شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5066 - عددالزوار : 2275713 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4649 - عددالزوار : 1553902 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 127 - عددالزوار : 71305 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 249 - عددالزوار : 153425 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 89 - عددالزوار : 28698 )           »          مسألة: العلج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الفرع الثاني: بيان حدود العورة (من الشرط السابع من شروط الصلاة: ستر العورة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حكم الاشتراك في أمازون برايم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          حديث في العدة والإحداد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          تفسير سورة الماعون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-08-2020, 02:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,490
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

قال رحمه الله: [لا حائضاً ونفساء].
أي:
لا تجب الصلاة على حائض ولا على نفساء،
وقد يقال:
إنها واجبة على كل مسلمٍ بالغٍ عاقل إلا أن يكون حائضاً أو نفساء.
والمراد بالحائض والنفساء: من كانت متلبسةً بالحيض أو بالنفاس، وليس المراد به الوصف؛ لأن المرأة قد توصف بكونها حائضاً،
كما تقول:
تجب الصلاة على كل حائض،
أي:
على كل امرأة بلغت المحيض، أو يجب الستر على المرأة الحائض،
والمراد:
التي بلغت سن المحيض، والعرب تسمي الشيء بما يقارنه.
فالمقصود أن قوله: (لا حائضاً) أي أن الحائض لا تجب عليها الصلاة أثناء الحيض،
وللعلماء في هذه المسألة قولان:
فبعض الأصوليين يقول: الخطاب متوجب على الحائض والنفساء، وسقط عنهما الفعل لمكان العذر في الصوم والصلاة، ثم إذا طهرتا فإنهما تقضيان صومهما، ولا تعتبران موديتين له.
وبعضهم يقول:
لا يتوجه عليهما الخطاب أصلاً إلا بعد طُهرهما، فيتوجه عليهما الخطاب بفعل الصوم دون فعل الصلاة، والفرق بين القولين في الأداء والقضاء،
فإنك إذا قلت:
إن الحائض والنفساء أثناء الحيض والنفاس يتوجه عليهما الخطاب فإنك تقول: تكلف الحائض والنفساء بالصلاة وسقطت عنهما بعذر، فالتكليف باقٍ أصلاً.
إذا ثبت هذا فيصبح قوله: (لا حائض ونفساء) أي أنه لا يتوجه عليهما الخطاب، فهذا اختيار صاحب الزاد، وهو أيضاً اختيار صاحب المقنع نفسه الإمام ابن قدامة رحمة الله تعالى عليهما،
وقد تكلم على هذه المسألة وبيّنها في كتابه النفيس:
(روضة الناظر)، وأشار إلى مذاهب العلماء فيها من ناحية توجه الخطاب على الحائض والنفساء أو عدم توجهه عليهما.
فإن قلنا: إنه لا يتوجه عليهما، ففي هذه الحالة بعد انتهاء أمد الحيض والنفاس يتوجه الخطاب بالصوم دون الصلاة،
وهذا يعارضه حديث عائشة أنها قالت:
(كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر قضاء الصلاة).فقول
من يجب عليهم قضاء الصلاة لعذر
[من زال عقله بنوم]
قال رحمه الله تعالى: [ويقضي من زال عقله بنوم].
قوله هذا دلّ على أن النائم مكلف أثناء نومه، أي أن الخطاب متوجهٌ عليه أثناء النوم،
واختلف العلماء:
هل النائم والناسي والساهي والسكران مكلفون أثناء السكر والنسيان والنوم، ثم يطالبون بالفعل بعد الإفاقة، كالحال في مسألة الحائض والنفساء؟
فقال بعض العلماء:
النائم والناسي والساهي مكلفون، ولكن لا يؤاخذون وقت العذر، فإذا زال عنهم العذر فإنهم يطالبون بالفعل،
وبناءً على هذا يقال:
يؤمرون بالقضاء ويثبت عليهم؛ لأنه إذا تعذّر عليهم الأداء لعذرٍ فالقضاء مفرعٌ على وجود الأداء،
وقالوا:
إن النائم يؤمر بقضاء الصلاةِ، وهذا بالإجماع؛
لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة له إلا ذلك)، فدل على أنه مطالبٌ بالقضاء، ودل على أن نومه وخروج الوقت عليه وهو نائم لا يوجب سقوط التكليف عنه، ولذلك يؤمر بقضاء هذه العبادة،
والأصل:
أن ذمته مشغولةٌ بفعل هذه العبادة حتى يدل الدليل على سقوطها، ولا دليل، فيبقى مطالباً بفعل الصلاة، فيؤمر بها بعد استيقاظه من النوم.
لكن هنا مسألة: فقد قال بعض العلماء: من نام عن الصلاة وخرج وقتها، فإنه يؤمر بالفعل مباشرةً، وإن تأخر أثم؟
وقال بعض العلماء:
يؤمر بفعلها ما لم يدخل وقت الثانية التي بعدها، ويخرج وقت الصلاة التي هو فيها، وقالوا: يجوز له أن يؤخر.
وتوضيح هذه المسألة ما جاء في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما الثابت في الصحيح أنه قال:
(عرّس النبي صلى الله عليه وسلم وسار إلى آخر الليل،
قال: فوقعنا وقعةً ألذ ما تكون على المسافر -لأنهم كانوا يسيرون في الليل في مقدمهم من غزوة تبوك رضي الله عنهم وأرضاهم- فلما صار إلى آخر الليل وقرب وقت الفجر أعياهم المسير،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ بلال: اكلأ لنا الليلة -
أي: يا بلال! ارقب لنا الفجر وانتبه له، حتى إذا تبين الصبح فأيقظنا للصلاة- فنام بلال، ونام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يستيقظوا إلا بحرِّ الشمس، فاستيقظ عمر وصاح في الناس، وصار يكبر، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فلما نظر إلى القوم قال عليه الصلاة والسلام:
يا بلال: ما شأنك؟
-أي: ما الذي دعاك أن تضيع علينا الصلاة؟
- فقال: يا رسول الله: أخذ بعيني الذي أخذ بعينك)
أي: أنت متعب وأنا متعب، فكما نمتَ نمتُ، وهذا من لطف الصحابة رضي الله عنهم وحسن أدبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال:
(ارتحلوا إنه منزلٌ حضرنا فيه الشيطان.
فارتحلوا عن الوادي، ثم توضأ عليه الصلاة والسلام، وتوضأ أصحابه فصلّى راتبة الفجر -كما في الصحيح في رواية أنس -، ثم أمر بلالاً فأقام فصلى الفجر).
فالمسافة ما بين انتقاله من الوادي إلى الوادي فيها تأخيرٌ للصلاة،
ولذلك قالوا:
دلّ هذا على أنه إذا استيقظ لا يؤمر بالفعل مباشرة، وأنه لو أخّر ليسير الوقت فلا حرج،
وقالوا: إنَّ له أن يؤخر إلى قرب الظهر،
فهذا مذهب من يقول:
إنه لا يطالب بالفعل مباشرةً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخّر الصلاة فانتقل من الوادي الذي هو فيه إلى واد آخر.وأجاب الأولون بأن فعله صلى الله عليه وسلم عذرٌ خاصٌ بهذه الصورة أو ما في حكمها، ويبقى الأصل بتوجه الخطاب عليه بالفعل؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصليها إذا ذكرها).
فجعل الأمر عند الذكر، فدل على أنه مطالبٌ بالفعل فوراً،
خاصةً على مذهب من يقول:
إن الأمر يقتضي الفور، فهذا حاصل ما ذكره العلماء.والحقيقة أنَّ الأحوط أن الإنسان يبادر، ويفعل الصلاة بمجرد الاستيقاظ ما أمكنه.
[من زال عقله بإغماء]
قال رحمه الله:
[أو إغماء].
المغمى عليه إما مغمىً عليه باختياره كأن يتعاطى أمراً يفضي به إلى الإغماء، أو مغمى عليه بغير اختياره كمن به صرع أو نحو ذلك، فهذه أحوال المغمى عليه،
فعمم المصنف فقال:
(أو إغماء).
فكل من أغمي عليه داخل في هذا العموم،
والمغمى عليه للعلماء فيه قولان:

قال بعض العلماء: كل من أغمي عليه فهو مكلف، ويبقى إلى أن يفيق فيطالب بقضاء الصلوات وقضاء الأيام التي فرض الله عليه فيها الصيام.والقول الثاني، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه،
وقال به بعض السلف رحمة الله عليهم:
أنَّ المغمى عليه ليس بمكلف، وإذا زال إغماؤه لا يطالب بقضاءٍ ولا بأداء.
وفائدة الخلاف:
أن من أغمي عليه حتى فاتته الصلوات، أو أغمي عليه وفاته مع الصلاة الصيام، فعلى القول بأنه مكلف يطالب بالقضاء ولو طالت المدة، وعلى القول بأنه غير مكلف لا يطالب بالقضاء،
ويقولون: إنه كالمجنون.
والحقيقة أنّ المغمى عليه فيه شبه بالمجنون، وفيه شبهٌ بالنائم، ففيه شبهٌ بالمجنون من جهة أنه إذا أوقظ لا يستيقظ، وفيه شبهٌ بالنائم من جهة أن الأصل فيه أنه مكلف، وأن الذي يعتريه من الإغماء إنما هو أشبه بالغطاء على عقله كالغطاء الذي على النائم فليس فيه زوال العقل بالكلية،
ولذلك قال بعض العلماء:
هو كالنائم،
وقال بعضهم: هو كالمجنون،
فمن يقول:
إن المغمى عليه كالمجنون لا يطالبه بقضاء الصلوات،
ويقول:
هو كمن جنّ وأفاق،
ومن يقول:
إنه كالنائم يطالبه بالقضاء، وهذه المسألة يتفرع عليها ما يسمّى بالموت السريري عند الأطباء -أعاذنا الله وإياكم منه ولطف بنا وبكم في كل حال-، فهذا الموت السريري الذي يكون الإنسان فيه عديم الحركة حتى يشاء الله عز وجل بزوال المانع عنه، إما بجلطة أو بسبب آخر يؤدي إلى تعطله، فيصبح كالنائم في سبات، فإذا كلمه الإنسان لا يعي ولا يجيب، حتى يشاء الله له الإفاقة فيستيقظ بعد شهور، وقد يستمر الإغماء إلى سنوات.فعلى القول بأن المغمى عليه مكلف يصبح في هذه الحالة يطالب مثل هذا بالقضاء،
وعلى القول:
بأنه غير مكلف لا يطالب بالقضاء.
وعند النظر في المسألة من جهة الأصول يترجح القول الذي يقول:
إنه كالنائم، والشبه فيه بالنائم أقوى من الشبه بالمجنون؛ فإن الإغماء لا يؤثر في عقل الإنسان من جهة الزوال، ولكنه أشبه بالنائم من جهة السبات والخدر، والنائم حقيقته أنه مخدر،
أي: لا يستطيع أن يتكلم ولا يفهم الكلام، فالمغمى عليه أقرب إلى النائم منه إلى المجنون،
والقاعدة عندنا في الأصول:
(إذا تعارض القولان ينظر إلى أقربهما شبهاً بالأصل).
فنحن نسلّم أن المغمى عليه فيه وجه شبه بالمجنون، وفيه وجه شبه بالنائم، فانظر رحمك الله أيهما أقرب إلى الأصل، فإذا نظرت إلى أن الأصل وجوب الصلاة عليه وتكليفه احتطت للشارع،
وقلت:
هو مكلف وأنا أشك في عذره هل يسقط التكليف أو لا، فيبقى على الأصل من كونه مكلفاً، وإن جئت تنظر إلى الأصل الآخر الذي يغلب فيه جانب الجنون فالأصل براءة الذمة.
وعند النظر إلى الأصلين نجد أن أصل التكليف ألصق من أصل براءة الذمة؛ لأن توجه الخطاب عليه في الأصل قد ثبت، وأصل براءة الذمة إنما يقوى في المسائل التي لم يتوجه فيها خطاب،
أي:
لم يوجد فيها أصل يوجب توجه الخطاب،
ولذلك يقوى قول من يقول: إنه يطالب بالقضاء.
لكن السؤال هنا:
لو قلنا: إنه يطالب بالقضاء فأغمي عليه شهرين أو ثلاثة أو أربعة، فكيف يقضي؟ قالوا: إن طالت المدة رتب الصلوات، فكل صلاةٍ مع فرضها، فلو كانت أربعة أشهر فإنه يبدأ من حين إفاقته، ويصلي كل فرض مع فرضه، ويبدأ بالمقضي أولاً ثم بالمؤداة، حتى تتم له أربعة أشهر بهذه الحالة.أما لو أغمي عليه ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو خمسة أيام فإن هذا يطالب بالقضاء مباشرةً.
وإسقاط التكليف عنه لمكان المشقة -كما يقوله بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه ليس بصحيح،
فإنهم يسلمون أنه يطالب بالقضاء ثم يقولون:
إن طالت المدة سقطت عنه.وهذا غير صحيح؛ لأن مشقة القضاء يمكن اغتفارها بمطالبته بتسلسل الأوقات بالفرض مع نظيره، وهذا أقوى، واعتبار الأصل فيه أبلغ من اعتبار براءة الذمة الذي سبقت الإشارة إليه.
[من زال عقله بسكر]
قال رحمه الله تعالى: [أو سكرٍ أو نحوه].
السكر قد يكون بسببٍ مباح أو بسبب غير مباح، فالسكر بسبب مباح كأن يشرب خمراً يظنها ماءً، فهذا معذور، أو أكره على شرب الخمر عند من يرى أن الإكراه مسقط للتكليف، فهذا معذور، أو أعطي (البنج) لإجراء عملية جراحية فزال عقله، فهذا السكر يعذر العلماء صاحبه، ويخصونه بأحكام في مسائل العبادات والمعاملات.
وأما السكر المحرم فالمراد به ما يزيل العقل سواءٌ أكان شراباً أم كان جامداً، وسواءٌ كان قديماً أم حديثاً، كما يوجد الآن في بعض المركبات كالمخدرات ونحوها، فكل ذلك يأخذ حكم السكر في باب الفقه.فإذا ثبت أن السكر يؤثر فإن السكران غير مكلف بالصلاة أثناء سكره، ويطالب بقضائها بعد الإفاقة؛
لأن الله عز وجل قال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43]، فدل على أنه أثناء السكر لا يطالب بالصلاة، وبناءً على ذلك فإذا أفاق فإنه يخاطب بفعلها، ويكون فعله لها قضاءً لا أداءً.
وقوله:
[أو نحوه].أو نحو السكر، كمثل ما يقع في بعض المخدرات والمركبات التي تكون في حكم السكر.
[من تصح منه الصلاة ومن لا تصح منه]
قال رحمه الله تعالى: [ولا تصح من مجنون ولا كافر].
أي: ولا تصح الصلاة من مجنونٍ؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(رفع القلم عن ثلاثة)، والصحة تستلزم وجود أو ثبوت الثواب، إلا على القول في الصبي في حده وصلاته.
وقوله: [ولا كافر].
أي: ولا تصح الصلاة من كافر؛ لأنه مخاطبٌ بالأصل، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم يؤمر بالصلاة وتصح منه بعد الشهادتين، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يرتب الصلاة على وجود الشهادتين يدل على أن الكافر لا تصح منه الصلاة قبل الشهادتين؛
لأنه قال عليه الصلاة والسلام:
(فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم ... ) الحديث، فدل على أن توجه الخطاب عليهم بالصلاة وصحتها منهم متوقفٌ على تحصيل الأصل وهو الشهادتان،
فقد قال تعالى في الكفار:
{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23]، فدل على أن الكافر لا تصح منه قربةٌ ولا طاعة،
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن الله يعجل للكافر دنياه بحسناته، حتى إذا وافى الله يوم القيامة وافاه وليست له حسنة واحدة)، فلذلك لا تصح منه صلاته ولا تقبل منه عبادته.
قال رحمه الله تعالى: [فإن صلى فمسلم حكماً].
قوله: (فإن صلى) أي: هذا الكافر في الظاهر،
وقوله:
(فمسلم حكماً) يشير به إلى أنَّ عند العلماء ما يسمونه القضاء وما يسمونه الديانة،
والقضاء يعبرون عنه أحياناً بقولهم:
(حكماً)؛ لأنه يتصل بحكم الحاكم وهو القاضي، وهذا ينبغي أن يتنبه له طلاب العلم، فالشريعة رتبت الأحكام على الظاهر، ولم ترتبها على السرائر في حكم القضاء،
والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
(إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس، وأن أكلْ سرائرهم إلى الله)، والسبب في ذلك أنه لا يستطيع الإنسان أن يعرف حقيقة الشيء من الإنسان سواءٌ أكان في عبادةٍ أم معاملة، فلا يستطيع أن يعلم قصده ولا نيته،
ولذلك أُمِر من زكى إنساناً أن يقول: أحسبه والله حسيبه.
ولا يمكن أن تنكشف حقيقة الإنسان أو ينجلي صلاحه من عدمه إلا في يومٍ يبعثر فيه ما في القبور، ويحصل فيه ما في الصدور، وهذا هو الفصل في معرفة حقائق الناس، فلما كانت معرفة حقائق الناس متعذرة بالاطلاع على قلوبهم أخذ بالظاهر، فأحكام الشريعة مبنية على الظاهر، فلو أن إنساناً جاء وصلى مع الناس، وفعل الصلاة في الظاهر،
فليس لأحدٍ أن يقول:
هذا منافق؛ لأنه يحتاج إلى أن يطلع إلى حقيقة قلبه، ما لم تظهر منه أفعال المنافقين التي تدل على نفاقه، والأصل فيها أنه يحكم على ظاهره، وتوكل سريرته إلى الله عز وجل.فمن دخل المسجد وصلى مع المسلمين، واستقبل قبلتهم، وصلّى صلاتهم، وتأثر بكلامهم في ظاهره فهذا من المسلمين، وحكمه حكم المسلمين، والحقيقة ترد إلى الله سبحانه وتعالى.فعندنا شيء في الظاهر، وعندنا شيء في الباطن،
فإن قالوا:
(مسلمٌ حكماً) أي: في الظاهر، وأما حقيقته فأمرها إلى الله، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي معه المنافقون وهو يعلم أنهم منافقون، والقرآن ينزل عليه، وسمى المنافقين لـ حذيفة بن اليمان، وقال عمر لـ حذيفة: (أناشدك الله: أكنتُ فيمن سمى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، ولا أزكي بعدك أحداً)، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يعرفون المنافق من المسلم إذا رأوا حذيفة يصلي على الرجل، فإذا رأوا حذيفة يصلي على الرجل علموا أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا رأوا حذيفة اعتزل جنازة علموا أنه منافق وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من خبره شيئاً.
فالذي ينبغي على الحاكم أن يحكم على الظاهر، وهذا هو الأصل، لظاهر حديث مسلم الذي ذكرنا: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس)، وأما النيات والمقاصد فأمرها إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن قد توجد قرائن تدل على المقصد فيغلب على الظن، فهذا أمر آخر يحكم به في مسائل في القضاء.
ومن أمثلة الديانة والحكم أو القضاء: لو أن إنساناً قال لامرأته: أنتِ طالق، ولم يدر في خلده أن يطلقها، وإنما كان قصده: أنت طالق من الوثاق،
أي:
أنك غير مربوطة، فإذا رفع إلى القضاء حكم بكونه مطلقاً زوجته، ولكن بينه وبين الله لا تطلق عليه زوجته؛
لأن لفظ الطلاق في قوله:
(أنت طالق) لا يقع ديانةً؛ لأنه لم يقصد الطلاق فيه أصلاً،
وبناءً على ذلك قالوا:
ينفذ الطلاق حكماً
-أي: في ظاهر الأحكام- لا ديانةً.
ولها نظائر أيضاً في المعاملات، فإن الإنسان قد يتلفظ بلفظٍ يكون فيه احتمال غالب يؤخذ بظاهره، وإن كان قصده أمراً آخر.لكن لو كان الأمر محتملاً لمعنيين على السواء فلا بد فيه من سؤاله عن قصده ونيته،
فتجد الفقهاء يقولون: (ينوّى) أي: يسأل عن نيته، فلو قال لفظاً يحتمل الطلاق، ثم رفع إلى القاضي،
فقال له القاضي: ما الذي نويت في هذا اللفظ المتردد بين المعنيين؟
قال:
نويت المعنى الذي لا طلاق فيه، وحلّفه القاضي فحلف، فحينئذٍ يحكم بكون الطلقة غير واقعة قضاءً، ولكن ديانةً بينه وبين الله قد طلقت عليه زوجته.ولو أن إنساناً ادعى مال إنسان أو اغتصب أرضه، وليس عند الشخص الذي أخذت منه الأرض الدليل، فإنه إذا حكم القاضي بكون الأرض للغاصب دون المغصوب منه بناءً على اليد ففي الباطن لا يحل له من ذلك المال شيءً، فالمال ماله قضاءً لا ديانةً.
فهنا يقول المصنف رحمه الله:
(فإن صلى) أي: هذا الكافر الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فدخل المسجد وصلى مع المسلمين (فمسلمٌ حكماً) أي: أعطه حكم المسلمين بناءً على ظاهره، وأما سريرته فتوكل إلى الله عز وجل.
[متى يؤمر الصبي بالصلاة ويضرب عليها]
قال رحمه الله تعالى: [ويؤمر بها صغير لسبع، ويضرب عليها لعشر].
هذا هو ظاهر السنة للحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح:
(مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) فاشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام: أولها: أمرهم بالصلاة لسبع، ولا يضربون إذا تركوها ولم يصلوا،
والثاني:
إذا بلغوا العاشرة يؤمرون بالصلاة ويضربون عليها إن لم يصلوا.
والثالث: التفريق بين الذكر والأنثى في المضجع، وكلام المصنف موافق لظاهر السنة.
وقوله عليه الصلاة والسلام:
(مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) للعلماء وجهان في قوله: (لسبع) وقوله: (لعشر): قال بعض العلماء: يؤمر في السبع عند ابتدائها، ويؤمر بالضرب إن عصى في العشر عند ابتدائها.
وقال بعضهم: يؤمر في السبع عند تمامها، ويؤمر ويضرب إن عصى في العشر عند تمامها.
والفرق بين القولين أنه على القول بأنه يؤمر بالسبع عند ابتدائها يؤمر بعد السادسة ودخوله في أول السابعة، فلو بلغ ست سنوات يؤمر في اليوم الذي هو زائدٌ على الست؛ لأنه بهذا اليوم قد دخل في السابعة، وهكذا في العشر تضربه إذا بلغ تسعاً وزاد يوماً واحداً، فبدخوله اليوم الواحد يدخل في العشر.وعلى القول الثاني إنما يؤمر بعد تمام السبع أو يؤمر ويضرب إن عصى بعد تمام العشر، وهذا أقوى؛ لأن الأصل عدم أمره وعدم ضربه؛ لأنه غير مكلف في الأصل،
فإذا شككنا فهذا ينبني على مسألة أصولية عند العلماء أو قاعدة فقهية لطيفة وهي:
(هل العبرة بالابتداء، أو بالتمام والكمال)؟
فإن قلت:
العبرة بالابتداء تقول: لأول يومٍ من السبع ولأول يومٍ من العشر،
وإن قلت:
العبرة بالتمام والكمال تقول: إذا تمت له السبع أو تمت له العشر.
قال رحمه الله تعالى: [فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها أعاد].
أي: إذا بلغ الصبي أثناء فعله للصلاة، كما لو أن صبياً دخل في الصلاة وأحرم بها الصلاة وهو غير بالغ، ثم بلغ وهو في أثناء وقت الصلاة، زالت الشمس وليست عليه أمارة بلوغه، ثم لما مضت ساعة أو ساعتان احتلم، فباحتلامه دخل في التكليف، فيؤمر بفعل الصلاة وإن كان عند دخول الوقت غير مكلف بها، وهكذا بالنسبة للمرأة الحائض والنفساء، فإنها لو طهرت قبل انتهاء الوقت ولو بركعة واحدة فإنها تؤمر بفعل الصلاة،
وهذا مبنيٌ على حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر، ومن أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) فدل على أن إدراك الوقت ولو بركعة واحدة يوجب الحكم والمطالبة بالفعل.فلو أن هذا الصبي صلى صلاة الظهر وهو صبي، ثم نام واحتلم قبل دخول وقت العصر، فحينئذٍ تأكدنا بلوغه بعد الاحتلام، فتكون صلاته الأولى غير مجزية، ويطالب بأداء الصلاة في وقتها؛ لأن الخطاب توجه عليه بعد البلوغ والاحتلام.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-09-2020, 05:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,490
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (55)

صـــــ(6) إلى صــ(10)

أوقات الصلاة
[وقت صلاة الظهر]
قال المصنف رحمه الله:
[فوقت الظهر من الزوال إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال] الفاء للتفريع،
أي: إذا علمت أن الوقت شرطٌ لصحة الصلاة فاعلم أن وقت الظهر ما سيأتي.
والظهر: هي الصلاة الأولى تسمى بالظهر، وهذا اسمها الغالب، وللعلماء في سبب تسميتها بالظهر خلاف،
قال بعضهم: سُمِّيت بالظهر من الظهيرة، لوجود قائم الظهيرة فيها؛ لأن الشمس تقوم فيها، وهي تقع بعد زوال الشمس مباشرة، فنسبت إلى أقرب موصوفٍ لها.والظُّهر تسمى الأُوْلَى، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي برزة الأسلمي أنه دخل عليه أبو المنهال سيار بن سلامة رحمه الله،
فقال:
دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي،
فقال له أبي:
(كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟
قال:
كان يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى)
، فوُصِفت بكونها هجيراً، وبكونها أُوْلى، وبكونها ظهراً، أما كونها هجيراً فلأنها تكون بالهاجرة، وهذا الوقت الذي تقع فيه صلاة الظهر، حيث تكون الشمس فيه شديدة الحرارة، ولذلك أمر بالإبراد عن أول الوقت في شدة الحر، فإذا اشتدت الحرارة هجر الناس الشمس، وصاروا إلى الظل، وهجروا أعمالهم من أجل شدة الحر والمئونة والمشقة، فسمِّيت الهجير من هذا، وسميت الظهر لما ذكرناه، وسميت الأولى لأنها أول صلاة تصلى.وهذا أصح أقوال العلماء أن الظهر هي أول الصلوات، والدليل على ذلك عدة أدلة،
منها:
أنه لما أراد الله أن يبين لنبيه عليه الصلاة والسلام مواقيت الصلاة نزل جبريل في وقت الظهر، فكان أول ما أعلمه بوقته هو الظهر، وكذلك الحال في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للصلوات المكتوبة وأوقاتها كلهم كان يبدأ بصلاة الظهر، وذلك مراعاة لأصل الشرع.
وقال بعض العلماء:
الأولى هي الفجر والثانية هي الظهر لأجل أن يقوى مذهبهم بأن العصر هي الصلاة الوسطى، وهذا مذهبٌ مرجوح،
ويُجاب عنه من وجهين:
أولاً مخالفته لظاهر السنة ولهدي الصحابة في قولهم: (كان يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى ... )، فدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسمونها الأولى، وأما اعتذارهم بأن العصر لا تكون وسطى إلا إذا اعتبرنا الفجر الأولى فمحل نظر؛ لأنهم قالوا إن الفجر والظهر يجتمعان في كونهما صلاة نهارية، والمغرب والعشاء يجتمعان في كونهما صلاة ليلية، فيقع العصر بينهما، فتكون صلاةً وسطى من هذا الوجه.والجواب عن هذا يسير،
وهو أن يُقال:
إن الوصف بكونها وسطى -أعني العصر- إنما هو لانتصافها بين نهاريةٍ وليلية، لا بين نهاريتين وليليتين، وهم يراعون عدد الصلوات، ويمكن أن تراعى دلالة الحال، فإن صلاة العصر بين نهاريةٍ وهي الظهر، وليليةٍ وهي المغرب، وعلى هذا لا يرد ما ذكروه.
فلصلاة الظهر وقتان:
أول وآخر، فأما أول وقت صلاة الظهر فهو من الزوال إذا زالت الشمس، وأما آخر وقت الظهر فكما ذكر المصنف حين يصير ظل كل شيءٍ مثله، أي على قدر ظل الرجل إذا قام.أما بالنسبة لاعتبار الزوال أول وقت الظهر فدليله الكتاب والسنة،
أما الكتاب فقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:78]،
ودلوكها:
زوالها.أما السنة ففي الأحاديث الصحيحة، منها حديث ابن عمر في صلاة جبريل وإمامته بالنبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء.
ومنها: حديث جابر بن عبد الله في الصحيحين (كان يصلي الظهر إذا دحضت الشمس)، أي: زالت.
ومنها: حديث أبي برزة: (كان يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس).وكذلك أيضاً حديث مسلم في قصة الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص.فهذه خمسة أحاديث كلها دلت على أن وقت صلاة الظهر يكون بدايته من زوال الشمس، وحُكِيَ الإجماع على أن وقت صلاة الظهر يبتدئ من الزوال، وهذا الإجماع مخالَف بما حُكِيَ عن ابن عباس أنه كان يجيز إيقاع صلاة الظهر قبل الزوال باليسير، وهو قولٌ محكيٌ عن مالك رحمة الله عليه إمام دار الهجرة، وقولٌ مرجوح لمخالفته لظاهر السنة، فحكاية الإجماع يُشكِل عليها ما أُثِر عن ابن عباس وعن مالك رحمة الله عليه.وإذا علمنا أن النصوص دلت على أن أول وقت الظهر الزوال، فما هو الزوال؟
الزوال:
مأخوذٌ من زال الشيء إذا تحرَّك، والمراد بالزوال زوال الشمس، والسبب في ذلك أن الشمس إذا طلعت يكون الظل في جهة المغرب، ثم تسير وينقبض ظلها حتى تنتصف في كبد السماء، فتقف عن مسيرها، وبالمناسبة في سير الشمس ينبغي إثباته، والقول بأن الشمس ثابتة باطل مخالفٌ لنص القرآن،
ولذلك قال بعض العلماء: لا يجوز أن يعتقد المسلم أن الشمس ثابتة،
وذلك لقوله تعالى:
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38]، فنص سبحانه على أنها تجري،
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ أبي ذر:
(يا أبا ذر! هل تدري أين تذهب هذه؟)، فنسب لها الذهاب والمجيء، وهذا يدل على الحركة بخلاف الثبوت، ولذلك يُعتقد جريانها،
وقول بعض الفلاسفة: إنها ثابتة مخالفٌ لهذا النص الذي أنبأك به الخبير العليم سبحانه وتعالى خالق الشمس وخالق الكون وهو أعلم بما خلق.فالشمس تطلع من مشرقها فيكون الظل في جهة المغرب، على أقصى ما يكون عند ارتفاع شعاعها، ثم ترتفع قليلاً قليلاً فينقبض الظل من جهة المغرب قليلاً قليلاً حتى تنتصف في كبد السماء، فإذا انتصفت في كبد السماء وقف الظل عن الحركة فلا يزيد ولا ينقص،
وهذا الانتصاف قال بعض الخبراء من أهل الفلك:
إنه لحظة يسيرة،
أي:
قد يكون إلى دقائق معدودة جداً، وفي هذا الوقت وهو وقت انتصافها في كبد السماء تسجر جهنم -والعياذ بالله-، ولذلك نُهِي عن الصلاة فيه؛ لأنه لحظة عذاب، وليست بساعة رحمة،
كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فإذا اعتدلت على رأسك فإن تلك الساعة تسجر فيها جهنم).
وثبت عن عقبة بن عامر أنه قال:
(ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب)،
فإذا قال العلماء:
(قام قائم الظهيرة)،
أو قالوا:
(وقف الظل)، فمرادهم هذه الساعة، ولذلك تقف الشمس في كبد السماء فلا تتحرك، فإذا وقفت وقف الظل، وأحياناً يقف الشاخِص بدون ظل، وهذا في الأماكن التي تكون معادلة لمنتصف السماء،
ولذلك يقولون:
إنه في مكة في اليوم السابع من حزيران تكون الشمس لا ظل لها، بمعنى أنها في منتصف السماء، أو في كبد السماء كما ورد في الخبر، فإذا أخذت في هذه اللحظة التي هي لحظة الإمساك تبدأ بعد ذلك في الحركة إلى جهة المغرب، فإذا ابتدأت حركتها إلى جهة المغرب تحرّك الظل إلى جهة المشرق، على عكس ما كان عليه عند غروبها.وهذه اللحظة هي لحظة انتصاف النهار، وتكون في منتصف الوقت ما بين طلوع الشمس وغروبها بإذن الله عز وجل، فإذا انتصفت في كبد السماء وابتدأت بالمسير فحينئذٍ يبدأ وقت الظهر، فقبل مسيرها، وهي لحظة وقوف الظل لا يجوز إيقاع الصلاة -كما قلنا- في قول الجماهير، وانعقد عليه الإجماع، إلا ما جاء عن ابن عباس ومالك رحمه الله تعالى.
فلذلك قالوا: يبدأ وقت الظهر من الزوال،
أي:
من حركة الشمس، فالسبب في تسمية هذا الوقت بالزوال أنّ الشمس تتحرك، فكأنها زالت عن مكانها الذي ثبتت فيه في كبد السماء، وهذا الوقت هو أول وقت الظهر.ثم كيفية معرفة هذا الوقت تختلف باختلاف الفصول، وباختلاف البلدان، ولكن الطريقة التي يمكن للإنسان أن يضبط بها المواقيت.أن يثبت شاخصاً على مكانٍ مستوٍ، ويعرف طول هذا الشاخص، ثم بعد ذلك ينظر في ظل الشاخص، فتبدأ الشمس طالعة من مشرقها فيراقب الظل في جهة المغرب، فكلما تقاصر الظل، خاصةً عند منتصف النهار يضع العلامة، خاصة إذا كان الشاخص على ورقة أو نحوها، فيضع علامة على الظل، حتى يقف الظل فيعلم أن هذه اللحظة التي وقف فيها الظل هي الساعة التي انتصف فيها النهار، بمعنى أنه بمجرد ما يبتدئ الظل بالزيادة والانحسار إلى جهة المشرق فاعلم أنها ساعة الزوال، وأن ما قبلها ساعة انتصاف النهار.و (من) في قوله: (من الزوال) ابتدائية،
أي:
يبتدئُ بزوال الشمس.
وقوله:
(إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال) الفيء: الرجوع،
ومنه قوله تعالى:
{فَإِنْ فَاءَتْ} [الحجرات:9] أي: رجعت،
قالوا: سمي بذلك لأن الظل يَفِيء،
بمعنى:
يرجع، فبعد أن كان في جهة الغرب إذا به إلى جهة المشرق، وبتقاصُر الظل يكون الفيء، فالظل الذي تقف عليه الشمس عند انتصافها في كبد السماء لا يُحسب، وببداية تحركها إلى جهة المغرب، وزيادة قدر الظل في جهة المشرق يبدأ وقت الظهر كما قلنا، فيضع من هذه البداية علامة على الورقة، ثم بعد مسيرها ينظر إلى طول الظل حتى يساوي العود أو الشاخص الموضوع.والسبب في ذلك أن الزوال أحياناً يقف على قدر من الظل، بمعنى أنه يكون للشاخص ظل، فلو فُرِض أن ظله يختلف بالصيف والشتاء على حسب قرب الشمس من مسيرها الذي هو في منتصف القطب أو انحرافها في فصل الشتاء، فإذا كان الظل الذي وقفت عليه الشمس يعادل شبراً ونصف لشاخص طوله متر، فحينئذٍ يحسب من هذا الشبر والنصف أو القدم -كما يقولون-، ويُعتبر وصول الظل إلى القدم هو بداية وقت الظهر عند الزيادة، فتضع علامة على هذا القدر.وبعد زيادة الظل في جهة المشرق بقدر الشاخص الذي هو المتر، يكون وقت الظهر قد انتهى،
وهذا هو معنى:
إلى أن يصير فيء كل شيءٍ مثله بعد فيء الزوال.فلا بد في غالب الأحوال أن يكون للزوال ظل، ولذلك تجد في بعض التقاويمات أنَّ ظل الزوال قدم.بمعنى أن الشمس تنتصف
[وقت صلاة العصر]
قال المصنف رحمه الله: [ويليه وقت العصر].
قوله: (ويليه) أي: يقع بعد وقت الظهر وقت العصر، والولاء بمعنى أنه بعد انتهاء وقت الظهر يدخل وقت العصر.
وقال بعض العلماء: إن هناك وقتاً مشتركاً بين الظهر والعصر، وهو الأمد الفاصل بين الوقتين، وظاهر السنة ما ذكره ودرج عليه المصنف رحمه الله لظاهر حديث إمامة جبريل، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الوقتين في صحيح مسلم.والعصر في لغة العرب يُطلق بمعانٍ، فالعصر الدهر،
وحملوا عليه قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1]، فأقسم الله عز وجل بالزمان كله.
والعصر:
اليوم والليلة،
ومنه قول الشاعر:
ولن يلبث العصران يومٌ وليلة.وكذلك يطلق على الوقت المحدد المعروف الذي يكون في عشي النهار، أي: في آخر النهار.
قالوا:
سُمِّي العصر عصراً لأن الإنسان إذا عصر الشيءَ لم يبق إلا آخره، بمعنى أن النهار ولَّى ولم يبق إلا آخره، وكان بمثابة العصارة الأخيرة في الشيء، فسُمي العصر عصراً من هذا.والعصر هو الوقت الثاني كما ذكرناه، وهو أفضل الصلوات؛
لقوله تعالى:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238]، فإن الله عز وجل خصها بالذكر، وعطف الخاص على العام يقتضي تشريف الخاص وتميُّزه على العام بفضيلة،
كما في قوله تعالى:
{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر:4]،
وقوله:
{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة:98]، فذكر جبريل وميكال من باب التخصيص والتشريف، فالعرب تعطف الخاص على العام للدلالة على شرفه،
فلما قال تعالى:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] دل على فضل صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى.
وأما الدليل على كونها صلاةً وسطى فما ثبت في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام:
(شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر،
ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً أو قال:
حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً)
، وهذا في الصحيح، وهو نص على أن الصلاة الوسطى هي العصر، ووصِفت بكونها وسطى؛ لأنها تقع بين صلاة نهارية وهي الظهر، وصلاة ليلية وهي المغرب،
ومما يدل على أنها هي المختصة بالفضل اختصاصها بالوعيد في قوله عليه الصلاة والسلام:
(من فاتته صلاة العصرِ فكأنما وتر أهله)، بمعنى -والعياذ بالله- فقد أهله.فهذا يدل على عظيم شأنها، وأنها تتميز من بين الصلوات بهذا الفضل العظيم.
قال بعض العلماء: خُصَّت العصر بهذه المزية لأنها تقع عند التجار في أوقات التجارة، فالناس الغالب أنهم في العصر يتبايعون ويشترون، فتكون ساعة غفلة، ولذلك خُصَّت بهذا الفضل.وكذلك الحال بالنسبة لأول النهار،
فلما قال تعالى:
{فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء:25] قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الأوابين حين ترمض الفِصال) قالوا: خصَّ صلاة الضحى بهذا الوقت لأنها ساعة اشتغال الناس بالتجارة، فهذه في النافلة في أول النهار، والعصر فريضةٌ في آخر النهار، وجُعِلت فضيلتها في آخر النهار لأنه وقت الكلال والتعب والسآمة.
ولذلك قالوا:
إنها هي الوسطى، وهي أفضل الصلوات، ووقتها من صيرورة ظل كل شيءٍ مثله على ظاهر حديث جبريل وحديث ابن عمر في الصحيح، إلى أن يصير ظل كل شيءٍ مثليه، فهذا القول الأول.والقول الثاني أن وقت العصر ينتهي إلى اصفرار الشمس، وكلا القولين في وقت الاختيار.وأما وقت الاضطرار فيستمر من ظل كل شيءٍ مثليه إلى غروب الشمس، أو من صُفرة الشمس إلى غروب الشمس.
فأما القول الأول الذي يقول: وقت العصر إلى أن يصير ظل كل شيءٍ مثليه، فتحسب ظل كل شيءٍ مثله، ثم بعد ذلك تحسب صيرورته إلى الضعف، فإذا بلغ الضعف من بعد ظل الزوال فقد انتهى وقت العصر الاختياري، فلا يحل تأخير الصلاة لقادرٍ على فعلها عن هذا الوقت، وهذا على القول الأول، ثم يبدأ الوقت الاضطراري، والوقت الاضطراري للحائض والنفساء إذا طَهُرت من حيضها ونفاسها، فلو أن امرأةً طهُرت من حيضها أو نفاسها في هذا الوقت الذي هو بعد أن صار ظل كل شيءٍ مثليه فحينئذٍ يُحكم بوجوب صلاة العصر عليها إذا طهرت قبل غروب الشمس بركعة، فإن طهرت قبل غروب الشمس بثلاث ركعات وهي مسافرة، أو بخمس ركعات وهي مقيمة، طُولِبت بصلاة الظهر والعصر لما بينهما من الاشتراك بدلالة الشرع، وسنبين هذا إن شاء الله في موضعه.
وأما قول من قال: إن وقت العصر إلى أن تصفر الشمس فهو أقوى الأقوال؛
وذلك لأن حديث مسلم في قوله عليه الصلاة والسلام:
(وقت العصر ما لم تصفر الشمس) ثبت بالسنة المدنية؛ لأنه كان بالمدينة.وحديث إِمَامَة جبريل -وهو حديث ابن عمر - للنبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة، والقاعدة أن المتأخر ينسخ المتقدم، ولذلك لا تعارُض بين الحديثين، فيُعتبر حديث (وقت العصر ما لم تصفر الشمس) نصاً في أن وقتها ينتهي عند اصفرار الشمس، والشمس إذا قربت من المغيب ذهب ضياؤها واصفرت، ثم بعد ذلك يبدأ عند الاصفرار وقت الاضطرار كما ذكرنا، ولا يجوز التأخير إليه إلا لمعذور.وإذا غابت الشمس انقطع وقت الاختيار ووقت الاضطرار.
قوله: [إلى مصير الفيء مثليه بعد فيء الزوال].هذا كما قلنا أحد قولي العلماء، والصحيح القول الثاني أن وقتها ينتهي عند اصفرار الشمس.وأما أول وقت العصر فعند الحنفية أوله إذا صار ظل كل شيءٍ مثليه، وقد بيّنا أن الصحيح أنه إذا صار ظل كل شيءٍ مثله، والدليل من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبتدئ وقت العصر إذا صار ظل كل شيءٍ مثله، فالأحاديث الصحيحة التي من تأمَّلها نظر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقع العصر عند صيرورة ظل كل شيءٍ مثله.فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي المنهال حيث حدث يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال:
(ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية)، ومعنى ذلك أنه كان يوقعها وقد صار ظل كل شيءٍ مثله، ولا يتأتى أن يُصلي بهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صار ظل كل شيءٍ مثليه، ثم يرجع الرجل إلى رحله والشمس حية، فهذا معروف، وغالباً من يعرف وقت المدينة يرى أن هذا بعيد، والغالب أنه صلَّى عند صيرورة ظل كل شيءٍ مثله، وانتهى وقت صلاته على ظاهر السنة ما لم تصفَر الشمس، واصفرارها -كما قلنا-: انطفاء نورها، بمعنى أنك تستطيع أن تنظر فيها، فإذا بها تصبح صفراء فتقوى على النظر إليها، ولكنها إذا كانت قريبة من الزوال يكون من الصعوبة أن تنظر إليها.
قوله: [والضرورة إلى غروبها].أي: وقت الضرورة، إلى غروبها،
فإن قال قائل:
ما الدليل على تقسيم الضرورة والاختيار؟
قلنا:
أما دليلنا على الوقت المختار فقوله عليه الصلاة والسلام: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس).وأما الدليل على وقت الاضطرار الذي لا يجوز إلا لمعذور،
فقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(من أدرك ركعةً قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، فدل هذا على أن من صلَّى في هذا الوقت، فقد أدرك العصر.
وفي الحديث الآخر: (وقت العصر ما لم يغب الشفق)، فعلمنا أن هناك وقت اختيار وهناك وقت اضطرار، وأن وقت الاختيار ينتهي عند انطفاء الشمس وصيرورتها إلى الصفرة، ووقت الاضطرار من الصفرة إلى غروب الشمس.
قوله:
[ويسن تعجيلها] أي الأفضل والأكمل والأعظم أجر التعجيل بالعصر، لظاهر الحديث الذي ذكرناه في الظهر.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 0 والزوار 12)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 168.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 166.72 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]