نفحات من آي الصلاة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         بين التنظير والتطبيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          لا تحاول تطويع الشرع لهواك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          بادر قبل فوات الأوان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          رسمنة العلاقات العائلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الوقاية خير من العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5066 - عددالزوار : 2276057 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4649 - عددالزوار : 1554274 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 127 - عددالزوار : 71322 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 249 - عددالزوار : 153444 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-07-2020, 03:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,496
الدولة : Egypt
افتراضي نفحات من آي الصلاة

نفحات من آي الصلاة
أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز






الحمد لله، وأفضل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبعدُ:
فما الأرض؟ ما السماء؟ ما الشمس؟ ما القمر؟ ما الضياء؟ ما الصبح؟ ما المساء؟ ما الجبال؟ ما الأنهار؟ ما الرياح؟ ما البحار؟ ما الأفلاك؟ ما الشموس؟ ما الأقمار؟

ما هي إلا عبدٌ يقف بين يدَي الجبار، في غاية الذِّلة والصَّغار، فما شيء نراه أو سمعناه، أو نحس به أو نلقاه، إلا وهو يعيش في كنف الله، فما أعظم الله!

ومع هذه العظائم، تتوالى من الله المكارم، فيعلم فقر الأمة بجنب غنى النبي، فيتولى الصلاة على نبيِّه بنفسه؛ لأنها فوق طاقتنا فائدةً، وأعلى من مقامنا تأدية، وليس للنبي إلينا حاجة، ولكننا إليها في فاقة واحتياج، فصلى عليه الله، وما كلفنا إلا أن نردد اللفظ؛ لننال الأجر ونزداد، والله ولي السداد.

من الآيات التي نتعبد اللهَ بتلاوتها آيةُ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبين طيات هذه الآية نفحات لمحبِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببت أن أذكرها، جمعتُها من أقوال علماء التفسير وغيرهم، وأدليت بدلوي معهم، راجيًا أن أنال بركة آية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أذكر ما يتعلق بالآية الشريفة من الأحكام الفقهية التي خاض فيها العلماء قديمًا وحديثًا، وإلا لطال بنا المقام، وانخرم عنوان البحث بتقييده بالنفحات.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

نفحة:
حكم تكليفي وحيد أُمِرنا بأدائه، لم نقدر عليه، ولم نفهم معناه، فوكلناه إلى الله مرة أخرى ليؤدِّيه عنا.

من المعلوم من الدين بالضرورة أن الله لا يكلف إلا بالمستطاع؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، حتى قيل: إذا أردت أن تُطاع فأمُرْ بالمستطاع، وهذه قاعدة عامة في الأحكام جميعها، ومن العبث الذي لا يجوز في حقِّ الخالق أن يكلِّف عباده بأمر لا يقدرون عليه، والله أرحمُ بعباده من ذلك؛ جل جلاله، فأنت لا تجد عبدًا يكلفه الله بعبادة الحج مثلًا، فيقول بلسانٍ فصيح يؤجر عليه: يا رب، حُجَّ عني، أو: قم عني بعبادة الحج، وكذلك مَن خوطب بعبادة الزكاة فيقول: يا رب زكِّ عني، ومن يفعل ذلك فهو مجنون محض، يسقط عنه التكليف، أو هو منكر جاحد، فيستحق العقاب والعتاب والتوبيخ، فضلًا عن التعزير.

ومع ذلك كلِّه كلفنا الله بعبادةٍ شرَّفَنا وأعلى مكانتَنا بها بين الأمم، ألا وهي عبادة الصلاة والسلام على الحبيب الشفيع محمَّد صلى الله عليه وسلم، ولو أنعَمْنا النظر في هذا الخطاب الرباني لوجَدناه خطابًا فريدًا لا يشبهه شيءٌ من لأحكام والتشريع والتكليف، فالله أمرنا بالصلاة والسلام على نبيه وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء ذلك بصيغة الأمر المحض، ولم يقترن بقرينة تَصرِف ذلك الأمر إلى غيره، كما هو معلوم لدى طلبة العلم وأهله، فهو حكمُ تكليفٍ يفيد الوجوب، فقد جاء باللفظ الصحيح الصريح القطعيِّ الدلالةِ والثبوت، وسبَقه بقوله جل وعلا وهو يخاطب المجتمع المؤمن بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الأحزاب: 56]، ومع ذلك كله نقول كما علَّمَنا النبيُّ الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه عندما سأله الأصحاب: كيف نصلي عليك؟ فقال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وأزواجه وذريته، كما باركتَ على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ))[1].

وعن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه، قيل: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرَفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد))[2].

فعلَّمنا أن نرجع الأمرَ إليه مرة أخرى فنقول: "اللهم صل"، من يقوم بالصلاة؟ نحن! من كلفنا بذلك؟ أم نقول: يا رب، أنت صل على سيدنا محمد، من نحن لكي نصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنرفع مِن قدره ومنزلته عند الله؟! لا والله، لا ينبغي هذا لمسلم عاقل، وإنما نتأدب بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونوكل الأمر إلى الله، فنطلب منه أن يصلي على نبيه، فيرفَع قدره ومكانته عنده هو جل جلاله.

ومِن الملاحظ في هذه الآية أنَّا أُمرنا في هذه الآية بأمرين:
الأول: نفهم معناه ونَقْدر على تأديته؛ ألا وهو السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيًّا كان معناه، سواء كان بإلقاء التحية عليه، أو الانقياد له، وهو ما نبينه لاحقًا إن شاء الله.

والثاني: أوكلناه لربِّ العزة؛ ألا وهو الصلاة عليه، وهذا ما فهمه الأصحاب رضي الله عنهم، فقالوا: "أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟".

قال الصاوي: وحكمة صلاة الملائكة والمؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم تشريفهم بذلك؛ حيث اقتدَوا بالله جل وعلا في الصلاة عليه وتعظيمه، ومكافأة لبعض حقوقه على الخلق؛ لأنه الواسطةُ العُظمى في كل نعمة وصلَت لهم، وحقٌّ على من وصل له نعمة مِن شخص أن يكافئه، ولما كان الخلق عاجزين عن مكافأته صلى الله عليه وسلم طلبوا مِن القادر الملِك أن يكافئه، وهذا هو السر في قولهم: "اللهم صل على محمد"[3].

قال الشعراوي: أما الصلاة من المؤمنين فهي الاستغفار، واستغفارهم ليس لرسول الله، إنما هو استغفارهم لأنفسهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رحمةً لهم، وما دام جاء رحمةً لهم كان من الواجب ألا يغيب توقيرُه عن بالهم أبدًا، فهم إن استغفَروا فاستغفارٌ عن الغفلة عنه صلى الله عليه وسلم، أو عن أنهم لم يتقدَّم اسمُه، فيُصلون عليه، والمؤمن حين يصلي على رسول الله ماذا يملك من عطاءٍ يؤديه لرسول الله؟ ماذا بأيدينا؟ لذلك تأمَّل لفظ صلاتك على رسول الله؛ إنك لا تقول: أصلِّي، ولكن تقول: اللهم صل على محمد، أو صلى الله على محمد، فتطلب ممن هو أعلى منك أن يصلي على رسول الله؛ لأنه لا يوجد عطاء عندك تؤديه لرسول الله[4].


نفحة:
عبادة وحيدة أمَرنا الله بها فأشرَكَنا فيها مع ملائكته المقربين ظاهرًا على اختلاف معناها عنده، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56]، حتى شاع على لسان الخطباء قولُهم: واعلموا أن الله أمرَنا أمرًا ابتدَأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكة قدسه، وثلَّث بكم من عالمَيْ جِنِّه وإنسه، فقال قولًا كريمًا؛ تعظيمًا لقدر نبينا وتعليمًا لنا وتفهيمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وإن كان مفهوم الصلاة ليس بمعنى واحد؛ كما فصَّل ذلك العلماء في كتبهم رحمهم الله تعالى.

نفحة:
قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ﴾ [الأحزاب: 56]، لماذا لم يقل: الله يصلي، والملائكة يصلون؟ وهو أدب المخلوق مع الخالق.

قال الشعراوي: وتلحظ أن الخبر ﴿ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56] خبرٌ عن الله والملائكة، فجمع الحق سبحانه بين صلاته وصلاة ملائكته، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم سمع مرة خطيبًا يخطب، يقول: من يتَّق الله ورسولَه يُثِبه الله، ومن يَعصِهما يُعاقبه الله، فقال صلى الله عليه وسلم له: ((بئس الخطيب أنت، قل: ومَن يعص الله ورسوله))[5]. لماذا؟

قالوا: لأنه جمَع بين الله تعالى ورسوله في: "ومن يعصهما"، وكان عليه أن يقول: ومَن يعصِ الله ورسوله، فالله وحده هو الذي يجمَع معه سبحانه مَن يشاء؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [التوبة: 74]، أمَّا نحن فليس لنا أبدًا أن نأتي بصيغة تشريكيَّة بين الله تعالى وأحدٍ من خَلْقه.

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]؛ هكذا قال الله، وجمَع معه سبحانه مَن يشاء من خَلْقه، وأنت لا يجوز لك أن تجمعَ هذا الجمع إلا إذا كنتَ تقرؤه على أنه قرآن، فإن أردتَ أن تُنشئ كلامًا من عندك فلا بد أن تقول: الله يُصلِّي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي؛ لذلك احتاط علماء التفسير لهذه المسألة فقالوا: إنَّ ﴿ يُصَلُّونَ ﴾ [الأحزاب: 56] ليست خبرًا للكلِّ، إنما تقدير الخبر أن الله يصلي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي، وإذا كان الله يُصلِّي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي فماذا عنكم أنتم؟ يجب أن تُصلوا أنتم كذلك على النبي؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56][6].

نفحة:
ومن نفحات هذه الآية أن الله لم يقل: إنه يصلي على (محمد)، بل قال: ﴿ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56]:
وهذا مِن علوِّ شأنه صلى الله عليه وسلم، فلو استقرأتَ القرآن تجد أن الله لم يَذكر لنا اسمَ النبي إلا في خمسة مواطن، ولم تكن على سبيل الإنشاء، وإنما كانت على سبيل الإخبار، وإذا ذكَره باسمه ألحقَ به وصف النبوة والرسالة تصريحًا أو تلميحًا، وإلا كان خطابه صلى الله عليه وسلم عمومًا بلفظ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ [الأنفال: 64]، و﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾ [المائدة: 41]، دون غيره من الأنبياء؛ فهم يُخاطَبون بأسمائهم الصريحة: ﴿ يَا آدَمُ ﴾ [البقرة: 33]، ﴿ يَا نُوحُ ﴾ [هود: 46]، ﴿ يَا عِيسَى ﴾ [آل عمران: 55]، ﴿ يَا مُوسَى ﴾ [الأعراف: 144]... وكذا الحال مع باقي الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

قال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40]، ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6]، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [محمد: 2].

نفحة: قوله: ﴿ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56]:
قال الآلوسي: عُدِّي بـ(على) لا لاعتبار معنى القضاء؛ أي: قضى الله تعالى عليك السلام كما قيل؛ لأن القضاء كالدعاء لا يتعدى بـ(على) للنفع، ولا لتضمُّنه معنى الولاية والاستيلاء؛ لبُعده في هذا الوجه[7].

أقول: واستخدم (على) دون غيره: كـ(اللام)؛ لعلوِّ مكانته ورفعة شأنه بمعنى الاستعلاء، وهذا من معاني (على) كما هو معروفٌ عند أهل الصَّنعة[8]، وهو أصل معناها[9]، فعلَّمَنا اللهُ أن نقول: "اللهم صلِّ على النبي"، ولم يقل: "للنبي"، أو غير ذلك.

نفحة: قوله: ﴿ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]:
عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه، قيل: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مَجيد))[10].

اختلف علماء التفسير في معنى السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوال؛ منها:
قال الطبري (310هـ): "أي: حيُّوه بتحية الإسلام"، وتبعه البغويُّ (516هـ)، والخازنُ (741هـ)[11].

قال الماورديُّ (450هـ): يَحتمل وجهين:
أحدهما: سلِّموا لأمره بالطاعة له تسليمًا.
الثاني: وسلموا عليه الدعاء له تسليمًا؛ أي: سلامًا[12].

قال القرطبي (671هـ): قال القاضي أبو بكر بن بكير: نزلَت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، فأمَر الله أصحابه أن يسلموا عليه، وكذلك مَن بعدهم أُمروا أن يسلموا عليه عند حضورهم قبرَه وعند ذكره؛ قال القشيري: والتسليم قولك: سلامٌ عليك[13].

قال البيضاوي (685هـ): وقولوا: السلام عليك أيها النبي. وقيل: وانقادوا لأوامره[14].
قال النَّسفي (701هـ): أي قولوا: اللهم سلم على محمد، أو انقادوا لأمره وحكمه انقيادًا[15].

قال ابن جُزيٍّ الكلبي (741هـ): أما السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فيَحتمِل أن يريد السلام عليه في التشهد في الصلاة، أو السلام عليه حين لقائه، وأما السلام عليه بعد موته فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من سلم عليَّ قريبًا سمعتُه، ومن سلم عليَّ بعيدًا أُبلِغتُه))[16]؛ فإن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء[17].

قال ابن كثير (774هـ): فالأولى أن يُقال: صلى الله عليه وسلم تسليمًا[18].

قال ابن عادل الدمشقي (880هـ): وسلموا تسليمًا "أمرٌ، فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها، وهو قولنا في التشهد: السلام عليك أيها النبي"[19].

قال الشربيني (977هـ): حيُّوه بتحية الإسلام، وأظهِروا شرفه بكل ما تصل قدرتكم إليه؛ مِن حُسن متابعته، وكثرة الثناء الحسن عليه، والانقياد لأمره في كل ما يأمر به، ومنه الصلاة والسلام عليه بألسنتكم[20].

قال أبو السعود (982هـ): وسلِّموا تسليمًا؛ قائلين: اللهم صل على محمد وسلم، أو نحو ذلك، وقيل: المراد بالتسليم: انقياد أمره[21].

قال الألوسي (1270هـ): وفي معنى السلام ثلاثة أقوال: أحدها: السلامة من النقائص والآفات لك ومعك؛ أي: مصاحبة وملازمة، فيكون السلام مصدرًا بمعنى السلامة؛ كاللذاذ واللذاذة، والملام والملامة، ثانيها: السلام مُداوم على حفظك[22].

قال الشعراوي: ولم يَقُل سبحانه: ويسلمون، فلما أمر المؤمنين قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] فزاد: ﴿ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، قال العلماء: لأن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا مع التسليم له؛ بمعنى: طاعته والإذعان لأمره، وأن تُسْلِم زمامك له في كل صغيرة وكبيرة، وإلَّا فكيف تُصلِّي عليه وأنت تَعصي أوامرَه، وقد قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؟!

ومِن معاني التسليم أن نقول: السلام عليك أيها النبي؛ كما نقول في التشهُّد، والسلام: اسمٌ من أسماء الله، ومعنى: السلام عليك يا رسول الله؛ أي: جعَل الله لك وقاية، فلا يَنالك أحدٌ بسوء[23].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 132.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.47 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]