|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() دعائم العرش الزوجي د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعفوه تقال العثرات، وبفضله تنال الحسنات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ذوي القدر والمكرمات. أيها المؤمنون! النكاح آيٌ ربانية يستدرُّ قبسها بالتفكر؛ إذ كيف جُعلت هذه العلاقة أساساً للتناسل وعمارة الأرض وبناء المجتمع وتعارف أهله، وفرضت تلكم العلقة على فرديها رباطاً وثيقاً صيّر بعضهما لباساً لبعض؛ يستر السوء، ويُظهر الحُسن. وأفاضت محبةً جمعت بين قلبين متناكرين بالميثاق الغليظ؛ حتى تصافيا في أمد قليل. يقول الله - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. وبات ذاك الصرح الزوجي من أقوى ما رعى الإسلامُ حفظَه، ومن أشد ما سلّط عليه الشيطانُ حربَه؛ لبركة ثمر نجاحه، وفَدْح خَسَر إخفاقه. يقول رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ " رواه مسلم. أيها المسلمون! إن أعظم صائن لعرش الزوجية من التصدع والتقويض إدراك دعائم ذلك البناء الذي يقوم عليها وتعاهدها بالرعاية. وقد أبان القرآن الكريم تلك الدعائم في قول الله - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]؛ فالسكن والمودة والرحمة ثلاث دعائم لعرش الزوجية المنيف. وَمَا لِمَثاباتِ العُرُوشِ بَقِيَّةٌ ![]() إِذَا اسْتُلَّ مِنْ تَحْتِ العُرُوشِ الدَّعائمُ ![]() ومن رحمة الله أن جعل عرش الزواج يقوم بوجود واحدة من هذه الدعائم، وإن اختل بقيتها، والتمام بالتمام، والهدم بالعدم. يقول ابن كثير - رحمه الله -: "مِنْ تَمَامِ رَحْمَتِهِ بِبَنِي آدَمَ أَنْ جَعَلَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ مَوَدَّةً، وَهِيَ الْمَحَبَّةُ، وَرَحْمَةً، وَهِيَ الرَّأْفَةُ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُمْسِكُ الْمَرْأَةَ إِمَّا لِمَحَبَّتِهِ لَهَا، أَوْ لِرَحْمَةٍ بِهَا، بِأَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ، أَوْ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ فِي الْإِنْفَاقِ، أَوْ لِلْأُلْفَةِ بَيْنَهُمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ". روى الخرائطي بسند صحيح أَن رجلاً قَالَ لامْرَأَته: نشدتك بِاللَّه هَل تحبيني؟ فقَالَت: أما إِذْ نشدتني بِاللَّه، فَلَا، فَخرج حَتَّى أَتَى عُمَر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فَأرْسل إِلَيْهَا، فَقَالَ: أَنْت الّتي تَقُولِينَ لزوجك: لَا أحبك؟ فقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نشدني بِاللَّه، أفأكذب؟ قَالَ: نعم، فاكذبيه؛ لَيْسَ كل الْبيُوت تبنى عَلَى الْحبّ، وَلَكِن النّاس يتعاشرون بِالْإِسْلَامِ والأحساب. أيها الإخوة في الله! السكن الزوجي من أعظم مقاصد تشريع النكاح؛ إذ يقول الله - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]. فهو طمأنينة وأنس وألفة تكتنف الزوجين، تغشى روحهما وجسديهما؛ فينشأ من ذلك الاستقرار الذي هو من أهم حاجات البشر الفطرية. وقد أبان النبي - صلى الله عليه وسلم - أثر ذلك في تسكين اضطراب الرجل بهيْجِ غُلْمته إذ يقول: "إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ" رواه مسلم. والأبحاث الطبية تؤكد ما للنكاح من أثر على الزوجين في تحسين صحتهما الجسدية والنفسية. معشر الإخوة! إن لرعاية السكن الزوجي أثراً حَسناً في العلاقة الزوجية، وذلك يقضي على الزوجين بالاهتمام بما يفيض حُسناً على سكنهما، ومعالجة منغصات استقرار السكن؛ فعمارة البيت بالطاعة، وتحصينه بالأذكار، وإقامته على العدل حال التعدد، وقيام الرجل بدور القوامة الشرعي، واستقلال المنزل، ونظافته، وزكاء رائحته، وحسن اختيار جواره، وتجميل أثاثه، وتغيير هذا الأثاث أو تغيير ترتيبه بين الوقت والآخر، وإزالة مهيجات الاضطراب، كالصراخ، ووجود ما يمنع دخول الملائكة كالكلاب والصور، ونأي الزوجين بنقاشهما الحاد عن الأولاد، واحتواء خلافاتهما داخل أروقة المنزل دون نشرها للأقارب والأصدقاء - كل ذلك من أسباب طمأنينة البيوت وزيادتها. ومن شأن اطمئنان البيت صحة نفسية أهله، ونجاحهم في الحياة، والعكس بالعكس. أيها المؤمنون! والمودة من دعائم العرش الزوجي، وهي المحبة الخالصة التي يجعلها الودود - سبحانه - بين الزوجين؛ فيفيض بركتها عليهما ليناً في التعامل، وتركاً للتكلف، وبعداً عن الاستقصاء، وبشاشة في المحيا، ومؤانسة في الحديث، وملاطفة وممازحة مقبولة، وتوسعة في العطاء، وتغافراً للزلات، ومبادرةً بالاعتذار حال الخطأ، وإكراماً للأهل والصديق، وبحثاً عن المحاسن دون اقتصار على المساوئ. وكل ذلك فيض من غيض هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في موادته أهلَه. ألا وإن من حصافة الزوجين وجودة عقلهما إظهارَ التواد بينهما؛ بإفصاحٍ عن الحب قولاً وفعلاً، وإظهارٍ للاشتياق والإعجاب، وترخيمٍ للاسم والتكنية، والميلِ لما يهوى الآخر مما لا يحرم، وتعاهدِ الإهداء، والتشاور بينهما، والاختلاء ببعضهما في نُزَهٍ وسفر، وإشهار كل واحد منهما تقديره للآخر أمام الأولاد - كل هذه الأمور من شأنها زيادة مخزون المودة في قلب الزوجين نحو بعضهما، ولذلك عاقبة الحمد في العلاقة الزوجية؛ فيضاً في المحبة، واستصلاحاً للخلل. الخطبة الثانية الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أيها الإخوة في الله! والرحمة رأفة وعطف ورقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم. وهي آخر دعائم عرش النكاح وأشملها؛ فقد لا توجد المودة ولا السكن، ولكن تبقى الرحمة عاصمة لهذا البناء من الصدع والانهيار. وشمول تلك الرحمة من اتساع أسبابها بخلاف المودة والسكن؛ فقد يرحم الزوج زوجته لضعفها، أو كبر سنها، أو عدم القائم بأمرها، أو يمسكها رحمةً بأولادها، أو خشية من قطيعة الرحم. ومن علائم إرادة الله الخير بالزوجين جعل الرحمة في قلبيهما نحو بعضهما؛ إذ لتلك الرحمة دور ظاهر في دوام العشرة وحسنها. ومن مظاهر تلك الرحمة: البعد عن القسوة، والمراعاة حال الأزمة والضيق، والوقوف مع بعضهما وقت الحاجة، وتفهم الطباع، والتغاضي عن الهفوات، والصبر، وكظم الغيظ، والحماية، دون أن تؤدي هذه الرحمة إلى فعل ما حرم الله أو الرضى به. وذاك ومض من هدي تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه - رضي الله عنهن. معشر المؤمنين! إن فقه هذه الدعائم، وتعاهد الزوجين بتذكرها ورعايتها كفيل بإذن الله - سبحانه - بدوام العشرة بينهما وحسنها، وإهمالها وبال على تلك الحياة؛ إذ ذاك مجافاة لسَنَن من جعل النكاح من آياته.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |