لا تصدقوه فإنه كذاب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ملخص من شرح كتاب الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 1482 )           »          فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 6 )           »          الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          فضل الصبر على المدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الفرق بين إفساد الميزان وإخساره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3086 - عددالزوار : 331638 )           »          تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، الرازق) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 24-08-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,365
الدولة : Egypt
افتراضي لا تصدقوه فإنه كذاب

لا تصدقوه فإنه كذاب


أحمد الجوهري عبد الجواد






إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

اللهم صل على النبي المصطفى والرسول المجتبى:
كيف ترقى رقيك الأنبياء
يا سماء ما طاولتها سماءُ

إنما مثلوا صفاتك للناس
كما مثل النجوم الماءُ

حن جذع إليك وهو جماد
فعجيب أن يجمد الأحياءُ


أما بعد فيا أيها الإخوة:
إن مما انتشر بين الناس منذ قديم ولا يزال الانشغال بمتابعة الحديث عن الأبراج والنجوم وما يتبع ذلك من كلام عن الحظوظ والمقادير، فما من مجلة اليوم ولا جريدة إلا وخصصت جزءاً من صفحاتها للحديث عن هذا الموضوع، بل زاد الطين بلة أن أفسحت له كثير من الفضائيات المجال في برامج ولقاءات جعلت الناس يفتتنون أكثر بهذه المسألة [1] وهذا يقتضي منا - أيها الإخوة - أن نعرف حكم الشرع الحنيف في هذا السلوك ونفصل القول فيه فإنه يتعلق بعقيدة الإسلام فلنفسح الصدر والعقل لقبول حكم الشرع المبني على دقة وإحكام نظر في هذه المسألة من خلال الأدلة وأقوال الأئمة.

وسأتناول الحديث عن هذا الموضوع في العناصر التالية:
أولاً: النجوم فوائد ومنافع.
ثانياً: أنا وأنت والنجوم.
ثالثاً: لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله.

فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا ممن أوتي بصيرة فصار له سراج يضيء له الظلمات حتى نصل إلى الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، محفوظين بعين الله التي لا تنام، مكلوئين بكلئه الذي لا يرام ولا يضام.

أولاً: النجوم فوائد ومنافع:
أيها الإخوة:
ما خلق الله - تبارك وتعالى - شيئاً في الكون صغيراً أو كبيراً عظيماً أو غير ذلك يخلو أبدًا عن منفعة سواء ظهرت لنا هذه المنفعة أم لم تظهر أو ظهر لنا بعضها وخفي عنا البعض الآخر.

وقد يحسن الناس استغلال هذه الأشياء التي خلقها الله - عز وجل - وقد يسيئون استغلالها والواجب - أيها الإخوة - على كل مؤمن أن يعتقد حكمة الله تعالى في خلق الأشياء ويؤمن بذلك ويوقن به.

لله في الآفاق آيات لعل
أقلها هو ما إليه هداكَ

ولعل ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناك

الكون مشحون بأسرار إذا
حاولت تفسيراً لها أعياك


وعلى المؤمن كذلك أن ينتفع بما خلق الله في طاعة الله وعبادته حتى يكون حجة له لا حجة عليه.

لكن كثيراً من الناس للأسف الشديد يحرصون على ما يضرهم ولا ينفعهم ويشترون الضلال المبين ويبيعون الهدى النفيس الثمين.

ومن ذلك - أيها الإخوة - الانصراف عن الاعتبار بخلق النجوم وما فيها من الفوائد وما أودعها الله من الأسرار والمنافع والمعارف.

نعم فقد خلق الله - عز وجل - هذه النجوم وجعلها دليلاً يسوق إليه ويعرف الناس عليه عز شأنه، فالنجوم آية من آيات الله المبثوثة في الكون دليلاً على الله، ومصابيح تنير الطريق وترشد الناس إليه سبحانه جل في علاه.

كل الوجود على وجودك شاهد، وكل الكائنات لك تقر وتشهد.
فواعجباً كيف يعصى الإله
أو كيف يجحده الجاحدُ

وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحدُ


ومما يظهر لنا - أيها الإخوة - من حكمة خلق النجوم ومن منافعها وفوائدها:
أولاً: أنها زينة للسماء:
قال عز من قائل: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾ [الملك: 5] قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - تعالى: "وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت [2]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ [الصافات: 6] أي زين الله السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوؤها جرم السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض، وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16] انظر يا أخي في السماء وتمتع بالنظر إليها ورحم الله ورضي عمن قال في حقهم: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [آل عمران: 190 - 192]، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر النظر إلى السماء يتأمل فيها وهو يقرأ هؤلاء الآيات، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث ابن عباس أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَامَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِى السَّمَاءِ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ فِى آلِ عِمْرَانَ ﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ اضْطَجَعَ ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى.[3]

وفي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري قَالَ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ - قَالَ - فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ "مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا". قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ "أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ". قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأصحابي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أصحابي مَا يُوعَدُونَ وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي فَإِذَا ذَهَبَ أصحابي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ".[4]

ولهذا قال الله - عز وجل -: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62].

فمن منافع النجوم أنها زينة للسماء، ولا زلت أتذكر حوارًا لطيفًا دار بين رجلين أحدهما مثقف له دراية بالأشياء والآخر عاميّ منعته أشغاله ومهامه أن يلتفت إلى شيء من هذا إلا فيما ندر وكان الاثنان جالسين بينما نظر الثاني في الفضاء فرأى ضوءًا مشعًّا يأتي من السماء إلى الأرض فنظر إلى مصدر الضوء وقال مستفهمًا: ألا تختلف هذه النجمة عن ما حولها من النجوم؟ فنظر المثقف حيث نظر صاحبه فابتسم وهز رأسه بالنفي قائلا: هذه ليست نجمة وإنما هذا هو القمر الصناعي.

أيها الإخوة!
هذا مثال صغير لكن لا ينبغي أن نمر به دون أن نفيد منه فائدة فدعونا أيها الإخوة نتساءل: ترى لو أن السماء خلت من النجوم وبدا لأهل الأرض أن يزينوا السماء والبشر اليوم مولعون بوضع الزينات في كل مكان بسبب وبغير سبب ترى لو بدا لهم أن يزينوا السماء ولا يدعونها هكذا ظلاما حالكا كم كان يكفيهم ذلك من أموال؟! وبحسبة صغيرة دعونا نعود إلى قصة الرجلين مع القمر الصناعي ونقول: إن تكلفة إيجار قناة إعلامية واحدة لمدة سنة واحدة يكلف خمسة ملايين جنيها تقريبا هذه قناة واحدة لمدة سنة واحدة إيجارًا، فماذا لو كانت تمليكا؟ ثم كم تكلفة قنوات القمر التي تزيد عن ألف قناة؟ وهذا كله في النهاية لصناعة قمر صناعي واحد يشبه النجم وليس هو النجم فكم تكون الحسبة في ملايين أو قل بلايين أو ما شاء الله من النجوم؟؟ إننا أمام هذه الآية الربانية لا نملك إلا أن نردد في يقين وخضوع قول ربنا وأحق القول قول ربنا: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62].

ثانياً: أنها رجوم للشياطين ترجم من تسول له نفسه من الشياطين أن يقترب ليسترق السمع من السماء:
قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِقال الحافظ ابن كثير: عاد الضمير في قوله ﴿ وَجَعَلْنَاهَا ﴾ على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها والله أعلم.

وهذه أحبتي نقطة في غاية الأهمية أن بعض الناس نسمعه يقول حين يرى شهاباً ينزل من السماء يقول: سقط النجم أو النجوم سقطت أو نزلت وهذا خطأ فليس النجم هو الذي سقط وإنما هو شهاب من دون النجوم وليست النجوم.

ومن هدي النبوة الذي علمنا إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأينا ذلك أن ندعو الله - تبارك وتعالى - بدعاء فحين نرى هذا الشهاب نقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله".

ففي الحديث الذي أخرجه ابن السني عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكوكب إذا انقض وأن نقول عند ذلك: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.[5]

قال النووي في الأذكار:
وروى الشافعي - رحمه الله - في الأم بإسناده عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشر إليه وليصف وليثبت.

قال الشافعي: ولم تزل العرب تكرهه أي الإشارة والنظر إلى الشهاب إذا انقض أو إلى البرق.

ولكن - أيها الإخوة -.. لماذا ينقض شهاب من الكوكب؟ أو لماذا نرى الشهب تسقط من السماء؟
والجواب: كما قال ربنا سبحانه: ﴿ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ وقال - عز وجل -: ﴿ وَحَفِظْنَاهَا ﴾ أي السماء ﴿ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾ [الحجر: 17] وقال - عز وجل - ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [الصافات: 6 - 10] ، وتفصيل ذلك له قصة ذكرتها سورة الجن على ألسنة شهود من أهلهم أخبروا عما كان من حالهم كما قال تعالى: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن: 8 - 11].

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء مُلئَت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلا يسترقوا شيئًا من القرآن. فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق. وهذا من لطف الله بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴾ أي: من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابا مرصدا له، لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يمحقه ويهلكه، ﴿ وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ أي: ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربهم رشدًا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى الله - عز وجل -. وقد ورد في الصحيح: "والشر ليس إليك".[6]

فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله. [7]

فيرمون بالشهب إذا ارادوا استراق السمع ومن أدركه الشهاب قتله هذا ما لهم في الدنيا، ومن ظل على عمله ذك منهم قال الله تعالى في حقه ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ﴾ أي جعلنا للشياطين فوق خزي الدنيا عذاب السعير في الآخرة.

إذاً النجوم لها فوائد:
أولاً: زينة للسماء.
ثانياً: رجوم للشياطين.
ثالثاً: علامات يهتدى بها في البر والبحر.

قال الله - عز وجل -: ﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 16].

فمن نعم الله - عز وجل - ومننه على عباده أنهم يهتدون بالنجوم في سيرهم، في أسفارهم يستدلون بها على صحة طريقهم، وكذا يستخدمها إلى اليوم أصحاب الفلك في البحر والطيارون في الجو إلى غير ذلك من الاستخدامات النافعة المفيدة فمن فوائد النجوم ومنافعها أنها علامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر.

فهي علامات هداية في الدنيا إلى صالح العباد وآيات هداية في الدين إلى رب العباد - سبحانه وتعالى - لمن تفكر فيها وتأملها وتدبر الحكم والعبر التي خلقها الله فيها وأودعها إياها.

رابعاً: النجوم أمنة للسماء كما في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي موسى قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ - قَالَ- فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ: " أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ ". قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: " النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأصحابي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أصحابي مَا يُوعَدُونَ وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي فَإِذَا ذَهَبَ أصحابي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ".[8]

فالنجوم أمنة للسماء إذا ذهبت كان ذلك إيذانًا بزوال الدنيا وفنائها، كما قال ربنا سبحانه في سورة التكوير: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴾ أي انتثرت وانصبت وتساقطت وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: ست آيات قبل يوم القيامة: بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن بالإنس والإنس بالجن واختلطت الدواب والطير والوحوش فماجوا بعضهم في بعض [9]، سبحانك سبحانك سلم يا رب سلم.

وقال ربنا - سبحانه وتعالى - أيضاً في سورة الانفطار: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴾ [الانفطار: 1، 2] إلى آخر الآيات.

أيها الإخوة!
هذه بعض فوائد النجوم ومنافعها وقد أجمل الثلاث الأول منها قتادة فيما أخرجه البخاري في صحيحه عنه قال: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به". [10]

قال أهل العلم: وهذا ليس حصراً فإن ثبتت فوائد وعلل أخرى فلا مانع من إثباتها، بشرط أن يدل عليها دليل من الشرع.

هذه إخوتي فوائد ومنافع النجوم، ولأجل هذا - أيها الإخوة - كان للنجوم مكانة عظيمة في القرآن الكريم حتى أقسم الله - عز وجل - بها غير مرة في كتابه فمن ذلك قوله - عز وجل -: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ [البروج: 1]: قال ابن كثير: يقسم - تبارك وتعالى - بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام. [11]

ومن ذلك قوله - عز وجل -: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴾ [الطارق: 1 - 3] قال ابن كثير: يقسم الله - تبارك وتعالى - بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة، ولهذا قال والسماء والطارق ثم قال وما أدراك ما الطارق ثم فسره بقوله النجم الثاقب أي المضيء وقال بعضهم: الثاقب الذي يثقب الشياطين إذا أرسل عليها، وقال عكرمة تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم: هو مضيء ومحرق للشيطان، ومن ذلك أيضاً قوله - عز وجل -: ﴿ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾ [التكوير: 15، 16]، قال علي بن أبي طالب: هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل.[12]

ومن ذلك أيضاً قوله - عز وجل -: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ (اسمع وانتبه) ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [الواقعة: 75، 76] .

وقال عز شأنه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾ [الفرقان: 61].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 133.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 131.49 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]