«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 20 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير سورة البلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حقوق الأم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 150 )           »          من مائدة العقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 1531 )           »          تحريم صرف شيء من مخلوقات الله لغيره سبحانه وتعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الحذر من عداوة الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 7 )           »          حث النساء على تغطية الصدور ولو في البيوت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الدرس الثاني والعشرون: تعدد طرق الخير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الموازنة بين الميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم السلام والمأخوذ من النبي صلى الله عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          دلالة القرآن الكريم على أن الأنبياء عليهم السلام هم أفضل البشر على الإطلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          فضل التبكير إلى الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #191  
قديم 06-06-2022, 06:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:

﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128].


قوله: ﴿رَبَّنَا﴾ أي: يا ربنا، وفي تكرار النداء إظهار الضراعة إلى الله تعالى.


﴿ وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾ [البقرة: 127]، و"جعل" بمعنى: صيَّر تنصب مفعولين الأول هنا: الضمير "نا"، والثاني: "مسلمين".


والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، أي: واجعلنا مستسلمين لك بالتوحيد منقادين لك بالطاعة مخلصين لك من الشرك، وهو دعاء منهما بزيادة الاستسلام والإخلاص والطاعة والثبات على ذلك.


وقد قال الله عز وجل لسيد الرسل وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ﴾ [الإسراء: 74، 75].


كما أن فيه توطئة وتمهيداً لقوله بعده:
﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ أي: واجعل من ذريتنا أي: صيِّر من ذريتنا أمة مسلمة لك.


و"من": للتبعيض، أو لبيان الجنس، كما في قوله عليه السلام: ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [البقرة: 124]، والذرية: من تفرعوا من الإنسان من أولاده وأولاد أولاده وإن نزلوا.


والأمة: الجماعة العظيمة التي يجمعها أمر ذي بال، كالدين ونحو ذلك.
﴿ مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ أي: مستسلمة لك بالتوحيد، منقادة لك بالطاعة، مخلصة لك من الشرك.


وذرية إبراهيم: هم العرب وبنو إسرائيل، أما ذرية إسماعيل فهم العرب خاصة؛ ولهذا فإنهم أول من يدخل في هذه الدعوة؛ لكونهم من ذرية إبراهيم وإسماعيل، ولا يصدق على أحد أنه من ذرية إبراهيم وإسماعيل سواهم، وأيضاً فإن السياق معهم؛ ولهذا قال بعده: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ [البقرة: 129].


والمراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ [الجمعة: 2].


ومع هذا فرسالته صلى الله عليه وسلم عامة للعرب وغيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].


كما يدخل في هذه الدعوة بنو إسرائيل؛ لأنهم من ذرية إبراهيم؛ فأبوهم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.


ومما يؤيد أن هذه الدعوة عامة للعرب وغيرهم قول إبراهيم عليه السلام في الآيات السابقة: ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [البقرة: 124]، وقوله عليه السلام: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [إبراهيم: 40] ، وقوله عليه السلام: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35].


وقد استجاب الله عز وجل هذه الدعوة فأسلم جل قبائل العرب، كما أسلم بعض بني إسرائيل.
﴿ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ قرأ ابن كثير ويعقوب: ﴿ وَأَرِنَا بإسكان الراء، وقرأه أبو عمرو باختلاس كسرة الراء تخفيفاً، وقرأ الباقون بكسر الراء: ﴿ وَأَرِنَا ﴾.

و"نا": مفعول أول لـ"أَرِ"، و"مناسكنا": مفعول ثانٍ؛ أي: بيِّن لنا مناسكنا حتى نراها وعلمنا إياها، والمناسك جمع منسك، وهو يعم العبادة ومكانها وزمانها، ومن ذلك مناسك الحج ومشاعره على الخصوص وغيرها.


﴿ وَتُبْ عَلَيْنَا ﴾، أي: وفقنا للتوبة لنتوب، واقبلها منا، فتوبة الله على العبد: توفيقه للتوبة، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة: 118]، وقبولها منه، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾ [الشورى: 25].


والتوبة من العبد: الرجوع من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة.


وشروطها خمسة:
الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على عدم الرجوع إليها، وأن تكون في وقتها المناسب؛ قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل الغرغرة، وأن تكون خالصة لله.


والعبد مهما كان لابد أن يعتريه التقصير ويحتاج إلى التوبة، كما قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].


﴿ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾: الجملة تعليل لما قبلها، أي: وتب علينا؛ لأنك أنت التواب الرحيم، والجملة مؤكدة بـ"إنَّ" وضمير الفصل "أنت"، وهذا توسل بأسماء الله عز وجل المناسبة للمطلوب، كما قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]


﴿ التَّوَّابُ ﴾: اسم من أسماء الله عز وجل على وزن "فعّال"، ويدل على كثرة من يتوب عليهم، وكثرة توبته على العبد نفسه.


﴿ الرَّحِيمُ ﴾: اسم من أسماء الله عز وجل على وزن "فعيل"، يدل على إثبات صفة الرحمة لله عز وجل وسعتها، رحمة ذاتية ثابتة له عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الكهف: 58].


ورحمة فعلية يوصلها من شاء من خلقه، كما قال تعالى: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [العنكبوت: 21]، رحمة عامة لجميع الخلق، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65]، ورحمة خاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #192  
قديم 14-06-2022, 05:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].

قوله: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾ [البقرة: 127] فهو من دعاء إبراهيم وإسماعيل، عليهما الصلاة والسلام.

أي: يا ربنا وأرسل ﴿ فِيهِمْ ﴾ أي: في ذريتنا رسولاً منهم، حتى يقبلوا منه، ويفقهوا ويفهموا عنه، ويبين لهم، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4].

وقال: ﴿ فِيهِمْ ﴾ ولم يقل: "لهم" لتكون الدعوة بمجيء رسول برسالة عامة، فلا يكون ذلك الرسول إليهم فقط؛ ولذلك حذف متعلق "رسولاً"؛ ليعم.

﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾ أي: يقرأ عليهم آياتك "القرآن الكريم" لفظاً وتحفيظاً، كما قال تعالى: ﴿ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ﴾ [البينة: 2].

﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ﴾ أي: ويعلمهم الكتاب، أي: القرآن، وسمي القرآن بالكتاب لأنه مكتوب باللوح المحفوظ، وبالصحف التي بأيدي الملائكة، ومكتوب بالمصاحف بأيدي المؤمنين.

أي: ويعلمهم معاني بالقرآن وما فيه من الحكم والأحكام والأخبار والمواعظ، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44].

﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾ أي: ويعلمهم الحكمة، وهي السُّنة، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: 113].

ومن الحكمة أيضاً معرفة أسرار التنزيل والعلة من مشروعية الأحكام والفقه والفهم في الدين، مما يزيد الإيمان ويرغب في الدخول في الإسلام.

﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ أي: ويطهرهم من الرذائل والأخلاق السيئة، وأعظمها الشرك بالله، وينمي في نفوسهم الإيمان والأخلاق الكريمة الفاضلة، وهذا- بعد توفيق الله تعالى ثمرة تلاوته صلى الله عليه وسلم آيات الله عليهم، وتعليمهم معاني الكتاب والحكمة والأحكام، كما قال تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، ؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"[1].

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه عن أبي ذر رضي الله عنه، عن أخيه حين بعثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: فرأيته يأمر بمكارم الأخلاق[2].

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين"[3].

أي: دعوة أبي إبراهيم في قوله عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ الآية كما قال تعالى في سورة الجمعة: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

"وبشارة عيسى بي" كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6].

فهو صلى الله عليه وسلم مظهر هذه الدعوة وثمرتها، فإنه الرسول الذي هو من ذرية إبراهيم وإسماعيل كليهما، وأما غيره من رسل غير العرب فليسوا من ذرية إسماعيل، فشعيب من ذرية إبراهيم، وكذا كل أنبياء بني إسرائيل هم من ذرية إبراهيم، وأما هود وصالح فهما من العرب العاربة وليسا من ذرية إبراهيم ولا من ذرية إسماعيل.

﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ تعليل لما قبلها، أي: لأنك أنت العزيز الحكيم، وقد أكدت الجملة بـ "إنَّ"، وضمير الفصل "أنت".

و"العزيز": اسم من أسماء الله عز وجل على وزن "فعيل" يدل على أن له عز وجل كمال العزة بأنواعها الثلاثة: عزة الامتناع فلا ينال جنابه سوء أو مكروه من الخلق ولو اجتمعوا على ذلك، وهو ممتنع عن كل عيب ونقص.

وعزة القهر والغلبة، فهو ذو القهر والغلبة، الذي خضع له كل شيء، الذي لا يدافع ولا يمانع، ولا يغالب كما قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، وقال تعالى: ﴿ ) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 18، 61]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16].

وعزة القوة؛ فهو ذو القوة، كما قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]، قال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].

قال ابن القيم[4]:
وهو العزيز فلن يرام جنابه
أنى يرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاّب لم
يغلبه شيء هذه صفتان
وهو العزيز بقوة هي وصفه
فالعز حينئذ ثلاث معان



﴿ الْحَكِيمُ ﴾: اسم من أسمائه عز وجل على "وزن فعيل" مشتق من الحكم والحكمة، يدل على أنه عز وجل الحاكم ذو الحكم التام بأقسامه الثلاثة؛ الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، كما قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62]، وقال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾ [الأنعام: 57]، وقال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [التين: 8].

كما يدل على أنه عز وجل ذو الحكمة البالغة بقسميها: الحكمة الغائية بأن يكون ما حكم الله به كوناً أو شرعاً أو جزاءً لغاية وحكمة، والحكمة الصورية وهي الحكمة من مجيء الحكم، كونيًّا أو شرعيًّا أو جزائيًّا على صورة معينة.

قال ابن القيم[5]:
وهو الحكيم وذاك من أوصافه
نوعان أيضاً ما هما عدمان
حكم وإحكام فكل منهما
نوعان أيضاً ثابتا البرهان
والحكم شرعي وكوني ولا
يتلازمان وما هما سيان
والحكمة العليا على نوعين أي
ضا حصلا بقواطع البرهان
إحداهما في خلقه سبحانه
نوعان أيضاً ليس يفترقان
إحكام هذا الخلق إذ إيجاده
في غاية الإحكام والإتقان
وصدوره من أجل غايات له
وله عليها حمد كل لسان
والحكمة الأخرى فحكمة شرعه
أيضاً وفيها ذانك الوصفان
وغاياتها اللاتي حمدن وكونها
في غاية الإتقان والإحسان


فمن عزته عز وجل وحكمه وحكمته ونعمته بعثته لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ استجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

الفوائد والأحكام:
1- تذكير النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بالحدث التاريخي العظيم وهو رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت الحرام؛ ليكون مناراً وهداية وقبلة للمسلمين، والتنويه بعظمة الكعبة وشرفها، وفضل بنائها، وما في طي ذلك من النعمة العظيمة على هذه الأمة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ﴾ [البقرة: 127].

2- التنويه بفضل إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام؛ لقيامهما ببناء البيت والدعاء بهذه الدعوات المباركة.

3- لابد لإحكام البناء أن يؤسس على قواعد صلبة لئلا ينهار.

4- مشروعية التعاون في أعمال الخير وعلى البر والتقوى، والتعاون في ذلك بين الآباء والأبناء.

5- أن مدار ثمرة الأعمال على القبول؛ ولهذا لم يكتف إبراهيم وإسماعيل برفع القواعد من البيت، وإنما سألا الله القبول، لقولهما: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾ [البقرة: 127].

6- لابد من الجمع بين العمل والإخلاص فيه، وسؤال الله القبول.

7- ربوبية الله عز وجل الخاصة لإبراهيم وإسماعيل، لقولهما: ﴿ رَبَّنَا.


8- إظهار إبراهيم وإسماعيل شدة ضراعتهما وفقرهما إلى الله تعالى بندائه عز وجل باسم الربوبية، وتكرار ذلك مع كل دعوة، وهكذا كان جل دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام باسم الربوبية؛ لأن معنى "الرب" الخالق، الذي يبده الملك والتدبير.

9- إثبات اسم الله "السميع"، وما يدل عليه من إثبات صفة السمع الواسع لله عز وجل، وأنه سبحانه سميع مجيب الدعاء، كما قال زكريا عليه السلام: ﴿ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، أي: سميع الدعاء ومجيبه، كما أنه عز وجل سميع لجميع الأقوال والأصوات، والتي هي صفة من صفاته الذاتية؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127].

10- إثبات اسم الله "العليم" وما يدل عليه من صفة العلم الواسع لله عز وجل المحيط بكل شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ الْعَلِيمُ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98] وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12].

وفي هذا رد على القدرية الذين ينكرون علم الله تعالى بأفعال العباد قبل فعلهم لها.

11- في اجتماع كمال السمع والعلم في حقه عز وجل زيادة كماله إلى كمال، وكمال إحاطته، وتمام الثقة بوعده، والخوف من وعيده.

12- أن التوسل إلى الله عز وجل بندائه باسم الربوبية، وإظهار الضراعة وشدة الفقر إليه، والثناء عليه بأسمائه وصفاته من أسباب القبول والإجابة؛ لقول إبراهيم وإسماعيل: ﴿ رَبَّنَا ﴾، ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾، ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].

وهكذا ينبغي الثناء على المسؤول بما هو أهله قبل السؤال فإن ذلك أحرى للإجابة.

13- حاجة المسلم دائماً إلى سؤال الله الإخلاص والثبات على الإسلام؛ لقول إبراهيم وإسماعيل وهما مسلمان، بل نبيان: ﴿ وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ﴾ [البقرة: 128].

14- ينبغي في الدعاء أن يبدأ الإنسان بالدعاء لنفسه؛ لقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ﴾ [البقرة: 128].

15- أن من أولى ما ينبغي أن يدعو الإنسان لهم ذريته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128].

16- أن التعبد لله لا يصح إلا بما شرع الله عز وجل؛ لقول إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام: ﴿ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ [البقرة: 128].

17- يجب أن يحرص المسلم في تعبده لله عز وجل على المتابعة للشرع، ويحذر من الابتداع في الدين.

18- حاجة كل مسلم وافتقاره إلى توبة الله عليه، بما في ذلك الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتُبْ عَلَيْنَا ﴾ [البقرة: 128].

19- إثبات اسم الله عز وجل "التواب" وما تضمنه من صفة التوبة الواسعة لله عز وجل، فيوفق من شاء للتوبة ويقبلها منهم، ويتوب على الكثيرين من عباده، ويتوب على العبد مرات ومرات؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128].

20- إثبات اسم الله عز وجل "الرحيم" وما تضمنه من إثبات صفة الرحمة الواسعة لله عز وجل: رحمة ذاتية ثابتة لله عز وجل، ورحمة فعلية يوصلها من شاء من خلقه: رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين.

21- ضرورة الناس إلى بعث الرسل لبيان الحق وهداية الخلق؛ لقوله تعالى: ﴿ بَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 129].

22- أن كون الرسول من قومه وبلسانهم أقرب إلى قبول دعوته وفهمهم عنه؛ لقوله تعالى: ﴿ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 129]،كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4].

23- أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم تلاوة الآيات وتعليم الكتاب والحكمة للناس؛ لقوله تعالى: ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 129].

24- أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي في الكتاب والسنة فيه تزكية النفوس وتطهيرها من الرذائل والأخلاق السيئة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾.

25- إثبات اسم الله "العزيز" وما يدل عليه من إثبات صفة العزة له عز وجل؛ عزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة، وعزة القوة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ ﴾ [البقرة: 129].

26- إثبات اسم الله "الحكيم" وما يدل عليه من إثبات صفة الحكم والحكمة لله تعالى الحكم الكوني والحكم الشرعي والحكم الجزائي، والحكمة الغائية والحكمة الصورية؛ لقوله تعالى: ﴿ الْحَكِيمُ ﴾.

27- في اجتماع كمال العزة وكمال الحكم والحكمة في حقه عز وجل زيادة كماله إلى كمال، ومن كمال عزته، وكمال حكمه وحكمته، أن بعث محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة كما قال تعالى: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الجمعة: 1 - 3].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه أحمد (2/ 381)، والحاكم (2/ 613)- وصححه، ووافقه الذهبي- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في المناقب (3861)، ومسلم في فضائل الصحابة (2474).

[3] أخرجه أحمد (4/ 127، 128)، والطبري في "جامع البيان" (22/ 613).

[4] في "النونية" ص (147).

[5] في "النونية" ص (147- 148).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #193  
قديم 14-06-2022, 05:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى:﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ....


قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة: 130].


أثنى الله عز وجل على إبراهيم في الآيات السابقة، وذكر فضله، ثم أخبر أنه لا يعدل عن ملة إبراهيم وعن الاقتداء به بعد ما عرف فضله إلا من سفه نفسه، وفي ذلك تعريض بأهل الكتاب والمشركين، ورد عليهم وتحذير من مسلكهم.

قوله: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الواو: مستأنفة، و"من": اسم استفهام معناه الإنكار والنفي والاستبعاد، أي: لا أحد ﴿ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ كاليهود والمشركين كما قال تعالى في اليهود: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة: 142]، وقال تعالى في المشركين: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [الأنعام: 140].

يقال: رغب في كذا، أي: طلبه وأحبه، ويقال: رغب عن كذا، أي: تركه وزهد فيه وأعرض عنه.

فمعنى: ﴿ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ أي: يتركها ويزهد فيها رغبة عنها.

و"الملة" هي الدين، أي: ومن يرغب عن دين إبراهيم وطريقته ومنهجه، وهي الحنيفية، دين الإسلام، كما قال تعالى في الآيات السابقة: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: 128]، وقال تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: 132]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران: 67].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: 120 - 123].

وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 161] وهي ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: 123].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة"[1].

﴿ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ : "إلا": أداة استثناء، و"من": موصولة، أي: إلا الذي سفه نفسه أي: أوقعها في السفه، والسفه: ضد الرشد، أي: أوقعها في السفه في الدين الذي هو أعظم أنواع السفه، وجهل نفسه، وما يجب لها فضيعها ووضعها موضع الذل والهوان، ورضي لها بالدون، وباعها بصفقة المغبون، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس: 9، 10].

وقال صلى الله عليه وسلم: "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"[2].
وقد أحسن القائل:
وما الناس إلا عاملان فعامل
يُتَبِّرُ ما يبني وآخر رافع[3]


وقال الآخر:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه
فكن طالباً في الناس أعلى المراتب[4]


وقال الآخر:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها
هواناً بها كانت على الناس أهونا[5]


وفي الآية إنكار وتوبيخ ونعي على من رغب عن ملة إبراهيم ودين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم.

﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، وقال تعالى في سورة النحل: ﴿ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [النحل: 122]. وقال تعالى في سورة العنكبوت: ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [العنكبوت: 27].

قوله: ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا الواو: استئنافية، واللام للقسم، و"قد" للتحقيق، أي: والله لقد اصطفيناه في الدنيا، فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام، و"قد".

﴿ اصْطَفَيْنَاهُ الاصطفاء: الافتعال من الصفوة: أي: اخترناه واجتبيناه وجعلناه من المصطفين الأخيار بالرسالة والنبوة والإمامة والخلة، وجعل النبوة والكتاب في ذريته. فكان عليه السلام إمام الحنفاء، جرد التوحيد لله، وتبرأ من كل معبود سواه، وتبرأ مما عليه أبوه وقومه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [النحل: 120 - 122].

وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف: 26، 27]، وقال تعالى عنه أنه قال: ﴿ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 78، 79].

وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة: 114].

﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ الواو: عاطفة، واللام في قوله: ﴿ لَمِنَ تفيد التوكيد، أي: وأنه في الآخرة لمن الصالحين، الذين جمعوا بين الإخلاص لله والمتابعة لشرعه، ولهم أعلى الدرجات.

والصلاح من أفضل ما وصف الله به رسله وأنبياءه وعباده المؤمنين؛ ولهذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يرحبون بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بقولهم: "مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح"[6].

قال الطبري[7]: "والصالح من بني آدم هو المؤدي حقوق الله عليه، فأخبر تعالى ذكره عن إبراهيم خليله أنه في الدنيا له صفيٌّ، وفي الآخرة وليٌّ وأنه وارد موارد أوليائه الموفين بعهده".

[1] أخرجه أحمد (5/ 266) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وأخرجه مختصراً (6/ 116) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[2] أخرجه مسلم في الطهارة (223) - من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.

[3] البيت للبيد. انظر: "ديوانه" ص56.

[4] البيت ينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر: "ديوانه" ص15.

[5] انظر: "أدب الدنيا والدين" (ص320)، "الدر الفريد" (2/ 367).

[6] أخرجه البخاري في الصلاة (349)، ومسلم في الإيمان- الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم (163) - من حديث أنس رضي الله عنه.

[7] في "جامع البيان" (2/ 580).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #194  
قديم 14-06-2022, 05:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة: 131].


قوله: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ﴾ "إذ" ظرف بمعنى "حين" متعلق بقوله: ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ ﴾ [البقرة: 130]أي: ولقد اصطفيناه في الدنيا حين ﴿ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ﴾.

وقد تكون "إذ" متعلقة بمحذوف، أي: واذكر يا محمد حين قال الله لإبراهيم عليه السلام: أسلم، فيكون أمراً للرسول صلى الله عليه وسلم أن يذكر ذلك بنفسه ويذكره لأمته.

وفي الآية تنويه بفضل إبراهيم عليه السلام وإثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة له، بل خاصة الخاصة، وهي ربوبيته عز وجل لرسوله وأنبيائه.

﴿ أَسْلِمْ ﴾ أي: أسلم نفسك لي؛ بدليل قول إبراهيم: ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾أي: استسلم بالتوحيد والطاعة والإخلاص.

﴿ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. أي: استسلمت لرب العالمين ظاهراً وباطناً، بالتوحيد والطاعة والمحبة والإخلاص من الشرك، فبادر عليه السلام وسارع على الفور بالاستسلام والانقياد لربه والخضوع له، والإقرار بأنه مربوب لرب العالمين، فأتى بالإسلام ودليله.

واللام في قوله:﴿ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. للقصر، أي: لرب العالمين وحده.

و"رب العالمين": خالقهم ومالكهم والمتصرف فيهم ومربيهم بنعمه التي لا تحصى، و"العالمين": جمع "عالَـم" بفتح اللام، اسم جمع لا واحد له من لفظه كرهط وقوم.

و"العالمين" كل موجود سوى الله تعالى، وقد جمع ليشمل كل جنس مما سمي به، فيعم جميع المخلوقات في السماوات والأرض وما بينهما؛ عالم الملائكة، وعالم الإنس، وعالم الجن والشياطين، وعالم الحيوانات، وعالم الجمادات وغير ذلك.

وهو مشتق من العلامة؛ لأن كل ما في الوجود من المخلوقات علامة على وجود الله ووحدانيته، وعلى ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

وجمع "العالمين" جمع من يعقل علماً أنه يتناول العقلاء وغيرهم من باب تغليب العقلاء؛ لأنهم هم المعنيون بالخطاب والتكليف؛ لما ميزهم الله به من العقل على غيرهم من المخلوقات.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #195  
قديم 19-06-2022, 08:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].

أثنى الله عز وجل على إبراهيم عليه السلام في مبادرته للإسلام لرب العالمين، ثم أتبع ذلك بذكر وصية إبراهيم عليه السلام بنيه بالإسلام وكذا يعقوب عليه السلام، فحافظا عليهما السلام على ملة الإسلام في حياتهما وأوصيا بها بنيهما بعد وفاتهما؛ حرصاً عليها ومحبة لها، وشفقة منهما على بنيهما ورحمة لهم.

قوله: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ﴾ قرأ نافع وابن عامر: ﴿ وَوَصَّى ﴾، وقرأ الباقون: ﴿ وَوَصَّى ﴾.

والوصية العهد والأمر المؤكد في أمر هام، في فواته ضرر، كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا"[1].

﴿ بِهَا ﴾ أي: بهذه الكلمة العظيمة وهي قوله: ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[البقرة: 131]، أو بـ"ملة إبراهيم" كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [البقرة: 130].

والمعنى واحد، أي: عهد إليهم وأمرهم أمراً مؤكداً بالتمسك بملة الإسلام، ملة إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الزخرف: 28].

﴿ بَنِيهِ ﴾ مفعول "وصَّى"، وبنو إبراهيم عليه السلام ثمانية أكبرهم إسماعيل أبو العرب، وأمه الأمة "هاجر" القبطية، ويليه إسحاق، وهو أبو بني إسرائيل، وأمه "سارة".

﴿ وَيَعْقُوبُ ﴾ معطوف على "إبراهيم" أي: ووصى بها يعقوبُ بعد إبراهيم؛ أي: بهذه الكلمة وهذه الملة؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ﴾ [البقرة: 133] الآية. و"يعقوب" هو ابن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ولقب يعقوب "إسرائيل"، وبنوه اثنا عشر، هم: يوسف وإخوته، ومنهم تشعبت قبائل بني إسرائيل.

﴿ يَابَنِيَّ ﴾ أي: يا أبنائي، وناداهم بوصف البنوة تلطفاً معهم وترفقاً بهم، وتحبباً إليهم، ليكون أوعى لقبولهم.

﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ أي: اختار ورضي لكم الدين، الذي هو صفوة الأديان، وهو دين الإسلام، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ الفاء للتفريع، و"لا": ناهية، ﴿ تَمُوتُنَّ ﴾: مجزوم بحذف النون، والنون المذكورة نون التوكيد. والأصل "تموتونن" فحذفت النون للجزم فصارت "تموتونّ"، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين.

﴿ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ "إلا": أداة حصر، والواو للحال، أي: إلا حال كونكم مسلمين.

والمعنى: استمروا على الإسلام واثبتوا عليه، ولازموه حتى يرزقكم الله الوفاة عليه؛ لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت.

والمرء غالباً يموت على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه، ومن قصد الخير وفق إليه، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].

[1]أخرجه أبوداود في السنة- لزوم السنة (4607)، والترمذي في العلم- ما جاء في الأخذ بالسنة (2676)، وابن ماجه في المقدمة- اتباع سنة الخلفاء الراشدين (42)- وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #196  
قديم 19-06-2022, 08:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى:﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ...﴾



قوله تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 133].


ذكر عز وجل في الآية السابقة وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام ببنيهما بملة الإسلام والاستمرار عليها إلى الممات، ثم أتبع ذلك بتفصيل وصية يعقوب وتذكيره عند الموت لبنيه بهذه الوصية؛ تأكيداً لها وحرصاً وشفقة عليهم؛ أن يضلوا عن عبادة الله والاستسلام له وحده.


وفي هذا احتجاج على أهل الكتاب والمشركين في رغبتهم عن ملة إبراهيم وما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب، ورد على اليهود في زعمهم أن إبراهيم وبنيه ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى، كما قال تعالى: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة: 140].


قوله: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ "أم" هي المنقطعة التي بمعنى "بل"، وهمزة الاستفهام، أي: "بل" أكنتم شهداء؟ والاستفهام للإنكار والنفي، والخطاب لليهود الذين يزعمون أنهم على ملة إبراهيم ومن بعده يعقوب، وأنهما كانا على اليهودية.


﴿ شُهَدَاءَ: جمع شهيد، أو شاهد، بمعنى: حاضر، أي: أم كنتم حضورا.


﴿ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ... أي: حين حضر يعقوب الموت، و"يعقوب": مفعول به مقدّم، و"الموت": فاعل مؤخر.


ومعنى حضور الموت: حضور أسبابه ومقدماته وعلاماته، والموت: هو خروج الروح من البدن ومفارقتها له.


والمعنى: لم تكونوا شهداء إذ حضر يعقوب الموت، فكيف تزعمون أنه كان على اليهودية، وقد أخبر الله عز وجل عنه أنه أوصى بنيه بالحنيفية ملة إبراهيم، لا باليهودية.


وقد يكون الخطاب لهم ولغيرهم، فيكون فيه رد عليهم وتنويه بوصية يعقوب حين حضره الموت لبنيه بالثبات على عبادة الله تعالى وحده.


﴿ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ [البقرة: 133] "إذ": ظرف، بدل من "إذ" في قوله: ﴿ إِذْ حَضَرَ أي: حين قال لبنيه، وهم الأسباط الاثنا عشر، وهم يوسف وإخوته؛ اختباراً لهم؛ لتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم، وليطمئن على ثباتهم على ذلك بعد وفاته.


﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي "ما": استفهامية، أي: أيّ شيء تعبدون من بعدي، أي: من بعد موتي. ومراده تقريرهم على التوحيد والإسلام، والثبات عليهما؛ حفاظاً على عقيدة التوحيد، وحرصاً عليها، وشفقة على بنيه أن يضلوا من بعده.


ووجه الكلام إليهم بصيغة الاستفهام؛ للفت انتباههم وعنايتهم لهذا الأمر.


وهذا لعمر الله عين النصح والشفقة أن يوصي الإنسان أولاده وأهله ومن خلفه بتوحيد الله وتقواه عندما يودع هذه الحياة، لا أن يجعل همه تكديس الأموال لهم، وتحريصهم عليها، ووصيتهم بها كما هو حال كثير من الناس.


وجاءت وصيته عليه السلام لبنيه بصيغة الاستفهام؛ ليعرف مقدار ثباتهم.

﴿ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ أي: نبعد معبودك ومعبود آبائك، والألوهية والعبادة معناهما واحد، فالعبادة باعتبار العابد، الإلوهية باعتبار المعبود، ولهذا يسمى التوحيد توحيد العبادة.


وآباء: جمع أب، وهو يطلق على الأب، وعلى الجد من أي جهة كان وإن علا، كما قال تعالى:﴿ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: 27]، وقال تعالى: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج: 78].


وبدؤوا بقولهم: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ ؛ لأنهم يخاطبونه.


﴿ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ بدل من (آباء) أي: آباءك الذين هم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، فإبراهيم جد يعقوب، وإسحاق أبوه، أما "إسماعيل" فهو عم يعقوب، وعدّوه من آباء يعقوب، وهو عمه؛ لأن العم صنو الأب وبمنزلته، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه "أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه"[1].


ومعنى "صنو أبيه": لا تفاوت ولا اختلاف بينهما كما لا تتفاوت صنوا النخلة وقال صلى الله عليه وسلم: "الخالة بمنزلة الأم"[2]



وقيل: إنما عد إسماعيل من آباء يعقوب من باب التغليب، فإبراهيم أبو يعقوب الأعلى، وإسحاق أبوه الأدنى، وإسماعيل عمه، فغلبت الأبوة على العمومة، كما قال تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: 27]، وقال تعالى: ﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء: 11]، فغلب في الآيتين الأب على الأم، وكما يقال: "القمران" للشمس والقمر، ويقال "العُمَران" لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.


﴿ إِلَهًا وَاحِدًا حال، أي: حال كونه معبوداً واحداً، أي: نعبد معبوداً واحداً.



﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ الواو: حالية، و"له" متعلق بـ "مسلمون" وقدم عليه لإفادة الحصر- مع مراعاة الفواصل، أي: ونحن له وحده مسلمون، أي: مستسلمون منقادون له ظاهراً وباطناً دون سواه، فجمعوا بين التوحيد والعمل.

[1] أخرجه مسلم في الزكاة- تقديم الزكاة ومنعها (983)، وأبو داود في الزكاة (1623)، والترمذي في المناقب (3761)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في الصلح- كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان: (2700)، الترمذي في البر والصلة (1904)- من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #197  
قديم 27-06-2022, 07:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:

﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾

قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[البقرة: 134].

تضمنت الآيات السابقة الثناء على إبراهيم ويعقوب وبنيهما والتنويه بشأنهم والتعريض بمن لم يقتف آثارهم من ذريتهم، ثم أتبع ذلك بقوله: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ الآية لإفادة أن الجزاء بالأعمال لا بالاتكال، فلا ينفع فقط مجرد الانتساب إلى هؤلاء دون عمل.

قوله:﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ الإشارة إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب وبنيهم، والأمة: الجماعة والطائفة من الناس.

﴿ قَدْ خَلَتْ ﴾ أي: قد مضت، وخلى منها المكان.

﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ "ما": في الموضعين موصولة، أو مصدرية، أي: لها الذي كسبت، أولها كسبها، والكسب: العمل، أي: لها ما عملت وثوابه، وهذا أشبه بالتمهيد لقوله: ﴿ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾.

﴿ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ أي: ولكم الذي كسبتم، أو ولكم كسبكم، أي: ولكم ما عملتم وجزاؤه.

وقدم الخبر في الجملتين وهو قوله: ﴿ لَهَا ﴾، ﴿ وَلَكُمْ ﴾ للقصر، أي: لها ما كسبت لا يتجاوزها إلى غيرها، ولكم ما كسبتم لا يتجاوزكم إلى غيركم، كما قيل: "كل شاة تناط برجليها".

والخطاب: للمخاطبين بقوله تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ ﴾أي: لكل من يصلح له، أو لليهود الذين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنهم على الحق، وعلى ما أوصاهم به أبوهم يعقوب، أي: فلا ينفعكم صلاح من خلا ومضى من آبائكم وغيرهم، وانتسابكم إليهم، كما لا ينفعهم كسبكم.

وقد أحسن القائل:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنذا
ليس الفتى من يقول كان أبي[1]


﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ "ما" في قوله: ﴿ عَمَّا ﴾ موصولة أو مصدرية، أي: ولا تسألون عن الذي كانوا يعلمون أو عن عملهم، أي: لا تسألون عما كان يعمل من مضى من الآباء والأجداد وغيرهم، وإنما تسألون عن أعمالكم؛ لأن لكل منكم كسبه وجزاء عمله، أي: لا تحاسبون بأعمال سلفكم وإنما تحاسبون بأعمالكم.

[1] البيتان لأبي العتاهية. انظر: "جمهرة الأمثال" (2/312).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #198  
قديم 27-06-2022, 07:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

الفوائد والأحكام في سورة البقرة من (130-134)

1- الإنكار الشديد والنعي على اليهود والمشركين حيث رغبوا عن ملة إبراهيم عليه السلام ووصفهم بالسفه والجهل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 130].

2- أن الرشد كل الرشد في إتباع ملة إبراهيم، وأن السفه كل السفه في الرغبة عنها، فمن لم يتبعها فهو سفيه جاهل مهما ادعى العقل والحكمة والعلم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾.

ولهذا وصف الله المنافقين واليهود بالسفهاء، فقال تعالى عن المنافقين: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ ﴾ [البقرة: 13]، وقال عن اليهود: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142].

3- أن من يرغب عن ملة إبراهيم فقد أوقع نفسه بالسفه والجهل، وضيعها ووضعها موضع الذل والهوان والخسران والبوار.

4- التنويه بفضل إبراهيم عليه السلام ومكانته في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: 130].

5- إثبات الآخرة وتفاوت الناس فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.

6- أن من أفضل ما يوصف به العبد الصلاح؛ لأن الله عز وجل وصف به أنبياءه ورسله، كما وصف به عباده المؤمنين، لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.

7- تشريف إبراهيم عليه السلام في خطاب الله عز وجل له، وإضافة اسم الرب إلى ضميره عليه السلام لقوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ﴾[البقرة: 131].

8- مبادرة إبراهيم عليه السلام إلى الإسلام والانقياد لربه وإعلان الخضوع له؛ لقوله: ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[البقرة: 131].

9- أن الإسلام اسم لدين إبراهيم، ولجميع الأديان؛ لقوله تعالى: ﴿ أَسْلِمْ ﴾، وقول إبراهيم: ﴿ أَسْلَمْتُ ﴾.

10- إثبات ربوبية الله تعالى العامة لجميع الخلق؛ لقوله تعالى: ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ فهذا متضمن لتوحيد الربوبية بقسميه العام لجميع الخلق، والخاص بأولياء الله تعالى.

11- أن وجود هذا الخلق دليل على وجود الخالق- سبحانه وتعالى؛ لأن الله سماهم ﴿ الْعَالَمِينَ ﴾.

12- أن الذي يجب الاستسلام له والانقياد والخضوع له هو الرب وحده- سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.

13- وصية إبراهيم ويعقوب لبنيهما بملة الإسلام "ملة إبراهيم" عناية منهما بهذه الملة ومحبة وشفقة وعطفاً منهما على ذريتهما ونصحاً لها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].

14- ينبغي حسن التلطف والترفق في خطاب المدعو، فإن ذلك أدعى لقبوله؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا بَنِيَّ ﴾.

15- عناية الله عز وجل بإبراهيم ويعقوب وذريتهما حيث اصطفى واختار لهم الدين الإسلامي ملة إبراهيم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[البقرة: 132].

16- أهمية هذه الوصية ووجوب الأخذ بها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

17- ينبغي للإنسان المبادرة إلى الإسلام، والاستمرار عليه حتى يلقى الله عز وجل؛ ليحيى على الإسلام، ويموت عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

18- ينبغي سؤال الله تعالى حسن الخاتمة؛ لأن الأعمال بالخواتيم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

19- أن الموت حق على جميع الخلق حتى الأنبياء؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ﴾ [البقرة: 133].

20- التنويه بما قاله يعقوب عليه السلام حين حضره الموت لبنيه، من سؤاله إياهم ما يعبدون من بعده شفقة منه عليهم أن يشركوا فيضلوا بعده، وحضًّا لهم على التمسك بعبادة الله وتوحيده، وملة الإسلام ملة إبراهيم عليه السلام لقوله تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ﴾[البقرة: 133].

21- أن أهم وأعظم ما ينبغي أن يوصي به المسلم أولاده وأهله ومن خلفه توحيد الله تعالى وتقواه.

22- أن توحيد الله عز وجل وعبادته وحده هو دين الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام؛ ووصيتهم لأقوامهم؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ ﴾ [البقرة: 133].

23- جواز الوصية عند حضور الأجل إذا كان الإنسان يعي ما يقول؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ﴾ [البقرة: 133].

24- أن الجد يسمى أبا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [البقرة: 133].

25- جواز إطلاق اسم الأب على العم تغليباً؛ لأنه صنو الأب، وفي منزلته؛ لقوله تعالى:﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾، وإسماعيل ليس من آباء يعقوب وإنما هو عمه.

26- تمسك أبناء يعقوب وثباتهم على توحيد الله والاستسلام له، لقولهم: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾[البقرة: 133].

27- أن اتباع الآباء فيما هم عليه من الحق حق، بل منقبة ومفخرة؛ لقوله: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ الآية. لكن اتباع الآباء على الباطل باطل وجهل وضلال.

28- إثبات الوحدانية لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾.

29- إعلان أبناء يعقوب إخلاص الإسلام لله وحده، لقولهم: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾.

30- ينبغي التأسي بإبراهيم ويعقوب عليهما السلام وبنيهما بعبادة الله تعالى وحده وإخلاص الإسلام له دون من سواه كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗوَاتَّخَذَاللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].

31- أن لكل أمة كسبها وجزاء عملها لا يناله من جاء بعدها، فكسب الآباء والأجداد لا يناله الأولاد والأحفاد؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ ﴾[البقرة: 134]، فلن تجدي عن اليهود أعمال أسلافهم وآبائهم من الأنبياء وغيرهم، ولن تجدي عن أي إنسان أعمال من سلف من آبائه وأجداده وغيرهم.

32- أن لكل إنسان كسبه وجزاء عمله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾[البقرة: 134].

33- إثبات كمال عدل الله عز وجل حيث يجازي كل إنسان بعمله؛ دون ما لم يعمله، ولا يسأل عن عمل غيره؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[البقرة: 134].

34- أن الآخر لا يسأل عن عمل الأول؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

أما الأول فقد يسأل إذا كان هو سبب ضلال الآخر، كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴾ [القصص: 41].

وفي الحديث: "ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً"[1].

وقال صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً"[2].

35- ينبغي عدم الخوض في الكلام فيمن قدموا على الله عز وجل، وأفضوا إلى ما قدَّموا من عمل؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"[3].

ولهذا يجب عدم الخوض فيما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم من نزاع كالذي جرى بين معاوية وعلي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهم؛ لأن الله عز وجل زكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم جميعاً وامتدحهم وأثنى عليهم ورضي عنهم جميعاً، كما قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100].

وقال تعالى: ﴿ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].

كما زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"[4].

ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "هذه دماء طهر الله سيوفنا منها، فنحن نطهر ألسنتنا منها" وكما قال القحطاني[5]:
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى
بسيوفهم يوم التقى الجمعان




36- إثبات سؤال الإنسان عن عمله؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.


المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه مسلم في الزكاة (1017)، والنسائي في الزكاة (2554)، والترمذي في العلم (2675)،وابن ماجه في المقدمة (203)- من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.

[2] أخرجه مسلم في العلم (2674)، وأبو داود في السنة- لزوم السنة (4609)، والترمذي في العلم (2674) وأحمد (2/380، 397)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه البخاري في الجنائز (1393)، والنسائي في الجنائز (1936)- من حديث عائشة رضي الله عنها.

[4] أخرجه البخاري في فضائل الصحابة- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا" (3673) ومسلم في فضائل الصحابة- تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (2541)، وأبو داود في السنة النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (4658)، والترمذي في المناقب من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3861)، وأحمد (3/11، 54)- من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

[5] انظر: "نونيته" ص28.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #199  
قديم 27-06-2022, 07:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة: 135]

ذم عز وجل أهل الكتاب في الآيات السابقة لرغبتهم عن ملة إبراهيم، وأنكر عليهم ادعاءهم أنهم على الحق، وعلى ما أوصاهم به يعقوب عليه السلام، مع مخالفتهم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتبع ذلك بذكر دعوتهم إلى اليهودية والنصرانية، وحصرهم الهدى فيما كانوا عليه، وأبطل ذلك وبين أن الاهتداء إنما هو باتباع ملة إبراهيم عليه السلام.

قوله: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ الواو: استئنافية، أي: وقال اليهود والنصارى؛ لأن السياق معهم في قوله: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [البقرة: 130]، وفي قوله: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [البقرة: 133].

و"أو": للتقسيم والتنويع، لا للتخيير؛ لأن كل واحد من الفريقين يكفر بالآخر، أي: وقال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: ﴿ كُونُوا هُودًا ﴾ أي: كونوا يهوداً على ملتنا تهتدوا، وقالت النصارى لهم: كونوا نصارى على ملتنا تهتدوا.

و﴿ تَهْتَدُوا ﴾ جواب الأمر مجزوم بحذف النون، وفيه إيذان بمعنى الشرط، أي: إن كنتم كذلك تهتدوا، أي: وإن لم تكونوا يهوداً أو نصارى فلستم بمهتدين.

ومعنى ﴿ تَهْتَدُوا ﴾: ترشدوا وتصيبوا الحق، فحصر اليهود الهداية فيما هم عليه، وحصر النصارى الهداية فيما هم عليه، غروراً من كل منهما واستكباراً.

عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال عبدالله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد. وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾"[1].

﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ جواب عن قول اليهود والنصارى:﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾، والخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم، و"بل": للإضراب الإبطالي، تبطل ما سبق.

﴿ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾: منصوب بفعل محذوف تقديره: "نتبع" أو نحو ذلك، أي: لا نكون هوداً أو نصارى، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً، أي: نتبع دين إبراهيم عليه السلام، ولا اهتداء إلا باتباع ملة إبراهيم عليه السلام.

كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 161]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 95].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة"[2].

﴿ حَنِيفًا ﴾: حال، أي: حال كونه حنيفاً، والحنيف: "فعيل" بمعنى "فاعل" مشتق من "الحنف".

و"الحنف": الميل، ومنه سُمي الأحنف بن قيس؛ لميل إحدى قدميه بالأصابع إلى الأخرى، قالت أمه:
والله لو لا حنف برجله
ما كان في فتيانكم من مثله[3]






ومعنى ﴿ حَنِيفًا ﴾: مائلا عن الشرك إلى التوحيد، وعن الباطل إلى الحق، مسلماً مخلصاً، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]، وقال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ﴾ [آل عمران: 67]، ولهذا قال:
﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ وهذا توكيد من حيث المعنى؛ لقوله تعالى: ﴿ حَنِيفًا ﴾؛ لأن الجمل المنفية تفيد كمال ضدها، فنفيه عز وجل أن يكون إبراهيم من المشركين توكيد لكمال توحيده وإخلاصه لله تعالى وأنه عليه السلام ما كان في وقت من الأوقات أو في حال من الأحوال من المشركين عبدة الأصنام.

و"كان" هنا مسلوبة الزمان تفيد اتصاف اسمها بخبرها في جميع الأوقات.

وفي الآية تعريض بما عليه أهل الكتاب والعرب من الشرك بالله كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2 /589)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1 /241).

[2] سبق تخريجه.

[3] انظر: "لسان العرب" مادة "حنف".





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #200  
قديم 27-06-2022, 07:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:

﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136]

ذكر الله عز وجل مقالة اليهود والنصارى للمسلمين: ﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ [البقرة: 135]، وأجاب عنها بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ الآية، أي: قل بل نتبع ملة إبراهيم، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جميعاً بالإيمان به عز وجل وبما أنزل إليهم وبجميع ما أنزل على رسله وأنبيائه دون تفريق بينهم، والإسلام له وحده.

وفي هذا تفصيل لملة إبراهيم بعد الإجمال، وإظهار لتصديق الإسلام لجميع الأديان السماوية، وكشف عوار التعصب اليهودي والنصراني، كما قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].

عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: ﴿ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ [المائدة: 111] "[1].

قوله: ﴿ قُولُوا ﴾: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

أي: قولوا أيها المؤمنون ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ نطقاً بألسنتكم، واعتقاداً بقلوبكم، وانقياداً بجوارحكم معلنين أمام الملأ هذا المعتقد، مجمعين عليه داعين إليه.

والإيمان بالله يتضمن الإيمان والتصديق بوجوده، وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته كما دل على ذلك الكتاب والسُّنة والعقل والفطرة، وذلك يقتضى طاعته والانقياد له وامتثال شرعه، وقدم الإيمان بالله؛ لأنه أصل وأساس الإيمان، وأعظم أركانه، وأول الواجبات.

﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ الواو: عاطفة، "ما": اسم موصول مبني على السكون في محل جر عطفاً على لفظ الجلالة "الله".

أي: وآمنا بالذي أنزل إلينا، أي: بالذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الوحي في الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [البقرة: 231]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: 113] والحكمة هي السنة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ الآية"[2].

وقدم الإيمان بما أنزل إلينا على الإيمان بما أنزل على إبراهيم ومن ذكر من الأنبياء مع أن هذا أقدم زمناً تقديماً للأهم وتشريفاً له ولأننا متعبدون بالإيمان بما أنزل إلينا قولاً واعتقاداً وعملاً بخلاف ما أنزل على من قبلنا فلسنا متعبدين بالعمل به.

﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ معطوف على ما قبله، أي: وآمنا بالذي أنزل ﴿ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية، وكرر الموصول في قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ لاختلاف المنزل إلينا والمنزل إليه، فلو لم يكرر لأوهم أن المنزل إلينا هو المنزل إليه وإلى من ذكر بعده، والذي أنزل إلى إبراهيم هي الصحف التي ذكرها الله تعالى بقوله: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19]، وبقوله: ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 36، 37].

وإبراهيم هو إبراهيم الخليل أبو الأنبياء عليه وعليهم السلام.

﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ أي: وآمنا بالذي أنزل إلى إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، فكلهم من أنبياء الله عز وجل أوحى الله عز وجل إليهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ [النساء: 163].

و"إسماعيل" هو الابن الأكبر لإبراهيم، وهو الذبيح، وأبو العرب، وقدَّمه لسبقه زمناً ولفضله، لأنه جد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

و"إسحاق" هو الابن الثاني لإبراهيم، وهو أبو يعقوب الملقب بـ "إسرائيل" أبو بني إسرائيل.

و"الأسباط": جمع "سِبْط" بكسر السين وسكون الباء، وأصل السبط في اللغة: ابن البنت، ومنه قيل للحسن والحسين- رضي الله عنهما: "سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ لأنهما أبناء ابنته فاطمة رضي الله عنها.

والمراد بالأسباط أبناء يعقوب بن إبراهيم الاثنا عشر وهم يوسف وإخوته وقد تفرع من كل سبط من هذه الأسباط أمة، كما قال تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 160].

﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ معطوف أيضاً على ما قبله، أي: وآمنا بالذي أوتي موسى وعيسى عليهما السلام، ولم يُعد الموصول مع قوله: ﴿ وَعِيسَى﴾؛ لأن شريعة عيسى متممة لشريعة موسى عليهما السلام.

أي: وآمنا بالذي أعطي موسى من الآيات الشرعية في التوراة، وبالذي أعطي من الآيات الكونية من الآيات التسع كاليد والعصا وغير ذلك.

وآمنا بالذي أعطي عيسى عليه السلام من الآيات الشرعية في الإنجيل، ومن الآيات الكونية كإخراج الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وغير ذلك.

﴿ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ هذا من عطف العام على الخاص، فصرح بموسى وعيسى- وقدمهما؛ لأنهما أفضل أنبياء بني إسرائيل، ومن أولي العزم من الرسل، ثم عطف عليهما بقوله: ﴿ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ أي: وآمنا بالذي أوتي النبيون كلهم من ربهم من الآيات الكونية والآيات الشرعية.

وعبر في الموضعين الأولين بـ﴿ أُنْزِلَ ﴾، وفي الموضعين الأخيرين بـ﴿ أُوتِيَ ﴾ وفي ذلك من الحكم اللفظية- والله أعلم- التنويع والتفنن في الألفاظ، وتجنب إعادة اللفظ الواحد مراراً، والمحافظة على جمال التعبير وحسن الأسلوب، يظهر ذلك من المقابلة بين قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية، وقوله: ﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾.

كما أن في قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ الإشارة إلى عظم ما أعطيه موسى وعيسى عليهما السلام من الآيات الكونية- كما هو معلوم- مع ما أنزل عليهما من الوحي العظيم في التوراة والإنجيل.

﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ "من": لابتداء الغاية، وفي إضافة اسم الرب إلى ضميرهم تشريف وتكريم لهم وإثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة بهم.

﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ الجملة في محل نصب على الحال، وهي داخلة ضمن جملة مقول القول في قوله: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ أي: ولا نفرق بين أحد منهم.

أي: لا نفرق بين أحد من الأنبياء في الإيمان بهم وبما أنزل إليهم، بل نؤمن بهم جميعاً وبما أنزل إليهم، كما قال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

ولا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعض كما فعلت اليهود، كفروا بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وكما فعل النصارى، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فنقض تكذيبهم تصديقهم فكانوا هم الكافرون حقا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ﴾ [النساء: 150، 151].

﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ الواو: عاطفة، أي: ونحن لله تعالى ﴿ مُسْلِمُونَ﴾، أي: منقادون مستسلمون ظاهراً وباطناً.

[1] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (727)، والنسائي في الافتتاح (944).

[2] أخرجه البخاري في التفسير (4485).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 240.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 234.79 كيلو بايت... تم توفير 5.81 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]