أطلِق لروحك إشراقها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          النقد العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          لماذا يشعر بعض المسلمين أحيانا بثقل بعض الأحكام الشرعية وعدم صلاحيتها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وحدة الأمة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          التراجم: نماذج من المستشرقين المنصِّرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 8488 )           »          أبرز المعالم التاريخية الأثرية والدينية في قطاع غزة كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 581 - عددالزوار : 304816 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 45 - عددالزوار : 37732 )           »          هل الخلافة وسيلة أم غاية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-09-2021, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,121
الدولة : Egypt
افتراضي أطلِق لروحك إشراقها

أطلِق لروحك إشراقها




وضاح سيف الجبزي




الحمدُ لله الذي تكبَّر جل جلالُه فما تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفُه الواصفـــون، ولا تُغيره الحوادث، ولا يخشى الدوائر، يعلم سبحانه مثاقيلَ الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلم الليل وأشرق النهار، لك الحمد يا من لا تواري منه أرضٌ أرضًا، ولا سماءٌ سماءً، ولا جبلٌ ما في وعره، ولا بحرٌ ما في قعره، ï´؟ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ï´¾ [القصص:70].







وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تنزَّه عن الشريك ذاتُه، وتقدستْ عن مشابهة الأغيار صفاتُه، بالبر معروف، وبالإحسـان موصوف، معروف بلا غاية، وموصوف بلا نهاية، واحدٌ لا مِن قِلَّة، وموجودٌ لا من علة، عِزُّ كل ذليل، وغنى كل فقير، ورضا كل يؤوس، ومأمن كل خائف، وملاذ كل هارب، وملجأُ كل مكروب، ومفزع كل ملهوف، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سرَّه، ومن عاش فعليه رزقُه، ومن مات فإليه منقلبُه، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، للعالمين بشيرًا ونذيرًا، صلوات ربي وسلامُه على صاحب اللواء المرفوع في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبدمناف بن قصي، المثبت بالعصمة، المؤيد بالحكمة، صاحبِ الغرة والتحجيل، المعلمِ الجليل، المؤيد بجبريل، المذكورِ في التوراة والإنجيل، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه كلما همع سحاب، ولمع سراب، وأُنجح طِلاب، وقرئ كتاب، وسُرَّ قادم بإياب، وعلى آله وأصحابه، غيوث الندى وليوث الردى، ومصابيح الدجى.







أما بعدُ:














فاجعلْ يقينك بالإله حقيقةً
وارحل بروحك نحو نوح الشادي










الفأْل عباد الله أُولَى خُطوات العمل، والتشاؤُم أُولَى خُطوات الكسَل، والعجزُ رأس مال البطالين، ومُنى الجهول الإخلادُ إلى الأرض واتِّباعُ الهوَى.







قال أهلُ الحكمة: «إن قسَماتِ وجه المرء انعكاسٌ لأفكاره، ومصائبُ الحياة تتماشى مع هِمَم الرجال صعودًا وهبوطًا، وتُشيبُ الرؤوس ولا تشيبُ الهِمَم»، وعلى حدِّ قول ابن عقيل رحمه الله وقد بلغ الثمانين، والتفاؤل كرِشُه وعيبتُه:








وَإِنَّما اعتاضَ رأسي غَيرَ صِبغَتِهِ
وَالشَيبُ في الرأسِ دونَ الشيب في الهممِ











عباد الله، المتفائل لا تُزعزِعُ يقينَه المصائب، ولا تفُلُّ عزيمتَه الفواجِع، ولا تُضعِفُ إيمانَه الحوادث، ولا تكسر شوكته الكوارث.








فعني، عن فؤادي، عن طموحي
ثمارُ اليأس بَذرتُها التمني










الكسول مخذول، والهائم نائم، والفارغ بطال، وصاحب الأماني مفلس.







وقال القنُّوجي: قيل: مَن دام كسله خاب أملُه.








فأمَّا الابنُ سمَّوه بفقر
وأما البنتُ سمَّوها ندامة











الفأْل -عباد الله- كالمرهَم على الجُرح، والتشاؤُم كالمِلحِ على الجُرح؛ فالفأل: ثقةٌ بالله، وإيمانٌ بقضائِه وقدرِه، وفي التشاؤُم سُوءُ ظنٍّ بالله ورِيبةٌ في قضائِه وقدرِه.. الفألُ حياة، والتشاؤُم وفاة.. ولله ما أعذب قول الجواهري:








حتى تفاعيلَ البحورِ قرأتُها
متفائلٌ، متفائلٌ، متفائلُ











ولقد كان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إمامَ المتفائلين، استمع إليه إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ»، قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ»[1]، وفي رواية: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ»[2]، وفي ورواية: «وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ». قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ»[3]... كما قال صلى الله عليه وسلم: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»[4].







ورسول الله صلى الله عليه وسلم، أُرسل بالبشرى؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًاï´¾ [الأحزاب:45]، ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًاï´¾ [الإسراء:105]، وقال عنه: ï´؟ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًاï´¾ [الأحزاب:47]، ï´؟ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْï´¾ [يونس:2]، ï´؟ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَï´¾ [البقرة:155]، ï´؟ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَï´¾ [الحج:34]، ï´؟ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَï´¾ [الحج:37].







وقد قال لنا صلى الله عليه وسلم: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»[5].







ويقول صلى الله عليه وسلم: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ»[6].







«بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ»[7].











وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ»[8].







عباد الله: لقد كان حبيب القلب وقرة العين صلى الله عليه وسلم يعجبه سماع الكلمات المبشرة، المتوائمةِ مع الحدث، والمتناسبة مع الظرف، والمتناسقة مع اللحظة، والتي تشع حياةً، وتنضح أملًا، وتورث عملًا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ صَوْتًا، فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ: «قَدْ أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ»[9]؛ أي: تفاءَلْنا من كلامك الحَسَن تيمُّنًا به.







والتفاؤل يا عباد الله سلوك ملازمٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، ومُتأصِّل فيه؛ حيث كان يتفاءل بالأسماء الحسنة؛ لِمَا لها من دلالة إيجابية على النفوس، فعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ: يَا رَاشِدُ، يَا نَجِيحُ»[10].







(يَا رَاشِدُ): وَاجِدُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، (يَا نَجِيحُ)، أَيْ: مَنْ قُضِيَتْ حاجته.



وقد كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ عَامِلًا سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا، فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ[11].











ولما أتى صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا يسمونها (يثرب(؛ فسمَّاها: (طابةَ( أو: (المدينة)[12].



طَابَتْ بهِ طيبةُ من بعْدِ الرَّدى *** أشرقَ ما قدْ كانَ منها أسْوَدا







ولما كان صلى الله عليه وسلم في صُلح الحُديبية، وأقبلَ عليهم رجلٌ من قُريش - هو سُهيل بن عمرو - قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ»[13].











ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - من حبه للتفاؤل - يغير الأسماء التي توحي بالهم والنكد؛ ففي الصحيح عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ»؟ قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ»[14].











وكَانَ من تفاؤله صلى الله عليه وسلم أنه: إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: «لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ»[15].











ويعلمنا صلى الله عليه وسلم التفاؤل في الدعاء، فيقول: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»[16].











وقال: «وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ»[17].



وإني لأدعُو اللهَ حتى كأنَّما *** أرَى بجميلِ الظنِّ ما اللهُ صانِعُ





كما كان يُربِّي أمَّتَه - صلوات الله وسلامُه عليه - على التفاؤل؛ فإن الفرَجَ في الفأْل، والسَّعَةَ في الأمل؛ كان صلى الله عليه وسلم إذا استسقَى بأصحابِه قلَبَ رداءَه[18] تفاؤُلًا في أن يُغيِّرَ الله حالَهم من الشدَّة إلى الرخاء، ومن الجَدبِ إلى الغيث والإنبات.







قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَï´¾ [الروم:48]، ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِï´¾ [الأعراف:57].







ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُï´¾ [الشورى:28].







إنه إيذانٌ بحياة الأرض بعد موتها، وبزوغ الفجر عقب الظلام الدامس، وطلوع الشمس من بعد المغيب.








ألم تر أن طول الليل لما
تناهى حان للصبح انبلاجُ











عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: «قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ»[19].







ويقول عليه السلام: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا[20].



إنَّ للظُّلْمِ صولةً ثمَّ تُمحى***ما عرَفنا لظالمٍ مِنْ بقاءِ







إن مَن سبَرَ حياةَ المُصطفى صلى الله عليه وسلم وجدَها مليئةً بالفَأْلِ والتفاؤُل، والحيويةِ والأمل، وعِظِمِ الرجاء، مع تحاشي الزَّلل، ففي الهجرة، بينما كان (سراقة) يطارد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر، وكان يعثر به فرسه كلما هم أن يتابعهما، طمعًا في جائزة قريش المغرية، وبينما هو يهم بالرجوع وقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفيهما مَن وراءه، في هذه اللحظة قال صلى الله عليه وسلم: «كَأَنِّي بِكَ قَدْ لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى»[21]، يعده سِوَارَيْ كسرى شاهنشاه الفرس! (ملك ملوك الأرض!)، والله وحده يعلم ما هي الخواطر التي دارت في رأس سراقة حول هذا العرض العجيب، من ذلك المطارد الوحيد، إلا من صاحبه الذي لا يغني شيئًا عنه، والمهاجــر سرًّا معه!





يا طرِيدًا ملأ الدُّنيا اسمُهُ
وغدا لحنًا على كلِّ الشفاه




هل درتْ من طاردتُه أمةٌ
هُبلٌ معبودُها؟! شاهتْ وشاه






وهكذا.. يُربِّي أمَّتَهُ صلى الله عليه وسلم على البشارة في أحلك المواقف، والتفاؤلِ في أحرج اللحظات؛ ففي الخندق: هَبَطَ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا»، ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا»، ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا»[22].








وفي الأحزاب، قال سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابَ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ»[23].






ما كنتَ تحملُ الَّا قلبَ مُحْتَسِبٍ
في عَزْمِ مُتَّقِدٍ في وَجْهِ مُبْتَسِمِ






ولم يقتصِر تفاؤُل النبي صلى الله عليه وسلم على ما يكون في أرضِ الواقعِ، بل إنه يستحضِره حتى في تعبير الرُّؤَى المناميَّة، فعند مسلم عَنْ أَنَسِ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ»[24].








قال الماوردي: الفأل فيه تقويةٌ للعزم، وباعثٌ على الجد، ومعونةٌ على الظَّفَر.



إنك أيها المرءُ مُخيَّرٌ في حياتِك وما يَعتريكَ فيها، بين اليأسِ والأملِ، والتفاؤُلِ والتشاؤُم؛ فالأملُ والتفاؤُل لك مع الله، واليأسُ والتشاؤُم لك مع الشيطان: ï´؟ لِيَحْزُنَ الذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللهِï´¾ [المجادلة:10].








هوِّنْ عليك فؤادي واتِخذ سببًا
إلى التفاؤل، واترك عنك ما رابا










إن الحياة بلا أمل قنوط جاثم، والأملَ بلا عمل تمني كاذب، وديننا الحنيف يدعو إلى الفأل والأمل اللذَينِ يستصحبان الجد والعمل، وكلما ازداد التحدِّي ازداد اليقين، ولا يرى الجمالَ إلا الجميل، ومن كانت نفسُه بغير جمال فلن يرى في الوجود شيئًا جميلًا، والكون ليس محدودًا بما تراه عيناك، أو تسمعه أذناك، ولكن ما يراه قلبُك، ويدركه فكرُك، ويعشقه فؤادك.







عبد الله:








مَا تَرَاءَىظ° مِنَ الأَمَانِيْ مُحَالًا
ذَاتَ يَأْسٍ يَكُوْنُ إِنْ قَالَ كُوْنِي!











التفاؤل روحٌ تتجدد، ونفسٌ تتسامى، وعطاءٌ يتدفق، وقلبٌ ينبض، ونُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ نَضِيجَةٌ، وسراجٌ لا يخبو سناه، ونجمٌ لا يغيم ضحاه.







هو استعانةٌ بالموجود لتحصيل المفقود، وهو تقويةٌ للعزم، وباعثٌ على الجِد، ومعونةٌ على الظَّفَر، وزادٌ في الطريق، ودليلٌ في التيه، وأنيسٌ في الدياجي.







وكيف لا نتفاءل يا عباد الله، والقرآن بين أيدينا يقول لنا: ï´؟ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَï´¾ [آل عمران:139]؟!



إذا تضايق أمرٌ فانتظر فرجًا *** فأضيق الأمر أدناه من الفرجِ





كيف لا نتفاءل؟ والله يقول لنا:



ï´؟ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَï´¾ [الأعراف:156].



ï´؟ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَï´¾ [التوبة:59].



ï´؟ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌï´¾ [البقرة:268].



ï´؟ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَï´¾ [الحجر:52]، ï´؟ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَï´¾ [الحجر:55]؟!






يصِّرفُ الله أحوال العباد فلا
تقلق، وعش مؤمنًا في عزةٍ وثقة







يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 126.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 125.06 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]