العبر في بعض قصار السور ( الشيخ عائض القرني ) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1310 - عددالزوار : 137580 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 42183 )           »          حكم من تأخر في إخراج الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حكم من اكتشف أنه على غير وضوء في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 5437 )           »          يا ربيعة ألا تتزوج؟! وأنتم أيها الشباب ألا تتزوجون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فضائل الحسين بن علي عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حجة الوداع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          التشريع للحياة وتنظيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #10  
قديم 02-06-2009, 03:13 PM
الصورة الرمزية غفساوية
غفساوية غفساوية غير متصل
أستغفر الله
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: بين الأبيض المتوسط والأطلسي
الجنس :
المشاركات: 11,032
افتراضي رد: العبر في بعض قصار الصور ( الشيخ عائض القرني )

سورة الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم


(إِنَّا )(الكوثر: من الآية1) ما اجمل كلمة( أنا) هنا، ما احسن موقعها، ما اجل إيحاءها، و ما أعذب ايرادها هنا. (إِنَّا)(الكوثر: من الآية1) هكذا ضمير المتكلم تأتى أول السورة بلا مقدمات و لا تمهيد، فهي في موضعها اجمل من التاج على الراس، و من البسمة على الفم، و من الفجر على رؤوس الجبال، و لك ان تتصور اثر ضمير(إِنَّا ) الذي يعني: الله جل في علاه، يوم تأتى في زوال الكلام هكذا، و لا تدري ماذا سوف يأتي بعده. أقرا (إِنَّا)ثم اسكت قليلا لترى العظمة، فهو ضمير الجماعة، لكن عن الله الواحد القهار الجبار. (إِنَّا ) و تفكر في مدلولها، و ما وراءها، فإذا هي تحمل في طياتها هذا الاسم المحبب إلى القلوب المحبذ لدى الأرواح( الله) و(إِنَّا ) يقولها ملوك الأرض ليعظموا أنفسهم، فإذا قالوها انتظر رعاياهم و مواليهم ما بعدها، فاما تكريم يفوق الوصف، او عقوبة و نكال تتجاوز الحدود، لانهم لا يقولون(إِنَّا ) إلا إذا استجمعوا قواهم و كيانهم و هيبتهم، و هنا يقول الله عز و جل: (إِنَّا ) بصيغة الجمع تعظيما، و بلفظ الكل تفخيما، ليأتي بعدها عطاء مدرارا ، و فيض منهمر، و هية جسيمة، و نعمة عظيمة فوق ما يعطيه الملوك، و احسن ما يمنحه القادة، لان ما يعطونه هو ذرة من عطائه، و نقطة من بحر جوده و كرمه. و قال: ( إِنَّا ) لان ما يأتي بعدها يستحق الاحتفاء، و هذا يقع في كل أمر هام، ففي الخلق قال الله تعالي: (إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ )(الإنسان: منالآية2) . و في الرسالة قال: )( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ ) ، و في الإحياء قال: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى ) و في العلم قال: ( إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)و نحو ذلك. و بدأ ب(إِنَّا) في أول الكلام، لأنها تشير لذاته المقدسة سبحانه، فهو الأول سبحانه فليس قبله شئ، ثم إنها أكسبت الكلام تشريفا فهو اعظم من : (أَعْطَيْنَاكَ) بدون (إِنَّا)أو ( لقد أعطيناك) فلما قال: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ) حصل الجمال اللفظي، و عظمة العطاء و الاحتفاء به صلى الله عليه و سلم ، (ا أَعْطَيْنَاكَ ) الخطاب لمحمد صلى الله عليه و سلم، و لكن أن تتذكر حاله وهو يستمع للعطية، و ينتظر الهبة من المعطي الكريم، جل في علاه، و هنا قال: (أَعْطَيْنَاكَ) و لم يقل أعطيتك) لان المقام مقام عطاء، و بذل و جود و كرم، فهو مقام عظيم، و موقف شريف مهيب، يستحق التعظيم و التبجيل، و لان العطية هائلة مباركة عامرة دائمة، تستحق الاحتفاء و الاهتمام، و لفت النظر و جلب الانتباه. ( أَعْطَيْنَاكَ) و لم يقل ( أتيناك) ، و العطاء شئ و الإيتاء شئ آخر، و قد ورد (ْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي )(الحجر:من الآية87) وورد: (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ)(الاسراء: من الآية2) وورد: (وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) (النساء:67) و غيرها من الايات، و لكن( أعطى) اعظم اثرا، و اوقع خبرا، لان العطاء يشمل المعاني و المحسوسات، عطاء الدنيا و الآخرة، البذل العاجل و الآجل، ما يصلح الروح ة الجسد، فصارت كلمة( أَعْطَيْنَاكَ) تملا المكان حضورا، و تفعم القلب نداوة، و تروق في الفم عذوبة، ثم أن العطاء من الله ، و ليس من البشر، فلذلك قصره بالضمير، (إِنَّا) و الفعل (أَعْطَيْنَاكَ ) فهذا العطاء من الله لا من البشر، من السماء لا من الأرض، من الجود و الغنى و السعة، لا من البخل و الفقر و الضيق. عطاء يباركه معطيه، و بتعاهده مسديه، و بثمره مبديه، عطاء ليس فيه منة البشر، و أذى المخلوق، و تبعة النفس اللوامة، جشع القلب الشحيح. و قال: ( أَعْطَيْنَاكَ ) و لم يقل: ( أعطيناكم) فالعطاء لمحمد صلى الله عليه و سلم تشريفا و تعريفا، فهو أمة في رجل، و تاريخ في إنسان، وهو أهل لان يعطى هذا العطاء بلا حدود، لانه عبد شكور، اختير بعناية، و اصطفى برعاية، و بعث برسالة، و نبىء بملة. فإذا أعطى وصلت بركة هذه العطية إلى أمته علما و حكمة، صلاحا و تقوى، شريعة و منهاجا، نصرا و فتحا. و لم يذكر العطية بالجمع فلم يقل: ( أعطيناكم) بل قال: ( أَعْطَيْنَاكَ ) ليحصل التفرد و التشريف، و الاختصاص، فالتفرد تفرد الله عز و جل بهذه العطية وحده، و التشريف له صلى الله عليه و سلم لان الله كرمه و اصطفاه، و الاختصاص، لان الله خصه بهذا من بين الناس. و للرسول صلى الله عليه و سلم أن يفرح بهذا العطاء المبارك من الله، و يعتز به عن كل مفقود، و يغنيه عن كل موجود إلا الواحد المعبود. هذا العطاء يسليه إذا ذهب أعداؤه بالحطام، و توزعوا الأموال كالأكوام، هذا العطاء يبرد غليله، و يشفي عليله، فإذا أعطى الناس الملك فعنده عطاء اعظم و اجل، و إذا كنزوا الكنوز، و عبؤوا القناطير المقنطرة فعنده هذا العطاء الدائم المبارك، و لذلك نجده صلى الله عليه و سلم اشرح الناس صدرا، وهو لا يملك من الدنيا درهما و لا دينارا، لان عنده عطاء آخر من عند مولاه، وهبة أخرى من عند ربه، جل في علاه، يقسم صلى الله عليه و سلم الأموال، و الإبل و البقر و الغنم، و الثياب و الطعام، على الناس فلا يأخذ منها درهما ، و لا ناقة و لا بقرة و لا شاة ، و لا ثوبا، و لا حبة و لا تمر، ثم هو سعيد مغتبط قرير العين، ساكن الفؤاد مطمئن النفس. و هذا العطاء من الله هو: الكوثر ، وهو نهر في الجنة، له صلى الله عليه و سلم،أو هو الخير الكثير الذي أعطيه، عليه الصلاة و السلام، و من هذا الخير الطيب المبارك، نهر الكوثر، و هنا يلحظ المؤمن بيعن بصيرته تفاهة الدنيا و حقارتها، و خستها و لؤمها، فهي ليست أهلا لان تكون عطية لمحمد صلى الله عليه و سلم، فقدره اشرف، و مكانته اطهر و اعظم، و منزلته أسمى و أنبل. و لم يقل: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ملكاَ) ، لان ملك الدنيا عطاء يزول، و حال يحول، و ظل منتقل، و مجد منقطع، و لكن)إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) لانه عطاء دائم مبارك متصل خالد سرمدي.ولو قال: (l أنا أعطيناك الملك) لم يتغير شئ، و لم تحصل مفاجأة، فها هم الملوك ملؤوا الأرض عربا و عجما، بيضا و سودا، و مسلمين و كافرين، و لو قال: ( أنا أعطيناك ملكا) لكان محمدا صلى الله عليه و سلم ضمن تلك القائمة الطويلة من ملوك اليمنو الجزيرة و العراق و فارس و الروم و الحبشة، فما هو الغريب إذا؟ و العجيب حقا، و الملفت للنظر صدقا، انه هذا العطاء من الله الذي اختص به محمدا صلى الله عليه و سلم و لم يشركه مع أحد من الناس في هذا العطاء، فهو التفرد من المعطي سبحانه الذي لا يشابهه في عطائه أحد، كما انه لا يشابهه في أفعاله و أسمائه و صفاته و ذاته أحد(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) وهو التفرد للمعطى، وهو محمد صلى الله عليه و سلم الذي هو افضل من ملوك الأرض، بل لا يقارن به الملوك أبدا، فهو اجل و اعظم و اشرف.


دع سيف ذي يزن صفحا و مادحه
وتبعا و بني شداد في ارم
و لا تعرج على كسرى و دولته
و كل أصيد أو ذي هالة و كمي


وهو التفرد في العطية، لأنها ليست ملكا، و لا داران و لا قصرا، و لا ذهبا، و لا فضة، بل نعيم دائم، و مقام صدق عند مليك مقتدر، مع فتح و نصرهن و علم و عمل، و هدى و نور، و سرور و حبور. فإذا أعطيناك الكوثر، فلا تأسف على ما فاتك من هذه الدار،فقد أكرمناك عنها، و أنقذناك منها، و لا تحزن على ما لم تنله من متاع زائل، و عطاء قليل منغص. و قال: ( أَعْطَيْنَاكَ ) و لم يقل: ( نعطيك) أو ( سوف نعطيك) لتحقق العطية فكأنها وقعت لصدق المخبر جل في علاه، و لأنها واقعة لا محالة. و في سورة الضحى قال: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) لانه لم يخبر بالعطية فكان الأحسن عند وعده بها: أن لا تسمى لتبقى مبهمة لجلالتها و عظمتها، و لما سمى هنا العطية بالكوثر ذكرها بالماضي كأنها حصلت، وهو صفة النهر و لم يذكر الموصوف تفخما للعطية، كقولك: جاني العالم و الكريم، أي: الذي لا اعلم منه، و لا اكرم ، وهو ابلغ في اللغة من قولك: جاءني الرجل العالم و الرجل الكريم. و قد صح عنه، عليه الصلاة و السلام، انه قال: ( الكوثر نهر أعطيناه الله في الجنة، ترابه مسك، ابيض من اللبن، و أحلى من العسل، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر أكلها أطعم منها) و صح عنه، عليه السلام، قوله: ( الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، و مجراه على الدر و الياقوت، تربته أطيب من المسك و ماؤه أحلى من العسل، اشد بياضا من الثلج))و عرف الله الكوثر بأل، و لم يقل كوثرا، لان المعرفة ابلغ و اجل، فكان المعنى: أعطيناك الكوثر العظيم المتميز عن كل نهر. (فَصَلِّ لِرَبِّكَ ) ما دام أن العطاء من ربك وحده، لا من غيره، فاعبده وحده لا سواه، فلا اله إلا هو، صل لربك الذي أعطاك، فبالصلاة و العبادة و الذكر و الشكر يستمر العطاء و ينمو، و يزيد و يدوم(ْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )، ( وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)و اعظم الشكر الصلاة (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) . و إنما ذكر الصلاة هنا وحدها، و سماها و خصها، لأنها عمود الإسلام، و اجل الطاعات بعد الشهادة، و هي الفارق بين المسلم و الكافر، وهو العهد بين عباد الله و أعداء الله، و هي أول ما يحاسب عليها العبد، أخر وصاياه صلى الله عليه و سلم من الدنيا. و قال هنا: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ)فذكر الربوبية، لان الماقم مقام عطاء، و نعمة و هبة، و الرب هو الذي يربي عباده بنعمه الجزيلة، و أياديه الجميلة، فحسن ذكر الرب هنا، و في ذكر الصلاة: إشارة إلى عبودية الله وحده التي هي متضمنة توحيد الألوهية، فاجتمع في قوله: (فَصَلِّ) توحيد الألوهية، و في قوله: ( لِرَبِّكَ ) توحيد الربوبية. و في الآية: إشارة إلى أن اعظم ما يفتح به على العبد من الفتوحات الدينية و الدنيوية إنما يكون بالصلاة، فزكريا بشر بيحى وهو قائم يصلي في المحراب، و كان صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، و إذا جاءه أمر يسره خر ساجدا لربه. فبالصلاة يحافظ على النعمة أن تفر، و يقيد الخبر بها أن تهرب، فهي حرز للنعم، و حصن مانع من النقم، يستجلب بها المزيد، و يستمطر بها الرزق، و يستدر بها العطاء. ( وَانْحَرْ) و قوله: (وَانْحَرْ) أمر يجعل الذبح و النحر لله، فلا يشرك فيه معه أحد، فان المشركين يذبحون لغير الله من الأوثان و الأصنام و الجن، فامر أهل الإيمان بصرف هذه العبادة لله وحجه، فالتقوى فيها قصد الله بها، و عدم إشراك سواه سبحانه(لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ) ، فالصلاة و النحر عبادة و نسك يجب صرفها لله وحده(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) . و الصلاة و النحر صلة و قربى بين العبد و ربه، و عبادة بدنية و مالية يقصد بها الله وحده، و الصلاة نفع لازم للعبد، و النحر نفع متعدي فوجب الإخلاص في كل عبادة ليكون العبد مخلصا لله (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) ، و بعضهم قال: الصلاة هنا صلاة عيد الأضحى، و النحر هو نحر الهدي، و الأضحية بعد الصلاة، و الظاهر العموم، و هنا يظهر تميز أهل الإيمان عن أهل الأوثان، فان المشركين سجدوا للصنم و ذبحوا للوثن، فجاء الأمر هنا بالسجود للواحد المعبود، و النحر للملك الحق، و اعظم شرك فعله الوثنيون هو تمريغ الأنف للحجارة، و اسالة الدم للأنداد و الأضداد، و ارفع عمل للموحدين بعد التوحيد هو وضع الجبين على الطين لرب العالمين، و إسالة الدماء تقربا لرب الأرض و السماء. (إِنَّ شَانِئَكَ) و قوله: (إِنَّ شَانِئَكَ ) هجوم أدبي كاسح و تهديد رباني ماحق ساحق لاعداء محمد صلى الله عليه و سلموا خصومه و مبغضيه، و هذا ذب عن شخصه الكريم، و دفاع عن مقامه العظيم، فإذا كان المدافع و المحامي و الناصر هو الله فيا لقرة عينه صلى الله عليه و سلم بهذا النصر و الدفاع و الولاية، و سانؤه صلى الله عليه و سلم لا يكون إلا كافرا و ماردا حقيرا خسيسا، لانه ما ابغضها لا بعدما أصابه الله بخذلان، و كتب عليه الخسران، و أراد له الهوان، و إلا فان إنسانا مثل الرسول صلى الله عليه و سلم يوجب النقل و العقل حبه، إذ لو كان الطهر جسدا لكان جسده صلى الله عليه و سلم، و لو كان النبل و السمو صورة لكان لصورته، بابي هو أمي، فهو منتهى الفضيلة، و غاية الخصال الجميلة، و المستحق للوسيلة، و صاحب الدرجة العالية الرفيعة الجليلة، فكان الواجب على من عنده ذرة رأي، و بصيص من نور، إذا كان يحترم عقله أن يحب هذا الإمام العظيم لما جمع الله فيه من فضائل، و لما حازه من مناقب، و لكن واحسرتاه على تلك العقول العفنة، و النفوس المندثرة بجلباب الخزي، القابعة على سراديب البغي، الراتعة في مراتع الرذيلة، كيف عادته مع كماله البشري، و مقامه السامي، فكأنه المقصود بقول الشاعر:
أعادى على ما يوجب للحب للفتى

و اهدا و الأفكار في تجول


و قال الآخر:
إذا محاسني اللائي أدل بها
كنت ذنوبي فقل لي كيف اعتذر
(َ هُوَ الْأَبْتَرُ) و قوله: (َ هُوَ الْأَبْتَرُ) أي: مقطوع البركة و النفع و الأثر، فكل من عاداك لا خير فيه، و لا منفعة من ورائه، أما أنت فأنت المبارك أينما كنت، اليمن معك، السعادة موكبك، الرضا راحتك، البركة تحفك، السكينة تخشاك، الرحمة تتنزل عليك، الهدى حيثما كنت، النور أينما يممت، و أعداؤه صلى الله عليه و سلم قالوا عنه: انه ابتر، لا نسل له، و لا ولد، فجاء الجواب مرغما لتلك الأنوف، دافعا لتلك الرؤوس، محبطا لتلك النفوس. فكأنه يقول لهم: كيف يكون ابتر و قد اصلح الله على يديه الأمم، و هدى بنوره الشعوب، و اخرج برسالته الناس من الظلمات إلى النور؟ كيف يكون ابتر و العلم اشرق على أنواره، و الكون استيقظ على دعوته، و الدنيا استبشرت بقدومه؟!كيف يكون ابتر و المساجد تردد الوحي الذي جاء به، و الحديث الذي تكلم به، و المآذن تعلن مبادئه، و المنابر تذيع معاليمه، و الجامعات تدرس وثيقته الربانية! كيف يكون ابتر و الخلفاء الراشدون نهلوا من علمه، و الشهداء اقتبسوا من شجاعته، و العلماء شربوا من معين نبوته، و الأولياء استضاءوا بنور ولايته، كيف يكون ابتر و قد طبق ميراثه المعمورة، و هزت دعوته الأرض، و دخلت كلمته كل بيت؟ ! فذكره مرفوع، و فضله غير مدفوع، و وزره موضوع. كيف يكون ابتر و كلما قرا قاري كتاب الله فلمحمد صلى الله عليه و سلم مثل اجره، لانه هو الذي دله على الخير، و كلما صلى مصلي فله مثل اجر صلاته، لانه هو الذي علمنا الصلاة،: (( صلوا كما رأيتموني اصلي)) و كلما حج حاج فله صلى الله عليه و سلم مثل حجه، لانه الذي عرفنا تلك المناسك(( لتأخذوا مني مناسككم)) بل الابتر الذي عاداه و حاربه، و هجر سنته، و اعرض عن هداه. فهذا الذي قطع الله من الأرض بركته، و عطل نفعه، و اطفا نوره، و طبع على قلبه، و شتت شمله، و هتك ستره، فكلامه لغو من القول، و زور من الحديث، و علمه رجس مردود عليه، و أثره فاسد، و سعيه في تباب. و انظر لكل من ناصب هذا الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم العداء، أو اعرض عن شرعه أو شئ مما بعث به ، كيف يصيبه من الخذلان و المقت و السخط و الهوان بقدر إعراضه و محاربته و عداءه. فالملحد مقلوب الإرادة، مطموس البصيرة، مخذول تائه منبوذ، و المبتدع زائغ ضال منحرف، و الفاسق مظلم القلب في حجب المعصية، و في أقبية الانحراف. و لم أن ترى سموه صلى الله عليه و سلم و علو قدره، و من تبعه يوم ترى أهل السنة و حملة حديثه و آثاره، و هم في مجد خالد من الأثر الطيب، و الذكر الحسن، و الثناء العطر من حسن المصير، و جميل المنقلب، و طيب الإقامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ثم انظر للفلاسفة المعرضين عن السنة مع ما هم فيه من الشبه و القلق و الحيرة و الاضطراب و الندم و الأسف على تصرم العمر في الضياع، و ذهاب الزمن في اللغو، و شتات القلب في أودية الأوهام، فهذا الإمام المعصوم صلى الله عليه و سلم معه النجاة، و سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا، و من تخلف عنها هلك، وهو الذي يدور معه الحق حيثما دار، و كلامه حجة على كل متكلم من البشر من بعده، و ليس لاحد من الناس حجة على كلامه، و كلنا راد و مردود عليه إلا هو صلى الله عليه و سلم ، لانه لا ينق عن الهوى، أن هو إلا وحي يوحى، زكى الله سمعه و بصره و قبله، و نفى عنه الضلال و حصنه من الغي، و سلمه من الهوى، و حماه من الزيغ، و صانه من الانحراف، و عصمه من الفتنة، فكل قلب لم يبصر نوره فهو قلب مغضوب عليه، و كل ارض لم تشرق عليها شمسه فهي ارض مشؤومة، فهو المعصوم من الخطا المبرا من العيب، السليم من الحيف، النقي من الدنس، المنزه عن موارد التهم، على قوله توزن الأقوال، و على فعله تقاس الأفعال، و على حاله تعرض الأحوال. و قد قصد الكفار بقولهم: انه ابتر، عليه الصلاة و السلام،انه لا ولد له فإذا مات انقطع عقبه،و الابتر عند العرب هو من لا نسل له، و لا عقب فرد الله عليهم و اخبر أن من ابغضه و عاداه هو الابتر حقيقة. و في هذه السورة ثلاثة آيات، فلأولى عن الله عز و جل و عطائه لرسوله صلى الله عليه و سلم. و الثانية للرسول صلى الله عليه و سلم و الواجب عليه في مقابلة هذا العطاء و هي الصلاة و النحر. ز الثالثة لاعدائه صلى الله عليه و سلم وهو البتر و القطع من الخير و البركة و النفع، فلأولى عطية له، و الثانية واجب عليه، و الثلاثة دفاع عنه. و في السورة: تكريم الله لرسوله صلى الله عليه و سلم و إثبات الكوثر له كما صحت به الأحاديث أيضا، و الدفاع عنه و جواز سب الكافر و شتمه و زجره ليرتدع. فصلى الله عليه و سلم تسليما كثيرا ما نطق لسان، و خفق جنان، و تنفس صباح، و عسعس ليل، و رمش جفن، و دمعت عين، و تجدد لقاء، و حل صفاء، و قام ضياء، و برق سناء، و هب هواء، و على اله و صحبه الكرام و البررة.


* * * *
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 328.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 326.65 كيلو بايت... تم توفير 1.66 كيلو بايت...بمعدل (0.51%)]