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدَعُوها في يدِه طرفةَ عينٍ حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرُجُ منها كأطيبِ نفحةِ مِسْكٍ وُجِدَت على وجه الأرض، فيَصعَدُون بها، فلا يمرُّون على ملأ مِن الملائكة إلا قالوا: ما هذا الرُّوحُ الطيِّب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسنِ أسمائه التي كانوا يُسمُّونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيُفتَح لهم، فيُشيِّعه مِن كلِّ سماء مُقرَّبوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهيَ به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتُبُوا كتاب عبدي في علِّيينَ، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتُهم، وفيها أُعِيدُهم، ومنها أُخرِجُهم تارةً أخرى، فتُعادُ رُوحُه في جسدِه، فيأتيه مَلَكاِن، فيُجلِسانه، فيقولانِ له: مَن ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما دينُك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعِث فيكم؟ فيقول: هو رسولُ الله، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدَّقتُ، فينادي منادٍ في السماء: أَنْ صدَقَ عبدي، فأفرِشُوه من الجنة، وألبِسوه من الجنة، وافتَحُوا له بابًا إلى الجنة، فيأتيه مِن رَوحِها وطِيبِها، ويُفسَح له في قبرِه مدَّ بصره، ويأتيه رجلٌ حَسنُ الوجه، حسنُ الثياب، طيِّب الريح، فيقول: أبشِرْ بالذي يَسُرُّك، هذا يومُك الذي كنت تُوعَد، فيقول له: مَن أنت؟ فوجهك الوجه يجيءُ بالخير، فيقول: أنا عملُك الصالح، فيقول: ربِّ، أقمِ الساعة حتى أرجعَ إلى أهلي ومالي))؛ رواه أحمد، وهو في صحيح الترغيب. والمسلمون الصادقون يُكرِمُهم الله عز وجل بعد ضربِ الصراط يوم القيامة، فيكون شعارُهم عليه: "سلِّم سلِّم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فيقوم المسلمون، ويوضع الصراط، فيمرُّون عليه مثل جِيادِ الخيل والرِّكاب، وقولهم عليه: سلِّم سلِّم))؛ صحيح سنن الترمذي. وعند مسلم: ((ثم يُضرَب الجسر على جهنم، وتحلُّ الشفاعة، ويقولون: اللهم سلِّم سلِّم)). فيَسلَم مِن أهوال الصراط مَن حقَّق آثار الإيمان باسم الله "السلام"، ويكون في أعلى درجات الناجين. يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فيمر المؤمنون كطَرْف العين، وكالبَرْق، وكالرِّيح، وكالطير، وكأَجاوِيد الخيل والرِّكاب، فناجٍ مُسلَّم، ومَخْدُوش (مَخْدُوج) مُرسَل، ومَكْدُوسٍ في نار جهنم)). قال السيوطيُّ رحمه الله، وغيرُه: "يكونون على أنحاءٍ: فبعضهم مُسلَّمون مِن آفته، وبعضهم مَخْدُوجَون؛ أي: ناقصون مِن خلقتهم، تأخذ الخطاطيف مِن لحمه لتسعفَه النارُ، ثم ينجو، وبعضهم مُحتَبَس ومنكوس؛ أي: يلقي في النار على وجهه". فلا ضيرَ إِنْ سلِمْتَ يوم القيامة أن يصيبَك في الدنيا ما يصيب غيرَك مِن الفقر، والمرض، والحاجة، والجفاء، والاتهام بالباطل، والطعن في العِرْض، والرَّمْي بالنقص والجهل؛ فقد أصاب ذلك غيرَك مِن الأنبياء والصالحين، فما أقعدهم عن إصلاح دينهم، وما شغلهم عن آخرتهم؛ لأن الفوز الحقيقيَّ هو الفوز بالجنة. واشدُدْ يَدْيكَ بحَبلِ الله مُعتَصِمًا ![]() فإنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خانَتْكَ أركانُ ![]() مَنْ يَتَّقِ اللهَ يُحْمَدْ في عَواقِبِهِ ![]() وَيكفِهِ شَرَّ مَنْ عزُّوا ومَنْ هانُوا ![]() وكُلُّ كَسْرٍ فإنَّ الدين يَجبُرُهُ ![]() وما لِكَسرِ قَناةِ الدِّينِ جُبْرانُ ![]() 3- المسارعة إلى ما يُسَلِّمُ العبد يوم الحساب؛ ومن ذلك: الأمانة والرَّحِم، قال صلى الله عليه وسلم: ((وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَي الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا))؛ مسلم. قال النووي رحمه الله: "تُصوَّرانِ مُشخَّصَتينِ على الصفة التي يريدها الله تعالى". وقال ابن حجر رحمه الله: "والمعنى أن الأمانة والرحم لعظمِ شأنهما وفخامة ما يلزم العبادَ من رعاية حقهما، يُوقَفانِ هناك للأمين والخائن، والمواصل والقاطع، فيُحاجَّانِ عن المُحقِّ، ويشهدان على المُبطِل". وقال ابن الجوزي رحمه الله: "المراد أنه مَن أدَّى الأمانة ووصل الرحم نجا، ومَن لم يفعَلْ لم يَسلَمْ". ومِن هذه الأعمال أيضًا نشرُ السلام بين الناس قولًا وفعلًا، قال صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ))؛ صحيح سنن الترمذي. ولَمَّا سأله أبو شريحٍ رضي الله عنه عن شيءٍ يُوجِب له الجنة، قال له: ((طِيبُ الْكَلاَمِ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ))؛ صحيح الترغيب. ومِن هذه الأعمال، أن يسلَم الناسُ مِن ألسنتنا وأيدينا، فعن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: ((الصلاةُ على ميقاتِها))، قلتُ: ثم ماذا يا رسولَ اللهِ؟ قال: ((أن يَسلَمَ النَّاسُ مِن لسانِك))؛ صحيح الترغيب. وقال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنُ مَن أَمِنَه الناسُ، والمسلمُ مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده، والمهاجرُ مَن هجر السوءَ، والذي نفسي بيده، لا يدخُلُ الجنةَ عبدٌ لا يأمَنُ جارُه بَوَائِقَه))؛ صحيح الترغيب. فليتَّقِ اللهَ مَن أراد السلامة في الدنيا والآخرة، فما خاب مَن اتقاه، وليَزِنْ أعمالَه بميزان الشرع، فما ندِم مَن اقتفى هُداه. الناس في غفلةٍ والموتُ يُوقِظُهم ![]() وما يُفِيقُونَ حتى يَنفدَ العُمُرُ ![]() يُشيِّعون أهاليهم بِجَمعهمُ ![]() ويَنظُرُونَ إلى ما فيه قد قُبِروا ![]() ويَرجِعُون إلى أحلامِ غفلتِهم ![]() كأنَّهم ما رأَوا شيئًا ولا نظُروا
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |