|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الضمـير وكيف نربيه!؟ أحمد عبدالله صالح أما بعد: فأحبتي الكرام، نقف اليوم وفي النصف الساعة بإذن الله جل وعلا مع درسٍ من دروسِ العقيدة ومنزلةٍ من منازلِ إياك نعبدُ وإياك نستعين. أقف وإياكم اليوم مع مظهــر من مظاهــر صلاحِ العبد واستقامته، ودليلٍ على كمـال الإيمان وحسـن الإسلام وحسن الخاتمة، إنَّه يقظــةُ الضـــمير. سببٌ من أسبـاب الأمـن مـن الفـزع الأكبر يـوم القيامة، وسببٌ للفـوز بالجنَّةِ والنجـاة مـن النار. الضمير الحي الذي يُضفـي على الإنسان نوعـًا مـن السكينة والوقـار، فيُصبحُ عضوًا فاعـلًا في جسـدِ أمته يفعـلُ الخـير ويدعوا إليه وينهى عن الشــرِّ ويجتنبه، لأنه يستشعــر ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80]. لأنه يستشعـر: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]. يستشعر: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار 10 – 12]. إذا ما خلوت الدهر يومًا ![]() فلا تقل خلوت ولكن قل عليا رقيبُ ![]() ولا تحسبن ّ اللهَ يغفل ساعةً ![]() ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ ![]() والنفسُ تدعوك لإطـلاق العنان لعينيك؛ لترى في الحـرام وترتعِ في المعصية، استشعر أنَّ نظر الله سبحانه إليك أسبق وأســرع من نظرك إلى المنظـــور إليه. استشعر: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غـافــر 19]. وأنت قد أوصدت على نفسك النوافـذ وأغلقت الأبواب بعيدًا عن عيون الناس لتصنع مـا يغضب الله. تذكَّر أنَّ هناك مـن يـراك ويعلم سـرك ونجــواك. تذكـــر قــول مــن قــال: وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ ![]() والنفس داعيةٌ إلى العصيان ![]() فاستحي من نظر الإله وْقُل لها ![]() إنَّ الذي خلق الظلام يراني ![]() إنَّه الضمــيرُ الحي مدرســةُ الرقابة العليا.. الضميرُ الحي الذي يُعلِّـمُ العبد الرقابة بينه وبين الرقيب الأعلى سبحانه وتعـالـى. فلا ديـوان للمحاسبةِ يستطيع أن يحاسب! ولا الــرقـابة الإدارية تستطيع أن تــراقب.! ولا النيابة العامــة تقوى على ضبطِ الأشياء! ولا المحاكــم ولا الإدارات بأنواعها تستطيع أن تُعلِّم النَّاس إتقان العمـل! إنَّما الضمــير وحدَه الذي بينك وبين الله هو الذي يُعلمك كيف تتقن العمل مع الله سبحانه! وتعالوا معي أحبتي الكرام لنرى ونعرف كيف ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام! كيف ربَّاهم؟ لم يربهم على التعلق بالدنيا وما فيها من مالٍ وقصور ودُور. ولـم يربيهـم فـي الصـالات المغلقة، ولا فــي المنتديـات، ولا فـي المســارح، ولا فـي دور السفهـاء! إنَّمـا ربَّاهـــم على مبدأ واحد وهـــو: [أن تعبُد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يـراك]. ولو أننا اليوم بدأنا بما بدأ به عليه الصلاة والسلام في بناء المجتمع وإصلاح الضمائر، لما كان حال المسلمين اليوم في اختلاف وتشرذُم وتمزُّق وتفرُّق، وأحقاد وأنانية وبغضاء وحروب واقتتال؛ لأن الضمير فينا مات وكبَّرنا عليه أربع تكبيرات، وصلينا عليه صلاة الجنازة. أمَّا الرسول الكريم فلمَّا بدأ، فلم يبدأ ببناء المصانع والمنشآت وتشييد المؤسسات. ولم يبدأ بإقامة البناء المادي، إنَّما بدأ ببناء النفوس أولًا، وعلى أيِّ شيء بناهـا، بناهــا على قاعـــدة ومـبدأ: [أن تعبد الله كأنَّك تــراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك]. رقابة يستشعر فيها العبد إطلاع الخالق على ظاهرة وباطنة، وعلى سـرِّه وعلانيته. مراقبة وضميرٌ حي يشملُ مظاهر الحياة جميعها وبكل نواحيها وجوانبها: ضمير حي في أداء الحقوق المالية. ضمير حي في الاعتراف بالجريمة وتحمُّل العقوبة. ضمـير حي في رعايةِ القوانين والأمانات. ضـمـير حي في السياسة والحكم. ضمـير حي في التجارة والمعاملات. ضمـير حي لدى الطالب والمعلم، والمدير والعامل، والمهندس، والدكتور، والفلاح، والعسكري، والنجار، والتاجر، والحداد، والخياط، والكاتب، والناشر، والحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، والذكر والأنثى، والأبيض والأسود، والغني والفقير، والعزيز والذليل..... فعلى هذا المبــدأ مبدأ يقظـةُ الضمــير ومبـدأ: [أن تعبد الله كأنّك تــراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك]. ربَّى الرسول الكريم صحابته الكرام حتى ساروا على وجه الأرض في صحوة ضمير لا مثيل له؛ كالملائكة الأطهار رفعةً وكرامةً وفضلًا ونُبلًا، وحتى كان الضمير فيهم ينادي من منطـق الإيمـان واليقين. أمَّا اليـوم فقد أصبح الضمـير فينا لا يراعي حرمةً ولا دينـًا ولا أمــانةً ولا صدقًا ولا أخلاقًا، فحـرمات تُنتهك، وحدود لله تتجاوز، ونظـرات زائغة، وأموال تسلب بالحرام دون وجه حق، وأخرى تؤخذ ولو كانت مِن ربًا أو رشوة أو قمارٍ، أو احتيالٍ، ونسينا رقــابة الرقيب الأعلى. أين نـحن يا كـرام من عـامــر بن قيـس، ذلكم الوفــي الأمــين الذي تربى فـي الجامعة المحمـدية. ذلكـم الجندي الصادق الذي تحـرَّك الضمير في مملكة قلبه، ونادى من منطـقِ فؤاده. خـاض هذا الجندي الضرغام معـركة القادسية مع القائد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقاتل في هذه المعركة قتال الأبطال. ونازل فيها نزالَ الأســود حتى انتهت المعركة، وتكللت بفوزٍ ساحقٍ ونصرٍ مبينٍ ومظفرٍ ومؤزرٍ للمسلمين. وبعـد المعـركة جـاء هذا الجندي وهو ملثَّم لا يُعرَف، يحملُ بين يديه علبةً مليئة بمـاذا؟ هل مليئةٌ بالحلوى أم بالسكاكر أم بالمكسرات؟! لا لا، إنَّما كانت العلبة مليئةٌ بالجــواهـر الكريمة، جاء بها إلى القائد سعد بن أبي وقاص وقال له: لقد عثرت على هــذه الجــواهـر! إنَّها مدرسةُ محمد بن عبدالله. إنَّها مدرســةُ النزاهة والأمــانة! إنَّها مدرســةُ الصفــاء والنقــاء. إنَّها مدرســةُ الطهــر والـوفـــاء! إنَّها مدرســةُ الــرقابــة العليا! مدرسـةٌ كُتِبَ على بابها: [أن تعبد الله كأنَّك تــراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يـراك]. فنظر إليه القـائد سعـد وقـال له: "وهل أخـذت منهـا شيئــًا؟". وهـل من المعقـول أن يكـون جيلُ ذلكم الــزمان من خائني الأمانـة؟ هـل يُعقل أن يكـون ذلكـم الجيل الفـريـد الذي أوصـل الإسلام إلى كل أسقاعِ الأرض وأرجـائهـا، وشهـدت لهم قبـورهم بهذا مِمَّــنْ يسرقون أو ينهبـون! هــل من المعقـول أن يكـون أولئكم الـرجال الذين تـربوا على مائدة القـرآن، وآووا ونصـروا وجـاهدوا في سبيـل الله؛ نصرةً للـدين وحمــايةً للعقيــدة حتى آخـر نفـس من حياتهــم من الذين يأخــذون شيئًا ليس لهـم ولا يَملِكونه! يقول سعد بن أبي وقاص لهذا الجندي: "وهــل أخـذت منهــا شيئًا؟". فقال الجنـدي الأمــين بثبـاتٍ وإيمان: "والله لولا مخـافـةُ الله مـا جئتكــم بهـا، ولـو كنت أريـد أن آخــذ منهـا شيئــًا مـا أحضرتهـا لكـم". إنَّه الضميرُ الحــي، الضميرُ اليقظ. إنَّه الضميرُ المنتبــه، الضميرُ الصـاحي! الضميرُ الذي يجعل صاحبة يخاف الله ويخشى عقابه. جندي أملس الكتفــين، خـالـي الـذراعـين مـن الأوسمــةِ والنيـاشـين والرتب، جنديٌ ليـس على كتفـيه نجمةٌ ولا نســرٌ ولا سيفان. جنــدي يعـثرُ علي علبـةٍ مــن الجــواهـر الكريمةِ التـي تــركهــا كســرى وكــان يستطيـع أن يبيعها أو يُخفيها أو يتصرف فيها، بعيدًا عن عيـونِ النَّاس، ولكنَّ الذي دفعه إلى أن يسلمها إلى أهلها هو الله، لـم يكـن هنـاك جهـازٌ مـركـزي للمحـاسبـات، ولا جهــازٌ مـركـزي للتعبئـةِ والإحصــاء، ولا جهـازٌ مـركـزي للمــراقبـةِ والتفتيـش، ولا قسـمٌ لمكـافحـةِ التهـريب، ولا نيـابة إدارية، ولا نيـابة أموال عامة، ولا مكتب مبـاحث. لـم يكن فـي مـدينة رسول الله شــرطــي واحــد، ولا محكمةٌ واحدة؛ لأن الذي كـان يعلمهـم ويجمـع شملهـم، ويطلــع عليهم ويـراقب عليهم هـو الـرقيب الأعلى. أُعجـب سعـد بن أبي وقاص بنقاء هذا الجنـدي وصدقه وإخلاصه، ووفائه وأمانته ونزاهته، فقــال له: "مــا اسمـك يــا هذا؟". يريد أن يعــرف اسمه ليضيفه في سجـل التشريفات العامة، ويضعه فـي قائمـة الشــرف الأعلى على قصـرِ كســرى وحتى يعرفه الجميع! وما أكـثر محبـي الشهــرة!! ما أكـثر محبـي الظهــور!! ما أكـثر أولئك الذين يحبون أن تُلمَّـعَ أسماؤهـم على رؤوسِ الصفحـات وعلى شريطِ الشاشات والقنوات وفي الجــرائد والمجـــلات! ما أكثر الذي يحبون أن تـذاع أسماؤهم وتُعلن على الأرجاء بسبب عمـلٍ قدَّمـوه، أو خـدمةٍ أنجـزوها. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |