|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء الشيخ د. علي بن محمد العمران مقدمة الحمد لله الذي خلَق السماوات والأرض، وجعَل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربِّهم يعدِلون، والحمد لله الذي لا يؤدَّى شكْرُ نعمةٍ من نعمه إلاَّ بنعمة منه، توجِب على مؤدِّي ماضي نعمه بأدائها نعمةً حادثة يجب عليه شكرُه بها، ولا يبلغ الواصفون كُنهَ عَظَمته الذي هو كما وصَف نفسه، وفوق ما يصفه به خلْقُه. أحمده حمدًا كما ينبغي لكرم وجْهه وعزِّ جلاله، وأستعينه استعانةَ مَن لا حول له ولا قوة إلا به، وأستهْديه بهداه الذي لا يضلُّ مَن أنعَم به عليه، وأستغفره لِمَا أزْلَفْت وأخَّرتُ، استغفارَ من يقرُّ بعبوديَّته، ويعلم أنه لا يغفر ذنبَه ولا يُنجيه منه إلاَّ هو، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحْده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله[1]. أمَّا بعدُ: فهذا بحث في مسألة "حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء"، أذكر فيه مذاهب العلماء وأدلَّتهم، والترجيح. وقد قسمت البحث إلى المباحث الآتية: المبحث الأول: معنى المضمضة والاستنشاق. المبحث الثاني: أقوال الفقهاء في المسألة. المبحث الثالث: أدلَّة المذاهب، ومناقشتها ثبوتًا ودَلالةً. المبحث الرابع: الترجيح. وقد جريتُ في البحث على توثيق أقوال المذاهب من كُتبهم المعتبَرة، وفي تخريج الأحاديث اكتفيتُ بالعزو إلى الصحيحين - أو أحدهما - إذا كان الحديث فيهما، وإن لَم يكنْ، فيخرج من مصادره مع ذِكْر درجته من الصحة والضَّعف، وفي العزو إلى الكُتب ذَكَرْتُ اسمَ الشهرة أو الاسم المختصر، وأرْجأْت معلومات النشر إلى فهرس خاص في آخر البحث، وختمتُه بفهرس للمراجع والموضوعات. المبحث الأول: معنى المضمضة والاستنشاق: تعريف المضمضة: قال ابن عرفة: هي إدخال الماء فاه، فيُخَضْخضه ويمجُّه ثلاثًا. ولفظ "الإدخال" يقتضي أنه لا بد من سببٍ في إدخاله، فإن دخَل الماء بغير سببٍ فاعل فلا يعدُّ مَضمضةً، وكذلك الخضخضة والمجُّ، وإن عُدِم واحدٌ، فلم تتقرَّر السُّنة في المضمضة[2]. وقال ابن دقيق العيد: أصل هذه اللفظة مُشعر بالتحريك، ومنه: مضْمَض النعاس في عينيه، واستُعْمِلت في هذه السُّنة - أعني المضمضة في الوضوء - لتحريك الماء في الفم، وقال بعض الفقهاء: المضمضة أن يجعلَ الماء في فِيه، ثم يَمجَّه - هذا أو معناه - فأَدْخَل المجَّ في حقيقة المضمضة، فعلى هذا لو ابتلعَه لَم يكن مؤدِّيًا للسُّنة، وهذا الذي يَكْثر في أفعال المتوضِّئين - أعني الجعْل والمجَّ - ويُمكن أن يكون ذِكْرُ ذلك بناءً على أنه الأغلب والعادة، لا أنه يتوقف تأدِّي السُّنة على مجِّه[3]. قال النووي: قال أصحابنا: كمالها أن يجعلَ الماء في فمه، ثم يديره فيه، ثم يمجَّه، وأمَّا أقلُّها، فأن يجعل الماء في فيه، ولا يشترط إدارته على المشهور، وعند الجمهور وعند جماعة من أصحاب الشافعي وغيرهم: أنَّ الإدارة شرْطٌ، والمعوَّل عليه في مثل هذا الرجوع إلى مفهوم المضمضة لغةً، وعلى ذلك تنبني معرفة الحق[4]. تعريف الاستنشاق: يقال: نَشِقْت منه رائحةً أنشَقُ نشْقًا، واستنشقْتُ الريح: شممْتُها، واستنشقتُ الماء، وهو جعْلُه في الأنف وجذْبُه بالنَّفَس؛ لينزلَ ما في الأنف، فكأنَّ الماء مجعولٌ للاشتمام مجازًا، والفقهاء يقولون: "استنشقت" بالماء، بزيادة الباء[5]. تعريف الاستنثار: قال أهل اللغة: هو مأخوذ من النثرة، وهي طرَف الأنف، وقال الخطَّابي وغيره: هي الأنف، والمشهور الأوَّل، قال الأزهري: روى سَلَمة عن الفرَّاء أنه يُقال: نثَر الرجل، وانتثَر واستنثَر، إذا حرَّك النثرة في الطَّهارة[6]. قال النووي: قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون: الاستنثار هو: إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق[7]، وفي "القاموس"[8]: استنثَر: استنشَق الماء، ثم استخرَج ذلك بنَفَس الأنف كانتَثر. وقال ابن الأعرابي وابن قتيبة: الاستنثار هو الاستنشاق، وقال بعض أهل العلم: إن الاستنثار غير الاستنشاق، فإنَّ الاستنشاق هو إدخال الماء في الأنف، والاستنثار هو استخراج ما في الأنف من أذًى أو مُخاط، ويدلُّ لذلك الحديث: "أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يستنشق ثلاثًا في كلِّ مرَّة يستنثر"، فجعَل الاستنثار غير الاستنشاق، ويقرب من ذلك قولُ مَن فسَّره باستخراج نثير الماء بنَفَس الأنف[9]. قال ابن عبدالبر: وأمَّا الاستنثار، فهو دفْع الماء من الأنف، والاستنشاق أخْذُه بريح الأنف، وهما كلمتان مرويَّتان في الآثار المرفوعة وغيرها، متداخلتان في المعنى، وأهل العلم يعبرون بالواحدة عن الأخرى[10]. المبحث الثاني: أقوال الفقهاء في المسألة: مذهب الحنفيَّة: أنَّ المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء[11]. مذهب المالكية: أنَّ المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء[12]. مذهب الشافعية: أنَّ المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء[13]. مذهب الحنابلة: للحنابلة عِدَّة روايات في حُكمهما، ذكَر المرداوي في "الإنصاف"[14] ثمانيَ منها، وسنذكر أشهر الروايات، وهي ثلاث، وهي التي ذكَرها الإمام موفق الدين ابن قُدامة في "المغني"[15]. الرواية الأولى: أنهما واجبان، وهو مشهور المذهب؛ قال المرداوي: وهذا المذهب مطلقًا، وعليه الأصحاب، ونصروه، وهو مِن مُفردات المذهب. الرواية الثانية: الاستنشاق وحْدَه واجب. الرواية الثالثة: أنهما مسنونان، وهذه الرواية موافقة للجمهور المتقدِّمة - حكايةً - أقوالُهم. مذهب الظاهرية: أنَّ الاستنشاق واجبٌ وحْدَه دون المضمضة[16]. وقد ذكَر ابن عبدالبر عن الظاهرية خلافًا في حُكم المضمضة والاستنشاق[17]. فيتلخَّص لنا مما سبَق ثلاثة مذاهب مشهورة للعلماء، وهي: 1- أن المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، ورواية عن أحمد، وهو قول الحسن البصري، وابن شهاب الزُّهري، والحَكم بن عُتَيبة، ويحيى بن سعيد، وقتادة، والأوزاعي، والليث بن سعد، ومحمد بن جرير الطبري. 2- أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء، وبه قال أحمد في المشهور عنه، وعبدالله بن المبارك، وابن أبي ليلى، وحمَّاد بن أبي سليمان، وإسحاق بن راهويه[18]. 3- أن الاستنشاق واجب وحْدَه دون المضمضة، وهو مذهب الظاهرية، ورواية عن أحمد، وبه قال أبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر[19]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |