|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#471
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [269] الحلقة (301) شرح سنن أبي داود [269] لا يجوز تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا من كان يصوم صوماً فليصمه، ومثله من أراد أن يصوم شهر شعبان كاملاً فله ذلك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصومه، أما من لم يرد أن يصومه كاملاً فلا يصم بعد انتصافه، وفي بعض هذه الأحكام خلاف بين أهل العلم رحمهم الله. ما جاء فيمن يصل شعبان برمضان شرح حديث: ( لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن يصل شعبان برمضان. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك الصوم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: [باب فيمن يصل شعبان برمضان] أي: أنه يصوم اليوم الذي قبل رمضان، وهو آخر يوم من شعبان، فيكون شعبان متصلاً برمضان، وإذا كان للإنسان صوم قد اعتاده كصوم يوم الإثنين والخميس ووافق يوم الخميس أو الإثنين آخر يوم من شعبان فإن هذا سائغ ومشروع، وقد جاء ما يدل عليه. وأما إذا كان المقصود بالصيام أن يحتاط لرمضان فهذا لا يجوز، وهو الذي ورد فيه النهي في أول الحديث: (لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين) يعني: أن هناك منعاً وهناك جوازاً، فالمنع هو في حق من يريد أن يتخير ذلك اليوم ويصومه احتياطاً لرمضان، والجواز لمن يصومه لكونه موافقاً لعادة اعتادها كصيام يوم الإثنين والخميس. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا صوم رمضان بيوم أو يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل) يعني: إلا أن يوجد صوم يصومه رجل (فليصم ذلك الصوم) يعني: أن يكون ذلك عادة للإنسان، كصيام الإثنين والخميس فإنه يصوم ذلك الصوم. إذاً: وصل شعبان برمضان إذا وافق عادة اعتادها الإنسان وهي صيام الإثنين والخميس، أو نذر نذره الإنسان فإنه يصوم ذلك اليوم، وأما إن كان يفعله من أجل رمضان واحتياطاً لرمضان فإن ذلك لا يجوز، وهو الذي دل عليه النهي في أول الحديث، فالحديث فيه نهي وفيه استثناء من النهي. ثم إن ذكر الرجل في الحديث لا مفهوم له، فالمرأة إذا كان من عادتها أن تصوم الإثنين والخميس فلها أن تصوم آخر يوم من شعبان، أي أن ذكر الرجل لا يعني أن المرأة بخلاف الرجل في هذا الحكم، فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما جاءت به النصوص الشرعية من تمييز الرجال عن النساء والنساء عن الرجال، فإذا جاء أن النساء يكون لهن كذا ويكون حكمهن كذا والرجال حكمهم كذا، فهذا هو الذي يكون فيه الفرق بين الرجال والنساء، وأما حيث لا يوجد ما يدل على التفريق فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، وذكر الرجال في الأحاديث أو التنصيص عليهم في بعض الأحاديث مع أن الأمر لا يختص بهم إنما هو لأن الخطاب في الغالب يكون مع الرجال، ومن ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، فكذلك الحكم إذا كان المتاع عند امرأة قد أفلست. تراجم رجال إسناد حديث: ( لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين ... ) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. شرح حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن توبة العنبري عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان) وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصوم أكثره، وأنه ما كان يستكمل شهراً إلا رمضان، وعلى هذا فما جاء في حديث أم سلمة هذا إنما هو إشارة إلى الغالب، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شهراً كاملاً إلا رمضان، وغير ذلك ما كان يصومه كاملاً، ولكن بعض الأشهر كان يصوم أكثره مثل شعبان، فإن أكثره وغالبيته كان يصومه صلى الله عليه وسلم. وقوله: (وكان يصله برمضان) يعني: أنه كان أحياناً يكون صيامه في نهاية الشهر، فيكون واصلاً له برمضان، وهذا على القول بأنه استكمله، ولكن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم شهراً كاملاً إلا رمضان، وعلى هذا فليس من السنة صيام شعبان كله، بل السنة صيام أكثره. تراجم رجال إسناد حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان ... ) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر الملقب غندر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن توبة العنبري ]. توبة العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن محمد بن إبراهيم ]. محمد بن إبراهيم التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة عن أم سلمة ]. أبو سلمة قد مر ذكره، وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. كراهية وصل شعبان برمضان شرح حديث: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية ذلك. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد قال: قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء فأخذ بيده فأقامه، ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، فقال العلاء اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ]. أورد أبو داود باب كراهية ذلك، يعني: كراهية وصل شعبان برمضان، وأنه يصوم شيئاً من شعبان متصلاً برمضان. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) وهذا المقصود منه: أن الإنسان لا يتعمد أن يكون صيامه في آخر الشهر، ولا يصوم من أول الشهر، ولكنه يتعمد أن يصوم آخر الشهر حتى يكون متصلاً بالشهر، وأما إذا صام من أول الشهر فإن له أن يصوم بعد نصف شعبان، ولكن كونه يتعمد أنه لا يصوم إلا بعد نصف شعبان فهذا هو الذي جاء فيه النهي، ولعل ذلك لما فيه من الاحتياط لرمضان، بحيث إن الإنسان يصوم ويواصل إلى نهاية الشهر، أو أن المقصود من ذلك أن الإنسان إذا لم يصم من أول الشهر فإنه لا يصوم من وسط الشهر، حتى يكون بذلك مستعداً للصيام، وعنده شيء من الاستجمام من أجل صيام رمضان. وعلى هذا فالحديث يدل على النهي عن الصيام في آخر الشهر، ولكن المقصود منه تعمد أن يصوم آخره، وأما إذا كان قد صام نصفه الأول وأضاف إليه شيئاً كثيراً من النصف الثاني فهذا لا بأس به؛ لأن هذا هو الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إنه كان يصوم أكثر شهر شعبان. وقوله: (قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء فأخذ بيده فأقامه) يعني: أقامه من المجلس، ولعل ذلك لحاجة أن يتكلم معه، ثم قال: (اللهم إن العلاء يحدث عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف رمضان فلا تصوموا)، فقال العلاء : اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك) يعني: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتصف شهر شعبان فلا تصوموا). تراجم رجال إسناد حديث: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء ]. عباد بن كثير متروك، و العلاء بن عبد الرحمن الحرقي الجهني صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [قال: إن هذا يحدث عن أبيه ]. أبوه عبد الرحمن ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. و عباد بن كثير متروك، ولكن الرواية هي عن العلاء مباشرة؛ لأنه قال: (اللهم إن أبي حدثني) وكان هذا الذي ذكر عن عباد أنه قال ما قال هو الذي سمع العلاء يحدث عن أبيه، فصار وجود عباد بن كثير لا علاقة له بالإسناد، ولا يؤثر في الإسناد شيئاً. طرق أخرى لحديث: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) وتراجم رجال أسانيدها [ قال أبو داود : رواه الثوري ، وشبل بن العلاء ، وأبو عميس ، و زهير بن محمد ، عن العلاء . ]. ذكر المصنف طرقاً أخرى للحديث فقال: رواه الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وشبل بن العلاء ]. شبل بن العلاء لم نجد له ترجمة في التهذيب والتقريب، وكأنه ليس من رجال أصحاب الكتب الستة، ولكنه هنا عند أبي داود في المعلقات، وأصحاب المؤلفات الذين ألفوا في الرجال لا يذكرون من كان في المعلقات، إلا أن يكون له رواية عن بقية أصحاب الكتب الستة غير أبي داود عن طريق الاتصال وليس في التعليق، فإنهم يذكرون ذلك، وهذا له ترجمة في لسان الميزان. كتابا لسان الميزان وميزان الاعتدال وبالمناسبة لسان الميزان هذا كتاب يعتبر إضافة إلى الكتب التي ألفت في رجال الكتب الستة، بمعنى: أن الذين يوجدون في لسان الميزان لا يوجدون في كتاب تهذيب الكمال والكتب التي تفرعت عنه، وهذا يعني أن فيه إضافة رجال إلى رجال، فرجل من رجال الكتب الستة لا يبحث عنه في لسان الميزان؛ لأن الذين في لسان الميزان كلهم خارجون عن رجال الكتب الستة، وعلى هذا فإذا كان الإنسان عنده تهذيب التهذيب أو تهذيب الكمال، وعنده لسان الميزان فيعلم أنه لا تكرر أو ازدواجية فيما بينهما بحيث إنه يأتي هنا ويأتي هنا، بل من كان من رجال أصحاب الكتب الستة فإنه يكون موجوداً في تهذيب الكمال وما تفرع عنه، وما لم يكن من رجال الكتب الستة فإنه يكون في لسان الميزان، وأما الميزان ففيه من رجال الكتب الستة، وفيه من غيرهم؛ لأن الذهبي رحمه الله في الميزان ذكر رجالاً ثقات ليدافع عنهم، ولينكر على من قدح فيهم، فمقصوده من إيرادهم هو الدفاع عنهم والذب عنهم، والإنكار على من ذكرهم في كتب الضعفاء أو قدح فيهم لأمر من الأمور التي لا يستحق أن يقدح بها. وله عبارات شديدة على من ينتقد أو يتكلم في بعض الرواة، فمن عباراته الشديدة أنه لما جاء عند ترجمة عبد الرحمن بن أبي حاتم ، وهو حافظ ابن حافظ وإمام ابن إمام، وهو صاحب الجرح والتعديل، وله كتاب الرد على الجهمية -ولكن لا نعلم له وجوداً- وكان الحافظ ابن حجر ينقل عنه في فتح الباري، وهو فاضل ومحدث وإمام، ومع هذا أورده الذهبي في كتاب الميزان من أجل أن أبا الفضل السليماني ذكره في كتاب الضعفاء، فقال: أورده أبو الفضل السليماني في الضعفاء فبئس ما صنع! يعني: من أن عبد الرحمن بن أبي حاتم يستحق أن يذكر في الضعفاء، وما ذكروا عنه شيئاً إلا أنه ممن يقول بتفضيل علي على عثمان ، وهذه مسألة لا يبدع من يقول بها. أي أن مسألة التفضيل بين علي و عثمان لا يبدع بما، وإن كان المشهور الذي استقر عليه أهل السنة أن عثمان مقدم على علي ، كما جاء عن ابن عمر أنه قال: (كنا نخير والرسول صلى الله عليه وسلم حي فنقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ) ولكن جاء عن بعض أهل السنة مثل عبد الرحمن بن أبي حاتم ، وعبد الرزاق ، وابن جرير ، والأعمش ، وعدد قليل من العلماء أنهم يفضلون علياً على عثمان. هذا فيما يتعلق بالفضل، وأما بالنسبة للخلافة فلا يقدحون في خلافة عثمان ، ولا يرون أن علياً مقدم على عثمان ، ولهذا قال بعض أهل العلم: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ لأنهم قدموا عثمان ، وهو الأحق بالخلافة، ورأيهم هو الذي يجب أن يتابع، ولكن من ناحية الفضل قد يولى المفضول مع وجود الفاضل، فالشيء الذي تكلم في عبد الرحمن بن أبي حاتم من أجله هو تقديم علي على عثمان ، وهذه لا تؤثر ولا يبدع من قال بها، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية، وإنما يبدع من يرى أنه أحق منه بالخلافة؛ لأن هذا اعتراض على اتفاق الصحابة، ومخالفة للصحابة، والصحابة هم أدرى وهم أعلم وهم الذين يعول على كلامهم بذلك رضي الله عنهم وأرضاهم. وكذلك عندما ترجم لعلي بن المديني ، فإنه ذكر عن العقيلي أنه ذكره في الضعفاء، وتكلم فيه واشتد في الكلام عليه، ودافع عن ابن المديني وقال: إن البخاري يقول: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني ، ثم يقول: أما لك عقل يا عقيلي ! تتكلم في علي بن المديني ؟! وعلي بن المديني هو الإمام الذي يقول فيه الإمام البخاري كذا وكذا، وذكر عبارات قوية في دفاعه عنه. أما ابن حجر رحمة الله عليه فاصطلاحه في كتاب اللسان أن كل رجل له ذكر في الكتب الستة لا يتعرض له، واللسان كما هو معلوم زمنه متأخر، يعني: أنه يذكر تراجم رواة إلى زمانه وإلى قريب من زمانه، فيذكر رجالاً من القرن السادس والسابع، ولهذا يمكن البحث عن الرجال المتأخرين في مثل اللسان، وفي مثل الميزان، ولا يبحث عنهم في تهذيب الكمال؛ لأن تهذيب الكمال خاص برجال الكتب الستة، وآخر أصحاب الكتب الستة موتاً هو النسائي ؛ إذ توفي سنة (303هـ)، فالرجال الذين في سنن النسائي لعل آخرهم يكون موته في أوائل القرن الرابع، أو منتصف القرن الرابع، وبعد ذلك لا يبحث عن الرجل في مثل هذه الكتب، ولكن يبحث عنه في اللسان وفي الميزان، وإذا ما وجد للرجل ترجمة في التهذيب وغيره فيمكن أن يبحث عنه في اللسان. تابع تراجم رجال إسناد طرق حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) قوله: [ وأبو عميس ]. أبو عميس هو عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وزهير بن محمد ]. زهير بن محمد ثقة، ورواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وما دام أنه خرج له أصحاب الكتب الستة فهو لا يكون ضعيفاً، وإنما معناه: أنه قدح فيه، ولكن لا يعني ذلك أنه يكون ضعيفاً؛ لأنه خرج له أصحاب الكتب الستة ومنهم البخاري و مسلم . [ عن العلاء ]. العلاء مر ذكره. إعلال عبد الرحمن بن مهدي لحديث: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) [ قال أبو داود : كان عبد الرحمن لا يحدث به، قلت لأحمد : لمَ؟ قال: لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه. قال أبو داود : وليس هذا عندي خلافه، ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه ]. أورد أبو داود قوله: (وكان عبد الرحمن لا يحدث به، قلت لأحمد : لمَ؟ قال: لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه). ثم قال أبو داود : (قال أحمد : ولم يكن عبد الرحمن يحدث به). يعني: لم يكن يحدث عبد الرحمن بن مهدي بهذا الحديث، قال: (لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان)، وهذا فيه أن شعبان لا يوصل برمضان؛ لأنه قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموه)، فهو عنده يخالف ذلك، لكن كما ذكرنا أنه يوفق بين هذا وبين الأحاديث التي وردت في الوصل، بأنه يجوز فيما إذا كان للإنسان عادة أو نذر، أما أن يتعمد أنه يصوم يوم الشك، أو اليوم الذي قبله فهذا جاء النهي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: هناك وصل وعدم وصل، وصل في أمر جاء ما يدل عليه، ومنع من الوصل في أمر جاء ما يدل عليه. وقوله: (لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه) يعني: خلاف ما جاء في هذا الحديث أنه يصل. (قال أبو داود : وليس هذا عندي خلافه، ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه) يعني: أنه ما جاء إلا من رواية العلاء عن أبيه، ولكن رواية العلاء عن أبيه يحتج بها ويعول عليها، والأحاديث يمكن أن يجمع بينها على اعتبار أن الإنسان لا يصوم إلا في آخر شعبان من أجل رمضان، وأما إذا كان صيامه من أجل عادة واتصل بشهر رمضان فهذا جاء في السنة ما يدل عليه."
__________________
|
#472
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [270] الحلقة (302) شرح سنن أبي داود [270] يثبت شهر رمضان بشهادة عدلين أو عدل واحد، ويثبت شهر شوال بشهادة عدلين، وعلى هذا دلت الأحاديث، وبعض العلماء قال: يثبت شوال بشهادة عدل واحد، وما دلت عليه الأحاديث هو الذي يعمل به ويعول عليه. ما جاء في شهادة رجلين على رؤية هلال شوال شرح حديث: ( عهد إلينا رسول الله أن ننسك للرؤية ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال. حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز أنبأنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن أبي مالك الأشجعي حدثنا حسين بن الحارث الجدلي من جديلة قيس، أن أمير مكة خطب ثم قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، فسألت الحسين بن الحارث : من أمير مكة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بعد، فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب ، ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأومأ بيده إلى رجل، قال الحسين : فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصدق، كان أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال، والمقصود من هذه الترجمة بيان أن هلال شوال يعتمد فيه على قول رجلين وشهادة رجلين، وهذا قول أكثر أهل العلم، ومنهم من رأى خلاف ذلك، وأنه لا فرق بين رمضان وشوال، وأنه يكفي في الرؤية واحد، ولكن أكثر العلماء على القول الأول أنه لابد فيه من شهادة رجلين، وأنه يعول فيه على شهادة رجلين. وأورد حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وفيه: قال الحسين بن الحارث الجدلي من جديلة قيس: إن أمير مكة خطب ثم قال: (عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما). وقوله: (أن ننسك للرؤية) يعني: رؤية هلال ذي الحجة، يعني: أن ننسك نسك الحج، ونذبح الأضاحي، ونصلي عيد الأضحى أو أن ثبوت عيد الأضحى وثبوت الحج إنما يكون بشهادة رجلين، يعني: إن شهد بذلك شاهدا عدل. وقوله: (فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما) يعني: نحن لم نره، ولكن إذا شهد عندنا شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، وأتينا بالنسك الذي هو الحج، والأنساك هي: الأضاحي والهدايا يوم عيد الأضحى وما بعده ونأتي بالحج أيضاً بناءً على هذه الشهادة، والحديث يتعلق بشهر ذي الحجة، وأورده أبو داود في شهر شوال؛ لأن ذاك فيه إثبات الحج، وإثبات عيد الأضحى، وهذا فيه إثبات عيد الفطر، فكل منهما فيه إثبات عيد، شهر شوال فيه أثبات عيد، وشهر ذي الحجة فيه إثبات عيد، فألحق هلال شوال بهلال ذي الحجة، وأورد أبو داود الحديث هنا للتشابه والتماثل بين الشهرين؛ لأن هذا فيه إثبات عيد وهذا فيه إثبات عيد. وقوله: (فسألت الحسين بن الحارث : من أمير مكة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بعد فقال: هو الحارث بن حاطب ) يعني: أن أبا مالك الأشجعي قال: سألت حسين بن الحارث : من أمير مكة؟ فقال: لا أدري، وبعد مدة لقيه وقال: هو فلان، يعني: سماه، وكان مما قاله الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأومأ بيده إلى رجل) يعني: شهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي قلته، وأومأ إلى رجل، فقال: من الرجل؟ قال: عبد الله بن عمر ، فقال عبد الله بن عمر : (بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: أننا نثبت الشهر بشهادة رجلين. تراجم رجال إسناد حديث: ( عهد إلينا رسول الله أن ننسك للرؤية ... ) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز ]. محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز الملقب صاعقة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أنبأنا سعيد بن سليمان ]. سعيد بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عباد ]. عباد بن العوام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مالك الأشجعي ]. أبو مالك الأشجعي هو سعد بن طارق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حسين بن الحارث الجدلي ]. حسين بن الحارث الجدلي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . قوله: (من جديلة قيس) يعني: أنه جدلي نسبة إلى جديلة قيس، وهي قبيلة من العرب. وأمير مكة هو الحارث بن حاطب ، ولكن الرواية هي عن عبد الله بن عمر ؛ لأنه أومأ وبعد ذلك حدث وقال بهذا أمرنا رسول الله، فهو مروي عنه وعن عبد الله بن عمر . إذاً: الحديث مروي عن صحابيين، عن الحارث وهو صحابي صغير أخرج له أبو داود و النسائي ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( اختلف الناس في آخر يوم من رمضان ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و خلف بن هشام المقرئ قالا: حدثنا أبو عوانة عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله وسلم بالله لأهل الهلال أمسٍ عشيةً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا، زاد خلف في حديثه: وأن يغدوا إلى مصلاهم) ]. أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه اختلف الناس في آخر يوم من رمضان وأصبحوا صائمين في ذلك اليوم، وبعد ذلك جاء أعرابيان وشهدا أنه أهلّ هلال رمضان البارحة عشية، يعني: أنهما رأياه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلاهم، يعني: من الغد، فدل هذا على اعتبار شهادة الرجلين في خروج شهر رمضان. وفيه أيضاً أنه إذا لم يحصل الإتيان بصلاة العيد بنفس اليوم إذا عُلم به متأخراً، فإنهم يأتون بها من الغد في نفس الوقت، وهذا يكون فيما إذا كان الخبر بعد الزوال، أما إذا كان قبل الزوال فإنه يمكنهم أن يأتوا بصلاة العيد في نفس اليوم الذي بلغهم الخبر. تراجم رجال إسناد حديث: ( اختلف الناس في آخر يوم من رمضان ... ) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ وخلف بن هشام المقرئ ]. خلف بن هشام المقرئ ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربعي بن حراش ]. ربعي بن حراش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من أصحاب النبي ]. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر. ما جاء في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان شرح حديث: ( جاء أعرابي إلى النبي فقال إني رأيت الهلال ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان. حدثنا محمد بن بكار بن الريان حدثنا الوليد يعني: ابن أبي ثور -ح وحدثنا الحسن بن علي حدثنا الحسين -يعني: الجعفي - عن زائدة المعنى عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، قال الحسن في حديثه: يعني: هلال رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال ! أذن في الناس فليصوموا غداً) ]. أورد أبو داود باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، يعني: أنه يكفي فيه شهادة رجل واحد. وأورد أبو داود فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أنه جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنه رأى الهلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال ! أذن في الناس فليصوموا غداً) وهذا فيه اعتبار شهادة الواحد، واعتبار الإخبار عن دخول الشهر بواحد، لكن الحديث من رواية سماك عن عكرمة ، ورواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب، لكنه قد جاءت بعض الأحاديث الأخرى تدل على ما دل عليه هذا الحديث، ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الذي فيه أنه رآه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر ذلك وأمر الناس بالصيام. وعلى هذا فإن الراجح أنه يقبل الواحد. تراجم رجال إسناد حديث: ( جاء أعرابي إلى النبي فقال إني رأيت الهلال .... ) قوله: [ حدثنا محمد بن بكار بن الريان ]. محمد بن بكار بن الريان ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا الوليد يعني: ابن أبي ثور ]. الوليد هو ابن عبد الله ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . لكن كما هو معلوم لم ينفرد، فهناك طريق آخر المعول عليه. [ ح وحدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا الحسين يعني: الجعفي ]. الحسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الوليد الذي في الطريق الأولى ضعيف، فالمعول على الطريق الثانية، والطريق الأولى هي مساعدة تنفع ولا تضر؛ لأن التعويل على غيرها وليس عليها، وأما لو حصل الانفراد فإن من يكون ضعيفاً لا يعول على حديثه. [ عن زائدة ]. زائدة بن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى: عن سماك ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وروايته عن عكرمة مضطربة. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( أنهم شكوا في هلال رمضان مرة فأرادوا ألا يقوموا .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن عكرمة : (أنهم شكوا في هلال رمضان مرة، فأرادوا ألا يقوموا ولا يصوموا، فجاء أعرابي من الحرة فشهد أنه رأى الهلال، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم، وشهد أنه رأى الهلال، فأمر بلالاً فنادى بالناس أن يقوموا وأن يصوموا) ]. أورد أبو داود الحديث المتقدم من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها إلا أن فيها ذكر القيام، والقيام المقصود به التراويح، أو صلاة قيام رمضان، يعني: قيام تلك الليلة التي دخل فيها الشهر؛ لأن ليلة اليوم تسبقه، فالناس يصلون التراويح قبل أن يصوموا في أول رمضان؛ لأن البدء يكون بالليل، والنهار تابع له. تراجم رجال إسناد حديث: ( أنهم شكوا في هلال رمضان مرة فأرادوا ألا يقوموا .... ) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك بن حرب عن عكرمة ]. سماك و عكرمة قد مر ذكرهما. وعكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا مرسل. [ قال أبو داود : رواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلاً، ولم يذكر القيام أحد إلا حماد بن سلمة ]. يعني: لم يذكر القيام إلا حماد بن سلمة في الطريق الأولى التي ذكرها المصنف، فالطريق الأولى التي ذكرها المصنف بإسنادها ومتنها هي التي فيها ذكر القيام، وهذه الرواية فيها اضطراب؛ لأنها من رواية سماك عن عكرمة و سماك مضطرب في روايته عن عكرمة . شرح حديث ابن عمر: ( تراءى الناس الهلال .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد و عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي وأنا لحديثه أتقن قالا: حدثنا مروان -هو ابن محمد - عن عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه وأمر الناس بصيامه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر الذي فيه أن الناس تراءوا الهلال وأنه رآه ولم يره أحد معه، وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأنه رآه، فصام وأمر الناس بصيامه، فدل هذا على اعتبار شهادة الواحد بدخول الشهر؛ لهذا الحديث الذي جاء عن ابن عمر ، وهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: ( تراءى الناس الهلال ... ) قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ]. عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي هو الدارمي صاحب المسند الإمام المشهور، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [ وأنا لحديثه أتقن ]. أي: حديث الشيخ الثاني عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي الدارمي . ومسند الدارمي يقال له: مسند، ويقال له: سنن الدارمي ، وكتاب الدارمي من العلماء من عده الكتاب السادس بدل سنن ابن ماجة ؛ لأن الكتاب السادس فيه ثلاثة أقوال: الأول: أن كتاب ابن ماجة هو سادس الكتب الستة، والقول الثاني: أن الموطأ هو سادس الكتب الستة، والقول الثالث: أن سنن الدارمي أو مسند الدارمي هو سادس الكتب الستة، لكن الذي اشتهر والذي عمل عليه أصحاب كتب الرجال هو سنن ابن ماجة ؛ وذلك لكثرة زياداته على الكتب الخمسة، فإن فيه أحاديث كثيرة زائدة تبلغ أكثر من ألف حديث، وقد جمع البوصيري زيادات ابن ماجة ، فمن أجل كثرة زياداته من الأحاديث اعتبروه السادس، وإلا فإن هناك قولاً: أن الموطأ لعلوه هو السادس، وأن مسند الدارمي كذلك أيضاً لعلوه هو السادس في قول آخر؛ لأن فيه خمسة عشر حديثاً من الأحاديث الثلاثيات؛ وهذا يعني أن عنده علواً في الإسناد. [ حدثنا مروان هو ابن محمد ]. مروان بن محمد بن حسان الأسدي الطاطري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبد الله بن سالم ]. يحيى بن عبد الله بن سالم صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبي بكر بن نافع ]. أبو بكر بن نافع يقال: اسمه عمر ، وهو ابن نافع مولى ابن عمر ، وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند مالك . [ عن أبيه ]. أبوه نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره."
__________________
|
#473
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [271] الحلقة (303) شرح سنن أبي داود [271] السحور من السنن المستحبة في الصيام، وهو فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، والتسحر بالتمر أحسن من غيره، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في توكيد السحور شرح حديث ( إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في توكيد السحور. حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عُلّي بن رباح عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب توكيد السحور، يعني: تأكده وأنه يحرص عليه ويؤتى به، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على ذلك في الصحيحين وفي غيرهما. والسُحور بالضم المقصود به: الفعل، والسَحور بالفتح المقصود به: الطعام الذي يؤكل، ولهذا نظائر، أي: ما كان بالفتح يراد به الشيء الذي يستعمل، وما كان بالضم يراد به نفس الاستعمال، كالطهور، والوضوء، والوجور، والسعوط، وغيرها، فالسَحور هو: اسم للطعام الذي يؤكل في السحر، والسُحور هو: نفس الأكل، والسَعوط هو الشيء الذي يوضع في الأنف، يعني: نفس الدواء الذي يوضع في الأنف، والسُعوط هو نفس الفعل، يعني: كونه يضع الدواء في الأنف. وأورد أبو داود حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) وهذا فيه توكيد السحور؛ لأن فيه مخالفة لأهل الكتاب، وأن هذا مما يتميز به المسلمون عن أهل الكتاب، وقيل: إن أهل الكتاب -كما جاء عن المسلمين في أول الأمر- كان الواحد منهم إذا نام ثم استيقظ فإنه لا يأكل شيئاً ويواصل إلى النهار الثاني حتى يأتي وقت الإفطار، وكان المسلمون كذلك في أول الأمر كما سبق أن مر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم إن الله تعالى خفف ويسر على المسلمين فنسخ ذلك الذي كان شرع أولاً وكان على المسلمين فيه مشقة، وأذن لهم أن يأكلوا ويشربوا ويجامعوا إلى طلوع الفجر، فالسحور مع كونه فيه بركة -كما جاءت بذلك الأحاديث- فيه مخالفة لأهل الكتاب. تراجم رجال إسناد حديث ( إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن المبارك ]. مسدد مر ذكره، وعبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن عُلّي بن رباح ]. موسى بن عُلّي بن رباح صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. عُلّي بن رباح ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ]. اسمه عبد الرحمن بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن العاص ]. عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ما جاء فيمن سمى السحور الغداء شرح حديث العرباض ( ... هلم إلى الغداء المبارك ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من سمى السحور الغداء. حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان فقال: هلم إلى الغداء المبارك) ]. أورد أبو داود باب من سمى السحور الغداء المبارك، والمقصود من هذه الترجمة أن السحور يقال له: غداء، وإنما قيل له: غداء؛ لأنه متصل بالغداة، يعني: أن أول النهار متصل به وقريب منه، ولهذا يقال لصلاة الفجر: صلاة الغداة، والغداء يكون قبل الزوال؛ لأن الغداء يكون في وقت الغداة، ووقت الغداة هو قبل الزوال، وما بعد الزوال يقال له: عشاء؛ لأنه من العشي؛ فالعشي يبدأ بالزوال والغداة تكون قبل الزوال. وقيل للسحور: غداء؛ لأنه بمثابة الغداء؛ ولأنه متصل بالغداة. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء عنهم في بعض الأحاديث الصحيحة أنهم قالوا: (ما كنا نقيل ولا نتغدى يوم الجمعة إلا بعد الجمعة) ؛ لأنهم كانوا يبكرون بالصلاة، وأما قبل ذلك فكانوا يقيلون ويتغدون قبل الزوال؛ لأن عندهم وجبتين وليس ثلاث وجبات كما عندنا الآن: فطور وغداء وعشاء، والغداء والعشاء عندنا كله في العشي، فصار الغداء عشاءً والعشاء عشاءً؛ لأنهما واقعان في العشي، يعني: بعد الزوال، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يبكرون إلى الصلاة، ولذا قالوا: (ما كنا نقيل ولا نتغدى يوم الجمعة إلا بعد الصلاة) وقبل ذلك كانوا يقيلون ويتغدون قبل الصلاة وقبل الزوال. أورد أبو داود حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور وقال: هلم إلى الغداء المبارك) وهذا مثل ما جاء: (تسحروا فإن في السحور بركة) فهنا في هذا الحديث قال: ( مبارك )، وقال في الحديث الآخر: (بركة). تراجم رجال إسناد حديث العرباض ( .... هلم إلى الغداء المبارك ) قوله: [ حدثنا عمرو بن محمد الناقد ]. عمرو بن محمد الناقد ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن خالد الخياط ]. حماد بن خالد الخياط ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يونس بن سيف ]. يونس بن سيف مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن الحارث بن زياد ]. الحارث بن زياد لين الحديث، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي رهم ]. أبو رهم هو أحزاب بن أسيد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن العرباض بن سارية ]. العرباض بن سارية رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. والإسناد فيه هذا الذي هو لين الحديث، والحديث صححه الألباني أو حسنه، ولعل ذلك إما لشواهد أو لأن الذي فيه مطابق لقوله: (تسحروا فإن في السحور بركة). شرح حديث ( نعم سحور المؤمن التمر ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمر بن الحسن بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن أبي الوزير أبو مطرف قال: حدثنا محمد بن موسى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم سحور المؤمن التمر) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (نعم سحور المؤمن التمر)، وهذا مطابقته للترجمة ليست واضحة؛ لأنه ليس فيه ذكر الغداء، فإن المصنف أورد الترجمة بعنوان: باب من سمى السحور الغداء، وعلى هذا فالحديث ليس فيه مطابقة للترجمة، ولكن فيه مدح التسحر بالتمر، حيث قال: (نعم السحور التمر)، والتمر كان قوتاً معتاداً، وقد جاء في الصحيح: (بيت لا تمر فيه جياع أهله)؛ لأن التمر كان طعاماً رئيسياً عندهم، وهذا يدل على أن التسحر بالتمر ممدوح؛ لأن (نعم) هذه من صيغ المدح كما هو معلوم. تراجم رجال إسناد حديث ( نعم سحور المؤمن التمر ) قوله: [ حدثنا عمر بن الحسن بن إبراهيم ]. عمر بن الحسن بن إبراهيم وهم والصواب: محمد بن الحسن بن إبراهيم ، هذا هو الصواب كما قال ذلك المزي وغيره، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن أبي الوزير أبو مطرف ]. محمد بن أبي الوزير ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: حدثنا محمد بن موسى ]. محمد بن موسى صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد المقبري ]. سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. وقت السحور شرح حديث ( لا يمنعن من سحوركم أذان بلال ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب وقت السُحور. حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه قال: سمعت سمرة بن جندب رضي الله عنه يخطب ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق الذي هكذا حتى يستطير) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في وقت السحور، يعني: وقت الأكل الذي يأكله الإنسان ليتقوى به على الصيام، ووقته قبل طلوع الفجر، وإذا طلع الفجر فإنه يمسك، وإذا كان المؤذن يعتني بالوقت ومعرفته فإنه يعول على أذانه، ومن المعلوم أن الأحكام الشرعية أنيطت بأمور طبيعية يعرفها الخاص والعام والحضري والبدوي، ولم تكن الأوقات الشرعية مبنية على أمور فيها خفاء وغموض ولا يعرفها إلا من عنده ذكاء وفطنة، وإنما هي مبنية على أمور مشاهدة معاينة، فطلوع الفجر يكون عنده الإمساك، ويكون عنده أداء صلاة الفجر، فإذا طلع الفجر وجب الإمساك عن الأكل والشرب وجاء وقت صلاة الفجر، وإذا جاء وقت الغروب أقبل الليل من المشرق وذهب النهار من المغرب، وإذا غربت الشمس جاء وقت الإفطار، فالصيام يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وكذلك الصلوات أيضاً مبنية على أمور مشاهدة، فبعد طلوع الفجر يبدأ وقت الفجر إلى طلوع الشمس، والظهر يبدأ من الزوال إلى أن يكون ظل الشيء مثله، وبعده مباشرة يبدأ وقت العصر إلى أن يكون ظل الشيء مثليه، وهذا في الوقت الاختياري، والوقت الاضطراري يكون إلى غروب الشمس، والمغرب يبدأ بغروب الشمس، والعشاء يبدأ بمغيب الشفق الأحمر، وهذه أمور مشاهدة معاينة، والشهر يعرف دخوله وخروجه برؤية الهلال، فهي أمور مشاهدة معاينة ليس فيها غموض وليس فيها شيء يحتاج إلى ذكاء وإلى فطنة، فوقت السحور يكون في وقت السحر آخر الليل، وإذا طلع الفجر يمسك عن الأكل والشرب ويأتي وقت أداء صلاة الفجر، وإذا كان الإنسان يشاهد ذلك في برية فإنه يعمل به، وإذا كان في مدينة أو في بلد والمؤذن يعتني بضبط الوقت وحفظ الوقت فإنه يعول على أذانه. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه كان يخطب ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان السنن وإعلانها على المنابر، وبيان الأحكام الشرعية في الخطب، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كانوا يفعلون، فسمرة يقول في خطبته: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنعن من سحوركم أذان بلال) أي: لأنه يؤذن بليل قبل طلوع الفجر الذي يحرم الأكل، بل كلوا واشربوا؛ لأن المؤذن الذي يؤذن الأذان الأول يؤذن في آخر الليل قبل طلوع الفجر، وذلك ليوقظ النائم ويرجع القائم، القائم أي: الذي كان يقوم الليل يستريح ويأخذ شيئاً من الراحة لينشط لصلاة الفجر، والذي يكون نائماً يستيقظ ليوتر إذا كان لم يوتر، وليتسحر إذا كان يريد أن يصوم، وليغتسل إذا كان عليه جنابة. وقوله: (ولا بياض الأفق الذي هكذا) يعني: الذي يسمونه الفجر الكاذب الذي يظهر مستطيلاً ولا يأتي معترضاً، وإنما هو مستطيل ممتد، فهذا الفجر الذي يظهر في الأفق مستطيلاً لا يمنع من الأكل والشرب حتى يأتي الفجر الذي يأتي عرضاً مع الأفق، ويتزايد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس، هذا هو الذي إذا وجد يكون عنده الإمساك، الذي يأتي عرضاً لا الذي يأتي طولاً. قوله: (ولا بياض الأفق الذي هكذا) فيه إشارة إلى أنه مستطيل وأنه ممتد في السماء ليس على جهة العرض. وقوله: (حتى يستطير) يعني: حتى يأتي عرضاً وذاك يذهب وينتهي، وأما الذي يأتي عرضاً فإنه يزيد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس. تراجم رجال إسناد حديث ( لا يمنعن من سحوركم أذان بلال ) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد بن درهم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن سوادة القشيري ]. عبد الله بن سوادة القشيري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. سوادة القشيري صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قال: سمعت سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ( لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن التيمي ح وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال: ينادي ليرجع قائمكم وينتبه نائمكم، وليس الفجر أن يقول -يعني: الفجر- هكذا) قال مسدد : وجمع يحيى كفيه (حتى يقول هكذا) ومد يحيى بأصبعيه السبابتين. أورد أبو داود حديث ابن مسعود وهو بمعنى حديث سمرة المتقدم، وفيه: (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره) يعني: أن له أن يأكل بعدما يؤذن بلال الأذان الأول الذي يكون في الليل قبل طلوع الفجر والذي يكون لغرض إيقاظ النائم وإرجاع القائم حتى يرجع إلى الراحة. وقوله: (فإنه يؤذن أو قال: ينادي ليرجع قائمكم وينتبه نائمكم، وليس الفجر أن يقول هكذا) هذا هو مثل ما تقدم في حديث سمرة ، والفجر الحقيقي ليس هو الفجر المستطيل في الأفق وإنما هو الفجر المعترض في الأفق، فالمستطيل في الأفق الذي يكون فيه اختلاط بياض بسواد وهو ممتد في الأفق لا يمنع من الأكل والشرب. وقوله: (وليس الفجر أن يقول هكذا) فيه إشارة إلى امتداده، وإنما الفجر يكون بالعرض. وقوله: (ليرجع قائمكم) يعني: يرجع قائمكم للراحة؛ لأنه يشتغل بالصلاة، فإذا جاء قرب صلاة الفجر يستريح. تراجم رجال إسناد حديث ( لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره .... ) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد مر ذكره، و يحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن التيمي ]. التيمي هو سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن يونس ]. ح للتحول من إسناد إلى إسناد، وأحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. زهير هو ابن معاوية ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب. [ حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان ]. سليمان التيمي هناك قال: عن التيمي فذكره بنسبته فقط، وهنا في الطريق الثانية ذكره باسمه ونسبته، و أبو عثمان هو النهدي وهو عبد الرحمن بن مُل أو مَل أو مِل مثلث الميم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ ومد يحيى بأصبعيه السبابتين ]. يعني: إما أن الأصبعين متصلتان ويشير إليهن باليسار أو أنه فرق بينهما وأشار إلى جهة اليمين والشمال. شرح حديث ( كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن النعمان قال: حدثني قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر). قال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل اليمامة ]. أورد أبو داود حديث طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يهيدنكم -يعني: لا يمنعنكم- الساطع المصعد) يعني: الذي يمتد في الأفق مستطيلاً، وهو الذي يسمونه الفجر الكاذب، والمراد: لا يمنعنكم من الأكل والشرب. وقوله: (حتى يعترض) يعني: حتى يعترض لكم الأحمر في الأفق، والأحمر هو الفجر الصادق، وقيل له: أحمر لأنه أول ما يخرج يكون فيه لون ليس بواضح من حيث البياض والخفاء، وقيل: إن الأحمر يراد به الأبيض، وقيل: إن الأحمر يطلق على الأبيض. يقال الأسود والأحمر يعني الأسود والأبيض. وقوله: (يهيدنكم) يعني: يمنعنكم، مثل ما تقدم. وتسميته بالساطع لأنه أول شيء يطلع، فأول شيء يطلع هو الفجر الكاذب. تراجم رجال إسناد حديث ( كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد ... ) قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ملازم بن عمرو ]. ملازم بن عمرو اليمامي صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الله بن النعمان ]. عبد الله بن النعمان اليمامي مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ قال: حدثني قيس بن طلق ]. قيس بن طلق صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه طلق بن علي رضي الله عنه، أخرج له أصحاب السنن. قال أبو داود : (وهذا مما تفرد به أهل اليمامة) يعني: أنه مسلسل باليماميين؛ لأن فيه أربعة يماميين والخامس الذي هو محمد بن الطباع بغدادي، والباقون من أهل اليمامة. والحديث فيه هذا المقبول، ولكن ما تقدم كله شاهد له؛ لأنه بمعناه. شرح حديث عدي بن حاتم (لما نزلت هذه الآية (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ...) ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس المعنى عن حصين عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: (( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ))[البقرة:187] قال: أخذت عقالاً أبيض وعقالاً أسود فوضعتهما تحت وسادتي، فنظرت فلم أتبين، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك فقال: إن وسادك إذاً لعريض طويل، إنما هو الليل والنهار) وقال عثمان : (إنما هو سواد الليل وبياض النهار) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه أنه لما نزل قول الله عز وجل: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] ظن أن الخيط الأسود والخيط الأبيض خيوطاً، فأخذ عقالين: واحداً أسود وواحداً أبيض وجعلهما تحت وسادته، وجعل ينظر إليهما حتى يتبين له الأسود من الأبيض، فجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (إن وسادك إذاً لطويل عريض) وفسر هذا بأن المقصود به: أن نومك كثير، وقيل: إن أكلك كثير، على اعتبار أنه يأكل حتى يحصل أنه يرى الفرق بين الخيطين الأبيض والأسود، وقيل: معناه: إذا كنت غطيت الشيء الذي ذكره الله عز وجل بوسادك -مع أن الذي ذكره الله إنما هو الأفق وبياض النهار وسواد الليل- إذاً وسادك الذي يغطي الأفق عريض. وفرض الصيام كان في أول الهجرة وكان ذلك في السنة الثانية، وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات، و عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه كان متأخر الإسلام، فيحمل قوله: (لما نزلت الآية) يعني: لما قرأ الآية أو بعدما أسلم وبلغته الآية وعلم الآية فهم منها هذا الفهم، وليس معنى ذلك أن نزولها كان متأخراً؛ لأن إسلام عدي بن حاتم كان متأخراً، والآية نزلت في وقت متقدم. فإذاً: يحمل ذلك على علمه بها ووصولها إليه وقراءته إياها، وأنه لما أسلم وبدأ يصوم، وقرأ الآية فهمها هذا الفهم وعند ذلك جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره وقال له ما قال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم لما نزلت الآية ( حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ... ) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير ]. مسدد مر ذكره، و حصين بن نمير لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا ابن إدريس ]. عبد الله بن إدريس الأودي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين ]. حصين هو ابن عبد الرحمن السلمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عدي بن حاتم ]. عدي بن حاتم رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. أهمية معرفة دخول الفجر الأصل هو بقاء الليل، ولكن الإنسان لا يهمل ويفرط، ويكون في مكان لا يتبين فيه الصبح أو لا يسمع فيه الأذان فيسمح لنفسه أن يأكل ويشرب فليحتاط، وفي هذا الزمان الاحتياط موجود والمعرفة موجودة بمعرفة الساعات ومعرفة الأذان الذي يكون على كذا والفجر يطرأ على كذا، فالإنسان ليس له أن يتهاون، ولكن لو أنه ظل يأكل وتبين له أنه طلع الفجر فإنه يتم صومه، والأصل هو بقاء الليل، ولكنه قد يكون في مكان يخفى فيه النور ثم يأكل أو يتهاون أو لا ينظر إلى الساعة التي فيها معرفة الوقت، فهذا من الإهمال والتفريط، وإلا فالأصل بقاء الليل. تفسير الخطابي لقوله (وسادك إذاً لعريض ) قال الخطابي : إن من معاني: (وسادك إذاً لعريض) أن العرب تقول: فلان عريض القفا، إذا كانت فيه غباوة وغفلة. وهذا مما قاله العرب، لكن لا يليق هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يقول عن صاحبه: إنه غبي وإنه كذا وكذا، فالذي يبدو أنه بعيد أن يكون مراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن صاحبه غبي وأنه كذا. الرجل يسمع النداء والإناء على يده شرح حديث ( إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده. حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده، يعني: يسمع أذان الصبح والإناء على يده، أي: ماذا يصنع؟ هل يشرب ويكمل الشرب أو ينزع ويترك؟ والجواب: أنه إذا كان المؤذن الذي يؤذن يعتمد عليه في معرفة الوقت فإن الإنسان إذا كان قد بدأ يشرب فإنه يكمل الشرب، ولكنه لا يبدأ بعد الأذان، وكونه عندما يسمع الأذان يبادر ويذهب ليشرب لا يجوز له ذلك؛ لأن الأذان حصل بعد دخول الوقت، وإذا دخل وقت الفجر فإنه يمنع الأكل ويبيح الصلاة، أي: صلاة الفجر؛ لأنه جاء وقتها، والأكل ذهب وقته في حق من يريد أن يصوم. فمن أذن المؤذن وهو يشرب فإنه يكمل الشرب، وإذا كان لم يبدأ فإنه لا يجوز له، وهذه المسألة من ضمن المسائل التي يقال فيها: يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، يعني: أن الإنسان لا يجوز له أن يبدأ الشرب، ولكنه إذا كان قد بدأ يكمل، وليس معناه أن الذي في فمه يقذفه ولا يشرب، بل يبلع الذي في فمه ويكمل أيضاً؛ لأن الذي جاء عنه التحديد جاء عنه استثناء هذه الحالة، فيجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء. وقول المصنف: (باب في الرجل) كلمة الرجل هذه لا مفهوم لها، فكذلك المرأة. ثم أيضاً لا يجوز أن يفهم من هذا أنه يمكن للإنسان أن يضع على يده كأساً ثم ينتظر الأذان، وإذا سمع الأذان بدأ يشرب، فهذا لا يجوز، بل يشرب ويقضي حاجته قبل ما يسمع الأذان، لكن إن بدأ يشرب وأذن المؤذن وقد بدأ فإنه يكمل وإن لم يبدأ فإنه لا يفعل. وإذا لم يكفه الكأس فليس له أن يأخذ كأساً ثانياً، لأنه قال: (حتى يقضي حاجته منه) يعني: من الكأس الذي في يده. وإذا كان يشرب شراباً مثل الماء فلا بأس، وأما الطعام كما هو معلوم فلا. تراجم رجال إسناد حديث (إذا سمع النداء والإناء على يده ...) قوله: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد ]. عبد الأعلى بن حماد النرسي لا بأس به، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عمرو ]. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحماد هنا غير منسوب فيحتمل أن يكون ابن سلمة ويحتمل أن يكون ابن زيد ، وفي ترجمة عبد الأعلى بن حماد ذكروا أنه يروي عن الحمادين: حماد بن زيد و حماد بن سلمة ، لكن في ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ذكروا أن الذي يروي عنه هو ابن سلمة فقط، فإذاً: يكون هو ابن سلمة ؛ لأن محمد بن عمرو شيخ لحماد بن سلمة ، وأما عبد الأعلى فهو تلميذ للاثنين . حماد بن زيد و حماد بن سلمة ، فإذاً: يكون حماد هو ابن سلمة . [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق."
__________________
|
#474
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [272] الحلقة (304) شرح سنن أبي داود [272] يستحب للصائم تعجيل الفطر وتأخير السحور، وأن يكون فطره على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء، فإنه طهور. وقت فطر الصائم شرح حديث ( إذا جاء الليل من ههنا وذهب النهار من ههنا ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب وقت فطر الصائم. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا هشام ح وحدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن هشام المعنى، قال هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء الليل من ههنا وذهب النهار من -زاد مسدد : وغابت الشمس- فقد أفطر الصائم) ]. بعدما ذكر أبو داود باب وقت إفطار الصائم، يعني: الوقت الذي ينتهي فيه السحور ويمسك الإنسان عن السحور ذكر الوقت الذي يبدأ فيه الأكل عند الإفطار، وهو بغروب الشمس، كما جاء في القرآن وكما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء الليل من ههنا -أي: المشرق- وذهب النهار من ههنا -أي: المغرب- فقد أفطر الصائم) زاد أحد شيخي أبي داود وهو مسدد : (وغربت الشمس) يعني: أنه ذهب النهار وجاء الليل والشمس قد حصل غروبها فإنه عند ذلك يأتي وقت الإفطار، وهذا أمر مشاهد ومعاين يعرفه الخاص والعام الحضري والبدوي وكل يعرف ذلك، وهذا من تيسير الشريعة وأحكامها وأنها مبنية على اليسر وعلى شيء يفهمه الخاص والعام. وقوله: (فقد أفطر الصائم) يعني: جاء وقت فطره، فإذا كان عنده طعام فإنه يأكل، وإذا لم يكن عنده طعام فإنه ينوي الإفطار. تراجم رجال إسناد حديث ( إذا جاء الليل من ههنا وذهب النهار من ههنا ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود ]. عبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا مسلماً . [ عن هشام المعنى قال هشام بن عروة عن أبيه ]. هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن عمر ]. عاصم بن عمر ثقة، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة فرضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. حكم الوصال إلى السحر قوله: (فقد أفطر الصائم) يعني: جاء وقت الإفطار، وأبيح له أن يأكل، وإذا لم يوجد شيء من الأكل ينوي الإفطار وينوي أنه انتهى صومه وأنه لا يزيد على ذلك صوماً. ومن أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر، فإذا كان أراد أن يواصل فقد جاء في الحديث الصحيح تجويز الوصال إلى السحر، وذلك في قوله: (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)؛ و الخطابي يقول: وفيه دليل على بطلان الوصال. ولعله يقصد الوصال المطلق الذي يوصل فيه بين الليل والنهار الذي بعده، أو أنه يرى أنه لا يواصل في الليل، ولكن الحديث جاء في الصحيح وفيه: (من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر). وقول العامة: إذا لم يجد الإنسان ما يفطر عليه يمص أصبعه هذا ليس له أساس. شرح حديث ( ... انزل فاجدح لنا ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا سليمان الشيباني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم، فلما غربت الشمس قال: يا بلال ! انزل فاجدح لنا. قال: يا رسول الله! لو أمسيت. قال: انزل فاجدح لنا. قال: يا رسول الله! إن عليك نهاراً. قال: انزل فاجدح لنا. فنزل فجدح، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم. وأشار بأصبعه قبل المشرق) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لبلال : انزل فاجدح لنا) والجدح هو: خلط السويق بالماء؛ وذلك بأن يحرك بالمجدح، والمجدح هو: عود يحرك به الشيء الذي يوضع في الماء حتى يلين وحتى يستساغ شربه. وقوله: (لو أمسيت) يعني: كأنه فهم أن الإفطار يكون عندما يذهب هذا الضياء الذي يكون بعد الشمس، فالرسول أمره مرة ثانية بأن ينزل فقال: (إن عليك نهاراً) وكأنه فهم أن النهار هو الضياء الموجود بعد الشمس، فقال: (انزل) فنزل ففعل، وشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقبل الليل من ههنا -وأشار بيده إلى المشرق- فقد أفطر الصائم) وهذا مثل الذي قبله. تراجم رجال إسناد حديث ( ... انزل فاجدح لنا ... ) قوله: [ حدثنا مسدد عن عبد الواحد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان الشيباني ]. سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى ]. عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد رباعي، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود . ما يستحب من تعجيل الفطر شرح حديث ( لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يستحب من تعجيل الفطر. حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد -يعني: ابن عمرو- عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون) ]. أورد أبو داود باب ما يستحب من تعجيل الفطر. يعني: أنه يستحب تعجيل الإفطار بعد تحقق الغروب، والسحور يستحب تأخيره إلى طلوع الفجر. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة مرفوعاً: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون) فأرشدهم إلى أنهم يفعلون ما فيه مصلحة لهم، وهي أنهم يأخذون بالشيء الذي شرع لهم، وفي نفس الوقت أيضاً يخالفون اليهود والنصارى الذين جاءت السنة بمخالفتهم في أمور كثيرة، فتعجيل الإفطار فيه مصلحة وهي عدم إنهاك النفس وعدم إتعابها وعدم المشقة عليها بطول المكث في الصيام الذي يكون عليها معه مشقة، وأيضاً فيه المخالفة لليهود والنصارى، ومحل الشاهد من ذلك قوله: (لا يزال الدين ظاهراً) ]. وفسر قوله: (ظاهراً) بأنه غالب، وفسر بأنه قوي، وفسر بتفسيرات متقاربة، والمقصود بذلك: كون المسلمين يتمسكون بدينهم ويأخذون بشرائع دينهم، فهذا يدل على قوة إيمانهم وعلى قوة يقينهم، وأيضاً في ذلك مخالفة لأعدائهم اليهود والنصارى. تراجم رجال إسناد حديث ( لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ... ) قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية الواسطي ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد]. خالد هو ابن عبد الله الواسطي الطحان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد -يعني: ابن عمرو - عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. محمد بن عمرو و أبو سلمة و أبو هريرة قد مر ذكرهم. شرح حديث عائشة في تعجيل رسول الله الإفطار والصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها أنا و مسروق فقلنا: يا أم المؤمنين! رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قلنا: عبد الله . قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه دخل عليها أبو عطية و مسروق بن الأجدع وقالا لها: (رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والثاني يؤخر الصلاة ويؤخر الإفطار، فقالت: أيهما يعجل الصلاة والإفطار؟ قالا: عبد الله -يعني: ابن مسعود - فقالت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) فهذا يدل على ما ترجم له المصنف من استحباب تعجيل الإفطار؛ لأن هذا هو الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الرجل الثاني فهو أبو موسى الأشعري ، كما جاء ذلك في صحيح مسلم ، فعبد الله بن مسعود هو الذي كان يعجل و أبو موسى الأشعري هو الذي كان يؤخر. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تعجيل رسول الله الإفطار والصلاة قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن عمير ]. عمارة بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عطية ]. أبو عطية هو مالك بن عامر الوادعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، و مسروق بن الأجدع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: دخلت على عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما يفطَر عليه شرح حديث ( إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يفطر عليه. حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر عمها رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء؛ فإن الماء طهور) ]. أورد أبو داود باب ما يفطر عليه، يعني: الأكل الذي يأكله الإنسان أول ما يأكله عند انتهاء صومه، وقد جاء في السنة أنه يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى التمر، فإن لم يجد فعلى الماء. وقد أورد أبو داود حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى، الماء فإنه طهور)، وهنا ذكر التمر وذكر الماء، وفي الحديث الذي بعده ذكر الرطب ثم التمر ثم الماء، ولعل ذكر التمر والاقتصار عليه دون الرطب إنما هو لأن الرطب لا يأتي في كل وقت وإنما يأتي في وقت الثمرة، وأما التمر فإنه موجود في السنة كلها، فذكره والاقتصار عليه إنما هو لأنه هو الدائم عند الناس في أيام السنة كلها، بخلاف الرطب فإنه لا يكون عندهم إلا في وقت معين، إذ إنه لم يكن يوجد عندهم إلا في وقت الثمرة، وهذا يدل على أن التمر أو الرطب أحسن شيء يأكله الإنسان عند إفطاره، ليدخل إلى جوفه ذلك الشيء الحلو، وقد مر في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح التمر فقال: (نعم السحور التمر). وقد جاءت السنة بالتحنيك بالتمر، فالمولود أول شيء يدخل إلى جوفه هو التمر، وذلك بأن يمضغ ثم يدلك به حنكه حتى يكون أول شيء يدخل إلى جوفه هو حلاوة التمر. وقوله: (فإن الماء طهور) هذا مدح له، وبيان أنه موصوف بهذا الوصف الطيب، والماء من نعم الله عز وجل، وقد قال الله تعالى في القرآن: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]. تراجم رجال إسناد حديث ( إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر ... ) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول ]. عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حفصة بنت سيرين ]. حفصة بنت سيرين ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن الرباب ]. الرباب مقبولة، أخرج لها البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن سلمان بن عامر ]. سلمان بن عامر رضي الله عنه هو عم الرباب ، وهو صحابي أخرج له البخاري وأصحاب السنن. والحديث ضعفه الألباني من أجل الرباب ؛ لأنها مقبولة، ولكن الحديث الذي بعده هو بمعناه، وليس فيه إلا زيادة أنه طهور، وليس فيه ذكر الرطب، وعدم ذكر الرطب في هذا الحديث يدل عليه ذكره في الحديث الآخر، فإذا كانت الثلاثة موجودة فيبدأ بالرطب ثم التمر، فإذا كان الرطب موجوداً فيبدأ به، وإن لم يكن موجوداً ينتقل إلى التمر، والتمر يكون موجوداً في طول السنة، والرطب لا يوجد إلا في وقت الثمرة، فإن لم يوجد التمر ينتقل إلى الماء. فهذا الحديث وإن كان فيه كلام إلا أن الحديث الآخر يدل عليه. شرح حديث ( كان رسول الله يفطر على رطبات .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء) ]. أورد أبو داود حديث أنس ، وفيه بيان ما كان يفطر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد أفطر على تمرات، وإلا حسا حسوات من ماء، وكان ذلك قبل أن يصلي، يعني: أنه لا يؤخر الإفطار إلى بعد الصلاة؛ لأن هذا فيه موافقة لليهود والنصارى، وإنما عليه أن يبادر بالإفطار بعد تحقق الغروب. وقوله: (حسا حسوات) يعني: أنه شرب عدة مرات، لكن ليس معنى ذلك أنه يكثر الشرب؛ لأن كلمة (تمرات) وكلمة (رطبات) تشير إلى القلة أو التقليل، والحسوات هي بمعناها، يعني: أنه يمكن أنه كان يشرب ثلاثة أنفاس، يعني: أنه يقسم شربه على ثلاثة أنفاس. ترجم رجال إسناد حديث ( كان رسول الله يفطر على رطبات ) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جعفر بن سليمان ]. جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ثابت البناني ]. ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. القول عند الإفطار شرح حديث ( كان رسول إذا أفطر قال ذهب الظمأ ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القول عند الإفطار. حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد حدثنا علي بن الحسن أخبرني الحسين بن واقد حدثنا مروان -يعني: ابن سالم المقفع - قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب القول عند الإفطار، أي: الشيء الذي يقوله عند إفطاره. وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) والظمأ هو: العطش الذي كان موجوداً من قبل بسبب الصيام، وهو يذهب بشرب الماء. وقوله: ( وابتلت العروق ) يعني: التي كانت قد يبست بسبب الإمساك والامتناع عن الأكل والشرب. وقوله: (وثبت الأجر إن شاء الله) يعني: أن العمل الصالح قد تم وانتهى، وأن الأجر قد حصل، وهذا ليس دعاءً وإنما هو إخبار؛ لأن الجمل قبله كلها إخبار. وقوله: ( إن شاء الله ) يعني: حتى لا يكون الإنسان جازماً بالشيء، وليس الأمر كما تقوله المعتزلة من أن الجزاء إنما هو عوض عن العمل وأنه ليس هناك فضل، بل الفضل لله عز وجل في الجزاء على الأعمال، وليست القضية قضية معاوضة بين الله عز وجل والناس، بل الله متفضل عليهم بالأجر والثواب كما أنه هو المتفضل عليهم بالعمل الذي كان سبباً في الأجر والثواب، فالله عز وجل تفضل عليهم بالتوفيق للعمل وتفضل عليهم بالجزاء على العمل، فلله الفضل أولاً وآخراً على التوفيق للأعمال الصالحة، وعلى حصول الأعمال الصالحة. وقد جاء في الحديث: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه) ، ففرحته عند فطره لأنه أتم العبادة؛ فهو يفرح لأنه أتى بشيء مشروع تعبده الله تعالى به يرجو ثوابه، وفرحته عند لقاء ربه حيث يجد ثواب الله عز وجل على ذلك العمل الذي عمله لله عز وجل. فيقال: (إن شاء الله) للتبرك بذكر الله عز وجل، وقال بعض أهل العلم: إن هذا فيه إشارة إلى أن الأمر كله إلى الله عز وجل، وأنه كله بيد الله سبحانه وتعالى، وليست القضية قضية معاوضة بين الله تعالى وخلقه كما تقوله المعتزلة، وأن دخول الجنة إنما هو عوض عن العمل الصالح، بل الله تعالى هو المتفضل بالأعمال الصالحة وبالتوفيق لها، ثم إنه سبحانه هو المتفضل بالثواب علها. وقوله: [ رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف ]. وأورد أبو داود عن ابن عمر أنه كان يقبض بكفه على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، يعني: ما زاد على القبضة، وهذا فعل ابن عمر رضي الله عنه ثابت عنه، ولكن الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يأخذ من لحيته شيئاً، فالأخذ بما علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتعين، وأما ابن عمر رضي الله عنه فلا يؤخذ بقوله ولا يعول على فعله، وإنما يعول على ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان لا يأخذ في لحيته شيئاً. وقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) يعني: إنه كان إذا أفطر قال هذا الكلام. تراجم رجال إسناد حديث ( كان رسول الله إذا أفطر قال ذهب الظمأ .. ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد ]. عبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد الطرسوسي المعروف بالضعيف ، و لقب الضعيف لهزاله ونحولة جسمه وكثرة عبادته، هذا هو وجه تلقيبه بالضعيف ، وليس ما قد يتبادر إلى الذهن من أنه ضعيف في الرواية؛ لأن هناك نسباً تأتي قد لا تتبادر إلى الذهن، وقد يتبادر إلى الذهن غيرها، مثل لقب هذا: الضعيف ؛ فإنه قد يفهم منه -لاسيما إذا كان الكلام في الرجال وحول الرجال- أنه ضعيف من حيث الرواية، وإنما هو ضعيف من حيث الجسم، ومثله راوٍ آخر يلقب الضال؛ لأنه ضل في طريق مكة وضاع، فصار يلقب الضال ، وقد يتبادر إلى الذهن أنه من الضلال الذي هو ضد الهدى، وإنما ضل الطريق فقيل له: الضال ، ومثل ذلك خالد الحذاء ، فقد يتبادر إلى الذهن أنه كان يصنع الأحذية ويبيعها، وهو إنما كان يجلس عند الحذائين، وكذلك يزيد الفقير الذي قد يظن أنه فقير من جهة المال، وإنما كان يشكو فقار ظهره فقيل له: الفقير ، فهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن. وعبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد الملقب الضعيف هو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا علي بن الحسن ]. علي بن الحسن بن شقيق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني الحسين بن واقد ]. الحسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا مروان يعني: ابن سالم المقفع ]. مروان بن سالم المقفع مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: رأيت ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره. شرح حديث ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا هشيم عن حصين عن معاذ بن زهرة أنه بلغه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) ]. أورد أبو داود هذا الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) وهذا الحديث مرسل؛ لأنه قال: بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كذا، فلم يذكر الواسطة، وعلى هذا فهو غير صحيح، ولكن الإنسان إذا دعا بهذا الدعاء أو بغيره من الأدعية التي لا يعتقد أنها سنة ولا يعتبر أنها ثابتة ولا يعتقد أنه حين يقولها يأتي بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يعتقد أنه يدعو بدعاء يرجو من الله تعالى قبوله عند أداء هذه العبادة، ويسأل الله تعالى له المغفرة فلا بأس بذلك، ولكن كونه يقول: هذه سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز ذلك إلا بعد ثبوتها عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا لم يثبت؛ لأنه جاء من طريق مرسلة غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث ( ... اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا هشيم ]. هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين عن معاذ بن زهرة ]. حصين هو ابن عبد الرحمن مر ذكره، ومعاذ بن زهرة مقبول، أخرج له أبو داود . فمع كونه أرسله والواسطة محذوفة فالمرسل أيضاً مقبول يحتاج إلى متابعة، ولو كان ثقة فعلة الإرسال والانقطاع موجودة. الفطر قبل غروب الشمس شرح حديث أسماء ( أفطرنا يوماً في رمضان في غيم في عهد رسول الله ..... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الفطر قبل غروب الشمس. حدثنا هارون بن عبد الله و محمد بن العلاء المعنى قالا: حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا يوماً في رمضان في غيم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) قال أبو أسامة : قلت لهشام : أُمروا بالقضاء؟ قال: وبد من ذلك؟! ]. أورد أبو داود باب الفطر قبل غروب الشمس، يعني: إذا حصل الإفطار قبل غروب الشمس ثم تبين أن الغروب ليس بصحيح وأنه لم يقع بعد غروب الشمس؛ وأن ما وقع من الفطر كان قبل غروبها ، فهل يتعين القضاء أو أنه لا قضاء؟ جمهور العلماء على أن عليه أن يقضي، وبعضهم قال بأنه لا يقضي قياساً على الناسي. وأورد أبو داود حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس، يعني: ظهرت الشمس وتبين أنها لم تغرب، وأنهم أفطروا في النهار، فقال أبو أسامة الذي يروي عن هشام : وهل قضوا؟ قال: وهل بد من القضاء؟! يعني: أنه لابد من القضاء، لأنهم حصل منهم الإفطار في وقت لا يجوز لهم الإفطار، وهذا لا يشبه الناسي؛ لأن الناسي غير مكلف أما هذا فهو مكلف، يعني: أن بإمكانه أن ينتظر وأن يحتاط، وبدلاً من أن يستعجل ينتظر، وبدلاً من أن يتقدم يتأخر، فجمهور أهل العلم على أن من أفطر قبل غروب الشمس فعليه القضاء، وبعضهم قال: إنه لا قضاء عليه قياساً على النسيان. والصحيح أن عليه أن يقضي إذا حصل منه ذلك. تراجم رجال إسناد حديث أسماء ( أفطرنا يوماً في رمضان في غيم في عهد رسول الله ... ) قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا أبو أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر ]. هشام بن عروة ثقة مر ذكره، و فاطمة بنت المنذر بن الزبير ابنة عم هشام ، وهي زوجته، و هشام يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام ، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن أسماء بنت أبي بكر ]. أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة الإتيان بدعاء (ذهب الظمأ ...) في الصيف وغيره السؤال: حديث: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) هل هذا الإخبار خاص بمن حصل له ذلك في حال الصيف، أم يقوله الذي صام وإن لم يشعر بجفاف عروق ولا ظمأ؟ الجواب: الذي يبدو أنه يقال مطلقاً؛ لأن الظمأ يوجد ولكنه يتفاوت. وهذا الذكر يقال قبل الإفطار أو بعده، والأمر في هذا واسع. وجه ذكر فعل ابن عمر في أخذه من لحيته في كتاب الصيام السؤال: ما هو الارتباط بين قول مروان بن سالم المقفع : رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، وذكر الدعاء الذي يقال عند الإفطار في حديث واحد؟ الجواب: كأنه ذكر حديثين عنه، أحدهما يتعلق بفعله والآخر يتعلق بالصيام. حكم أخذ الإعانات من الحكومات الكافرة السؤال: أنا مسلم أقيم بفرنسا، والحكومة الفرنسية تمنح إعانات للمقيمين كالمنح العائلية ومنحة البطالة وغيرها، فهل يجوز لنا أخذ هذه الإعانات؟ الجواب: إذا كان الإنسان محتاجاً فيجوز له أن يأخذ. حكم الاعتماد على التوقيت في طلوع الفجر وغروب الشمس السؤال: الآن أذان الفجر وأذان المغرب إنما هما مبنيان على التوقيت وليس على طلوع الفجر ولا على غروب الشمس، فهل لنا الاعتماد على ذلك في الصيام؟ الجواب: المؤذنون ليسوا على حد سواء، ففيهم الذين يجتهدون ويعتنون، وفيهم الذين ليس عندهم الدقة ولا العناية التامة، وقد يكون الفرق بين التوقيت والواقع شيئاً يسيراً، فمثلاً بعد غروب الشمس يتأخرون عن الأذان دقائق للاحتياط. والناس يصلون الفجر بعد دخول وقت الفجر؛ لأن الصلاة تكون بعد الأذان بخمس وعشرين دقيقة أو بعشرين دقيقة، لكن ينبغي تحري الأذان وقت طلوع الفجر؛ لأن النساء يصلين بمجرد سماع الأذان. مقدار الوقت بين الأذان الأول والأذان الثاني في الفجر السؤال: كم الوقت بين الأذان الأول والأذان الثاني في الفجر؟ الجواب: لا أعلم تحديد ذلك بالضبط، ولكن لابد أن يكون وقتاً كافياً لأن يصلي الإنسان وتره إذا كان قد استيقظ وهو لم يصل، أو يكفيه إذا كان يريد أن يتسحر، فالوقت الكافي يمكن أن يكون في حدود الساعة أو قريباً من الساعة، ومثل هذا الوقت وقت طيب. معنى قول ابن عمر ( تراءى الناس الهلال ) السؤال: في حديث ابن عمر قال: (تراءى الناس الهلال) والظاهر من الحديث أنها ليست شهادة واحدة؛ لأن الناس رأوه، فما هو معنى الحديث؟ الجواب: الناس لم يروه، وإنما رآه ابن عمر فقط، وكونهم كانوا يتراءونه معناه: أن الكل كانوا يبحثون عنه ولكن ما كل من ينظر يحصله، ولا كل من يبحث عنه يحصله، وكثير من الناس ينظرون في السماء ولا يحصلونه، لكن ابن عمر حصله. حكم طاعة الوالدين في طلاق الزوجة السؤال: أنا شاب متزوج من امرأة طيبة، ولي من الزواج بها خمس سنوات، ولم تنجب، وأريد علاجها، ووالدي ووالدتي يصرون على الزواج بأخرى، وأنا رافض، هل علي ذنب لأني لم أطلع والدي؟ الجواب: أنت أدرى بنفسك وأعلم بنفسك، فإذا كان عندك قدرة على الزواج ورأيت أنك تتزوج وأن المصلحة لك في أن تتزوج لعلك أن تحصل أولاداً فافعل، وكونها طيبة احتفظ بها، ولعل التي تأتي تكون أيضاً طيبة، وهذه لعلها تنجب والتي تأتي أيضاً تنجب، ولا يُدرى هل ذلك منك أو منها، ولا يدرى هل العيب فيك أو فيها، فكونك تعالج أو هي تعالج أو من يعرف فيه العيب يعالج يفعل ولا بأس، فإن كان عندك قدرة على الزواج من الثانية ويمكنك ذلك فافعل. حكم الاستمناء السؤال: ما حكم من استمنى وهو صائم؟ الجواب من فعل هذا فقد فعل -والعياذ بالله- أمراً محرماً؛ لأن الاستمناء حرام في جميع الأحوال، ولكنه في الصيام يكون أشد وأعظم، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7] وهذا مما وراء ذلك؛ لأن (وراء ذلك) لفظ عام يشمل كل شيء غير الزوجة وغير ملك اليمين."
__________________
|
#475
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [273] الحلقة (305) شرح سنن أبي داود [273] شرع للصائم تعجيل الفطر وتأخير السحور، ونهي عن الوصال تخفيفاً وتيسيراً، كما نهي عن الغيبة وقول الزور، وعن الفحش والجهل حتى يصون صومه من الآثام، وسن له الاستياك زيادة في التطهير. الوصال شرح حديث ( أن رسول الله نهى عن الوصال ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوصال. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟! قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان باب في الوصال أي: في حكمه، والوصال هو: أن يصل الصائم الليل بالنهار فيصوم اليومين لا يأكل بينهما شيئاً، هذا هو الوصال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وكان يواصل عليه الصلاة والسلام. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل. قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى). فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يواصل، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يواصلون اقتداءً به، فنهاهم عن الوصال، ولما نهاهم عن شيء هو يفعله صلى الله عليه وسلم ذكّروه بفعله وأنهم إنما يفعلون ذلك اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، فقال: (إني لست كهيئتكم) أي: هناك فرق بيني وبينكم وهو أني أطعم وأسقى. وفسر كونه يطعم ويسقى بتفسيرين: أحدهما: أن يكون على حقيقته، وأنه يطعم ويسقى حقيقة، ولكنه ليس كالذي يحصل في الدنيا من كونه يأكل ويشرب وهو صائم، ولكنه كما جاء في بعض الأحاديث: (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) يعني: يحصل له شيء في النوم فيحصل له ذلك حقيقة. وقيل: إن المقصود من ذلك أنه يعطى قوة الآكل والشارب وكأنه لم يترك الأكل والشرب لما أعطاه الله عز وجل من القوة، فيكون هذا هو الفرق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونهيه إياهم عن الوصال هو من شفقته عليهم صلى الله عليه وسلم، وهو كما وصفه الله عز وجل في كتابه العزيز: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]. وقد جاء في بعض الروايات: أنه لما رآهم راغبين بأن يفعلوا كما فعل وقد بين لهم الفرق بينه وبينهم واصل بهم في آخر الشهر وقال: (لو تأخر الهلال لزدتكم.. كالمنكل لهم) يعني: يريد أن يوقفهم بالفعل على ما يلحقهم من الضرر بسبب الوصال، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يواصل هو ليس كمثلهم؛ لأن له ميزة عليهم، وهي أنه يطعم ويسقى صلى الله عليه وسلم، فيكون وصاله بهم بعد أن ألحوا بأن يفعلوا كما فعل صلى الله عليه وسلم تنكيلاً لهم؛ فإنه واصل بهم وقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم.. كالمنكل لهم) يعني: أنه فعل هذا تنكيلاً بهم، وهذا يشبه ما يحصل في المشاهدة من أنه إذا كان الطفل يريد أنه يأتي إلى ويحاول أن يقع فيها فيأخذ وليه بطرف إصبعه ويلمسه شيئاً حاراً حتى يقف على الضرر، وحتى يعرف الضرر فيتركه ويبتعد عنه، فجاء النهي عن الوصال، ولكنه جاء ما يدل على جوازه إلى السحر، كما جاء في صحيح البخاري وفي غيره وكذلك سيأتي عند أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) يعني: يوماً وليلة فقط من طلوع الفجر إلى أن يأتي وقت السحر، بحيث يتسحر فيصوم الليل والنهار، مع أن ترك الوصال هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) ومعنى هذا: أن الترك هو الأولى، بل قد جاءت السنة بالترغيب في تأخير السحور وتعجيل الفطر وذلك للإبقاء عليهم، وفي ذلك الشفقة عليهم والرأفة بهم والرحمة بهم من الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث( أن رسول الله نهى عن الوصال .... ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس الإمام الفقيه المحدث أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي من أعلى ما يكون عند أبي داود ؛ لأن في الإسناد بين أبي داود ورسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص أو أربع وسائط. شرح حديث (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد أن بكر بن مضر حدثهم عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ، قالوا: فإنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم؛ إن لي مطعماً يطعمني وساقياً يسقيني) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث ابن عمر المتقدم يعني: نهى عن الوصال وقالوا له: إنك تواصل؟ فقال: (إني لست كهيئتكم) وفيه زيادة: (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) يعني: من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر فقط، بحيث إنه يأكل في وقت السحر ليتقوى على الصيام المستقبل، يعني: ليس لأنه لو واصل حتى طلوع الفجر يكون قد واصل اليومين والليلة، ولكن كونه يواصل إلى السحر فيأكل سحوراً، ويتقوى على الصيام المستقبل، فهذا جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال: وقال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) فمعناه: من أراد فليواصل إلى كذا، وتركه أولى لكون الإنسان يصوم النهار فقط من طلوع الشمس إلى غروبها، هذا هو الأولى بدون وصال، وإن واصل فليكن إلى السحر فقط، وليس أكثر من ذلك، والراجح في النهي عن الوصال أنه للتحريم. تراجم رجال إسناد حديث (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل ...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر بن مضر ]. بكر بن مضر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة . [ عن ابن الهاد ]. ابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن الهاد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن خباب ]. عبد الله بن خباب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري ، مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر و عائشة أم المؤمنين، ستة رجال وامرأة واحدة، رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. ما جاء في تحريم الغيبة على الصائم شرح حديث أبي هريرة (من لم يدع قول الزور والعمل به...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الغيبة للصائم. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) قال أحمد : فهمت إسناده من ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه ]. أورد أبو داود باباً في الغيبة، يعني: كونها تحصل من الصائم، وهل تؤثر على صومه؟ الغيبة محرمة في جميع الأوقات، ولكن عندما يكون الإنسان متلبساً بعبادة يكون الأمر أشد وأعظم، وإلا فإن الغيبة محرمة دائماً وأبداً إلا ما استثني منها فيما يتعلق بنصيحة ومشورة وجرح الرواة والشهود، وما إلى ذلك من الأمور التي هي سائغة، وإلا فإن الأصل هو تحريمها دائماً وأبداً، ولكن إيرادها والتنصيص عليها في الصيام يدل على خطورتها أكثر وأشد؛ لأن المتلبس بالعبادة حصول المعصية منه أعظم من حصولها من غير متلبس بها، وكذلك كون الأمور المحرمة تحصل في بعض الأزمنة والأمكنة الفاضلة لا شك أنها أخطر وأشد من فعلها في أزمنة وأمكنة أخرى، ليست ذات ميزة وفضل وشرف على غيرها من الأزمان أو الأمكنة. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) الله عز وجل ليس بحاجة إلى العباد وإلى طاعاتهم، لا تنفعه طاعات المطيعين، ولا تضره معاصي العاصين، بل هو النافع الضار، وإنما تنفع الطاعة أصحابها، وتضر المعاصي أصحابها، فالضرر يعود عليهم، والله تعالى ليس له حاجة في أعمالهم، ولا تضره معاصيهم، و إنما هو النافع الضار سبحانه وتعالى. قوله: [ (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ]. معنى هذا أنه صام وترك الأكل والشرب وهي من الأشياء المباحة، إلا أنه حيل بينه وبينها من أجل الصيام، ولم يترك الشيء المحرم الذي لا يجوز له لا في الصيام ولا في غير الصيام مثل الغيبة، وهذا فيه بيان خطورة المعاصي، وأنها تنقص الأجر وتضعفه، وقد تكون سبباً في حرمان الأجر، ولكن لا يعني ذلك أن من حصل منه غيبة أنه يعتبر قد أفطر، وفسد صومه، وأن عليه أن يقضي يوماً آخر؛ وإنما عليه أن يستغفر الله عز وجل ويتوب مما حصل منه من الغيبة. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (من لم يدع قول الزور والعمل به...) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. [ قال أحمد : فهمت إسناده من ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه ]. يعني: أحمد بن يونس الذي في أول الإسناد، وهو شيخ أبي داود ، قال: (فهمت إسناده من ابن أبي ذئب) الذي هو شيخه، قال: وأفهمني الحديث يعني المتن رجل إلى جنبه. قوله: [ أراه ابن أخيه ]. يعني: ابن أخي ابن أبي ذئب، وهذا يفيد بأنه فهم الإسناد وضبطه من ابن أبي ذئب، ولكن كأن هناك شيئاً جعله لا يضبط المتن تماماً من ابن أبي ذئب، إما لبعده أو لأمر من الأمور، أو عارض من العوارض، ولكنه ثبته له ونبهه عليه، أو بين له نفس المتن شخص إلى جنبه. شرح حديث أبي هريرة (الصيام جنة...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم! إني صائم!) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصوم جنة) يعني: وقاية، كالجنة التي تكون على المجاهد من بيضة تكون على رأسه أو ترس يتقي به السيوف والسهام، والصوم جنة قيل: من النار، وقيل: من المعاصي، وكل منهما مراد، فالصوم من أسباب السلامة من عذاب النار، وأيضاً فيه سلامة من المعاصي؛ لأن الإنسان مع توسعه في الأكل والشرب تكون عنده القوة والنشاط الذي قد يدفعه إلى الرغبة في أمر محرم، ولكنه إذا صام فإن ذلك يضعف قوته وشهوته فيكون ذلك من أسباب الوقاية من المعاصي، قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود الذي سبق أن مر: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، فهو جنة من المعاصي، ووقاية من النار، وكل منهما يحصل في الصوم، فالصوم من أسباب دخول الجنة، بل إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون، ولا يدخل منه أحد غيرهم، وقيل له الريان -أي: ما قيل له الصيام- مع أن غيره من الأبواب الأخرى تسمى بالأعمال كباب الصلاة وباب الصدقة وذلك أن من عطش نفسه في الدنيا فإنه يحصل له رِيٌّ في الآخرة، فيدخل من باب يقال له الريان لا يحصل معه عطش. قوله: [ (فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث) ]. يعني: لا يحصل منه الفسق والفاحش من القول، فالرفث: يراد به الفاحش من القول، كما أنه يراد به الجماع، قال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] يعني: جماع النساء الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ [البقرة:197]، يعني: لا جماع ولا إتيان بقول فاحش، وكذلك هنا: (لا يرفث) المقصود به الفاحش من القول. ومن المعلوم أن الجماع أيضاً من الأشياء الممنوعة في حال الصيام. قوله: (ولا يجهل) معناه: لا يحصل منه اعتداء أو جهل على أحد، يعني: فعلاً ليس بمحمود وإنما هو من قبيل الجهل المذموم الذي يذم صاحبه؛ ولذلك جاء في الدعاء في الخروج من المنزل: (أو أجهل أو يجهل علي) معناه أن يحصل منه اعتداء على أحد أو اعتداء من أحد عليه، ظلم منه لأحد أو ظلم أحد له. قوله: [ (فإن امرؤ قاتله أو شاتمه) ]. يعني: حصل منه مسابة ومشاتمه، (فليقل: إني صائم!) وقوله: (إني صائم) قيل: إنه يقولها في نفسه حتى يذكر نفسه بالعبادة التي تكون من أسباب امتناعه من أن يقابل ذلك الذي سابه وشاتمه، أو أنه يقولها بلسانه من أجل أن يسمع ذلك الشخص حتى يعدل هو عن المسابة ويتركها، ويحتمل بأن يكون كل منهما مراداً، ويكون المقصود من ذلك تذكيره نفسه وتذكيره غيره، تذكيره في فسه بأنه صائم، والصائم ينبغي له أن يصون لسانه أكثر مما يصون غيره من المفطرين ، وأيضاً يذكر غيره ممن هو يشاتمه أنه في عبادة ومتلبس بها، فيكون ذلك من أسباب كونه يقلع ويترك الاستمرار في المسابة والمشاتمة. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (الصيام جنة...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي الزناد ]. عبد الله بن مسلمة و مالك مر ذكرهما ، و أبو الزناد : هو عبد الله بن ذكوان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. الأعرج هو: عبد الرحمن بن هرمز ، لقبه الأعرج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. ما جاء في السواك للصائم شرح حديث: (رأيت رسول الله يستاك وهو صائم) قال المصنف رحمه الله: [ باب السواك للصائم: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا شريك (ح) وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستاك وهو صائم) زاد مسدد : (ما لا أعد ولا أحصي) ]. ثم أورد أبو داود باب السوك أي: للصائم؛ لأن الترجمة في باب الصيام، وهل الصائم يستاك أو لا يستاك؟ بعض أهل العلم ذهب إلى أنه يستاك في جميع أوقات الصيام في الصباح والمساء، ويستدلون على ذلك بالأحاديث المطلقة التي جاءت في الحث على السواك، ويدخل فيها حال الصيام وغير الصيام ؛لأنه ما جاء شيء يدل على إخراج حال الصيام، فالأحاديث المطلقة دالة على الاستياك للصائم، وأنه لا مانع من الاستياك للصائم؛ لأن الأحاديث التي وردت في ذلك مطلقة، لاسيما وبعضها يقيد ذلك بكل صلاة كقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فيشمل حال الصيام وغير الصيام. وبعض أهل العلم قال: إنه إذا كان آخر النهار فإنه لا يستاك؛ لأنه يذهب الخلوف الذي يكون في فم الصائم والذي هو من آثار ترك الأكل والشرب، فتتصاعد أبخرة من الجوف رائحتها ليست طيبة، وقد جاء في الحديث أن شأنها عظيم عند الله عز وجل، وأنها أطيب عند الله من ريح المسك، فقالوا: إن هذا يذهب الخلوف الذي هذا شأنه. وهذا التعليل غير صحيح؛ لأن الحديث جاء بلفظ عام ويدخل في ذلك صلاة العصر؛ لأنها من جملة الصلوات وصلاة العصر هي في العشي؛ ولهذا ترجم النسائي رحمه الله فقال: باب السواك في العشي للصائم، وأورد حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) يعني: صلاة العصر تكون في العشي، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر أمر استحباب بالسواك عند كل صلاة، وأنه لم يمنعه من الأمر -أمر إيجاب- إلا خشية المشقة على أصحابه صلى الله عليه وسلم، فالنسائي رحمه الله من دقة فهمه واستنباطه ترجم هذه الترجمة: باب السواك بالعشي للصائم، استناداً إلى حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وصلاة العصر هي من العشي داخلة في آخر النهار. إذاً: هذا يشمل الحالات قبل الزوال وبعد الزوال، وكون السنة جاءت في ذلك لا يقال إنه يذهب الخلوف؛ لأنه وإن حصلت رائحة طيبة في الفم إلا أن الأبخرة تتصاعد، والخلوف يصير موجوداً، وليس معناه أنه زال الخلوف والرائحة التي تظهر من الجوف، وإنما هذا تطييب للفم، وقد جاء عند النسائي رحمه الله حديث: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب). أورد أبو داود حديث عامر بن ربيعة أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم) -زاد أحد الرواة: ما لا أحصي يعني: كثيراً، فهذا فيه التنصيص على السواك للصائم، لكن الحديث ضعيف، والذي ورد هو الأحاديث المطلقة ومن بينها الحديث الذي أشرت إليه وهو: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فيشمل الصائم وغير الصائم. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يستاك وهو صائم) قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح ]. محمد بن الصباح البزاز ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق كثير الخطأ، ساء حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ (ح) وحدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى : هو ابن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان وهو الثوري : سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن عبيد الله ]. عاصم بن عبيد الله هو ضعيف، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن. [عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ]. عبد الله بن عامر بن ربيعة وهو ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ووثقه العجلي ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. عامر بن ربيعة وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق شرح حديث (رأيت النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر...) قال المصنف رحمه الله: [ باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال: تقووا لعدوكم، وصام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو بكر قال الذي حدثني: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالعرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر) ]. ثم أورد أبو داود باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق. يعني: ما حكم ذلك؟ فكون الإنسان يصب على نفسه الماء ويتبرد لا بأس بذلك، وقد جاء ما يدل عليه، وأما المبالغة في الاستنشاق فلا يبالغ في الاستنشاق وهو صائم؛ لأنه استثنى حالة الصيام من المبالغة في الاستنشاق؛ فالإنسان لا يبالغ ؛ لأن مبالغته قد تؤدي إلى أن يذهب إلى جوفه شيء بسبب هذه المبالغة، ولكنه يستنشق بدون مبالغة، والصائم يصب على نفسه الماء من أجل التبرد ومن أجل تخفيف الحر والعطش عليه، وكذلك يتمضمض ولكنه يبالغ عندما يتوضأ في الاستنشاق إلا في حال الصيام، فإنه منهي عنه. أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في غزوة الفتح. قوله: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: تقووا لعدوكم) ]. فهم سافروا في رمضان إلى مكة لفتحها، وأمرهم بالإفطار ليتقووا بذلك على جهاد العدو؛ لأنهم إذا كانوا صائمين يحصل لهم ضعف بسبب الصيام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإفطار ليتقووا، ويكون عندهم قوة ونشاط بسبب الأكل والشرب على عدوهم، وصام صلى الله عليه وسلم، وكان يصب على رأسه الماء من الحر أو العطش -شك من الراوي- فهذا يدل على جواز صب الماء من الصائم على نفسه من أجل الحر، ومن أجل تخفيف الحرارة التي عليه بسبب بالبرودة التي تكون على جسمه من الماء البارد، وأما الاستنشاق فإنه يبالغ فيه إذا لم يكن صائماً، أما إذا كان صائماً فإنه لا يبالغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً). قوله: [ العرج ]. العرج: مكان معروف عندهم. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر..) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر ]. سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكر بن عبد الرحمن ]. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو بكر بن عبد الرحمن هذا أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، الذين هم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف و سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، هؤلاء الثلاثة مختلف في عدهم في الفقهاء السبعة على ثلاثة أقوال في السابع منهم، ومن عداهم فإنه متفق على عده وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود و خارجة بن زيد بن ثابت و عروة بن الزبير بن العوام و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و سليمان بن يسار و سعيد بن المسيب . [ عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. لا أعرف عنه شيئاً، وجهالة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم. شرح حديث (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثني يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) ]. أورد أبو داود حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فهذا يدل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق؛ لئلا يعرض نفسه لإدخال شيء إلى جوفه بسبب هذه المبالغة: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) وهذا يدلنا على وجوب الاستنشاق؛ لأنه لو كان غير واجب ما كان هناك حاجة إلى الأمر به، وأن الإنسان يبالغ فيه إلا في حالة الصيام. وكذلك القطرة في الأنف لا تجوز حال الصيام؛ لأنها تصل إلى الجوف مثل الماء، والقطرة في العين لا بأس بها. تراجم رجال إسناد حديث (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد مر ذكره. [ حدثني يحيى بن سليم ]. يحيى بن سليم ، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن كثير ]. إسماعيل بن كثير ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عاصم بن لقيط بن صبرة ]. عاصم بن لقيط بن صبرة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه لقيط بن صبرة ]. وهو صحابي أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن، الثلاثة هؤلاء كلهم أخرج لهم البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن."
__________________
|
#476
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [274] الحلقة (306) شرح سنن أبي داود [274] وردت أحاديث مختلفة في الاحتجام للصائم، وقد بين العلماء الصحيح منها والضعيف، فيجب على المسلم أن يتعلم الأحكام المتعلقة بذلك حتى يعبد الله على بصيرة. ما جاء في الصائم يحتجم شرح حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الصائم يحتجم. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام (ح) وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حسن بن موسى حدثنا شيبان جميعاً عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي أسماء -يعني: الرحبي - عن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) ]. ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الصائم يحتجم أي: للصائم هل يحتجم أو لا يحتجم؟ ووردت الأحاديث في ذلك في الإفطار بها وفي فعلها، وأحاديث الإفطار بها هي الأرجح والأولى، والأخذ بها هو الأولى؛ لأن أحاديث الإفطار صريحة وواضحة في الإفطار، و أما الأحاديث الأخرى فهي محتملة. ثم أيضاً هي باقية على الأصل وأحاديث الإفطار ناقلة عن الأصل كما قال ذلك ابن القيم رحمه الله، والناقل أولى من المبقي على الأصل. أورد أبو داود حديث ثوبان ؛ لأنه بدأ بأحاديث الإفطار كونها تفطر، فأورد حديث ثوبان وهو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) يعني: حيث حجم أو حصلت الحجامة في النهار وفي حال الصيام فإن الحاجم والمحجوم كل منهما قد أفطر، المحجوم لكونه خرج منه ذلك الدم الذي يكون سبباً في ضعفه، والحاجم: لأنهم كانوا فيما مضى يمصون المحجم بأفواههم، فقد يدخل بسبب هذا المص شيء من الدم إلى حلقه، وهو إن لم يكن متحققاً إلا أنه مظنة؛ ولهذا جاء أن النوم ينقض الوضوء؛ لأنه مظنة النقض، أي: مظنة أن يخرج منه ريح وهو نائم لا يدري عنها، وكذلك المص مظنة. أما إذا كانت الحجامة بدون مص فإنه يفطر المحجوم دون الحاجم، كما حصل اليوم فيما بعد من وجود حجامة بدون أن يمص المحاجم، ويصل إلى جوفه شيء، فليس هناك شيء يتعلق به من حيث كونه مظنة الإفطار، وإنما الذي حصلت له الحجامة هو المحجوم، فقوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) أي: على ما كان معهوداً عندهم من أن الحاجم يمص المحاجم بفمه، وأن ذلك مظنة دخول شيء إلى جوفه من الدم الذي في المحاجم. تراجم رجال إسناد حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم) قوله: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن هشام. مسدد و يحيى مر ذكرهما وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل وهو الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسن بن موسى ]. حسن بن موسى الأشيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شيبان ]. شيبان بن عبد الرحمن النحوي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ جميعاً عن يحيى ]. يحيى هو ابن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. أبو قلابة : هو عبد الله بن زيد الجرمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي أسماء يعني: الرحبي ]. وهو عمرو بن مرثد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثوبان ]. ثوبان ، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال شيبان في حديثه: قال: أخبرني أبو قلابة أن أبا أسماء الرحبي حدثه أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. يظهر والله أعلم أنه أراد التصريح؛ لأنه هنا قال شيبان قال: أخبرني أبو قلابة أن أبا أسماء الرحبي حدثه أن ثوبان أخبره . فهو نفس الإسناد، لكنه ساقه على سياق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي أولاً، وذكر بعد ذلك تصريح شيبان بسماع يحيى بن أبي كثير من أبي قلابة، لأنه مدلس فهنا صرح بالسماع. شرح حديث شداد بن أوس (أفطر الحاجم والمحجوم) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حسن بن موسى حدثنا شيبان عن يحيى قال: حدثني أبو قلابة الجرمي أنه أخبره أن شداد بن أوس بينما هو يمشي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فذكر نحوه ]. أورد حديثاً آخر عن شداد بن أوس رضي الله عنه وهو مثل حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، يعني: وجد رجلاً يحجم لآخر فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم) مثل الذي قبله. تراجم رجال إسناد حديث شداد بن أوس (أفطر الحاجم والمحجوم) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. مر ذكره. [ حدثنا عن حسن بن موسى حدثنا شيبان عن يحيى قال: حدثني أبو قلابة الجرمي أنه أخبر أن شداد بن أوس ]. قد مر ذكرهم، وشداد بن أوس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح طريق أخرى لحديث شداد بن أوس (أفطر الحاجم والمحجوم) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان فقال: أفطر الحاجم والمحجوم) ]. ثم أورد حديث شداد بن أوس من طريق أخرى، وفيه قوله: [ (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل بالبقيع وهو يحتجم وهو آخذ بيدي) ]. يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم آخذ بيد شداد بن أوس ، والرجل أتى عليه وهو يحتجم، وكان ذلك في رمضان. قوله: [ لثمان ثمان عشرة ] وهذا يدل على ضبط ما أخذه وما رواه؛ لأنه ذكر الهيئة التي كان عليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الزمان والمكان، فهذا يدل على الضبط، وأنه قد ضبط الشيء الذي يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم). تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث شداد بن أوس (أفطر الحاجم والمحجوم) قوله: [ قال حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. وهيب بن خالد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة عن أبي الأشعث ]. أبو قلابة مر ذكره، و أبو الأشعث هو شراحيل بن آده . ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . [ عن شداد بن أوس ]. شداد بن أوس قد مر ذكره. [ قال أبو داود : روى خالد الحذاء عن أبي قلابة بإسناد أيوب مثله ]. يعني: بإسناد أيوب هذا الأخير الذي مر، وهو الطريق الأخيرة من هذه الطرق. وقوله: (مثله) أي: ما يطابقه في اللفظ والمعنى. فإن كلمة (مثل) تعني المماثلة باللفظ والمعنى، وكلمة (نحوه) تعني المماثلة بالمعنى مع الاختلاف في اللفظ. وقوله: [ خالد الحذاء ]. هو خالد الحذاء : خالد بن مهران الحذاء ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن بكر و عبد الرزاق (ح) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم - عن ابن جريج قال: أخبرني مكحول أن شيخاً من الحي -قال عثمان في حديثه: مصدق- أخبره أن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبره أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) ]. ثم أورد حديث ثوبان رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم في الطريق الأولى وما بعدها: (أفطر الحاجم والمحجوم). تراجم رجال إسناد حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن بكر ]. أحمد بن حنبل مر ذكره، و محمد بن بكر هو البرساني ، صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا إسماعيل يعني: ابن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ، المشهور بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج : عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني مكحول ]. وهو الشامي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ أن شيخاً من الحي ]. ذكر الحافظ في المبهمات أنه يقال: إنه أبو أسماء ، وسيأتي من طريق أخرى من طريق بعده وفيه التصريح برواية مكحول عن أبي أسماء . [ عن ثوبان ]. ثوبان مر ذكره. شرح حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم) من طريق ثالثة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا مروان حدثنا الهيثم بن حميد أخبرنا العلاء بن الحارث عن مكحول عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) ]. ثم ذكر الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. محمود بن خالد الدمشقي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مروان ]. مروان بن محمد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الهيثم بن حميد ]. الهيثم بن حميد ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرنا العلاء بن الحارث ]. العلاء بن الحارث ، وهو صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان ]. وقد مر ذكرهم. رواية ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول لحديث (أفطر الحاجم والمحجوم) [ قال أبو داود : ورواه ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول بإسناده مثله ]. ابن ثوبان وهو: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن مكحول ]. مكحول مر معنا. حكم تحليل الدم للصائم وتحليل الدم هو من نوع الحجامة إذا كان الدم كثيراً، وكذلك التشريط هو منها؛ لأن المجرى واحد. وإذا كان التحليل يسيراً لم يضر كمعرفة فصيلة الدم. الرخصة في الحجامة للصائم شرح حديث (أن رسول الله احتجم وهو صائم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرخصة في ذلك. حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو صائم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب الرخصة في ذلك يعني: في الحجامة للصائم، وبعض أهل العلم أخذ بالأحاديث التي جاءت في الرخصة وقال: إنه لا بأس بها، وإنه مرخص فيها، وبعضهم قال: إن أحاديث النهي مقدمة عليها، وأنها يحصل بها الإفطار، وهذا لا يوجد فيه تنصيص، وإنما فيه أنه حصل أنه احتجم، لكن هل ترتب على ذلك إفطار أم لا؟ ثم أيضاً قالوا: إن هذا مبقٍ على الأصل، وهو الحل والإباحة، وذاك ناقل عن الأصل إلى التحريم، وهو الإفطار فيقدم. فأورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم) وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس فيه دليل على أنه لا يحصل به الإفطار؛ لأن الحديث السابق نص في الإفطار، وأما قوله: (احتجم هو صائم) فلا يوجد فيه شيء يدل على أنه ما أفطر، وإنما حصل أنه احتجم، لكن هل أفطر أو ما أفطر؟ لا يزال الأمر فيه خفاء. ثم أيضاً: هذا كما قال ابن القيم : باق على الأصل، وذاك ناقل عن الأصل، والناقل أولى من المبقي. والأحاديث وردت على أربع حالات، فورد النهي عن الحجامة وهو صائم، وورد أنه احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، وورد أنه احتجم وهو محرم وصائم، أربع حالات، منها: ثلاث حالات صحيحة، وحالة غير صحيحة، وأنه احتجم وهو محرم وصائم. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله احتجم وهو صائم) قوله: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ]. أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن عكرمة ]. أيوب مر ذكره، عن عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : رواه وهيب بن خالد عن أيوب بإسناده مثله ]. و وهيب بن خالد و أيوب مر ذكرهما. قال: [ و جعفر بن ربيعة و هشام -يعني: ابن حسان - عن عكرمة عن ابن عباس مثله ]. و جعفر بن ربيعة هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و هشام بن حسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (أن رسول الله احتجم وهو صائم محرم) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو صائم محرم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم) يعني: أنه جمع الحالتين: الصيام والإحرام، وهذه الرواية ضعيفة. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله احتجم وهو صائم محرم) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مقسم ]. مقسم مولى ابن عباس وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس وقد مر ذكره. شرح حديث (أن رسول الله نهى عن الحجامة والمواصلة) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه، فقيل له: يا رسول الله! إنك تواصل إلى السحر، فقال: إني أواصل إلى السحر وربي يطعمني ويسقيني) ]. أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة) . قوله: [ (نهى عن الحجامة) ] يعني: للصائم، [ (والمواصلة) ] في حق الصائم. قوله: [ (ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه) ]. يعني: هكذا فهم الصحابي، ولكنه جاء عنه قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم) وهذا يدل على أنه يحصل الفطر، ومن اضطر إلى ذلك فإنه يباح له أن يحتجم بالنهار، ولكنه يفطر، ولكن كونه يحتجم ولا يحصل له الإفطار هذا هو الذي فيه الإشكال. قوله: [ (فقيل له: يا رسول الله! إنك تواصل إلى السحر؟ فقال: إني أواصل إلى السحر وربي يطعمني ويسقيني) ]. وقد جاء أنه يواصل الأيام، وأنه واصل بهم أياماً في آخر الشهر، وقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم) كالمنكل لهم، وهنا يدل على أنه كان يواصل إلى السحر، ولكنه جاء عنه الترخيص في المواصلة إلى السحر كما في صحيح البخاري وفي غيره كما مر آنفاً. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن الحجامة والمواصلة) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. أحمد بن حنبل مر ذكره، وعبد الرحمن بن مهدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان هو الثوري مر ذكره. [ عن عبد الرحمن بن عابس ]. عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية الجهد) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن المغيرة - عن ثابت قال: قال أنس رضي الله عنه: (ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية الجهد) ]. يعني: كراهية المشقة التي تحصل بسبب إخراج الدم منه، وهذا دليل على ما ترجم له المصنف من الترخيص في ذلك، وهذا كما فهمه أنس رضي الله عنه، وقد جاء عن عدد من الصحابة وأظن أنساً واحداً منهم أنهم كانوا يحتجمون بالليل ويتجنبون الحجامة في النهار، حيث ذكره في الحاشية قال: وروي عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يحتجمون ليلاً منهم ابن عمر و أبو موسى الأشعري و أنس بن مالك . تراجم رجال إسناد حديث (ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية الجهد) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن سليمان يعني: ابن المغيرة ]. عبد الله بن مسلمة مر ذكره، و سليمان بن المغيرة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. دلالة أحاديث الحجامة على الإفطار بكل ما يخرج من الشخص وهو صائم ثم أحاديث الحجامة التي مرت، والتي فيها حصول الإفطار بالحجامة، فيها دليل على أن الإفطار يكون بما يخرج كما يكون بما يدخل؛ لأن الحجامة هي إخراج دم، فالإفطار يكون بالداخل كالأكل والشرب، ويكون بالخارج كالدم الذي يخرج سواء عن طريق الحجامة أو عن طريق الفصد أو عن طريق التشريط، وكذلك التقيؤ وكذلك يفطر الشخص بإخراج المني؛ لأن الفطر يحصل بما يخرج. الأسئلة حكم من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين السؤال: من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين ووجود أصل الإيمان القلبي، هل يكفر أو لا يكفر؟ الجواب: معلوم أن من أعمال الجوارح الصلاة، ومن يتركها فإنه يكون كافراً. العمل جزء من الإيمان السؤال: هل العمل شرط صحة أم شرط كمال في الإيمان؟ الجواب: العمل هو جزء من الإيمان، ولكن هذا الجزء يتفاوت من حيث القوة والضعف، يعني: يوجد فيه شيء تركه لا يترتب عليه مضرة لاسيما إذا كان من المستحبات، ويوجد فيه شيء تركه يترتب عليه المضرة ويترتب على تركه الكفر. معنى قوله صلى الله عليه وسلم (يطعمني ويسقيني) السؤال: هل جاء في معنى: (يطعمني ويسقيني) أن يعطى العلم الشرعي؟ الجواب: العلم الشرعي لا دخل له في قوة الجسم؟ وإنما الكلام في القدرة على الصيام، وهذا ما أتى ولا أظنه يأتي، والعلم الشرعي ما أتانا إلا منه صلى الله عليه وسلم، ولكن المعنى: أعطاه قوة الآكل الشارب. حكم من أفطر في جدة على أذان الحرم السؤال: رجل كان في جدة وكان صائماً في رمضان، فلما سمع أذان الحرم المكي في التلفاز أفطر، وما زال لم يؤذن في جدة إلا بعد دقيقة، فهل صيامه صحيح؟ الجواب: صيامه صحيح، لأن الفرق يسير جداً. حكم من نوى الوصال إلى السحر ثم أفطر السؤال: من نوى أن يواصل إلى السحر، فهل يجوز له أن يفطر قبل السحر؟ الجواب: يجوز له؛ لأنه ليس بواجب؛ وهذا شيء راجع إليه، إن أراد يواصل واصل، وإن أراد أن يفطر أفطر، والأولى له ألا يواصل، بل يعجل الفطر عند غروب الشمس. مقدار وقت السحور لمن أراد الوصال السؤال: كم يكون وقت السحور قبل الصبح للذي يريد الوصال؟ الجواب: لا يوجد تحديد، لكن وقته مقدار ما يأكل ويشبع من الطعام. أفضلية ترك العمل بالوصال السؤال: هل ترك الوصال إلى السحر مطلقاً أفضل أم العمل به في بعض الأحيان إعمالاً بالسنة التي جاءت به عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: ترك العمل به أحسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، وقال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) يعني: من كان مواصلاً فليفعل كذا وكذا، وليس بسنة، وليس معناه أنه يسن للناس أن يواصلوا إلى السحر، وإنما يجوز لهم أن يواصلوا، ولا شك أنه يثاب على ذلك إن شاء الله. معنى قوله صلى الله عليه وسلم (إني أطعم وأسقى) السؤال: ما هو الراجح في قوله: (إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى) على الحقيقة؟ الجواب: هو محتمل، وكل من المعنيين اللذين ذكرها العلماء يحصل به المقصود، والله تعالى أعلم بالواقع. فقيل إنه يعطى القوة بما يكون بينه وبين ربه من المناجاة والدعاء، أي أن اشتغاله بعبادة الله عز وجل تجعل عنده قوة، وتجعله لا يفكر في الأكل والشرب، وهذا هو الذي أشار إليه ابن القيم في أبيات ذكرها على سبيل التمثيل: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتليهيها عن الزاد الجهر بقول (إني صائم) للحاجة لا يدخل في الرياء السؤال: هل الجهر بقول: (إني صائم) يدخل في الرياء إن كان الصوم تطوعاً؟ الجواب: لا يدخل في الرياء؛ لأن هذا مأذون به شرعاً، وفيه مصلحة وفائدة له ولغيره. حكم استخدام فرشاة الأسنان للصائم السؤال: هل تقاس الفرشاة بمعجون الأسنان على السواك للصائم؟ الجواب: الأولى للإنسان ألا يفعلها، وإن فعلها ولم يصل إلى جوفه شيء فلا بأس . حكم بلع الصائم الريق المخلوط ببقايا السواك السؤال: هل يجوز ابتلاع ما يبقى في الفم من طعم السواك الرطب؟ الجواب: إذا كان هناك المقصود به الريق، فالريق يبلعه الإنسان، وأما إذا كان فيه حبيبات أو قطع، فالإنسان لا يبلعها وإنما يلقيها. حكم أكل المفطر من موائد الصائمين في الحرم السؤال: هل يجوز الإفطار لغير الصائم في مأدبة الصائمين في شهر رمضان وغير رمضان، الموضوعة في الحرم؟ الجواب: هذا الأكل مبذول لمن يفطر سواء كان محتاجاً أو غير محتاج، وأما كون الإنسان غير صائم ثم يأتي يأكل، فهذا غير طيب، أولاً: لأنه يزاحم الصائمين، الأمر الثاني: لأنه يوهم الناس أنه صائم وليس بصائم، فيكون ممن يحمد بما لم يفعل. الجمع بين قوله (إني أطعم وأسقى) وبين فعله أنه صب على نفسه الماء من العطش وهو صائم السؤال: جاء أنه صلى الله عليه وسلم صب على نفسه الماء لأجل العطش، وقد سبق أنه قال: (إني أطعم وأسقى) فكيف الجمع بينهما؟ الجواب: لا توجد منافاة؛ لأن ذاك الحديث كان في الوصال، وأما هذا فكان في شدة حر، وكان يصب على نفسه، فلا تنافي بين هذا وهذا. أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالإفطار لأجل الغزو لا السفر السؤال: أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالإفطار عام الفتح، هل كان لكونهم في سفر أم لكونهم ذهبوا في الغزو؟ الجواب: لكونهم ذهبوا للغزو، وأما الصوم في السفر فجائز، فيجوز للإنسان أن يصوم في السفر ويجوز له أن يفطر، وهذا إذا كان يترتب عليه مشقة فالفطر أولى، وإذا كان لا يترتب عليه مشقة فالصيام أولى؛ لأنه إبقاء على الوقت وتخلص من الدين أن يقع في ذمته، لأنه قد ينشغل عنه، وقد يترتب عليه تأخيره، فيبادر بالصيام ما دام أنه ليس عليه فيه مشقة."
__________________
|
#477
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [275] الحلقة (307) شرح سنن أبي داود [275] وردت السنة النبوية بأمور لا تضر الصيام كالاحتلام والقيء من غير عمد والقبلة ما لم ينزل وغير ذلك، وما ورد من الفطر بالاكتحال فضعيف، وأما التقبيل مع مص اللسان فلا يصح كما أوضحه الأئمة. ما جاء في الصائم يحتلم نهاراً في شهر رمضان شرح حديث (لا يفطر من قاء ولا من احتلم..) قال المصنف رحمه الله: [ باب في الصائم يحتلم نهاراً في شهر رمضان. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الصائم يحتلم نهاراً في شهر رمضان. الاحتلام : هو ما يحصل في النوم من استمتاع يخرج بسببه ماء فيجب معه الغسل، وهو ليس داخلاً تحت اختيار الإنسان، وليس مكلفاً فيه؛ لأن هذا خارج عن إرادته، ولا شأن له فيه؛ ولهذا فإنه لا دخل له في الصيام ولا يؤثر فيه؛ لأنه ما فعل شيئاً يوجب الإفطار، وإنما هذا شيء خارج عن إرادته فلا تأثير له على صيامه. قوله: [ (لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم) ]. محل الشاهد منه قوله: (احتلم) وأما: (قاء) ففيه تفصيل، فإن كان قيؤه عن إرادته ومشيئته فإنه يفطر، وإن ذرعه القيء وليس له دخل فيه فإنه لا يفطر، وأما: (من احتجم) فقد سبق أن عرفنا الخلاف في ذلك، وأن القول الصحيح هو أنه يحصل به الإفطار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) تراجم رجال إسناد حديث (لا يفطر من قاء ولا من احتلم...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان هو الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من أصحابه ]. وهذا مبهم، وهذا هو سبب ضعف الحديث، فالحديث ضعيف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً، والمبهم غير معروف، فلا يكون الإسناد صحيحاً، ولا يكون الحديث صحيحاً؛ لوجود هذا الضعف الذي فيه، وهو ذكر الرجل المبهم، بل لو عرف وسمي وجهلت حاله فإنه لا يحتج به، وهنا غير مذكور الاسم ولا يعرف من هو. [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تؤثر فيهم الجهالة، وإنما تؤثر في غيرهم؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله عنهم وأرضاهم، وأما غيرهم فلابد من معرفة حاله ومعرفة ثقته وعدالته أو ضعفه أو أنه يحتج به أو لا يحتج به، وأما الصحابة رضي الله عنهم فكلهم عدول، والمجهول فيهم في حكم المعلوم. ما جاء في الكحل عند النوم للصائم شرح حديث (أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الكحل عند النوم للصائم. حدثنا النفيلي حدثنا علي بن ثابت حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم) ]. أورد أبو داود باباً في الاكتحال فقال: باب في الكحل عند النوم للصائم. والاكتحال عند النوم ليس فيه إشكال؛ لأن اكتحال الإنسان عندما ينام في الليل ليس واقعاً في وقت الصيام، ولكن الكلام في الاكتحال في الصيام، ولا بأس به، والحديث الذي ورد في هذا ضعيف لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه رجل مجهول، فالاكتحال سائغ وجائز، ولا بأس به، وقد جاء عن بعض الصحابة أنهم لا يرون بذلك بأساً، وليس هناك شيء يدل على المنع منه، وعلى أنه يحصل به الإفطار، فالصحيح أنه لا يحصل به إفطار وأنه لا مانع منه. تراجم رجال إسناد حديث (أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم..) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي : عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا علي بن ثابت ]. علي بن ثابت ، وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أبو داود و الترمذي . [ حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة ]. عبد الرحمن بن النعمان بن معبد ، وهو صدوق ربما غلط، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. وهو مجهول أخرج له أبو داود . [ عن جده ]. جده معبد (صحابي) رضي الله عنه وهو صحابي أخرج له أبو داود . [ قال أبو داود : قال لي يحيى بن معين : هو حديث منكر، يعني: حديث الكحل ]. وهذا تضعيف للحديث. شرح حديث أنس (أنه كان يكتحل وهو صائم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية أخبرنا أبو معاوية عن عتبة أبي معاذ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك : أنه كان يكتحل وهو صائم ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه كان يكتحل وهو صائم، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ممن فعل ذلك وهو صائم، أي: أنه لم ير بالكحل بأساً في حق الصائم، وأن للإنسان أن يكتحل وهو صائم، ولا يؤثر ذلك على صومه. تراجم رجال إسناد حديث أنس (أنه كان يكتحل وهو صائم) قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو معاوية ]. هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عتبة أبي معاذ ]. عتبة أبي معاذ ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ]. عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح أثر إبراهيم النخعي أنه كان يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي و يحيى بن موسى البلخي قالا: حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش قال: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر ]. أورد أبو داود عن الأعمش أنه قال: ما علمت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم، يعني: أنه لا بأس به، وكان إبراهيم -يعني: النخعي - يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر. فهذه كلها آثار عن بعض الصحابة والتابعين، لأن الأعمش من صغار التابعين، وهو يقول: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل، يعني: فكأن هذا شيء مشهور ومعروف عندهم، وأن كثيرين يرون أنه لا بأس بالكحل للصائم، و إبراهيم النخعي هو من الفقهاء المعروفين. تراجم رجال إسناد أثر إبراهيم النخعي أنه كان يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي ]. محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و يحيى بن موسى البلخي ]. يحيى بن موسى البلخي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى بن عيسى ]. يحيى بن عيسى ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن الأعمش ]. الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الصائم يستقيء عامداً شرح حديث (من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصائم يستقيئ عامداً. حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الصائم يستقيئ عامداً. يعني: ما حكم ذلك؟ والحكم أن عليه القضاء، وأما إذا كان غير عامد فإنه لا قضاء عليه؛ لأن هذا شيء خارج عن إرادته، فما كان بفعله وكسبه وإرادته ومشيئته فإنه يكون مؤثراً ويكون قد أفطر به، وإذا كان من غير اختياره ومشيئته بل حصل من غير قصده، فإنه ليس عليه قضاء. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه) يعني: من حصل له القيء من غير فعله ولا تسببه فإنه لا قضاء عليه؛ لأن هذا خارج عن إرادته. قوله: [ (وإن استقاء فليقض) ]. يعني: طلب القيء، فالألف والسين والتاء تدل على الطلب، فمعناه: أنه طلب القيء وعالجه وجذبه، فإنه عليه القضاء، وهذا من الأدلة الدالة على أن الإفطار يكون بما يخرج -مثلما مر بنا في الحجامة- كما أنه يكون بما يدخل، وهذا من الإفطار بما يخرج؛ لأن القيء خروج من الفم، فمتعمده يكون عليه القضاء. تراجم رجال إسناد حديث (من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء..) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن حسان ]. هشام بن حسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة : عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. [ قال أبو داود : رواه أيضاً حفص بن غياث عن هشام مثله ]. حفص بن غياث ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهشام هو هشام بن حسان [ مثله ] يعني: مثل الذي تقدم. شرح حديث (أن رسول الله قاء فأفطر..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين عن يحيى حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد بن هشام أن أباه حدثه قال: حدثني معدان بن طلحة أن أبا الدرداء رضي الله عنه حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاء فأفطر، فلقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد دمشق فقلت: إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاء فأفطر قال: صدق، وأنا صببت له وضوءه صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء وحديث ثوبان رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر) يعني: بسبب القيء والمقصود بذلك التعمد؛ لأنه سبق أنه قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء) وهنا قال: إنه قاء، يعني: يمكن أن فعله لأمر احتاج إلى دفعه، أو جعله يفعل ذلك، فأفطر بسبب القيء؛ لأنه فعل ذلك عمداً، ولا يحمل على أنه حصل من غير اختياره؛ لأنه سبق أن جاء النص عنه صلى الله عليه وسلم، بأن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، وإنما الكلام في كونه متعمداً ومقصوداً، وذلك لحاجة ولأمر دعاه أن يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وهو يدل على حصول الإفطار بالقيء، إذا تعمد الإنسان ذلك، والترجمة التي عقدها المصنف هي في فعل ذلك عامداً، فأورد الحديث من فعله، وأورد حديثاً آخر من قوله، وأن القيء عمداً يحصل به الإفطار. قوله: [ فلقيت ثوبان ]. معنى هذا أنه حدث عن أبي الدرداء وعن ثوبان ، فهو عن صحابيين، هما أبو الدرداء و ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وأنا صببت عليه وضوءه). وهذا الحديث فيه الإشارة إلى نقض الوضوء بالقيء، قال: (وأنا صببت عليه وضوءه) يعني: بسبب القيء. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله قاء فأفطر..) قوله: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ]. أبو معمر : هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. عبد الوراث بن سعيد العنبري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسين ]. الحسين بن ذكوان المعلم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ]. عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعيش بن الوليد بن هشام ]. يعيش بن الوليد بن هشام ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أن أباه حدثه ]. أبو: ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ قال: حدثني معدان بن طلحة ]. معدان بن طلحة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الدرداء ]. عويمر بن زيد ، واختلف في اسم أبيه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وعن ثوبان أيضاً، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. القبلة للصائم شرح حديث (كان رسول الله يقبل وهو صائم..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القبلة للصائم. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود و علقمة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملك لإربه) ]. أورد أبو داود باب القبلة للصائم، يعني: أنها سائغة وجائزة ولا بأس بها، ولكن الإنسان إذا كان يعلم أن التقبيل يؤدي إلى أنه ينزل فإنه يجب عليه أن يبتعد عنه، وأما إذا كان يعلم أنها لا تؤثر عليه، وأنها لا تجعله ينزل فإن ذلك سائغ وجائز، ولو حصل مذي فإن المذي لا يؤثر، وإنما يؤثر خروج المني، والمسألة تتبع كون الإنسان يعلم من نفسه أنه لا يترتب على ذلك إنزال، فلا بأس بها، وإذا كان يعلم أنه يترتب على ذلك الإنزال فإنه لا يجوز له. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملك لإربه) صلى الله عليه وسلم. قولها: [ (أملك لإربه) ] فيه إشارة إلى أن الإنسان الذي لا يملك إربه وهو الذي يحصل منه إنزال بسبب التقبيل أو اللمس الذي هو المباشرة، فليس له أن يفعل ذلك، وإذا كان يعلم من نفسه أنه لا يؤثر ذلك عليه فلا بأس بها. قولها: [ (ويباشر وهو صائم) ] المقصود بذلك اللمس، يعني: أن تمس البشرة البشرة، فهذا يقال له: المباشرة. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يقبل وهو صائم..) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية ]. مسدد و أبو معاوية مر ذكرهما. [ عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود و علقمة ]. الأعمش و إبراهيم مر ذكرهما، و الأسود : هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و علقمة هو ابن قيس ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (كان النبي يقبل في شهر الصوم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا أبو الأحوص عن زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل في شهر الصوم) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل في شهر الصوم) وهذا فيه التنصيص على أن ذلك في الفرض، والحديث الأول يدل على العموم يعني: يشمل الفرض والنفل، ولكن هذا فيه تنصيص على الفرض، ولو لم يأت التنصيص على الفرض فإن اللفظ العام يشمل الفرض والنفل، ولكن هذا فيه زيادة تعيين الفرض، وأنه كان يقبل في شهر الصوم، يعني: وهو صائم؛ لأن التقبيل والجماع في الليل ليس فيه إشكال، وإنما الشأن في النهار الذي هو محل الصيام، فالحديث دليل على أن القبلة تجوز للصائم ولو كان في فرض، إذا كان يعلم من نفسه أن ذلك لا يترتب عليه إنزال. تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي يقبل في شهر الصوم) قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. أبو توبة : الربيع بن نافع الحلبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. وأبو توبة هذا هو الذي جاء عنه الكلمة المشهورة في حق معاوية رضي الله عنه أنه قال: معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن اجترأ عليه اجترأ على ما وراءه. يعني من اجترأ عليه فإنه يجترئ على غيره من الصحابة. [ حدثنا أبو الأحوص ]. أبو الأحوص : سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن علاقة ]. زياد بن علاقة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة ]. [ عن عمرو بن ميمون ]. عمرو بن ميمون ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها مر ذكرها. شرح حديث (كان رسول الله يقبلني وهو صائم وأنا صائمة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله -يعني: ابن عثمان القرشي - عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وهي صائمة، يعني: كل منهما صائم، وهذا كما هو معلوم يحمل أيضاً على ما إذا كان يملك نفسه، وهي أيضاً يعلم أنها تملك نفسها، وأنه لا يحصل منها شيء بسبب هذا التقبيل. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يقبلني وهو صائم وأنا صائمة) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم ]. محمد بن كثير و سفيان مر ذكرهما، وسعد هو سعد بن إبراهيم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طلحة بن عبد الله ]. طلحة بن عبد الله ، هو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها. شرح حديث (أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا الليث (ح) وحدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله عن عبد الملك بن سعيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (هششت، فقبلت وأنا صائم فقلت: يا رسول الله! صنعت اليوم أمرًا عظيماً، قبلت وأنا صائم قال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قال عيسى بن حماد في حديثه: قلت: لا بأس به، ثم اتفقا، قال: فمه؟) ]. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: هششت وأنا صائم فقبلت، وهششت معناه: أنه حصل له ارتياح وميل إلى هذا، فقبل وهو صائم، ولكنه ما كان يعرف الحكم وكأنه استعظم ذلك، ورأى أنه فعل أمراً عظيماً، فجاء يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أرأيت لو مضمضت وأنت صائم؟) يعني: كون الإنسان يمضمض وهو صائم لا بأس به. قال: فمه؟ يعني: أن هذا مثل هذا، وهذا فيه دليل على إثبات القياس؛ لأنه قاس كونه يقبل وهو صائم -والتقبيل من مقدمات الجماع- على المضمضمة وهو صائم وهي مقدمة الشرب، فكما أن هذا لا يؤثر فإن هذا لا يؤثر، والقياس هو إلحاق فرع بأصل في حكم لجامع بينهما، إلحاق فرع وهو التقبيل بأصل وهو المضمضمة، في حكم وهو عدم ترتب شيء على المضمضة من أنها تفطر، وكذلك التقبيل الذي هو وسيلة الجماع لا يفطر، يعني: لجامع بينهما، وهو أن كلاً منهما مقدمة لما هو مفطر، فاتفقا في الحكم، فهذا فيه دليل على إثبات القياس، وسبق أن مر بنا قريباً قصة الرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق، قال: إن فيها ورقاً، قال: فماذا ترى؟ قال: لعله نزعه عرق، قال: وأيضاً هذا لعله نزعه عرق) فهذا أيضاً من أدلة إثبات القياس. تراجم رجال إسناد حديث (أرأيت لو مضمضت وأنت صائم) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عيسى بن حماد ]. عيسى بن حماد التجيبي ، الملقب زغبة ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود ، والنسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله ]. الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن سعيد ]. عبد الملك بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال عمر بن الخطاب ]. رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه. الصائم يبلع الريق حديث (أن النبي كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصائم يبلع الريق. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا محمد بن دينار حدثنا سعد بن أوس العبدي عن مصدع أبي يحيى عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الصائم يبلع الريق. كون الصائم يبلع ريقه لا بأس به؛ لأن الإنسان كلما اجتمع الريق في فمه لا يتفل، وإنما يبلع، ولكن كونه يبلع ريق غيره فهذا إدخال شيء أجنبي إلى جوفه؛ لأنه ريق غيره، فكونه يبتلعه معناه أنه جذب شيئاً من الخارج ليس بريقه، فهذا يؤثر. وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل وهو صائم) وهذا ليس فيه إشكال؛ لأن الأحاديث التي مرت كلها تدل عليه، فهذه الجملة ثابتة بالأحاديث الأخرى، لكن جملة مص الريق: (كان يمص لسانها) معناه: أن ريقها موجود في لسانها يمصه، فهذا غير ثابت وغير صحيح، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جاء من طريق غير صحيح، فيكون الحديث ليس فيه دليل على أن الصائم يمص ريق غيره أو يبلع ريق غيره، أو أنه يأتي بشيء من الخارج يبتلعه. لكن بلع الريق من الإنسان نفسه لا بأس به، وهذا شيء لا بد منه، فبعض الناس يمكث مدة صيامه وهو يتفل، وهذا ليس بصحيح، ولكن المقصود ريق غيره؛ لأنه مثل الماء، فلو أدخل إلى فمه ماء وابتلعه فهو كما لو مص ريق غيره وابتلعه؛ لأنه فيه إدخال شيء من الخارج، فالجملة ليس فيها شيء يدل على الجواز؛ لأن الحديث غير صحيح، وأما الجملة الأولى فهي متفقة مع الأحاديث الأخرى، وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها) قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو الطباع ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن دينار ]. محمد بن دينار ، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ حدثنا سعد بن أوس العبدي ]. سعد بن أوس العبدي ، وهو صدوق له أغاليط، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . وهذان هما اللذان تكلموا على الحديث وضعفوه بسببهما، ولكن فيه أيضاً شخص آخر وهو مصدع العبدي ، وهو مقبول، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. ومقبول، يعني: أنه يحتج به إذا توبع، وهنا ما في متابعة على مسألة مص اللسان. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها. [ قال ابن الأعرابي : بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح ]. ابن الأعرابي هو من الراواة للسنن، قال: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح. يعني: أنه قدح في الإسناد، والعلة فيه هؤلاء الثلاثة الذين هم سعد بن أوس و محمد بن دينار ، و مصدع ، هؤلاء الثلاثة هم الذين فيهم الكلام."
__________________
|
#478
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [276] الحلقة (308) شرح سنن أبي داود [276] ما فرض الله سبحانه وتعالى من فرض إلا وجعل له آداباً ومستحبات ومحظورات بينها في كتابه الكريم، وعلمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، ومن ذلك فريضة الصيام التي فرضت على كل الأمم، فلها آداب وسنن ومحظورات، فينبغي معرفتها حتى يكون المرء على بينة من دينه كراهية المباشرة للشاب شرح حديث ترخيص النبي في المباشرة للشيخ دون الشاب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهيته للشاب. حدثنا نصر بن علي حدثنا أبو أحمد -يعني: الزبيري - أخبرنا إسرائيل عن أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب)]. قال أبو داود: باب كراهيته للشاب، يعني: التقبيل والمباشرة التي هي اللمس، وكراهيته للشاب إذا كان يؤثر عليه، فإن حصل إنزال فإنه يفطر به، وإن لم يحصل إنزال فإنه لا يفطر به. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وسأله آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب) وهذا هو المقصود من قول أبي داود: كراهية المباشرة للشاب؛ لأنه هو الذي يكون عرضة لأن يفسد صيامه، وعلى كل فإن حصل بسبب المباشرة إنزال من شيخ أو شاب فإنه يفسد صيامه، وإن لم يحصل فإنه لا يفسد، ولكن من يعلم من نفسه أن ذلك يؤثر عليه فإنه يبتعد، ومن يعلم من نفسه أن ذلك لا يؤثر عليه فلا بأس تراجم رجال إسناد حديث ترخيص النبي في المباشرة للشيخ دون الشاب قوله: [حدثنا نصر بن علي]. نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو أحمد يعني: الزبيري]. أبو أحمد الزبيري هو: محمد بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا إسرائيل]. إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي العنبس]. أبو العنبس الكوفي مقبول، أخرج له أبو داود. [عن الأغر]. الأغر: وهو أبو مسلم الأغر، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبي هريرة]. أبو هريرة رضي الله عنه وقد مر ذكره. والحديث صححه الألباني، ويمكن أن ذلك لشواهده، وإلا فإن فيه هذا الرجل المقبول الذي هو أبو العنبس من أصبح جنباً في شهر رمضان شرح حديث (كان رسول الله يصبح جنباً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن أصبح جنباً في شهر رمضان. حدثنا القعنبي عن مالك ح وحدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهما قالتا: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً، قال عبد الله الأذرمي في حديثه: في رمضان من جماع غير احتلام، ثم يصوم). قال أبو داود: وما أقل من يقول هذه الكلمة، يعني: (يصبح جنباً في رمضان) وإنما الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم)]. أورد أبو داود باباً فيمن أصبح جنباً في شهر رمضان. يعني: فعليه أن يغتسل من الجنابة ويصوم، ولا تؤثر الجنابة على الصيام، كون الإنسان يجامع في الليل ثم ينام، ثم يطلع عليه الفجر وهو لم يغتسل فإنه يصوم صوماً صحيحاً ويغتسل، وكونه يصبح جنباً لا يؤثر ذلك على صيامه؛ لأن الذي عليه الاغتسال، والجنابة ما حصلت منه في الصيام، وإنما حصلت في الليل في وقت جوازها وكونها سائغة، ولكن تأخر الغسل، فتأخر الغسل لا يفسد الصيام، ومثل ذلك المرأة لو أنها طهرت من الحيض أو النفاس في الليل ولم تغتسل، فلها أن تصوم، وذلك لا يفسد صيامها، فإن المقصود هو انقطاع الدم، يعني: كونه انقطع الدم وكونها طهرت، وبقي التطهر، فالحكم منوط بطهرها يعني: معناه أن لها أن تصوم، وكونه بقي عليها التطهر فذلك لا يمنع من صيامها، فهي مثل مسألة الجنب، يعني: أن الحائض والنفساء إذا طهرتا وتأخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الفجر فإن ذلك لا يؤثر على الصيام، بل تصوم وتغتسل وقد بيتت النية في الصيام من قبل؛ لأنها قد طهرت وصارت أهلاً للصيام، وإنما أكثر ما في الأمر أنها نامت واستيقظت بعد طلوع الفجر، فهي كالذي أجنب ونام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، فإن صومه صحيح، وكذلك الحائض والنفساء صومهما يكون صحيحاً. وقد ورد حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً فيصوم). فقوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً) قال عبد الله الأذرمي في حديثه: (في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم)]. فالحديث: (من جماع غير احتلام فيصوم) وقال أحد شيوخ أبي داود وهو الأذرمي: (في شهر رمضان) وأكثر الذين رووا الحديث أو الحديثين عن أم سلمة وعائشة ما ذكروا شهر رمضان، والحكم واحد، ولكن كونه جاء في بعض الروايات التنصيص على شهر رمضان أيضاً فإنه يدل على ذلك، ولو لم يأت هذا التنصيص فإن الحكم واحد؛ لأن الحكم يشمل رمضان وغير رمضان. قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً) قال عبد الله الأذرمي في حديثه: (في رمضان)]. معناه أنه يأتي وقت الصباح ويدخل الفجر وهو جنب، فيغتسل ويصوم، ولا يؤثر ذلك على الصيام، وقال: من غير احتلام. قوله: [(من جماع)]. يعني: من جماع أهله، وليس احتلاماً، واختلف في احتلام الأنبياء هل يحتلمون أو لا يحتلمون؟ فقال بعض العلماء بعدمه؛ لأنه من تلاعب الشيطان، والشيطان لا يتلاعب بالأنبياء صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم. ومنهم من قال: إن الاحتلام يمكن أن يحصل بدون تلاعب الشيطان، وإنه يكون قوة في الإنسان فتظهر وتخرج في النوم، وعلى هذا، يقولون بجوازه في حق الأنبياء، يعني: مادام أنه لا يتعلق بتلاعب الشيطان فإنه يقع من الأنبياء، أما كون الاحتلام يكون من تلاعب الشيطان فهذا لا يكون للأنبياء؛ لأن الأنبياء لا يتلاعب بهم الشيطان، والخلاف ذكره النووي بين العلماء وأن منهم من قال بهذا، ومنهم من قال بهذا. قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً) قال النووي: وفيه دليل لمن يقول بجواز الاحتلام على الأنبياء، وفيه خلاف الأشهر امتناعه، قالوا: لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه، فالمراد: (يصبح جنباً) من جماع، ولا يجنب من احتلام لامتناعه منه. فالذي رجح أنهم لا يحتلمون، قال: الأشهر امتناعه تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصبح جنباً) قوله: [حدثنا القعنبي]. القعنبي: عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن مالك]. مالك بن أنس، إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي]. عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك]. عبد الرحمن بن مهدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومالك مر ذكره. [عن عبد ربه بن سعيد]. عبد ربه بن سعيد وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكر بن عبد الرحمن]. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة وأم سلمة]. عائشة رضي الله عنها، وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة شرح حديث (وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة -يعني: القعنبي - عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف على الباب: يا رسول الله! إني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام، فأغتسل وأصوم، فقال الرجل: يا رسول الله! إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتبع)]. ثم أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن جلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام، فأغتسل وأصوم، فقال الرجل: إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكأن غضبه عليه الصلاة والسلام لكونه فيه إشارة إلى التشدد في العبادة، وأن الرسول تميز عليهم بذلك. وهذا من جنس قصة الثلاثة الذين تقالوا أعمالهم وقالوا: رسول الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: فأنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر: أقوم الليل ولا أنام، وقال آخر: لا أتزوج النساء، فلما بلغه ذلك صلى الله عليه وسلم قال: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) فإذاً كان فيه شيء من التشديد على النفس، وشيء من تكليف النفس؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إني أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتبع) يعني: بما أفعل وبما آتي؛ صلى الله عليه وسلم تراجم رجال إسناد حديث (وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة يعني: القعنبي عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري]. عبد الله بن مسلمة ومالك مر ذكرهما، وعبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي يونس مولى عائشة]. أبو يونس مولى عائشة، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي]. [عن عائشة]. عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها الأسئلة حكم قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية السؤال هل يجب على من يصلي في الجماعة أن يقرأ الفاتحة، علماً بأن الصلاة جهرية؟ الجواب في ذلك خلاف بين أهل العلم، وفيه ثلاثة أقوال: منهم من قال: إنه يقرؤها في السرية والجهرية، ومنهم من قال: إنه يقرؤها في السرية دون الجهرية، ومنهم من قال: لا يقرؤها لا في السرية ولا في الجهرية، والإمام يتحمل، والأرجح هو أنه يقرؤها في السرية والجهرية، والدليل على ذلك الحديث الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه بعد ما صلى: (ما لي أنازع القراءة؟! لعلكم تقرءون وراء إمامكم، لا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب) فدل هذا على أن فاتحة الكتاب تقرأ، وأن غيرها لا يقرأ الاكتفاء بشهادة رجل واحد في رؤية هلال رمضان السؤال أورد الشيخ الألباني حديثاً فيه: (فإن شهد شاهدان مسلمان، فصوموا وأفطروا) رواه أحمد والنسائي، وقال الشيخ عنه في إرواء الغليل: صحيح، فهل في هذا الحديث دليل على أنه يجب في دخول شهر رمضان شاهدان؟ الجواب كما هو معلوم أنه جاء ما يدل على أنه يكفي شاهد واحد، وحديث ابن عمر الذي قال: (تراءى الناس الهلال، فرأيته، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالصيام) يدل على أن الصوم يثبت برؤية الشاهد الواحد خال أبي الزوج لا يكون محرماً لزوجته السؤال هل خال أبي يكون محرماً لزوجتي؟ الجواب خاله هو نفسه لا يكون محرماً لزوجته، وهو أقرب، فكيف بخال أبيه! حكم رفع الحدث في الوضوء بنية التجديد السؤال إذا توضأ الرجل يريد بوضوئه التجديد، أي: أنه مسنون، وهو يعلم أنه أحدث قبل ذلك، فهل هذا يرفع الحدث؟ الجواب ليس هذا تجديداً للوضوء، وإنما التجديد أن يتوضأ الإنسان وهو على طهارة، فإذا توضأ وهو يظن أنه على طهارة، ثم بعد ذلك تبين أنه قد نقض الوضوء في الأول، فهذه هي التي يمكن أن يسأل عنها، وليس عندي فيها جواب حديث (أول من تسعر بهم النار) لا يدل على أنهم مشركون السؤال هل حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة يدل على أنهم مشركون شركاً أكبر فهم مخلدون في النار؟ الجواب لا يدل على ذلك، وإنما يدل على أن العالم الذي لم يعمل بعلمه قد عصى على بصيرة، وعلى بينه والشاعر يقول: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم فلا يدل على الشرك، ولا على الكفر، وإنما يدل على خطورة الذنب حكم العتيرة في رجب السؤال من المعلوم المقرر عند أهل العلم أن شهر رجب شهر لا يتميز عن بقية الشهور الأخرى، إلا أنه شهر حرام، وقد وقفت في صحيح الجامع الصغير على حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (العتيرة حق) برقم أربعة آلاف ومائة واثنين وعشرين، وقال عنه الألباني رحمه الله تعالى: حسن، ثم علق رحمه الله في الهامش فقال: هي ذبيحة تذبح في رجب، وهي مشروعة، ولكنها ليست واجبة، فما هو توجيهكم وفقكم الله؟ الجواب أقول: جاءت أحاديث صحيحة مثل: (لا فرع ولا عتيرة) أي: أنها نفت، فأنا لا أتذكر، لكن يمكن أن ينظر في الأحاديث التي فيها نفي العتيرة، وما قاله أهل العلم فيها حكم الاكتحال بميل الذهب أو الفضة السؤال هل يجوز للرجل أن يكتحل بميل من فضة أو ذهب؟ الجواب ليس للإنسان أن يستعمل الذهب والفضة حكم الإهداءات التي توضع بين يدي بعض المؤلفات السؤال ما حكم الإهداءات التي توضع بين يدي بعض المؤلفات؟ الجواب قضية الإهداء الذي هو إهداء ثواب العمل وما إلى ذلك، هذا لا نعلم عنه شيئاً يدل عليه، وأما قضية كونه يقصد به شخصاً معيناً بعينه أو أشخاصاً يقصد نصحهم لا بأس بذلك، إذا كان المقصود به النصح، يعني: أن تكون هذه هدية إلى كل مسلم، وهذا مهدى للشباب يعني: نصائح لا بأس بها، أما كونه يرجى الثواب فالذي يظهر أنه لا يصلح؛ لأنه لا يستعمل الإهداء إلا فيما ورد فيه النص، مثل الصدقة والدعاء يعني: كون الإنسان هو الذي ورد أنه ينفع الميت، وأما قضية إهداء إلى فلان أو إلى روح فلان وما إلى ذلك، فهذا لا يصلح حكم الاكتحال في نهار رمضان السؤال هل يجوز للشخص أن يكتحل في نهار رمضان؟ الجواب قلنا: إنه لا بأس بذلك مطلقاً في رمضان أو غيره. الأصل جواز الاكتحال إلا أن يأتي شيء يمنع منه، وقد مر بنا أن بعض الصحابة مثل أنس كان يكتحل وهو صائم، وكذلك بعض التابعين كانوا يكتحلون وهم صائمون غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة السؤال هل غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة على القول بوجوب غسل الجمعة؟ الجواب غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة، ولكن الذي فيه رفع الحدث هو الذي يجب أن يكون المقصود، وأن يكون هو المنوي، مثل طواف الإفاضة والوداع، إذا أخر طواف الإفاضة إلى حين السفر فهو يغني عن الوداع، وإذا اغتسل عن جنابة في يوم جمعة أجزأه عن غسل الجمعة غسل التبرد أو التنظف لا يكفي لرفع الحدث الأصغر السؤال إذا اغتسل للتبرد أو التنظف هل يكفي في رفع الحدث الأصغر؟ الجواب الحدث الأصغر كما هو معلوم يكون رفعه بكون الإنسان يتوضأ ويرتب أعضاء الوضوء، فلا يكفي أن ينغمس في الماء وينوي الفرق بين المبهم والمجهول السؤال ما الفرق بين المبهم والمجهول؟ الجواب المبهم: هو الذي ما ذكر شيء يدل على اسمه، وإنما قيل: (رجل أو امرأة) فهذا مبهم، والمجهول يذكر اسمه واسم أبيه، ولكنه ما روى عنه إلا واحد فيصير مجهول العين، أو إنه روى عنه جماعة ولم يوثق، فهو مجهول الحال. فالمجهول معروف اسمه واسم أبيه، والمبهم لا يذكر اسمه، وإنما يقال: رجل أو امرأة حكم القطرة في أذن الصائم السؤال ما حكم القطرة في الأذن للصائم؟ الجواب لا بأس بها حكم دخول الحرم لمن خرج منها الدم بعد طهرها بأسبوع السؤال زوجتي طهرت من النفاس، وبعد الطهر بأسبوع خرج منها الدم، هل ذلك يمنعها من دخول الحرم والصلاة والجماع؟ الجواب إذا كان في حدود الأربعين فإنه يمنعها، وأما إذا كان فوق الأربعين فلا يؤثر لا تخليد في الدنيا لأحد السؤال هل الرسول صلى الله عليه وسلم خير بين أن يخلد في الدنيا وله الجنة، وبين الرفيق الأعلى فاختار الرفيق الأعلى؟ الجواب لا أعلم، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34] فكيف يخير بالبقاء في الدنيا؟!
__________________
|
#479
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [277] الحلقة (309) شرح سنن أبي داود [277] لقد عظم الله عز وجل من شأن شهر رمضان، ورفع من قدر الصيام فيه، وجعل من ارتكب محظوراً في نهاره آثماً، ومن ذلك جماع الرجل امرأته، فغلظ فيه الكفارة للردع والزجر عن ذلك، وكفارة الجماع في نهار رمضان هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، كما جاء ذلك في الأحاديث. كفارة من أتى أهله في رمضان شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كفارة من أتى أهله في رمضان. حدثنا مسدد و محمد بن عيسى المعنى قالا: حدثنا سفيان قال مسدد قال: حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال، هلكت! فقال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: فهل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: تصدق به، فقال: يا رسول الله! ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت ثناياه، قال: فأطعمه إياهم) وقال مسدد في موضع آخر: (أنيابه) . ذكر أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كفارة من أتى أهله في نهار رمضان، فمن جامع أهله في نهار رمضان فإنه يفسد صيامه، وعليه أن يكمله، وألا يأكل بعد كونه أفسده، وأن يقضي يوماً مكانه، وأن يستغفر الله عز وجل ويتوب، ويأتي بكفارة، وهي التي جاء ذكرها في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أورده المصنف هنا، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، فإن لم يجد أطعم ستين مسكيناً. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! هلكت، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله عن هذا الذي قال إنه هلك به، فقال: إنه وقع على أهله في نهار رمضان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس فجلس، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه طعام، وقال: خذه وتصدق به) يعني: أده كفارة عنك، فقال: ليس هناك بين لابتي المدينة من هو أفقر منا، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه؛ لأنه جاء في أول الأمر يقول: إنه هلك، وإنه يبحث عن الخلاص، ولما ذكر له الخلاص على الترتيب وانتهى إلى الطعام، وقال: إنه لا يجد شيئاً، ثم أتي بطعام وأعطي إياه ليتصدق به؛ قال: نحن أولى به، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال (خذه فكله). وهذا يدلنا على أن من جامع في نهار رمضان تجب عليه كفارة، وما ورد في الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كله) لا يدل على سقوط الكفارة، بل الكفارة لازمة في ذمته، ودين عليه إذا أيسر، فإنه يفعل ما يمكنه من الثلاثة الأول: إن قدر على الأول الذي هو العتق فلا ينتقل إلى الصيام، وإن عجز عنه انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، وإن عجز عنه انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أذن له بأن يأكله، وأن يستفيد منه أهله لا يدل على أن الكفارة سقطت عنه، بل الكفارة دين في ذمته، ومتى أيسر فعليه أن يأتي بها، ولكن كونه غير مستطيع في الوقت الحاضر، وهو بحاجة إلى الطعام، وأنه أولى من غيره، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، سأله أن يأكله هو وأهله، فأذن له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذنه له لا يدل على سقوطها، وإنما يدل على تأخيرها، وأنها دين في ذمته متى استطاع أن يؤدي ذلك الدين فإنه يؤديه. وقوله: (هلكت) يشعر بأنه فعل أمراً عظيماً، وقال: إنه هلك بهذا الفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما هو واجب عليه من الكفارة، ولكن عليه القضاء والكفارة، ويستغفر الله عز وجل مما قد حصل، ولا يعود الإنسان إلى هذا العمل. ثم إن المرأة إذا كانت مطاوعة فإنه يلزمها الكفارة مثل ما يلزم الرجل، وأما إن كانت مكرهة ومن غير إرادتها، فإنه يفسد صيامها وعليها قضاؤه، وليس عليها شيء من الكفارة. تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ المعنى قالا: حدثنا سفيان ]. المعنى: أي: أن هذين الشيخين روايتهم متفقة بالمعنى. ومحمد بن عيسى الطباع و مسدد يرويان عن سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال مسدد : قال: حدثنا الزهري ]. أي: قال مسدد في حديثه: قال سفيان بن عيينة حدثنا الزهري. و الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد بن عبد الرحمن ]. حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة : عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. قوله: [ (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه) قال مسدد : (أنيابه) ]. يعني: أن مسدداً قال: (أنيابه) ومحمد بن عيسى قال: (ثناياه). شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الحديث بمعناه، زاد الزهري : وإنما كان هذا رخصةً له خاصة، فلو أن رجلاً فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير ]. أورد أبو داود هذا الكلام عن الزهري أن هذا رخصة له خاصة، ولو فعل أحد بعد ذلك لم يكن له بد من التكفير، وكلام الزهري هذا يدل على أنها سقطت عنه، وأنها رخصة له، ولكن ليس هذا بواضح؛ لأنه يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له بأن يأكل هذا الطعام؛ لأنه بحاجة ماسة إليه، ولا يعني ذلك أن ما في ذمته قد برئ، وأنها سقطت عنه، فإن الكفارة لازمة له. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري بهذا الحديث بمعناه ]. يعني: بمعنى الحديث الذي تقدم. شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثالثة [ قال أبو داود : رواه الليث بن سعد و الأوزاعي و منصور بن المعتمر و عراك بن مالك على معنى ابن عيينة زاد فيه الأوزاعي : (واستغفر الله) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى ولكنها معلقة، وأشار إلى أنها مثل طريق ابن عيينة ، وهي الطريق الأولى التي يرويها مسدد و محمد بن عيسى ، وفيها زيادة عند الأوزاعي أنه قال: (واستغفر الله)، يعني: من الذنب الذي قد حصل، وهو كون الإنسان حصل منه الإفطار في نهار رمضان بسبب الجماع. تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثالثة قوله: [ قال أبو داود رواه الليث بن سعد ]. الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الأوزاعي ]. الأوزاعي : عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومنصور بن المعتمر ]. منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعراك بن مالك على معنى ابن عيينة ]. عراك بن مالك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ زاد فيه الأوزاعي : (واستغفر الله) ]. يعني: على ما ذكر معه أنه قال: (واستغفر الله). شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم أفطر في رمضان .. بهذا الحديث قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً وقال فيه: كله أنت وأهل بيتك، وصم يوماً واستغفر الله) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه أمره بقضاء يوم بدل اليوم الذي أفطره، وأنه أيضاً يستغفر الله عز وجل، وهذه قد مرت عند الأوزاعي في بعض ألفاظه وبعض الروايات. وفيه أنه قال له: (كله أنت وأهلك) وهذا فيه اختصار؛ لأنه ما قال له: كله أنت وأهلك من أول الأمر، وإنما أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، ولما أخبره بأنه في حاجة إلى الطعام هو وأهل بيته، قال: كله. وفيه أنه قال: خمسة عشر صاعاً، يعني: العرق فيه خمسة عشر صاعاً، وأن هذا معناه أنه يكون على مقدار المد، يعني: أنه إذا كان يعطى للستين مسكيناً يكون لكل واحد مد. قوله: [ (وصم يوماً، واستغفر الله) ]. يعني: صم يوماً مكانه، أي: مكان اليوم الذي أفطر فيه، واستغفر الله مما حصل من الذنب الذي هو الإفطار في نهار رمضان. وهل صيام الشهرين تكفي أم يصوم واحداً وستين يوماً؟ لا تكفي، وإنما يصوم يوماً قضاء، وستين يوماً كفارة، وبعض أهل العلم قال: إذا كفر بالصيام يكفي شهرين، يعني: لا يلزمه القضاء، وإن كفر بالإطعام والعتق فإنه يصوم، ولكن الذي يبدو أن الكفارة مستقلة وأن القضاء واجب. تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق رابعة قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب مر ذكره. [ عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ]. و حميد مر ذكره و أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق خامسة [ قال أبو داود : ورواه ابن جريج عن الزهري على لفظ مالك : (أن رجلاً أفطر) وقال فيه: (أو تعتق رقبة، أو تصوم شهرين، أو تطعم ستين مسكيناً) ]. ثم ذكر طريقاً أخرى وقال: إنها على لفظ مالك وهي الطريق الأخيرة التي قال: (أفطر) كما جاء عن مالك وقال له: كذا أو كذا، يعني: تعتق رقبة أو تصوم شهرين، أو تطعم ستين مسكيناً. [ قال أبو داود : رواه ابن جريج ]. ابن جريج : عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق سادسة قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم أفطر في رمضان .. بهذا الحديث قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً وقال فيه: كله أنت وأهل بيتك، وصم يوماً واستغفر الله) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه أمره بقضاء يوم بدل اليوم الذي أفطره، وأنه أيضاً يستغفر الله عز وجل، وهذه قد مرت عند الأوزاعي في بعض ألفاظه وبعض الروايات. وفيه أنه قال له: (كله أنت وأهلك) وهذا فيه اختصار؛ لأنه ما قال له: كله أنت وأهلك من أول الأمر، وإنما أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، ولما أخبره بأنه في حاجة إلى الطعام هو وأهل بيته، قال: كله. وفيه أنه قال: خمسة عشر صاعاً، يعني: العرق فيه خمسة عشر صاعاً، وأن هذا معناه أنه يكون على مقدار المد، يعني: أنه إذا كان يعطى للستين مسكيناً يكون لكل واحد مد. قوله: [ (وصم يوماً، واستغفر الله) ]. يعني: صم يوماً مكانه، أي: مكان اليوم الذي أفطر فيه، واستغفر الله مما حصل من الذنب الذي هو الإفطار في نهار رمضان. وهل صيام الشهرين تكفي أم يصوم واحداً وستين يوماً؟ لا تكفي، وإنما يصوم يوماً قضاء، وستين يوماً كفارة، وبعض أهل العلم قال: إذا كفر بالصيام يكفي شهرين، يعني: لا يلزمه القضاء، وإن كفر بالإطعام والعتق فإنه يصوم، ولكن الذي يبدو أن الكفارة مستقلة وأن القضاء واجب. تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق سادسة قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر ]. جعفر بن مسافر ، صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن أبي فديك ]. ابن أبي فديك : هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن سعد ]. وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. ابن شهاب مر ذكره. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره. شرح حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه أنه سمع عائشة ر ضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول: (أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان، فقال: يا رسول الله! احترقت، فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شأنه؟ قال: أصبت أهلي، قال: تصدق، قال: والله ما لي شيء ولا أقدر عليه، قال: اجلس، فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أين المحترق آنفاً؟، فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تصدق بهذا، فقال: يا رسول الله! أعلى غيرنا؟ فوالله إنا لجياع ما لنا شيء، قال: كلو) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو بمعنى ما تقدم، إلا أنه قال: (احترقت) معناه: أنه أصابه هذا الكرب وهذه المصيبة، وأنه أهلك نفسه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما شأنه) قال: وقعت على أهلي في نهار رمضان، قال: (تصدق) قال: ما عندنا شيء، وهذا فيه اختصار؛ لأن الصدقة هي آخر شيء، أو آخر أحوال الكفارة. قوله: [ (فبينما هو على ذلك، أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله: أين المحترق آنفاً؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله! فقال: خذه وتصدق به، فقال: على أفقر منا) ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كله، هو مثل حديث أبي هريرة المتقدم. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري المصري ، ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو بن الحارث ]. عمرو بن الحارث المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه ]. عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه ]. محمد بن جعفر بن الزبير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عباد بن عبد الله بن الزبير ]. عباد بن عبد الله بن الزبير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها بهذه القصة قال: (فأتي بعرق فيه عشرون صاعاً) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعرق فيه عشرون صاعاً، يعني: في الرواية الأولى قال: (حمار عليه طعام)، وهنا قال: (عرق فيه عشرون صاعاً) وهذا فيه التنصيص على العشرين صاعاً، وفي الحديث الأول حديث أبي هريرة خمسة عشر صاعاً، و الألباني ضعف هذه الرواية أو هذا الحديث، لكن لا أدري ما وجه التضعيف لهذا الحديث الذي فيه ذكر العشرين صاعاً. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ، ثقة أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا سعيد بن أبي مريم ]. سعيد بن أبي مريم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن الحارث ]. عبد الرحمن بن الحارث ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أصحاب السنن. [ عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله عن عائشة ]. مر ذكرهم. مقدار كفارة الصيام وكيفية توزيعها ذكرت في المرأة إذا جامعها زوجها أنها إن كانت مطاوعة فعليها كفارة؛ لأنها مختارة، ومقدمة على ما أقدم عليه الرجل، وإن كانت مكرهة فلا كفارة عليها، وإنما عليها القضاء. وبالنسبة للكفارة ذكر في الحديث أنها خمسة عشر صاعاً، يعني: أنه لكل مسكين مد؛ لأن الصاع مقداره أربعة أمداد، فإذا قسمنا خمسة عشر صاعاً على ستين يصير لكل مسكين مد. وبعض أهل العلم قال: إنه نصف صاع، كبعض الكفارات الأخرى، كفدية الحلق في الحج فهي إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع. ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه هذا المقدار الذي هو خمسة عشر صاعاً على اعتبار أنه هو الذي جاء، لكن كونه يعطيه إياه ويقول: تصدق به، معناه أنه هو الكفارة، ويكون لكل مسكين مد. ومقدار الصاع اليوم ثلاثة كيلو غرامات، فيكون ربع الصاع أقل من الكيلو. "
__________________
|
#480
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [278] الحلقة (310) شرح سنن أبي داود [278] صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ولذا ورد التغليظ الشديد على من أفطر يوماً منه عمداً لغير عذر، وأنه لا يجزيه ولو صام الدهر. التغليظ فيمن أفطر عمداً شرح حديث التغليظ على من أفطر عامداً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التغليظ فيمن أفطر عمداً. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن ابن مطوس عن أبيه قال ابن كثير : عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر) ]. أورد أبو داود باب التغليظ فيمن أفطر عمداً يعني: أن ألإفطار عمداً في نهار رمضان أمره خطير، وهو أمر ليس بالهين، والمقصود منه غلظ هذا الذنب وشدته، والتحذير منه، والترهيب منه، وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة . فقوله: [ (من أفطر يوماً من رمضان، في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر) ]. يعني: كالمرض والسفر. (لم يقضه صيام الدهر) ولو صامه، يعني: أنه لا يغني عنه صيام الدهر. والحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن من أفطر يوماً من رمضان إن كان بالجماع فعليه القضاء والكفارة، وإن كان في غير الجماع فعليه القضاء ويستغفر الله عز وجل، وقد فعل أمراً خطيراً وعظيماً، والحديث غير ثابت؛ لوجود من هو لين الحديث ومن هو مجهول، وأيضاً من هو مدلس، ففيه علل متعددة. تراجم رجال إسناد حديث التغليظ على من أفطر عامداً قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت ]. شعبة مر ذكره. وحبيب بن أبي ثابت ، ثقة يدلس ويرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن عمير ]. عمارة بن عمير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مطوس ]. ابن مطوس وهو لين الحديث، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وأبوه مجهول أخرج له أصحاب السنن. [ وقال ابن كثير : عن أبي المطوس عن أبيه ]. في الطريق الأولى قال: عن ابن مطوس عن أبيه، وهنا قال: أبو المطوس عن أبيه، ثم أيضاً مما قيل فيه عدم سماع أبيه من أبي هريرة أو الشك في سماع أبيه من أبي هريرة ، هو مجهول، وروايته عن أبي هريرة غير محققة، وابنه الذي هو ابن مطوس أو ابن المطوس لين الحديث، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح حديث التغليظ على من أفطر عامداً من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثني يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني حبيب عن عمارة عن ابن المطوس قال: فلقيت ابن المطوس فحدثني عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث ابن كثير و سليمان ]. ثم أورد طريقاً أخرى أحال فيها على الطريق السابقة، التي هي طريق شيخيه محمد بن كثير و سليمان بن حرب ، وقال: إنها مثلها. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان وهو الثوري مر ذكره . [ حدثني حبيب عن عمارة عن ابن المطوس عن أبيه عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكرهم جميعاً. [ قال أبو داود : واختلف على سفيان و شعبة عنهما ابن المطوس و أبو المطوس ]. يعني جاء قيل ابن المطوس و أبو المطوس ، يعني قيل هذا وقيل هذا، ففيه اختلاف، هل هو ابن المطوس أو أبو المطوس . من أكل ناسياً في نهار رمضان شرح حديث (الله أطعمك وسقاك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من أكل ناسياً. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب و حبيب و هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم فقال: الله أطعمك وسقاك) ]. أورد أبو داود باب من أكل ناسياً، أي: فإنه يكمل صيامه ولا قضاء عليه، وقد أطعمه الله وسقاه، وهو لم يكن متعمداً، وإنما كان نسياناً، فهو معذور في ذلك، ولا يفسد صيامه، وصيامه صحيح، وهل يقضي أم لا؟ أورد أبو داود حديث أبي هريرة : أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه أكل وشرب ناسياً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أطعمك وسقاك) يعني: أنه لم يذكر له شيئاً، لا كفارة ولا قضاء، فدل على أنه معذور، وأن أكله وشربه ناسياً لا شيء عليه فيه، وصيامه صحيح ولا قضاء عليه. وإذا رأيت من يأكل أو يشرب فذكره بالصيام، ولا تتركه؛ لأن هذا من التنبيه على الصيام وحرمته. تراجم رجال إسناد حديث (الله أطعمك وسقاك) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حبيب ]. حبيب بن الشهيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و هشام ]. هشام بن حسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه وقد مر ذكره. تأخير قضاء رمضان شرح أثر عائشة (إن كان ليكون علي الصوم من رمضان..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تأخير قضاء رمضان. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: إن كان ليكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان ]. أورد أبو داود باب تأخير قضاء رمضان. قضاء رمضان تستحب المبادرة إليه، ولكنه لا يجب على الفور، وإنما هو على التراخي، ولكن المبادرة به مستحبة؛ لأن الدين إذا أخر ولم يبادر به فإنه قد يثقل على النفس، وقد يحصل نسيانه وقد يأتي رمضان وهو ما فعله، فينبغي للإنسان ويستحب له أن يبادر. وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، أي: لمكان انشغالها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونها تؤخر إلى شعبان يدل على أنه لا يؤخر عن شعبان، ولا يتجاوز رمضان الثاني، إلا إذا كان من ضرورة فللإنسان تأخيره إذا كان هناك ضرورة دعت إلى ذلك، أما من حيث الاختيار فلا يؤخر عن شعبان إلى ما بعد رمضان الثاني، وإنما عليه التخلص منه قبل أن يأتي الفرض الثاني، وعليه أداء ذلك الواجب قبل أن يأتي الفرض الثاني الذي هو شهر رمضان الآتي. و عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت تؤخر القضاء إلى شعبان، إما لقربه من رمضان، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام في شعبان، وفي حالة إكثاره الصيام هي أيضاً تصوم؛ لأنه كان يصوم أكثر الشهر صلى الله عليه وسلم، فتكون عائشة تجد لها فرصة لكون رمضان قرب، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم في شعبان، فدل هذا على التأخير، وأنه سائغ، وأن المبادرة إليه مستحبة. تراجم رجال إسناد أثر عائشة (إن كان ليكون علي الصوم من رمضان..) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد ]. عبد الله بن مسلمة و مالك مر ذكرهما. و يحيى بن سعيد هو الأنصاري المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن وعائشة مر ذكرهما. ما جاء فيمن مات وعليه صيام شرح حديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن مات وعليه صيام. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب من مات وعليه صيام. يعني: هل يقضى عنه أو لا يقضى عنه؟ من مات وعليه صيام من رمضان بسبب المرض، ولكن استمر معه المرض ولم يتمكن من القضاء، فإنه لا قضاء عليه؛ لأنه ما تمكن، وإن كان متمكناً من القضاء، بمعنى: أنه أفطر في رمضان لأنه مريض، ولكنه شفي بعد رمضان ولم يقض، ثم مات بعد ذلك فهذا هو الذي يقضى عنه، ويدخل تحت حديث عائشة . فقوله: [ (من مات وعليه صيام) ] يعني: معناه صيام واجب، وسواء كان هذا الواجب بأصل الشرع كشهر رمضان، أو واجب بإيجاب الإنسان ذلك على نفسه بالنذر، فإنه يصام عنه، لعموم الحديث. وبعض أهل العلم قال: إنه لا يصام لا القضاء ولا رمضان. وبعضهم قال: يصوم النذر دون رمضان يعني: الشيء الذي أوجبه على نفسه يصام عنه، والشيء الذي أوجبه الله تعالى عليه بأصل الشرع لا يقضى عنه. ولكن عموم الحديث -وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)- يدل على أن صيام الولي يكون لمن مات وعليه صيام أي: واجب، والصيام الواجب يدخل فيه رمضان ويدخل فيه النذر. قوله: [ (وليه) ]. يعني: قريبه. وإن صام عنه صاحبه فالذي يبدو أنه لا بأس، وإنما ذكر الولي من أجل أنه هو الذي يشفق عليه، وهو الذي يعنى به، وهو الذي يمكن أن يحصل ذلك منه، ولو صام عنه غيره جاز. تراجم رجال إسناد حديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر ]. عمرو بن الحارث مر ذكره. وعبيد الله بن أبي جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة ]. محمد بن جعفر بن الزبير مر ذكره. وعروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها. [ قال أبو داود : هذا في النذر، وهو قول أحمد بن حنبل ]0 يعني: أن أبا داود يرى أنه في النذر، وهو قول أحمد بن حنبل الذي فرق بين النذر وبين صيام الواجب بأصل الشرع وهو رمضان، ومعناه أنه قيده بالنذر، ولكن عمومه يشمل النذر وغير النذر. شرح أثر ابن عباس (إذا مرض الرجل في رمضان..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه ]. ثم أورد هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء). ذكر الرجل هنا لا مفهوم له، كما قد عرفنا أن النساء كالرجال، ولكن يأتي ذكر الرجال لأن الغالب أن الخطاب معهم، وإلا فإن المرأة مثل الرجل إذا مرضت. قوله: [ في رمضان، ثم مات ولم يصم أطعم عنه ]. يعني: عن كل يوم مسكيناً، [ ولم يكن عليه قضاء ]. قوله: [ وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه ]. يعني: مذهب ابن عباس رضي الله عنه أن قضاء الولي إنما يكون في حق من كان عليه صوم نذر، أما من أفطر في رمضان وكان مريضاً فإنه يطعم عنه، وليس عليه قضاء، ومعلوم أنه سبق أن عرفنا أنه: إذا كان المرض في رمضان واستمر معه حتى مات فإنه لا قضاء عليه، وليس عليه كفارة؛ لأن الله تعالى قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وهو لم يتمكن أن يصوم؛ لأنه استمر معه المرض حتى مات، وإن كان تمكن من القضاء ولكنه لم يفعل، فإن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) يشفع له فيما يبدو، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (إذا مرض الرجل في رمضان..) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي حصين ]. محمد بن كثير مر ذكره. وسفيان هو الثوري مر ذكره. وأبو حصين هو عثمان بن عاصم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة الراجح في مسألة من مات وعليه صيام السؤال: ما هو الراجح في مسألة من مات وعليه صيام؟ الجواب: الراجح فيها يبدو والله أعلم أن من مات وعليه صيام سواء كان صوم فرض الذي هو رمضان، أو شيء أوجبه على نفسه كالنذر أنه يصوم عنه وليه، وبعض أهل العلم فرق بين النذر وصيام رمضان، فرأى أنه يقضى عنه في النذر دون رمضان، وبعضهم قال: لا يقضى عنه لا نذر ولا رمضان، ولكن عموم الحديث يدل على أنه يشمل الاثنين. حكم توزيع صيام الميت على أقاربه السؤال: لو كان هذا الميت عليه عدد من الأيام فعدد من الأولياء تقاسموا الأيام وصاموا يوماً واحداً؟ الجواب: يصح، وقد ذكر هذا البخاري في صحيحه في أول باب نقله عن بعض العلماء، أنه لو كان عليه ثلاثون يوماً فاتفق ثلاثون من أهله أن كل واحد يصوم أجزأ، ولكن هذا يستثنى منه ما إذا كان الشيء فيه اشتراط التتابع فإنه لا يجوز فيه هذا الشيء، ولكن لكونه مثل رمضان فتقوم مجموعة من أقاربه فيصوم كل واحد يوماً فإن ذلك يصح، لكن لا يصلح اجتماعهم في شيء يشترط فيه التتابع كالكفارة. و البخاري ذكر هذا في صحيحه عن بعض السلف في أول ترجمة باب أنهم اتفقوا وصاموا يوماً واحداً. حكم من أفطر في نهار رمضان ثم جامع أهله السؤال: لو أن شخصاً أفطر ثم جامع أهله في نهار رمضان فهل تجب عليه الكفارة؟ الجواب: أقول: يجب عليه و لو كان قد أفطر؛ لأن مثل هذا يمكن أنه يريد هذا الشيء، فيذهب يفطر حتى يسلم من الكفارة؛ لأن حرمة الشهر لكونه أكل ولكونه جامع، كل ذلك فيه انتهاك للحرمة. ضابط الانتقال من العتق إلى الصيام إلى الإطعام في الكفارة السؤال: ما هو الضابط في الانتقال من العتق إلى الصيام إلى الإطعام في الكفارة؟ الجواب: مثل ما جاء في الحديث شخص لا يقدر على عتق رقبة وليس عنده قيمتها حتى يشتريها، فيتحول إلى الصيام، وإذا كان يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين يجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن ينتقل إلى الذي وراءه إلا إذا كان لا يستطيع، أما إن كان مستطيعاً تعين عليه الصيام. قد يقول شخص: أنا لا أستطيع أن أصوم شهرين، لأن مدتها طويلة علي، ولا أقدر عليها، فيريد أن ينتقل إلى الإطعام، فما هو الضابط الذي نستطيع أن نقول به؟ والجواب: أن كونه لا يصبر مثلاً عن النساء مثل ما جاء في بعض الروايات قال: وهل حصل لي هذا الفعل إلا من الصيام؟ يعني: فكونه شخصاً لا يستطيع أن يصبر في الليل ولا في النهار، هذا هو الذي يمكن أن يتحول. حكم الاستمناء في نهار رمضان السؤال: هل الاستمناء في نهار رمضان مثل الجماع في وجوب الكفارة؟ الجواب: ليس فيه كفارة، ولكنه يفسد صيامه وعليه القضاء ويأثم به؛ لأنه فعل أمراً محرماً لو كان في غير رمضان، فإذا كان في رمضان يكون الأمر أخطر وأخطر، ولكن ليس عليه كفارة، وإنما عليه القضاء، والكفارة إنما تجب على المجامع كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حكم من جامع أهله ثم سمع أذان الفجر فنزع السؤال: شخص جامع أهله يظن أنه بقي شيء من الوقت في الليل، فسمع الأذان فامتنع من فعله وترك، فهل عليه شيء من الكفارة؟ الجواب: ليس عليه شيء إذا جامع في الليل، وإذا أذن وهو في الجماع ونزع فليس عليه شيء."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 18 ( الأعضاء 0 والزوار 18) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |