شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         اسمع منا ولا تسمع عنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تارك العمل الظاهر بغير جحود ولا إباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 654 )           »          وقفات مع حديث الشفاعة العظمى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 6173 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 52 - عددالزوار : 23583 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 10100 )           »          عبودية الدعاء والافتقار إلى الله تبارك وتعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تربية مرتَّلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الرعاية الاجتماعية في العصور الوسطى القاهرة نموذجًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          البُعْد الثالث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          اللغة العربية والتحدّي الحضاري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-12-2021, 04:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [036]
الحلقة (67)

شرح سنن أبي داود [036]

للجنب أحكام خاصة به. منها ما يتعلق بمعاودته للجماع، ومنها ما يتعلق بنومه وأكله وشربه، ومنها ما يتعلق بقراءته للقرآن ودخوله المسجد، وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين هذه الأحكام.

ما يشرع لمن أراد النوم وهو جنب


شرح حديث: (... توضأ واغسل ذكرك ثم نم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب ينام. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في الجنب ينام يعني: دون أن يغتسل، وأورد حديث عبد الله بن عمر أن عمر ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة، وقيل: إن المقصود بذلك عبد الله بن عمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك) المقصود: أنه يجمع بينهما، وليس المقصود من ذلك الترتيب؛ لأن الواو لا تفيد الترتيب، وإنما المقصود أنه يغسل ذكره ثم يتوضأ، ولا يتوضأ ثم يغسل ذكره، وإنما يكون الوضوء بعد غسل الذكر، فالواو لا تفيد الترتيب، وإنما هي لمطلق المقارنة؛ فإن غسل الذكر مقدم على الوضوء؛ لأن غسل الذكر لإزالة ما علق به من آثار الجماع، والوضوء:
هو فعل أركان الوضوء ابتداءً بغسل الوجه وانتهاءً بغسل الرجلين. فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد من أراد أن ينام أن يغسل ذكره ويتوضأ وإن لم يغتسل، وهذا الوضوء عند جمهور أهل العلم مستحب وليس بواجب، والأكمل للجنب إذا أراد أن ينام الاغتسال، وإذا لم يحصل اغتسال فيليه الوضوء، وإذا لم يحصل الاغتسال ولا الوضوء فيليه أن يغسل ذكره فقط، ويزيل الآثار التي علقت به، وله أن ينام دون أن تحصل منه هذه الأمور كلها.
تراجم رجال إسناد حديث: (... توضأ واغسل ذكرك ثم نم)
قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
[عن عبد الله بن دينار ].
عبد الله بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قيل: إن الاستفتاء من عمر لأجل ابنه أي: عبد الله هو الذي كانت تصيبه الجنابة، مثل قضية الطلاق عندما طلق زوجته فأخبره عمر فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها). وهذا الحديث من مسند ابن عمر أو من مسند عمر و ابن عمر يروي عن أبيه على اعتبار أنه هو الذي باشر السؤال.
ما يشرع لمن أراد الأكل وهو جنب


شرح طريقي حديث عائشة فيما كان يفعله النبي إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجنب يأكل. حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة). حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) ]. قال أبو داود رحمه الله: باب الجنب يأكل. يعني: أن له أن يأكل، وكونه يتوضأ أو يغسل يديه هذا هو الذي ينبغي له أن يفعله، وهذا أكمل وأتم، وإذا أكل أو شرب دون أن يتوضأ ودون أن يغسل يديه فلا بأس بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة)
قوله:
[حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد ].
تقدم ذكر مسدد و قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة ؛ لأنه إذا جاء لفظ (سفيان) غير منسوب، ويروي عنه قتيبة و مسدد ، ويروي هو عن الزهري ، فالمراد به ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ].
الزهري و أبو سلمةوقد مر ذكرهما، وأما عائشة فهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه)
[حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].
محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن المبارك ].
عبد الله بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس ].
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) ].
يعني: مثلما تقدم من حيث الإسناد والمعنى، أي: أن الجنب يغسل يديه عندما يريد أن يأكل. وغسل اليد قبل الطعام مستحب إذا كانت وسخة، وأما إذا كانت غير وسخة أو يريد الإنسان أن يشرب من الإناء فلا بأس بذلك، لكن إذا كانت اليد فيها قذر فينظفها الإنسان، ولا يستعملها وهي قذرة.
زيادة الأكل في حديث الوضوء عند النوم للجنب
[قال أبو داود ورواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة رضي الله عنها مقصوراً، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك ، إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة ، ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ].
قوله: [فجعل قصة الأكل عن عائشة مقصوراً] يعني: اقتصر على ذكر قصة الأكل، وما ذكر قصة النوم؛ لأن الحديث الذي تقدم عن الزهري فيه أكل ونوم، وهذه الرواية الأخيرة التي فيها عبد الله بن وهب عن الزهري فيها ذكر الأكل مقتصراً عليه، وليس فيها ذكر النوم، والترجمة تتعلق بالأكل، وأما النوم فسبق أن عقد له ترجمة تخصه.
ورواه صالح بن أبي الأخضر -وقد مر ذكره- عن الزهري كما قال ابن المبارك يعني: فيما يتعلق بذكر الجمع بين الأكل والنوم إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة يعني: شك بين هذا وهذا، وكل منهما ثقة، وكل منهما من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، إلا أن أحدهما متفق على عده في الفقهاء السبعة وهو عروة ، والثاني مختلف فيه وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ، يعني: مرسلاً، بالجملتين والأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من قال يتوضأ الجنب


شرح حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن يأكل أو ينام ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يتوضأ الجنب. حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ. تعني: وهو جنب) ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب من قال: يتوضأ الجنب. يعني: إذا أراد أن يأكل أو ينام فإنه يتوضأ، وقد سبق أن مر أن الجنب ينام، وأنه يشرع له أن ينام وهو متوضئ، والمقصود من ذلك أن له أن يؤخر الغسل، ويكتفي بالوضوء إلى وقت الغسل، وذلك لتخفيف الجنابة لا لزوال الجنابة، ولحصول النظافة والطهارة في الجملة فيما يتعلق بالفرج، وإزالة ما علق به من أثر الجماع، وكذلك غسل الأعضاء. أورد أبو داود حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
(كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ تعني: وهو جنب) عائشة رضي الله عنها وأرضاها بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يكون جنباً ويريد أن يأكل أو ينام فإنه يتوضأ، ومن المعلوم أن الوضوء هو الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، إلا أنه فيما يتعلق بالنسبة للأكل فقد جاء في بعض الروايات التي سبق أن مرت ما يدل على أنه كان يغسل يديه فقط عند إرادة الأكل، فيكون المقصود به هنا الوضوء اللغوي، وإذا توضأ الوضوء الشرعي فهو أكمل وأفضل بلا شك، وأما بالنسبة للنوم فإنه يتوضأ الوضوء الشرعي، وذلك لتخفيف الجنابة لا لإزالتها؛ لأنها لا تنتهي إلا بالاغتسال حيث يوجد الماء، وإلا يقوم التيمم مقام الاغتسال إذا عدم الماء أو لم يقدر على استعماله.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن يأكل أو ينام ...)
قوله:
[حدثنا مسدد ].
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا يحيى ].
يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم ].
الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم ].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود ].
وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق من أوعية السنة وحفظتها لا سيما فيما يتعلق بالأمور التي تجري بين الرجل وأهل بيته، والأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، فإنها وعت وحفظت الكثير رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (أن النبي رخص للجنب إذا أكل أو شرب ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل - حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - قال: أخبرنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ). قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر و عمار بن ياسر في هذا الحديث رجل. وقال علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ].
أورد أبو داود حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ)، يعني: أنه إذا أراد ذلك فإنه عليه أن يتوضأ، ورخص له أن يتوضأ، وهذا فيه دليل على أن الاغتسال والمبادرة إليه حيث أمكن هو الأولى والأفضل، ولكنه إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب فإنه يتوضأ، وبالنسبة للأكل والشرب إذا اكتفى بغسل اليدين فإن ذلك يكون كافياً، وقد مر الحديث الذي فيه أنه كان إذا أراد أن يأكل غسل يديه، فيكون المراد به الوضوء اللغوي فيما يتعلق بغسل اليدين، وإن توضأ الوضوء الشرعي فإنه يكون أشمل وأفضل.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي رخص للجنب إذا أكل أو شرب ..)
قوله:
[حدثنا موسى يعني: ابن إسماعيل ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والذي قال: يعني. هو من دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يمكن أن يقول هذا الكلام، بل قاله من دونه؛ لأن الراوي ينسب شيخه كما يريد، لكن من دون الراوي هو الذي يحتاج إلى أن يضيف شيئاً، ويأتي بكلمة أو بعبارة تدل على أن ما بعد هذه العبارة أو بعد هذه الكلمة ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وقد مرت أمثلة عديدة على أن من دون أبي داود يضيف كلمة: يعني لبيان بعض الأسماء المهملة التي تأتي عند أبي داود باختصار، ولا ينسبها، وإنما يأتي باسم الراوي فقط دون أن ينسبه، ويسمى هذا المهمل، فيأتي من دونه فيقول: يعني. أي: يعني أبو داود في قوله: موسى موسى بن إسماعيل التبوذكي .
[حدثنا حماد يعني: ابن سلمة ].
كلمة: يعني: ابن سلمة هذه تحتمل أن تكون من أبي داود أو ممن دون أبي داود بخلاف التي قبلها فإنها لا تحتمل أن تكون من أبي داود وإنما هي ممن دون أبي داود . و حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا عطاء الخراساني ].
عطاء بن أبي مسلم الخراساني وهو صدوق يهم كثيراً، أخرج حديثه الإمام مسلم وأصحاب السنن. [عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر وهو ثقة، يرسل أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمار بن ياسر ].
عمار بن ياسر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر و عمار بن ياسر في هذا الحديث رجل ].
وهذه العبارة تعني أن يحيى بن يعمر لم يسمع هذا الحديث من عمار ، وأنه بينهما واسطة، وهذا يتفق مع ما ذكر عنه أنه ثقة يرسل، فروايته عن عمار بن ياسر في هذا الحديث مرسلة؛ لأن بينه وبينه واسطة.
شرح آثار عن الصحابة في وضوء الجنب إذا أراد الأكل
[وقال علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ]. ذكر المصنف هذا الأثر عن هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عن الجميع، وهو: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ. ويحتمل أن يكون مرادهم الوضوء الشرعي، ويحتمل أن يكون الوضوء اللغوي. والحديث المتقدم فيه ضعف، لكن معناه صحيح يشهد له ما تقدم. إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ وإن لم يغتسل، وإن لم يفعل ذلك يصح؛ لأن الوضوء ليس بلازم، وإنما هو مستحب، وسيأتي الحديث الذي فيه أنه كان ينام دون أن يمس ماءً.
تأخير الجنب للغسل


شرح حديث: (... ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يؤخر الغسل. حدثنا مسدد حدثنا معتمر ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: (قلت لعائشة رضي الله عنها: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفت به؟ قالت: ربما جهر به وربما خفت، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب الجنب يؤخر الغسل. يعني: أن الغسل لا يلزم على الفور بعد الجنابة مباشرة، فله أن يبقى بدون اغتسال، وليس الغسل واجباً عليه على الفور؛ لأنه جاء ما يدل على ذلك في الأحاديث المتعددة المتنوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن غضيف بن الحارث سألها: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو آخره؟ قالت:
ربما اغتسل في أوله، وربما اغتسل في آخره) يعني: إذا حصل منه الجماع في أول الليل فكان أحياناً يغتسل في أول الليل، وأحياناً يؤخر الغسل إلى آخر الليل.
وهذا يدلنا على أن الغسل ليس على الفور، وأنه يمكن أن يؤخر، لكن يستحب مع تأخيره أن يكون الإنسان متوضئاً، فإذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام فإنه يتوضأ على سبيل الاستحباب، فعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم (ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره)، ومحل الشاهد: (ربما اغتسل في آخره)؛ لأن هذا هو تأخير الغسل، يعني: جامع في أول الليل واغتسل في آخر الليل، وهذا يدلنا على جواز تأخير الغسل لكن مع الوضوء حتى يخفف الجنابة، وحتى يزيل الآثار التي حصلت نتيجة الجماع بحيث يكون نظيفاً، وذلك بأن يغسل فرجه ويتوضأ. ثم قال: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر في أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أوله، وربما أوتر في آخره) يعني: فعل هذا وهذا. وكذلك أيضاً سألها فقال: (أرأيت الرسول كان يجهر بالقراءة أم يخفت؟) يعني: في صلاة قيام الليل هل كان يجهر بالقراءة أو كان يسر؟ (قالت: ربما فعل هذا وربما فعل هذا)، يعني: كان أحياناً يجهر وأحياناً يخافت.
إذاً: المبادرة بالنسبة للغسل أفضل، والتأخير ما لم يحن وقت الصلاة، وما لم يكن هناك أمر يقتضي الاغتسال سائغ. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ووسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر) ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي من أول الليل في بعض الأحيان، وأحياناً من وسط الليل، وأحياناً من آخر الليل، ولكن وتره ينتهي بالسحر، بحيث لا يؤخره عن السحر، ولا يؤخره إلى طلوع الفجر، بل كان يوتر قبل أن يطلع الفجر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والذي ينبغي في مثل هذا أن من عرف من عادته أن يستيقظ آخر الليل فإن الصلاة في آخر الليل ووتره آخر الليل أفضل، ومن خشي ألا يستيقظ وأنه يطلع عليه الفجر قبل أن يوتر فالأفضل في حقه أن يوتر قبل أن ينام، وهذا هو الذي جاءت الوصية به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من أبي هريرة و أبي الدرداء ، فحديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم : (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد). وأما بالنسبة للقراءة في قيام الليل فهذا الحديث يدل على أنه كان أحياناً يجهر وأحياناً يخافت، وهذا يدلنا على أن الأمر في ذلك واسع، وأن له أن يجهر، وله أن يخافت في القراءة. وفي كل هذه الأحوال الثلاثة عندما كان يسأل غضيف عائشة وتخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل هذا وفعل هذا كان يقول: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة الله.
فكان يكبر عندما سمع أن كل ذلك سائغ، وأن كل ذلك جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه دليل على أن الإنسان عند الأمور السارة التي تعجبه يكبر؛ لأنه بذلك يظهر ما عنده من الفرح والسرور، وفي نفس الوقت يذكر الله عز وجل، فيكون إظهاره ما عنده من الفرح والسرور في أمر مشروع قربة إلى الله، وهو ذكر لله عز وجل، وهذا هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. هذا التابعي غضيف اختلف في صحبته، منهم من قال: هو صحابي، ومنهم من قال: تابعي، والصحابة قد جاء عنهم التكبير عند حصول ما يسر، مثل الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ أترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة؟) ففي كل مرة يقول لهم ذلك يقولون: الله أكبر! الله أكبر! وكذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه (لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وكان قد اعتزلهن وآلى منهن شهراً، جاءه عمر فسأله وقال: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ فقال: لا، ففرح عمر وقال: الله أكبر).
فهذا الحديث في تكبير غضيف بن الحارث ، والحديث الذي فيه تكبير عمر رضي الله عنه، والحديث الذي فيه تكبير الصحابة رضي الله عنهم يدلنا على أن المشروع عند الفرح والسرور التكبير وليس التصفيق الذي يستعمل الآن في كثير من الأوقات عند كثير من الناس. قوله: (الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) فيه السرور وحمد الله عز وجل على أن يسر في شرعه، ولم يكلف الناس أن يغتسلوا بعد الجماع فوراً، فلهم أن يؤخروا الاغتسال، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالوتر في أول الليل وآخره، وكذلك فيما يتعلق بالقراءة جهراً وسراً في صلاة الليل، ففيه حمد الله عز وجل والثناء عليه، والفرح بما حصل من التيسير في هذه الشريعة التي جاء بها المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (... ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ...)
قوله:
[حدثنا مسدد ].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا معتمر ].
معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الملقي: [ ح وحدثنا أحمد بن حنبل ]. ثم قال: ح، وهي للتحول من إسناد إلى إسناد آخر، و أحمد بن حنبل هو: أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ].
إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الكوفي الأسدي وهو المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا برد بن سنان ].
برد بن سنان وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [عن عبادة بن نسي ]. عبادة بن نسي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن غضيف بن الحارث ].
غضيف بن الحارث وهو مختلف في صحبته، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[قلت لعائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها وقد مر ذكرها.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-12-2021, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب، ولا صورة، ولا جنب) والمقصود أن وجود هذه الثلاثة الأشياء في البيوت من أسباب امتناع دخول الملائكة، والمقصود بالملائكة الذين لا يدخلون ملائكة الرحمة، وأما الملائكة الموكلون بالكتابة فهم مع الإنسان دائماً، ولا يمتنعون من ملازمته لهذه الأسباب التي جاءت في هذا الحديث.
وهذا فيه تنفير من الوقوع في هذه الأمور، والمقصود من ذكر الجنب هنا: الذي يتهاون في أمر الجنابة، ويستخف بها، ولا يهتم بها، بخلاف الذي يؤخرها لأمر طارئ أو يخففها بكونه يتوضأ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون محمولاً على من يتهاون في أمر الجنابة، أما من يؤخرها حيث ساغ له التأخير فإن ذلك قد جاء ما يدل عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أنه يتوضأ بحيث يكون مخففاً للجنابة، وليس المقصود به أن الملائكة لا تدخل البيت ما دام أن فيه جنباً مطلقاً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على أنه كان يؤخر الغسل إلى آخر الليل كما سبق أن مر في الحديث السابق، وكونه كان يتوضأ فإن الجنابة لا تزال باقية، ولا تزول إلا بالاغتسال، ولكن الوضوء فيه تخفيف لها. والكلب يستثنى منه الكلاب المأذون فيها، وهي ما كانت للصيد أو للزرع أو للماشية، فهذه مأذون فيها، فلا تمنع من دخول الملائكة. والصورة المقصود بها:
الصور التي هي من ذوات الأرواح، وسواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، وإذا كان هناك شيء تدعو إليه ضرورة فيما يتعلق بالصور الفوتوغرافية فإن الإنسان يكون معذوراً، أما لغير الضرورة فإن الإنسان يبتعد عن الصور واستعمالها، والاحتفاظ بها مطلقاً، إلا لأمر يقتضي ذلك، ولحاجة أو لضرورة دعت إلى ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ...)
قوله:
[حدثنا حفص بن عمر ].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
[حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج مر ذكره. [عن علي بن مدرك ].
علي بن مدرك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ].
أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن نجي ].
عبد الله بن نجي الحضرمي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[عن أبيه].
الشيخ: عن أبيه نجي وهو مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[عن علي بن أبي طالب ].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه ضعف من جهة نجي والد عبد الله الذي قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول. لكن على فرض صحته يكون معناه كما قال بعض أهل العلم الذي يتهاون في أمر الجنابة بخلاف الذي يبقى على جنابته وهو معذور، فله ذلك أو يخففها بالوضوء كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً). قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب دون أن يمس ماءً)، يعني: أنه ينام دون أن يغتسل، وقيل: أي: لا يمس ماءً لا للوضوء ولا للاغتسال، لكن إطلاقه يدل على شموله للأمرين. وقال بعض أهل العلم: التوفيق بينه وبين ما جاء من الأحاديث الأخرى الدالة على أنه كان يتوضأ أنه فعل ذلك في بعض الأحيان لبيان الجواز, وليبين أن الوضوء لمن أراد أن ينام وهو جنب للاستحباب، وأنه لو لم يتوضأ ونام فإن ذلك سائغ، وليس الاغتسال واجباً، لكنه أكمل، وإذا لم يحصل اغتسال وحصل الوضوء فهو أكمل، وإن حصل غسل الفرج فقط فلا شك أن هذا حسن، وإذا لم يفعل ذلك كله فإنه سائغ، وللإنسان أن ينام دون أن يتوضأ ودون أن يمس ماءً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث تكلم فيه من جهة أبي إسحاق ، وأنه حصل له الوهم فيه، وبعض العلماء صحح الحديث، واستدل به على أن النوم بدون اغتسال وبدون وضوء جائز.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء)
قوله:
[حدثنا محمد بن كثير ].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و سفيان الثوري متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة مائة وواحد وستين، وتوفي محمد بن كثير سنة مائتين وسبعة وعشرين وعمره تسعون سنة، ولكونه معمراً أدرك من كان متقدماً.
[عن أبي إسحاق ].
وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود عن عائشة ].
الأسود وعائشة قد مر ذكرهما.
[قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي ].
الحسن بن علي الواسطي صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[قال: سمعت يزيد بن هارون ].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ].
قراءة الجنب للقرآن


شرح حديث: ( ... ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يقرأ القرآن. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان: رجل منا ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي رضي الله عنه وجهاً، وقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما، ثم قام فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه -أو قال: يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة) ].
أورد أبو داود رحمه الله باب الجنب يقرأ القرآن، والمقصود: هل للجنب أن يقرأ القرآن قبل أن يحصل منه الاغتسال أو ليس له ذلك حتى يغتسل؟ كثير من أهل العلم قالوا: لا يقرأ القرآن وهو جنب لحديث علي هذا، ولبعض الأحاديث الأخرى التي فيها ضعف، لكن بمجموعها يحتج بها على أن الجنب لا يقرأ القرآن، قالوا: والجنابة هي في يد الإنسان، يتخلص منها إن كان الماء موجوداً متى شاء، وإن كان الماء غير موجود فيتيمم، وبذلك تحصل له الطهارة، وقد جاء حديث آخر فيه ضعف أنه لا يقرأ القرآن جنب أو حائض، يعني: أن الحائض والجنب لا يقرأان القرآن، وفرق بعض أهل العلم بين الجنب والحائض؛ لأن الحائض تطول مدتها، وقد يخشى نسيانها للقرآن، فلها أن تقرأ، وأما الجنب فإن جنابته بيده، ومدتها لا تطول؛ لأن الأمر يرجع إليه إذا أراد أن يتخلص من الجنابة يبادر بالاغتسال إن كان الماء موجوداً وإلا تيمم إن كان الماء غير موجود أو موجوداً ولكنه لا يقدر على استعماله، فإنه يحصل منه التيمم، وبذلك تحصل له الطهارة، فالتخلص من جنابته بيده، وأما الحيض فالتخلص منه ليس بيد المرأة، فهي محبوسة به، ومتعين عليها أن تبقى حائضاً حتى تطهر منه وتغتسل، فأجاز بعض أهل العلم للحائض أن تقرأ القرآن، ومنع أكثر العلماء الجنب من أن يقرأ القرآن لحديث علي هذا وغيره، ولكون الجنب بيده التخلص من جنابته، وليس كالحائض التي لا تتمكن ولا تستطيع أن تتخلص من حيضها؛ لأنها محبوسة به حتى تطهر منه. قال عبد الله بن سلمة : دخلت أنا ورجلان:
رجل منا ورجل من بني أسد أحسب. يعني: أظنه من بني أسد، فقوله: إنه من بني أسد هذا ظن منه، وليس يقيناً قال: وكانا علجين يعني: كانا قويين نشيطين وصحتهما جيدة فقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما. يعني: جاهدا واعملا ودافعا عن دينكما بهذه القوة التي أعطاكما الله عز وجل، فاستعملاها في العمل للدين، وفي بيان الدين، وفي الدفاع عن الدين، وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذه القوة ينبغي أن تصرف فيما يعود على دين المسلم بالخير، وفيما يعود على المسلمين بالخير، ولا تستعمل القوة فيما يعود بالمضرة، وفيما لا يجدي ولا ينفع. وقوله: (إنكما علجان، فعالجا عن دينكما) فيه جناس؛ لأن الفعل متفق مع الاسم علجان عالجا.
قوله: [ثم قام فدخل المخرج] يعني: دخل المكان الذي تقضى فيه الحاجة، ثم خرج وطلب ماءً فتمسح به يعني: غسل يديه. قوله: [ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا عليه] أنكروا عليه، فبين لهم أنه لا مانع من ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمنعه من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة، ومعنى هذا أن الحدث الأصغر لا يمنع من قراءة القرآن، فللإنسان أن يقرأ القرآن من حفظه وعليه الحدث الأصغر، ولكنه لا يقرأ من المصحف إذا كان عليه الحدث الأصغر؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، أما من الحفظ فللمحدث حدثاً أصغر أن يقرأ القرآن، ولكنه يمنع من القراءة من المصحف؛ لأنه ممنوع من مس المصحف إلا في حال طهارته.
فبين لهم أن هذا الفعل الذي فعله وأنكروه عليه سائغ؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم القرآن وهو محدث حدثاً أصغر، وأنه كان يقضي حاجته ويأتي من الخلاء ويقرئهم القرآن، ويأكل معهم، ولا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة، وهذا محل الشاهد للترجمة أن الجنب لا يقرأ القرآن، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقرأ القرآن، ولا شك أن القول بعدم قراءته هو الأولى والأحوط للإنسان في دينه، لاسيما والإنسان يستطيع أن يتخلص من الجنابة بسهولة ويسر، إن كان الماء موجوداً اغتسل، وإن كان غير موجود تيمم.
تراجم رجال إسناد حديث: (... ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ].
حفص بن عمر وشعبة مر ذكرهما، وعمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن سلمة ].
عبد الله بن سلمة وهو صدوق تغير حفظه، أخرج حديثه أصحاب السنن. [قال: دخلت على علي ]. علي رضي الله عنه وقد مر ذكره. والحديث تكلم فيه من جهة عبد الله بن سلمة هذا، ولكن صححه بعض أهل العلم، وحسنه بعضهم، وهناك أحاديث أخرى بمعناه فيها ضعف، ولكن بمجموعها يقوي بعضها بعضاً، وتدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن، وإذا أراد أن يقرأ القرآن فإنه يغتسل ويتخلص من الجنابة.
مصافحة الجنب


شرح حديث: (... إن المسلم لا ينجس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصافح. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال: إن المسلم لا ينجس) ]. أورد أبو داود باب الجنب يصافح.
يعني: يصافح غيره ويخالط غيره، ولا مانع من ذلك، والمقصود أن مصافحته وملامسته لا بأس بها ولا مانع منها، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث حذيفة أنه كان جنباً، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم فأهوى إليه يعني: مد يده ليصافح فقال: إني جنب، يعني: أراد أن يبين أنه جنب، وكأنه رأى أن الجنب لا يليق به أن يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن المسلم لا ينجس) يعني: كون الإنسان جنباً لا يمنع من مصافحته ومن ملامسته لغيره، ولا يكون نجساً بحيث يمتنع من ملامسته، بل هو طاهر الجسد، ولكن عليه الحدث الذي يحتاج إلى رفع، وقبل أن يرفع لا مانع من ملامسته ومجالسته ومخالطته، كل ذلك سائغ ولا بأس به، فدل الحديث على أن مصافحة الجنب لا بأس بها.
وأيضاً: دل الحديث على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام للرسول صلى الله عليه وسلم، وحرصهم على الابتعاد عن أي شيء يظنون أنه لا يليق باحترامهم وتوقيرهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن ذلك سائغ، وجائز، وأن الجنب لا ينجس، والحدث موجود معه وجسمه طاهر، والكافر هو الذي جاء أنه نجس، ولكن نجاسته حكمية، وليست عينية، بحيث إن الإنسان لو لمسه عليه أن يزيل عنه النجاسة، وإنما هي نجاسة حكمية، قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فالمقصود بالنجاسة النجاسة الحكمية.
تراجم رجال إسناد حديث: (... إن المسلم لا ينجس)
قوله:
[حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].
مسدد تقدم ذكره، ويحيى هو القطان مر ذكره أيضاً.
[عن مسعر ].
مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن واصل ]. واصل بن حيان الأحدب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل ].
شقيق بن سلمة الكوفي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، وأحياناً يأتي باسمه شقيق بن سلمة أو يقال: شقيق فقط، وكثيراً ما يأتي بكنيته أبي وائل .
[عن حذيفة ].
حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (... سبحان الله إن المسلم لا ينجس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى و بشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست، فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة ؟! قال: قلت: إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس).
قال: وفي حديث بشر : حدثنا حميد حدثني بكر ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقي الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وكان جنباً، فانخنس منه يعني: انسل منه بخفية دون أن يستأذنه، ودون أن يشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ذهب، وقد كان معه، فلما لقيه قال له: (أين كنت؟!) يعني: إنك كنت معي وبعد ذلك ذهبت دون أن أكون على علم، فأين كنت؟! فقال: إني كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأن على غير طهارة فقال عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس). فدل هذا على أن مصافحة الجنب ومخالطته والجلوس معه والمشي معه كل ذلك سائغ، وأنه لا بأس به.
وفيه أيضاً دليل على أن للجنب أن يخرج من بيته؛ لأن أبا هريرة لقيه في بعض طرق المدينة وهو على جنابة، وكذلك في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فهو يشعر بأنه قد خرج، لكن حديث أبي هريرة صريح في أنه قد خرج، وأنه لقيه في بعض طرق المدينة، فهذا يدلنا على أن الجنب له أن يخرج وهو على جنابة من بيته، ولكن كونه يخرج على طهارة لا شك أنه هو الأكمل والأفضل. وفي هذا دليل على احترام أهل الفضل وتوقيرهم؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه استحيا أن يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على جنابة، حتى بين له الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك سائغ، وأن مجالسته وكونه معه لا بأس بها.
وفيه أيضاً: أن الإنسان التابع عندما يريد أن يذهب من متبوعه فعليه أن يستأذنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة (أين كنت؟!) يعني: إنك كنت معي، ثم انخنست، وهذا فيه إشعار بأنه كان الأولى والذي ينبغي أن يستأذن عند إرادة الانصراف أو عند إرادة المفارقة، فدل على أن هذا من الآداب التي ينبغي أن تكون بين التابع والمتبوع. وفيه ذكر التسبيح عند التعجب؛ لأنه قال: (سبحان الله).
تراجم رجال إسناد حديث: (... سبحان الله إن المسلم لا ينجس)
قوله:
[حدثنا مسدد حدثنا يحيى و بشر ].
مسدد و يحيى مر ذكرهما بشر هو ابن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد ].
حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكر ].
بكر بن عبد الله المزني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع ].
وهو نفيع الصائغ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
[قال وفي حديث بشر : حدثنا حميد حدثني بكر ].
يعني: أن في حديث بشر التحديث عن حميد وعن بكر .
الأسئلة


قطع المرأة للصلاة
السؤال: أشكل علي حديث وهو في الصحيحين من حديث عائشة (أنها ذكر عندها أنه يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة فقالت: لقد شهتمونا بالحمير، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة فأكره أن أستقبله فأنسل انسلالاً)، فهل المرأة البالغة لا تقطع الصلاة؟

الجواب: هذا الحديث اختلف فيه العلماء على قولين: جمهور العلماء على أن قطع الصلاة إنما هو إنقاص لها، وليس قطعاً لها. وبعض أهل العلم يقول: يقطعها بمعنى أنه يستأنف الصلاة من جديد. وقولها: شبهتمونا بالحمير لكون الحديث فيه الجمع بين المرأة والحمر، لكن هذا الكلام الذي قالوه أسندوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي بينت ما كان يجري منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقوم يصلي وهي في قبلته، وأنها كانت تنسل.
حكم الجمعيات التعاونية بين الموظفين
السؤال: هل يجوز أن يجتمع أشخاص على دفع مبلغ معين كل شهر وفي آخره يستلم أحد الأشخاص هذا المبلغ؟

الجواب: هذا فيه شبهة، فإن العلماء في هذا العصر مختلفون فيه، والأولى للإنسان أن يبتعد عنه، (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
السؤال: ما حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟

الجواب: يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، وليس الأمر مقصوراً عليها، وما جاء من الحديث في ذلك فإنه يكون محمولاً على الاعتكاف الكامل أو الاعتكاف الأفضل، ولا شك أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها، والاعتكاف فيها أكمل؛ لأنها مساجد الأنبياء، وهي التي يمكن أن يشد الرحل إليها ليعتكف فيها، وأما غيرها فلا يشد الرحل إليها، وللإنسان أن يعتكف في أي مسجد من غير شد رحل، وأما تلك فإنها تشد الرحال إليها، ويمكن للإنسان أن يرحل إليها، فيكون الحصر في ذلك الحديث نسبي وإضافي، وليس حقيقياً بمعنى أنه لا يجوز أن يعتكف في غيرها، بل المعنى: لا اعتكاف أفضل وأكمل إلا في المساجد الثلاثة، مثل ما جاء في الحديث: (إنما الربا في النسيئة)، مع أن الربا يكون في الفضل أيضاً، ولكن المقصود: أن الربا الأشد أو الأعظم في النسيئة، فهو حصر إضافي وليس حقيقياً.
وضوء الجنب للمرأة
السؤال: هل وضوء الجنب خاص بالرجل أم يشمل الرجل والمرأة؟

الجواب: الحكم واحد، والأصل استواء الحكم للرجال والنساء إلا إذا جاء شيء يدل على أن هذا خاص بالرجال أو أن هذا خاص بالنساء، فيصار إلى الدليل المخصص، وحيث لا دليل على التفريق بين الرجال والنساء فالأصل هو التساوي في الأحكام. وهناك كثير من النصوص التي جاءت تفرق بين الرجال والنساء، لكن الأصل هو عدم التفريق، وعندما يوجد دليل التفريق يصار إليه، ويخرج عن الأصل بناءً على هذا الدليل.
تعيين ليلة القدر
السؤال: هل ثبتت ليلة القدر في ليلة من الليالي؟
الجواب: ما ثبتت في ليلة معينة بحيث تكون فيها ولا تتعداها إلى غيرها، لكن ثبت أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها محصورة في العشر، والله تعالى أعلم في أي ليلة من العشر، والإنسان إذا اجتهد في العشر كلها يدركها إن شاء الله.
حكم الاحتفال بليلة القدر
السؤال: ما حكم الاحتفال بليلة القدر؟

الجواب: هي غير معلومة حتى يقال: إنها تخص بشيء، لكن كون الإنسان يأتي بالأعمال الصالحة ويجتهد في العبادة في الليالي العشر التي هي واحدة منها لا شك أن هذا مطلوب، وقد جاء في السنة ما يدل عليه من فعله صلى الله عليه وسلم، ومن قوله، حيث أرشد إلى تحري الليالي العشر بالعبادة، وكان الصحابة يجتهدون في العبادة في العشر الأواخر من أجل الثواب من الله عز وجل، ورجاء تحصيلها وإدراكها. وأما قضية الاحتفالات سواء كانت رسمية أو غير رسمية فهي من الأمور المحدثة.
تعظيم شهر رجب
السؤال: ما نصيحتك للذين يعظمون شهر رجب، بل بعضهم يجعله أفضل من رمضان؟

الجواب: الإنسان يعظم ويفضل بناءً على الدليل، ولم يأت دليل يدل على تخصيص شهر رجب بشيء إلا أنه من الأشهر الحرم، وما سوى ذلك لم يثبت فيه شيء يخصه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإنسان لا يخصه بشيء. وأما كون الإنسان يفضله على رمضان فالإنسان لا يفضل إلا بدليل؛ لأن التفضيل من الأمور الغيبية التي لا يمكن الوصول إلى معرفتها إلا عن طريق الدليل؛ لأن كون هذا أفضل من هذا، وهذا أفضل من هذا العلم عند الله عز وجل، والله تعالى أعلم بأن هذا أفضل أو أن هذا أفضل بالنسبة للمكان وبالنسبة للزمان وبالنسبة للأشخاص، فإذا وجد الدليل يصار إلى الدليل سواء في الأشخاص أو في الأمكنة أو في الأزمنة."






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-12-2021, 04:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً ...)
قوله:
[حدثنا قتيبة بن سعيد ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن خالد الخياط ].
وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الله العمري ].
هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المكبر ، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبيد الله ].
عبيد الله أخوه، وهو المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويقال للأول: مكبر، وللثاني: مصغر، من أجل التمييز بين هذا وهذا، لأنهما أخوان، عبد الله المكبر ، و عبيد الله المصغر . و عبد الله هنا يروي عن أخيه عبيد الله . [عن القاسم ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.
والحديث فيه عبد الله بن عمر العمري المكبر ، وهو ضعيف، لكن جاء ما يدل على معناه فيما يتعلق بقصة أم سليم ، فإن قوله: (إذا هي رأت الماء)، فيه الاغتسال إذا رأت الماء، وإذا لم تر الماء وقد حصل احتلام، فليس هناك غسل، إلا أن هذا الحديث فيه ذكر البلة، والبلة يمكن أن تكون منياً، ويمكن أن تكون غير مني، لكن حيث يوجد البلل ويوجد الماء فإن الاغتسال هو الذي تبرأ به الذمة، ويكون الإنسان قد أخذ بالاحتياط إذا لم يتحقق أنه مني، وأما إذا كان يتحقق أنه مني فالأمر في ذلك واضح.
المرأة ترى ما يرى الرجل


شرح حديث: (... فلتغتسل إذا وجدت الماء ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة ترى ما يرى الرجل. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أنه قال: قال عروة : عن عائشة أن أم سليم الأنصارية رضي الله عنهما -وهي أم أنس بن مالك - قالت: (يا رسول الله! إن الله عز وجل لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا ؟ قالت عائشة : فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فلتغتسل إذا وجدت الماء، قالت عائشة : فأقبلت عليها فقلت: أف لك! وهل ترى ذلك المرأة ؟ فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تربت يمينك يا عائشة ! ومن أين يكون الشبه ؟!).
قال: أبو داود وكذلك روى عقيل و الزبيدي و يونس و ابن أخي الزهري عن الزهري ، و إبراهيم بن أبي الوزير عن مالك عن الزهري ووافق الزهري مسافع الحجبي ، قال: عن عروة عن عائشة وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ] أورد أبو داود هذه الترجمة: وهي باب المرأة ترى ما يرى الرجل، يعني: في المنام، فما الحكم في ذلك؟ والجواب: أن الحكم كالرجال، وتقدم حديث: (إنما النساء شقائق الرجال) يعني: الحكم الذي يسري على الرجال يسري على النساء، إلا إذا وجد ما يخصص الحكم بالرجال، وكذلك ما تسأل عنه النساء وهو ليس من الأشياء المختصة بهن ثم تعطى حكماً أو تفتى بشيء؛ فإن الحكم للرجال كالحكم للنساء، فإذا كانت المستفتية امرأة فلا فرق بين هذا وهذا إلا إذا كان الحكم من الأشياء التي لا تعلق لها بالرجال، فإن هذا شيء أمره واضح، ولكن الأصل هو التساوي بينهما في الأحكام. أورد أبو داود حديث عائشة أن أم سليم جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسألته عن أن المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها أن تغتسل؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:
(نعم، إذا رأت الماء)، وهذا يدلنا على ما دل عليه الحديث السابق من جهة أنه من رأى في المنام احتلاماً ثم وجد البلل بعد ذلك؛ فإنه يتعين عليه الاغتسال. ثم إن عائشة أقبلت على أم سليم فقالت: (أف لك!) وهي كلمة فيها عتاب، ثم قالت: وهل ترى ذلك المرأة؟! يعني: كأنها تستبعد أن ذلك يحصل للنساء، وقيل: هذا نادر، وقيل: إن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصل لهن الاحتلام؛ لأنه من الشيطان، لكن ما تقدم أنه نادر هو الأظهر، وأما أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتلمن فليس عليه دليل، وقولهم: إن الشيطان ليس له عليهن سبيل، فنقول:
نعم، ولا يحصل لهن ذلك بسببه، ولكن قد يحصل عن طريق الشهوة دون أن يكون للشيطان فيه دخل، فقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح في رمضان جنباً من غير احتلام، والتنصيص على عدم الاحتلام يدل على أنه يمكن ذلك، وقالوا: وليس ذلك عن طريق الشيطان، وإنما هو من قوة الشهوة، وليس بلازم ألا يكون الاحتلام إلا عن طريق الشيطان، بل قد يكون عن طريق قوة الشهوة في المنام، فيحصل إخراج شيء من ذلك.
قوله: [ (قالت: وهل ترى ذلك المرأة؟! فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ترتب يمينك يا عائشة ! ومن أين يكون الشبه؟!) ]. قوله: وهل ترى ذلك المرأة؟! يعني: أنه يحصل لها الاحتلام كما يحصل الاحتلام من الرجل، والمني يوجد منها كما يوجد من الرجل، سواء في اليقظة أو في المنام. قوله: (من أين يكون الشبه؟!) يعني: أن المرأة قد يشبهها ولدها، وهذا معناه أنه متخلق من المائين؛ بدليل حصول الشبه أحياناً بالمرأة، وأحياناً يكون الشبه بالرجل. قوله: [ (تربت يمينك يا عائشة) ]. هذه كلمة يؤتى بها على سبيل الإنكار والتوبيخ على شيء، وهي كلمة لا يقصد معناها، مثل: ثكلتك أمك، ومثل: عقرى حلقى، وغيرها من الكلمات التي يذكرونها ولا يريدون بها الدعاء، وإنما جرت ألسنتهم بذلك عند بعض المناسبات والأحوال.
تراجم رجال إسناد حديث: (... فلتغتسل إذا وجدت الماء ...)
قوله:
[حدثنا أحمد بن صالح ].
هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة ].
هو عنبسة بن خالد بن يزيد الأيلي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود .
[حدثنا يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي وقد مر ذكره.
[عن ابن شهاب قال: قال عروة ].
ابن شهاب مر ذكره، و عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. [عن عائشة ].
وقد مر ذكرها.
[قال أبو داود : وكذلك روى عقيل و الزبيدي و يونس و ابن أخي الزهري عن الزهري ].
عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الزبيدي هو محمد بن الوليد مر ذكره. و يونس هو ابن يزيد الأيلي مر ذكره مراراً. و ابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و إبراهيم بن أبي الوزير ].
و إبراهيم بن أبي الوزير هو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن مالك عن الزهري ].
مالك و الزهري قد مر ذكرهما. [ووافق الزهري مسافع الحجبي ].
مسافع بن عبد الله بن شيبة العبدري من بني عبد الدار حجبة الكعبة، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [عن عروة عن عائشة ].
عروة و عائشة تقدم ذكرهما.
[وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة ].
يعني: رواه من طريق أم سلمة الصحابية وذكرت القصة التي ذكرتها عائشة . و زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. و أم سلمة هي أم المؤمنين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. وكون الحديث جاء من طريق أم سلمة ومن طريق عائشة يجمع بين الروايتين على أنهما حضرتا القصة، وأن ذلك حصل في اجتماعهما، وأنه حصل اللوم والعتاب منهما جميعاً، فالأظهر أن القصة واحدة، وأن الاثنتين حضرتاها، وأن كل واحدة حدثت بالحديث الذي شاهدته وعاينته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤال أم سليم له هذا السؤال.
الأسئلة


معنى إن الله لا يستحيي من الحق
السؤال: ما معنى: إن الله عز وجل لا يستحيي من الحق؟
الجواب: وردت عبارة: (إن الله لا يستحيي من الحق) عن أم سليم رضي الله عنها لما أرادت أن تسأل، والله تعالى لا يستحيي من الحق، فهي تسأل عن الحق، وهو سؤال محمود وممدوح، والحياء المذموم هو الذي فيه خجل وفيه ضعف، وأما الحياء المحمود فهو الذي ليس من طريق الخجل والضعف، ولكنه يتعلق بالأمور المحمودة والأخلاق الكريمة، وهذا منه؛ لأن أم سليم رضي الله عنها لم تستحي الاستحياء المذموم، ولكنها أخبرت بأنها لا يمنعها ما أعطاها الله من الحياء أن تسأل عن الحق الذي تعبدها الله تعالى به؛ لتعبد الله على بصيرة وعلى بينة، وهذا فيه إثبات صفة الحياء لله، وقد جاء أيضاً في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، (إن الله حيي ستير) وصفة الحياء كغيرها من الصفات تثبت لله عز وجل كما يليق بكماله وجلاله، وكل صفاته صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه. وتأويل الصفات لا يسوغ، وبعض العلماء ابتلوا بالتأويل، والواجب في كل ما ورد في النصوص من صفات إثباتها مضاف إلى الله عز وجل، فالحياء يجب إثباته لله على ما يليق به، والعلماء الذين حصل منهم التأويل يستفيد الإنسان من علمهم، ويكون على حذر مما ابتلوا به، ومن ذلك قوله بعضهم: إن الله لا يأمر بالحياء ولا يبيحه! فهذا المعنى خطأ، كيف لا يأمر بالحياء المشروع المأمور به؟! النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل ينصح أخاه في الحياء فقال: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير).
حكم قضاء دين المعسر المستدين من البنك بفوائد البنك الربوية
السؤال: رجل يعيش في بلد الكفار في ضيق وعسر، ويعول أسرة كبيرة، ولا يكفيه ما يأخذ من الرواتب، فأخذ قرضاً من البنك في حالة الاضطرار، والآن لا يستطيع أن يؤدي القرض فضلاً أن يدفع الربا، فإن أراد رجل أن يؤدي عنه هذا الربا والقرض بمال الربا الذي يأخذه هو من البنوك الربوية، فهل يجوز هذا؟

الجواب: ليس للإنسان أن يأخذ الربا من البنوك الربوية ثم يصرفه في أمور أخرى، وإذا اضطر الإنسان إلى أن يودع عندها، فلا يأخذ منها المضرة المحرمة التي تسمى فائدة، وهي مضرة في الحقيقة، وإذا كانت البنوك فيها خزائن تستأجر، فالإيداع فيها أولى عن طريق الاستئجار؛ لأن في ذلك عدم تمكين البنك من التصرف بمال الإنسان، لكن إذا لم يكن عند البنك خزائن، وأودع عندها مضطراً، فيأخذ حقه ولا يأخذ الربا، وهذا كيف يتصدق بالمال الحرام أو يساعد بالمال الحرام؟! لا ينبغي له أن يفعل هذا، لكن إذا كان سبق أنه قبضه، وأراد أن يتخلص منه، فيمكن أن يتخلص منه في مثل هذا والله تعالى أعلم.
ما جاء في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل


شرح حديث: (أن رسول الله كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل. هذه الترجمة معقودة لبيان مقدار الماء الذي يكون به الكفاية في الغسل من الجنابة، وقد جاءت عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها بيان المقدار الذي كان يغتسل به صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر عند مقدار الماء الذي يكفي في الوضوء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وتلك الأحاديث دالة على هذه الترجمة التي فيها بيان ما يكفي في الوضوء وبيان ما يكفي في الغسل، ولكنه عقد الترجمة هنا للاستدلال بالأحاديث على ما يكفي في الغسل، وقد أورد فيه جملة أحاديث، أولها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق)، والفرق وعاء كبير يسع ثلاثة آصع، يعني: ستة عشر رطلاً وثلثاً، وتعادل اثني عشر مداً، فهذا هو أعلى مقدار ورد الاغتسال به، ولا يعني هذا أنه يغتسل بالفرق كله، لأنه قد جاء (أنه كان يغتسل هو وعائشة من إناء يقال له: الفرق، يغترفان منه جميعاً)، وعلى هذا يكون الفرق إذا امتلأ يسع ثلاثة آصع، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل منه هو و عائشة ، تختلف أيديهما فيه، وليس معنى ذلك أنه كان يغتسل بثلاثة آصع وحده، ولكنه كان يغتسل من إناء هو الفرق، فيكون على هذا للواحد مقدار صاع ونصف، يعني:
ستة أمداد، وهذا هو أعلى مقدار ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عنه أنه كان يغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد، وجاء أنه كان يغتسل بخمسة أمداد وهي صاع ومد.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق ...)
قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ].
هو [عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور المحدث، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ترجمة عائشة رضي الله عنها
[عن عائشة ].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، من أوعية السنة وحفظتها، وهي التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور تبرئها مما رميت به من الإثم، وكانت رضي الله تعالى عنها وأرضاها تهضم من نفسها وتتواضع لله عز وجل، مع أن الله عز وجل شرفها ورفع ذكرها وأنزل براءتها في آيات تتلى من سورة النور، ففي الصحيح أنها قالت: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، وقالت: (كنت آمل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها)، فهي رضي الله عنها وأرضاها كانت تتواضع لله، وهذا يدل على عظم شأنها وكمال عقلها وتواضعها لله عز وجل، وهذا شأن أهل الكمال يتواضعون لله مع ما أعطاهم الله عز وجل من علو المنزلة ورفعة الدرجة. وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيء الذي تميزت به والذي عرف من طريقها ولا يعرف إلا من طريق النساء، هو ما كان يجري بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وما يجري في البيوت من الأمور التي لا يطلع عليها إلا أزواجه، ولا سيما ما يتعلق بالغسل من الجنابة، حيث كان يغتسل هو وإياها من إناء واحد، فحفظت الكثير من السنن التي تتعلق بالبيوت، والتي تتعلق بما يجري بين الرجل وأهل بيته، ومن حفظ سنةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فله مثل أجور من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا يدلنا على عظم قدرها وعظم شأنها، والله تعالى يثيب كل من عمل بسنة جاءت عن طريقها ويثيبها بمثل ما أثابه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(الدال على الخير له مثل أجر فاعله)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). ولهذا فإن محبة أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام تدل على الإيمان، وتدل على محبة المسلم لمن جعلهن الله حلائل لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا وفي الآخرة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، فالذي يتكلم فيهن أو يعيبهن ويتنقصهن، فإنما يضر نفسه؛ لأنه اغتاب أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، ومن المعلوم أن الإنسان لو اغتاب أي مسلم فإن مغبة ذلك ومضرة ذلك تعود عليه، فكيف إذا كان الذي يغتاب أمهات المؤمنين اللاتي أكرمهن الله بزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن، وصرن بذلك أمهات المؤمنين، ووصفهن الله بذلك في كتابه العزيز حيث قال: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، و عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها قيل:
هي أفضل أزواجه، وقيل: إن أفضل أزواجه خديجة ، ولا شك أن خديجة و عائشة أفضل نسائه، ولكن أيهما أفضل؟! لا شك أن عائشة حصل منها شيء ما حصل من خديجة ، وحصل من خديجة شيء ما حصل من عائشة ، فخديجة حصل منها تأييده وتثبيته في وقت الشدة وفي الوقت الذي أوذي فيه من قبل كفار قريش، وأما عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقد تميزت بتلقي السنن وحفظ السنن ونشرها ونقلها إلى الناس.
والصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ومنهم أمهات المؤمنين هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، ولا يصل الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة؛ لأن الصحابة هم الذين صحبوا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وتلقوا السنن والأحكام عنه ونقلوها إلى الناس، فهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يقدح في الواسطة يقدح في المنقول كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى:
إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق؛ وذلك أن الكتاب حق، والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي: القادحون فيهم- يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة.
يعني: أن من يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول. ثم قال: والجرح بهم أولى وهم زنادقة. أي: الذين ينتقصون الصحابة زنادقة. [قال أبو داود : وروى ابن عيينة نحو حديث مالك ]. نحو حديث مالك الذي تقدم، يعني: أنه جاء من طريق مالك و ابن عيينة ، كلاهما عن الزهري .

شرح حديث: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فيه قدر الفرق)

[قال: أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فيه قدر الفرق) ]. رواية معمر عن الزهري تتفق مع الأحاديث التي فيها أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء قدر الفرق، ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يغتسل بالفرق وحده؛ لأن الفرق ثلاثة آصع، وإنما كان يغتسل منه الرسول صلى الله عليه وسلم هو و عائشة ، تختلف أيديهما منه، فهذه الرواية التي فيها أن عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا يغتسلان من الفرق تدل على أن مقدار الفرق إنما كان للرسول صلى الله عليه وسلم ولعائشة ، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم وحده.
[ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلاً، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، قال: فمن قال: ثمانية أرطال قال: ليس ذلك بمحفوظ، قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى، قيل: الصيحاني ثقيل، قال: الصيحاني أطيب، قال: لا أدري. ] أورد أبو داود رحمه الله هذا الكلام الذي فيه بيان مقدار الفرق والصاع، وقد سبق ذكر مقدار الصاع ومقدار المد عند الكلام على ما يكفي في الوضوء، وهنا أتى بالكلام في بيان مقدار الصاع ومقدار الفرق في الكلام على ما يتعلق بالمقدار الذي يجزئ في الاغتسال، قال أبو داود : قال الإمام أحمد : الفرق ستة عشر رطلاً. لأن الصاع خمسة أرطال وثلث، فتكون الثلاثة الآصع ستة عشر رطلاً، وهذا بيان أن مقدار الفرق ثلاثة آصع.
ثم ذكر أن الصاع الذي كان معروفاً عندهم وهو صاع ابن أبي ذئب - مقداره خمسة أرطال وثلث. ثم ذكر الإمام أحمد أن من قال: إن الفرق مقداره ثمانية أرطال على أنه أقل من صاعين، غير محفوظ، وغير ثابت، وإنما المحفوظ أنه ستة عشر رطلاً، على اعتبار أن الصاع خمسة أرطال وثلث. [قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى ].
لأن خمسة أرطال وثلثاً مقدار الصاع، ومعنى هذا أن الصاع الذي كانوا يكيلون به في البيع والشراء ويكيلون به زكاة الفطر هو نفس المقدار الذي يتوضأ به؛ لأن خمسة أرطال وثلث هو الصاع الذي يتوضأ به، ومن أعطى في زكاة الفطر خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى؛ لأن هذا هو مقدار الصاع. [قيل: الصيحاني ثقيل]. الصيحاني هو نوع من تمر المدينة، والمقصود بقوله: (ثقيل) أي: أنه لو وزن منه خمسة أرطال وثلث، ما تملأ الصاع؛ لأنه ثقيل الوزن، وليس مثل التمر الآخر الذي يكون خفيفاً، وإذا ملئ منه الصاع يكون وزنه خمسة أرطال وثلث.
[قال: الصيحاني أطيب ]. معناه: أنه إذا ملأ الصاع بالصيحاني الثقيل فهو أطيب، يعني: أنه يملأ منه الصاع وإن كان يزيد في الوزن عن خمسة أرطال وثلث لكونه ثقيلاً، فإن مقدار خمسة أرطال وثلث منه أقل من ملء الصاع لثقله، وكون الإنسان يأتي بصاع يملؤه بشيء ثقيل له قيمة لا شك أنه أكمل وأطيب وأحسن. [قال: لا أدري]. قيل: هي من كلام الإمام أحمد ، يعني: لا أدري لو وزن أحد من التمر الصيحاني خمسة أرطال وثلثاً ولم تملأ الصاع، واكتفى بها، هل تكفي أو لا تكفي؟ فهو يشك في كونها كافية؛ لأنها ما بلغت مقدار الصاع من حيث الكيل، وإن كانت بلغت مقداره من حيث الوزن.
وقيل: هذا من كلام الذي خاطبه، قال: لا أدري. يعني: هل ذلك يكفي أو لا يكفي، والأقرب أنه من كلام الإمام أحمد ، ولعل المقصود به عدم اطمئنانه إلى الاقتصار على خمسة أرطال وثلث من الصيحاني إذا كان لا يملأ الصاع؛ لأن الحديث فيه مقدار الصاع. والرطل المذكور يعادل مداً وثلثاً تقريباً، ويقولون: هذا مكيال عراقي معروف، ويقولون: إن المد هو الشيء الثابت الذي يستقر، وهو ملء اليدين المتوسطتين، والصاع أربعة أمداد، يعني: أربع حفنات باليدين المتوسطتين، هذا مقدار الصاع من البر والطعام وما إلى ذلك، وليس من حيث المال. والصاع في هذا الزمان يعادل ثلاثة كيلوا جرامات، فإذا أخرج ثلاثة كيلوا جرامات من الأرز من الرز في زكاة الفطر فإنها بقدر الصاع."





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-12-2021, 05:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [038]
الحلقة (69)

شرح سنن أبي داود [038]

للغسل من الجنابة أحكام وآداب، وقد تكاثرت الأحاديث المروية في غسل الجنابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، واهتم أهل العلم بها شرحاً وتوضيحاً.

ما جاء في الغسل من الجنابة


شرح حديث: (... أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الغسل من الجنابة. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال: أخبرني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً، وأشار بيديه كلتيهما). ].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في الغسل من الجنابة، يعني: كيفية الغسل من الجنابة، وما يجزئ وما يكون أكمل. هذا هو المقصود بالترجمة، فبعدما ذكر مقدار ما يغتسل به ذكر كيفية الاغتسال بذلك المقدار. عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً)، معناه:
أنه في غسل رأسه يكتفي بأن يفيض عليه ثلاث مرات، وليس معنى ذلك أن الإفاضة على الرأس ثلاث حثيات تكفي للغسل كله، وإنما المقصود ما يتعلق بالرأس فقط، فالمراد بعض ما يدخل تحت الغسل، وهو الشعر الذي يحتاج إلى أن يروى، وأن يصل الماء إلى أصوله، فكان يكفيه ثلاث حفنات. قال: (وأشار بيديه كلتيهما)، يعني: ثلاث غرفات بيديه جميعاً، وهذا الحديث فيه اختصار كما هو معلوم؛ لأنه يجب أن يغسل سائر جسده، ويفيض الماء عليه كله، لكن هذا فيما يتعلق بغسل الرأس فقط، فيكفي ثلاث حثيات بيديه كلتيهما.
تراجم رجال إسناد حديث: (... أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً ...)
قوله:
[حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].
هو عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو إسحاق ].
هو أبو إسحاق السبيعي ، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني سليمان بن صرد ].
هو سليمان بن صرد ، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جبير بن مطعم ].
هو جبير بن مطعم رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب ...) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من نحو الحلاب، فأخذ بكفيه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه وقال بهما على رأسه) ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من طريق أخرى، وفيه ذكر الثلاث الحثيات، وأنه كان يحثي على شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ثم على رأسه. قوله:
[حدثنا محمد بن المثنى ].
هو محمد بن المثنى الزمن أبو موسى العنزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عاصم ].
أبو عاصم هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري ، بل ويروي عنه بعض الثلاثيات التي في صحيح البخاري التي هي أعلى أسانيد البخاري ، وأبو داود يروي عنه بواسطة محمد بن المثنى ، و محمد بن المثنى من صغار شيوخ البخاري ، و أبو عاصم من كبار شيوخ البخاري ، فالبخاري يروي مباشرة عن محمد بن المثنى وعن أبي عاصم ، وأما أبو داود فلا يروي مباشرة إلا عن محمد بن المثنى ، وهو يروي عن أبي عاصم بواسطة. [عن حنظلة ].
هو حنظلة بن أبي سفيان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن القاسم ].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ].
هو عائشة مر ذكرها.

معنى الحلاب
قولها: (نحو الحلاب)، قيل: المقصود أنه مقدار الإناء الذي يحلب فيه لبن الناقة، هذا هو الحلاب. والبخاري ظن أنه نوع من الطيب يقال له: المحلب، والحافظ ابن حجر أطال الكلام عليه فيما يتعلق بهذه الترجمة، وقد أشرت إلى ذلك في الفوائد المنتقاة.
شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن زائدة بن قدامة عن صدقة حدثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة : (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات، ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الضفر). ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، أنها سألتها امرأة: كيف كنتم تصنعون في الغسل من الجنابة؟ فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاث حثيات، ونحن نفيض خمساً من أجل الضفر.
يعني: من أجل الضفائر التي على رءوسهن، حيث يجمعن الشعر ويجعلنه ضفائر، والضفائر جمع: ضفيرة، وهي خصال الشعر تجمع و يلف بعضها إلى بعض، فكن يزدن على ثلاث حثيات من أجل الضفر. والحديث ضعيف بسبب جميع بن عمير ، فليس هناك فرق بين الرجال والنساء، وإن لم تحل المرأة الضفائر فيكفي أن تفيض عليها الماء، ولا يلزمها أن تحل الضفائر حتى يصل إليها الماء، وإنما يصب الماء عليها حتى يصل إلى أصول الشعر.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات ..)
قوله:
[حدثنا يعقوب بن إبراهيم ].
هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. و يعقوب بن إبراهيم ، و محمد بن المثنى الذي مر آنفاً و محمد بن بشار الذي يأتي كثيراً، هؤلاء ثلاثة من صغار شيوخ البخاري ، ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة 252هـ، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم جميعاً من شيوخ أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي ].
عبد الرحمن بن مهدي ثقة إمام في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن زائدة بن قدامة ].
زائدة بن قدامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صدقة ].
هو صدقة بن سعيد الحنفي ، مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا جميع بن عمير ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن عائشة ].
وقد مر ذكرها. وأما أمه وخالته فليستا من الرواة لأنه ذهب معهن، وإحداهن سألت، فهو يروي عن عائشة .
شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب الواشحي و مسدد قالا: حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة قال سليمان : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا، فيغسل فرجه، وقال: مسدد : يفرغ على شماله، وربما كنّت عن الفرج، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يديه في الإناء فيخلل شعره، حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أن أنقى البشرة، أفرغ على رأسه ثلاثاً، فإذا فضل فضلة صبها عليه. ] أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، قال -سليمان ، وهو ابن حرب - : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، أي: يمسك الإناء باليد اليمنى، ويفرغ على الشمال، ثم يستعمله. وقال: مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، أي: أنه يمسك بشماله ويصب الماء على اليمنى، عكس الأول.
يعني اختلفا هل يبدأ يصب على الشمال، أو على اليمين؟ ثم بعد ذلك يغسل فرجه بيده اليسرى. قوله: [وربما كنّت عن الفرج] يعني: أنه يغسل الفرج، يعني أحياناً يأتي التصريح، وأحياناً تأتي التكنية. قوله: [ثم يتوضأ وضوءه للصلاة] يعني: بعدما يغسل يديه وفرجه يتوضأ وضوءه للصلاة، فهو أولاً يغسل يديه لتكونا نظيفتين عند استعمالهم الماء، ويغسل فرجه وما أصابه من الجنابة، ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يكمل بإفراغ الماء على جسده. قوله:
[ثم يدخل يديه في الإناء، فيخلل شعره] يعني: شعر رأسه ولحيته، بحيث يصل الماء إلى أصول الشعر. قوله: [حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً] يعني: بعد أن يخلل شعره ولحيته يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً. قوله: [فإذا فضل فضلة صبها عليه] يعني: على جسده، أي: بعد أن يكون قد استكمل الغسل، فإذا فضل فضلة يصبها عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله ..)
قوله:
[حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و مسدد ].
ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا حماد ].
هو حماد بن زيد ؛ لأن مسدد يروي عن حماد بن زيد ، و حماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة ].
هشام بن عروة ، وهو ثقة ربما دلس، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبو هو عروة بن الزبير ، ثقة من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
وقد مر ذكرها.
شرح حديث: (كان رسول الله إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه، فغسلهما ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه) ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، وفيها أنه كان يغسل يديه أولاً قبل أن يبدأ الوضوء والغسل، ثم بعد ذلك يغسل مرافغه وهي المغابن التي قد لا يصل إليها الماء، والتي يتجمع فيها الأوساخ، مثل أصول الفخذين، وقيل: إن عائشة تعني بالمرافغ الفرج وما حوله من أصول الفخذين، والتي تحتاج إلى أن يوصل إليها الماء؛ لأنها تكون في مكان يصتك عليه اللحم، فيحتاج إلى أن يوصل إليه الماء، وقيل: إن العبارة التي مضت: (وربما كنت عن الفرج) هي المرافغ هنا.
قوله: [ (فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط) ]. يعني: أنه غسل فرجه وما حوله، فإذا أنقى تلك الأماكن يغسل يديه، ويهوي بهما إلى الحائط؛ حتى يزول ما قد علق بهما، وهذا مثل ما مر في بعض الروايات: (أنه كان يضرب بيده على الأرض عندما يستنجي؛ حتى يزول الأثر الذي قد علق باليدين). قوله: [ (ثم يستقبل الوضوء) ].
يعني: يتوضأ بعدما يغسل فرجه وما حوله، ويغسل آثار الجماع التي علقت بجسده وينقي يديه، وبعد ذلك يستقبل وضوءه بأن يتوضأ وضوءه للصلاة، ويفيض الماء على سائر جسده.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما ...)
قوله:
[حدثنا عمرو بن علي الباهلي ].
عمرو بن علي الباهلي هو الفلاس ، وهو ثقة من أئمة الجرح والتعديل، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال: وثقه الفلاس ، ضعفه الفلاس ، قال فيه الفلاس كذا، وهو ثقة ناقد، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، مثل محمد بن المثنى ، و محمد بن بشار ، و يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فهؤلاء من شيوخ أصحاب الكتب الستة، ورووا عنهم جميعاً مباشرة بدون واسطة.
[حدثنا محمد بن أبي عدي ].
هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد ].
هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي معشر ].
هو زياد بن كليب ، ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
من فقه إبراهيم النخعي

[عن النخعي ].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة فقيه، أحد الفقهاء المشهورين المعروفين، وكلامه في الفقه كثير، ولهذا يأتي باسمه إبراهيم كثيراً عندما يروي عن أهل الكوفة مثل الأسود أو عبد الرحمن بن الأسود أو أبي وائل ، ويأتي ذكره بالنخعي قليلاً، ويأتي كثيراً إبراهيم النخعي أو إبراهيم بدون ذكر النخعي ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. ذكر ابن القيم في زاد المعاد أنه أول من عبر بعبارة: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، ويقصد بذلك الدواب التي لا دم فيها مثل الجراد والذباب ونحوها، والتي إذا ماتت لا تنجس الماء. يقول ابن القيم : أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة وما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، ذكر هذا ابن القيم عند ذكر حديث الذباب وغمسه في الماء إذا وقع فيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه، وقال: (إن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء)، فأمر أن يغمس وأن يستعمل الماء، قال:
إن العلماء استدلوا من غمسه -مع أن الماء قد يكون حاراً فيموت بسبب الغمس- أن موته في الماء لا ينجسه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى كونه يستعمل ولا يتلف، قالوا: فهذا فيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، والمراد بالنفس هنا: الدم؛ لأن النفس تأتي بعدة معان منها الدم، والروح تطلق على النفس التي بها حياة الإنسان، والروح مخلوق إذا نفخ في الإنسان صار حياً، وإذا نزع من الإنسان صار ميتاً، وعندما يذكرون الفرق بين النفس والروح فيطلقان جميعاً على ما يكون به حياة الإنسان، وتطلق النفس على الدم بخلاف الروح، والروح تطلق على أمور لا تطلق عليها النفس مثل الوحي، ومثل جبريل، فإنه يطلق عليه روح، ويطلق على الوحي أنه روح كما قال الله:
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] وهو الوحي، فهو روح؛ لأن بالوحي حياة القلوب. فالحاصل أن إبراهيم النخعي هو أول من عبر بهذه العبارة كما قال ابن القيم ، ولكنه في كتاب الروح لما ذكر الفرق بين النفس والروح قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات)، وليس في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و ابن القيم نفسه قال:
إبراهيم النخعي هو أول من عبر بهذه العبارة! فهذا يبين لنا أن كلامه في الروح قديم، وأن كتابته لزاد المعاد الذي نسب فيه هذه العبارة لـ إبراهيم النخعي متأخر، وفيه من التحقيق ما يكن عنده من قبل، ولهذا يذكر في كتاب الروح أموراً غريبة يتعجب من ابن القيم كيف يذكرها من أحوال الأموات وما إلى ذلك من الأشياء.
[ عن الأسود ].
هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة مر ذكرها.

شرح حديث: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن شوكر حدثنا هشيم عن عروة الهمداني حدثنا الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) وسبق أن مر في الحديث أنه كان يضرب يده بالجدار؛ حتى ينقي يده من أثر غسل فرجه وما حوله. (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حين يغتسل من الجنابة) حيث كان يضرب يديه على الجدار لتنقية يديه بعد غسله فرجه وقبل بدئه للوضوء، وقد كان ذلك الأثر موجوداً في ذلك الوقت، لكن الحديث فيه ضعف.

تراجم رجال إسناد حديث: ( لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة)

قوله:
[ حدثنا الحسن بن شوكر ].
الحسن بن شوكر صدوق، أخرجه له أبو داود وحده.
[ حدثنا هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة الهمداني ].
هو عروة بن الحارث الهمداني ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
[ حدثنا الشعبي ].
هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو فقيه، وهو الذي اشتهرت عنه العبارة المشهورة التي ذكرها شيخ الإسلام في أول منهاج السنة في بيان خبث الرافضة وسوء معتقدهم حيث قال: إن اليهود والنصارى فضلوا الرافضة بخصلة، إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد! هذه العبارة التي عبر بها الشعبي رحمه الله قد قالها بعض الرافضة في شعر له يذم فيها الصحابة، ويذم الخلفاء الراشدين أبا بكر و عمر و عثمان وكبار الصحابة وصغارهم، وكان من جملة ما قال:
أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها وهذا استفهام استنكار، يعني: بعيد أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس، بل هم أشقى أمة أخرجت للناس، وهي قصيدة طويلة تبلغ أربعمائة أو خمسمائة بيت، وقد ذكر محمود الملاح جملة من أبياتها، ومنها هذا البيت، وتكلم عليها وبين ما عند الرافضة من الباطل، ومن جملة ما ذكره في بيت من الأبيات: أن سورة براءة خلت من البسملة دون سور القرآن كلها؛ لأن أبا بكر ذكر فيها، حيث قال الله عز وجل:
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]! فهذا الكلام الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه من قديم قاله بعض الرافضة الذين جاءوا بعد ذلك بمئات السنين، وهذا الرافضي الخبيث ما أدري هل هو من القرن التاسع أو القرن الثامن، أعني: صاحب القصيدة التي قال فيها هذا البيت: أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها وقد ذكر لي بعض من المشايخ أنه سمع رافضياً يقول مثل هذه العبارة، قال:
الصحابة هم أسوء هذه الأمة! تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة:118].
[ قالت عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وقد مر ذكرها. والحديث فيه انقطاع بين الشعبي و عائشة ، فهو لم يسمع من عائشة ، وعلى هذا فيكون السند منقطعاً. أيضاً هشيم مدلس، وهو يروي عن عروة بالعنعنة، و هشيم مدلس مثل به العراقي في ألفيته حيث قال: وفي الصحيح عدة كالأعمش وكهشيم بعده وفتش.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21-12-2021, 05:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: ( وضعت للنبي غسلاً يغتسل به من الجنابة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة، فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثاً، ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه، فناولته المنديل فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده)، وذكرت ذلك لإبراهيم فقال:
كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة. قال أبو داود : قال مسدد : قلت لعبد الله بن داود : أكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ].
صفة غسل الجنابة
هذه الترجمة في غسل الجنابة، وقد مرت جملة من الأحاديث المتعلقة بغسل الجنابة، وفيها ما هو مختصر، وفيها ما هو مطول، وبعض الأحاديث تقتصر على ذكر بعض أجزاء الإنسان كغسل الرأس أو الصب على الرأس، وبعضها يذكر الكيفية، وهي أنه يغسل يديه أولاً ثم يغسل فرجه وما حوله، وكل ما أصابه من أثر الجماع، ويضرب يده بالأرض أو بالجدار لينظفها، ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يصب الماء على شق رأسه الأيمن ثم شقه الأيسر، ثم يفيض الماء على سائر جسده بحيث يصل الماء إلى كل جزء من أجزاء الإنسان، لاسيما الأماكن التي قد لا يصلها الماء، وهي المغابن مثل الآباط وأصول الفخذين؛ حتى يتحقق الإنسان أنه أوصل الماء إلى سائر جسده، وهذه هي كيفية الغسل الكامل. وإذا كان الغسل للجنابة ونوى به رفع الحدث الأكبر والأصغر وأفاض الماء على جسده جميعاً وإن لم يتوضأ قبله؛ فإنه يرتفع الحدثان الأكبر والأصغر، ولكن الأغسال الأخرى التي للتبرد أو للجمعة لا يرتفع بها الحدث الأصغر ولو نوى رفع الحدث الأصغر، وإنما ذلك خاص في الغسل من الجنابة، فالغسل من الجنابة فقط هو الذي يرتفع به الحدث الأكبر والحدث الأصغر، وأما غسل الجمعة وغسل التبرد فلا يرتفع به الحدث الأصغر، فلا يكفي أن يفيض الإنسان الماء على جسده وينوي رفع الحدث الأصغر، بل لابد أن يتوضأ لذلك، إما قبل الاغتسال وإما بعد الاغتسال، وإذا توضأ قبل الاغتسال ثم بعد ذلك لمس ذكره فإن عليه أن يعيد الوضوء؛ لأن مس الذكر والفرج ينقض الوضوء، وأما الجنابة إذا غسل فرجه أولاً وتوضأ واغتسل بأن أفاض الماء على سائر جسده فإنه بذلك يرتفع منه الحدث الأكبر والأصغر، حتى وإن لم يتوضأ ولكنه نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، فإن ذلك يجزئ ويكفي، لكن بشرط ألا يمس ذكره عند الاغتسال أو بعده؛ لأن مس الذكر ينقض الوضوء.
أورد أبو داود حديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس ، وهو (أنها وضعت غسلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأفرغ على يده اليمنى وغسل يديه، ثم غسل فرجه وما حوله، وضرب بيده الأرض) يعني: ليحصل نقاؤها من آثار ما علق بها عند غسل الفرج (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ومسح على رأسه، ثم بعد ذلك تنحى وغسل رجليه) وغسل الرجلين يمكن أن يكون قبل الاغتسال ويمكن أن يكون بعده، ويكون بعد الاغتسال إذا كان في الأرض تراب أو نحوه، فكونه يغسل رجليه في الآخر أنسب لتنظيفهما مما علق بهما. والحاصل:
أن غسل الرجلين يكون قبل الاغتسال في آخر الوضوء، ويمكن أن يؤخر إلى ما بعد الاغتسال، وكل ذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث فيه بيان كيفية الغسل، وهو مشتمل على الوضوء، وفيه ذكر المضمضة والاستنشاق في الوضوء، ولابد منهما كذلك في الاغتسال، وإذا اغتسل الإنسان للجنابة من غير أن يتوضأ فعليه أن يتمضمض ويستنشق؛ لأن المضمضة والاستنشاق لها حكم الوجه. قوله: [ عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت:
(وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل..) ]. (غسلاً) يعني: ماء يغتسل به. قوله: [ (يغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثاً) ]. من المعلوم أن الغسل يكون لليدين وليس لليد الواحدة، فهو أكفأ على اليد اليمنى ثم غسل يديه. قوله: [ (ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه) ]. وفي هذا غسل الرجلين بعد الاغتسال.
حكم استعمال المنديل للتنشيف
قوله: [ (فناولته المنديل فلم يأخذه) ]. تقول ميمونة رضي الله عنها: (فناولته المنديل -أي: ليتنشف به- فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده صلى الله عليه وسلم)، وهذا لا يدل على أن المنديل لا يستعمل أو أن الإنسان لا يتنشف، فللإنسان أن يتنشف بعد الوضوء وبعد الغسل، وما جاء في هذا الحديث من كونه لم يأخذه لا يدل على منعه ولا كراهيته، فلعله كان مستعجلاً، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه (مسح بجبة كانت عليه بعدما توضأ) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. إذاً: التنشيف لا بأس به، وعدم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم للمنديل لما ناولته إياه لا يدل على الكراهية والمنع، فلعله كان في تلك الحالة مستعجلاً، أو أن الخرقة لم تعجبه، أو لأي أمر من الأمور.
قوله: [ فذكرت ذلك لإبراهيم ]. يقول الأعمش : ذكرت لإبراهيم النخعي ، ما يتعلق بكونه أعطي المنديل ولم يأخذه. قوله: [ فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة ]. هذه حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وكون الإنسان يتنشف، ولكن كانوا يكرهونه للعادة، يعني: كونه يتخذ عادة بحيث يكون كأنه سنة لا تترك، ويذكر بعض العلماء: أن الشيء الذي يكون سائغاً أو مستحباً ينبغي أن يترك في بعض الأحيان حتى لا يعتقد أنه واجب أو أنه سنة إذا لم يكن واجباً، مثل قولهم: تكره المداومة على قراءة [السجدة:1] و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1] فجر يوم الجمعة لئلا يعتقد الناس أن هذا لازم ولابد منه، فيترك المستحب في بعض الأحيان حتى لا يتخذ عادة دائماً وأبداً بحيث لا يترك ويعتقد أنه مطلوب دائماً وأبداً، فهنا حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وهذا من جنس قول إبراهيم النخعي الذي حكاه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار، يعني: يعظمون شأن اليمين والعهد، فيضربونهم عليهما حتى لا يستهينون بذلك ولا يستسهلونه، وهي حكاية عما كانوا يؤدبون به أولادهم.
[ قال أبو داود : قال مسدد : قلت لعبد الله بن داود : وكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ]. ثم قال أبو داود : قال مسدد -وهو شيخه-: قلت لعبد الله بن داود -وهو شيخ مسدد في الإسناد عبد الله بن داود الخريبي -: كانوا يكرهونه للعادة؟ يعني: يريد أن يستفهم، قال: هكذا هو، يعني: هكذا حفظ، وهكذا وجده في كتابه.
تراجم إسناد رجال حديث: (وضعت للنبي غسلاً يغتسل به من الجنابة...)
[ حدثنا مسدد بن مسرهد ].
مسدد بن مسرهد ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[ حدثنا عبد الله بن داود ].
هو عبد الله بن داود الخريبي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
هو سالم بن أبي الجعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن كريب ].
هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ عن خالته ميمونة ].
هي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالته؛ لأن ابن عباس أمه لبابة بنت الحارث الهلالية ، وتكنى أم الفضل بأكبر أولاد العباس وهو الفضل ، فالعباس وهو أبو الفضل وزوجته هي أم الفضل وهي لبابة بنت الحارث ،وهي أخت ميمونة بنت الحارث ، فهو يروي عن خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين؛ وحديث ميمونة عند أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر ابن عباس في صفة غسل الجنابة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حسين بن عيسى الخراساني حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن شعبة أنه قال: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار، ثم يغسل فرجه فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟! ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ].
أورد أبو داود حديث ابن عباس أنه كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار. يعني: يغسلها سبع مرات، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، قال: لا أم لك؛ قيل: إنه مدح، وقيل: إنه ذم، وفي الغالب أنه يذكر للذم، ومعناه: أنه كان ينظر إليه، فيعرف كيفية اغتساله؛ لأنهم كانوا ينظر بعضهم إلى بعض، ويعرفون الهيئات والكيفية التي تفعل حتى يأتسوا ويقتدوا، فسأله فقال: لا أدري، يعني ما أدري العدد الذي سبق؛ لأن ابن عباس نسي العدد، وقال له: كم أفرغت؟ يريد أن يتأكد ويتحقق من شعبة فقال: لا أدري، فقال:
لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟! قوله: [ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
وهذا مخالف لما جاء في الروايات الكثيرة العديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يزيد على ثلاث مرات، والحديث في إسناده ضعف بسبب شعبة الذي يروي عن ابن عباس ، وهو مولى ابن عباس .
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في صفة غسل الجنابة
قوله:
[ حدثنا حسين بن عيسى الخراساني ].
حسين بن عيسى الخراساني صدوق أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
[ حدثنا ابن أبي فديك ].
هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي ذئب ].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
هو أبو عبد الله شعبة بن دينار ، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[ قال: إن ابن عباس ].
ابن عباس قد مر ذكره. هذا الحديث ضعيف، ولا يقال عنه: منكر؛ لأنه حديث مستقل، وما روي عن ابن عباس رواة آخرون يخالفه، وهذه الرواية فيها ضعف بسبب الرجل سيء الحفظ.
شرح حديث: ( كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة) ].
هذا الحديث ضعيف، أما بالنسبة للصلاة ففي الصحيحين وغيرهما في قصة الإسراء: أن أول ما فرضت الصلاة فرضت خمسين في السماء، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله التخفيف بمشورة موسى عليه الصلاة والسلام وعرضه عليه حتى وصلت خمساً، وقال الله عز وجل: (إنها خمساً في العمل، وخمسون في الأجر)، فخففت من خمسين إلى خمس، أما ذكر السبع مرار في غسل الجنابة، وكذلك في غسل الثوب من النجاسة؛ فهذا غير صحيح وغير ثابت، والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو ضعيف.
تراجم رجال إسناد حديث: ( كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار...)
قوله:
[ حدثنا قتيبة بن سعيد ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أيوب بن جابر ].
ضعيف أخرج له البخاري في جزء القراءة و أبو داود و الترمذي .
[ عن عبد الله بن عصم ].
عبد الله بن عصم صدوق يخطئ حديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
[ عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: ( إن تحت كل شعرة جنابة ...) وتراجم رجال إسناده

[ حدثنا نصر بن علي حدثني الحارث بن وجيه حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) ]. هذا الحديث ضعيف، والجنب عليه أن يروي جسده كله بالماء، ويروي رأسه وشعره بالماء ويدلكه ويخلل شعره، ولكن كون تحت كل شعرة جنابة غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن على بن نصر بن علي الجهضمي فاسمه واسم أبيه يوافق اسم جده وجد أبيه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الحارث بن وجيه ]. هو الحارث بن وجيه وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا مالك بن دينار ]. مالك بن دينار صدوق أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. [ قال أبو داود : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ]. هذا الحديث منكر حيث تفرد به هذا الضعيف.

شرح حديث: ( من ترك موضع شعرة من جنابة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار) قال علي : فمن ثم عاديت رأسي (ثلاثاً)، وكان يجز شعره ].
أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا ) يعني: عذبه بكذا وكذا وذكر عقوبة، وقد أبهمها وأشار إليها بقوله: (كذا وكذا) دون أن يسميها، يعني: يعاقبه الله بعقوبة كذا وكذا في النار، ومعناه أنه أمر خطير من الكبائر، قال علي رضي الله عنه: فمن ثم عاديت رأسي، يعني: عادى شعر رأسه بحيث أنه كان يجزه ويستمر على جزه حتى لا يحصل منه الإخلال بغسله؛ لأنه توعد عليه بهذا الوعيد الشديد، فكان يجزه دائماً وأبداً.
والحديث ضعيف؛ لأنه من رواية عطاء بن السائب ، وهو صدوق اختلط، و حماد بن سلمة روى عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط، ولم يتميز حديثه الذي قبل الاختلاط عما كان بعده فردت روايته، وحكم حديث المختلط: أن ما تحقق أنه رواه قبل الاختلاط يحتج به؛ لأن الاختلاط طرأ بعد ذلك، وما تحقق أنه بعد الاختلاط فهو مردود لا يحتج به، ومن روى عنه قبل الاختلاط وبعده فإن كان متميزاً فما كان قبل الاختلاط يعمل به، وما كان بعد الاختلاط لا يعمل به، وإن لم يتميز فكله لا يعول عليه؛ لأنه روى عنه قبل الاختلاط وبعده فلم يتميز، و حماد بن سلمة روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط وبعده، ولم يتميز ما روى عنه قبله وبعده فترد روايته عنه؛ أما حماد بن زيد فإنه روى عنه قبل الاختلاط، ولهذا روايته عن عطاء بن السائب مقبولة ومعتبرة ومحتج بها؛ لأنه روى عنه قبل الاختلاط، فالحديث ضعيف من أجل عطاء بن السائب ، ورواية حماد بن سلمة عنه.

تراجم رجال إسناد حديث: ( من ترك موضع شعرة من جنابة...)
قوله:
[ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحابه الكتب الستة. و موسى بن إسماعيل التبوذكي هو جد ابن أبي عاصم من جهة أمه، وجده من جهة أبيه هو أبو عاصم ، فله جدان ثقتان من جهة أبيه ومن جهة أمه، وأبو عاصم النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب كتاب السنة وغيره من الكتب, وهو من شيوخ البخاري ، و موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ البخاري .
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة ، وإذا جاء حماد غير منسوب يروي عنه موسى بن إسماعيل فهو ابن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا عطاء بن السائب ].
عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن زاذان ].
هو زاذان الكندي ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



التقليد واتباع المذاهب لغير العالم

السؤال: هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين، وإذا استطاع الطالب أن يستعين بأقوال السلف والعلماء لفهم الكتاب والسنة هل عليه ضير؟
الجواب: الإنسان الذي ليس عنده قدرة يقلد إذا لم يجد من يستفتيه ويرجع إليه في معرفة أمور الدين، فيتعلم مذهباً من المذاهب، ويعبد الله عز وجل بها، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لكن الإنسان الذي عنده القدرة والتمكن، وعنده الاطلاع الواسع على كتب السنة، والفقه والحديث فلا يلزمه أن يقلد إماماً من الأئمة، وإنما عليه أن يتبع الدليل؛ لأن الله عز وجل يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]. ويقول الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. وكل واحد من الأئمة الأربعة جاء عنه التنصيص على أنه إذا وجد له قول يخالف حديثاً صحيحاً فإنه يتبع الدليل ويأخذ بالحديث، ويترك ما جاء عنه من القول الذي خالفه الحديث. والإمام الشافعي رحمة الله عليه نفسه قد جاء عنه في مسائل متعددة أنه يعلق القول فيها على الصحة، فيرى رأياً خلاف ما جاء به الحديث الذي ما صح عنده، ومع ذلك يعلق القول به على صحته فيقول: إن صح الحديث قلت به، ولهذا يأتي بعض أتباعه كالبيهقي و النووي وغيرهما في بعض الأحاديث فيقولون: وقد صح الحديث، وهو مذهب الشافعي ؛ لأن الشافعي علق القول به على صحة الحديث، فإذاً هو مذهب الشافعي حكماً؛ لأنه علق القول به على صحته. لكن ليس كل أحد يستطيع أن يرجع إلى الأدلة، ويأخذ بها دون أن يكون عنده علم وبصيرة واطلاع واسع؛ لأن بعض الناس قد يطلع على شيء وهناك شيء أقوى منه، أو هناك ما ينسخه، أو ما يقيده، فعليه أن يرجع إلى كلام العلماء والفقهاء وشراح الحديث والمصادر المختلفة، فليس كل أحد بإمكانه أن يجتهد؛ لأن الذي بإمكانه الاجتهاد هو الذي عنده قدرة واطلاع، وأما أي إنسان يأتي ويقول: أنا أفعل كذا وكذا فهذا لا يصلح ولا ينبغي، ولكن مثل المشايخ الكبار الذين عندهم قدرة ومعرفة واستيعاب مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ونحوهما هل يقال: يلزمهم أن يقلدوا مذهباً معيناً؟! لا يقال في حقهم ولا في حق غيرهم ممن يكون عنده القدرة مثلهم، أما الإنسان الذي ليس عنده علم وليس عنده معرفة ولا قدرة؛ فإنه يستفتي من عنده علم، ومن لا يجد من يفتيه يتعلم مذهباً من المذاهب، ويتعبد الله تعالى به، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]."





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21-12-2021, 05:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [039]
الحلقة (70)

شرح سنن أبي داود [039]

من فضائل أمهات المؤمنين أنهن نقلن للأمة كثيراً من السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يطلع عليها إلا نساؤه، مثل صفة غسل الجنابة، فقد وصفن غسله صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً، وذكرن كل ما اشتمل عليه من الواجبات والمستحبات، فرضي الله عنهن وأرضاهن.

ما جاء في الوضوء بعد الغسل


شرح حديث: ( كان رسول الله يغتسل... ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء بعد الغسل. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة، ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في الوضوء بعد الغسل]، يعني: أنه لا يشرع، وليس للإنسان أن يتوضأ بعد الغسل إذا كان توضأ قبله، أو نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، ولم يمس ذكره في أثناء اغتساله، أما إذا اغتسل ولم ينو رفع الحدث الأصغر وإنما نوى رفع الحدث الأكبر فقط، أو أنه اغتسل ونوى رفع الحدث الأكبر والأصغر ولكنه مس ذكره في أثناء اغتساله، فإن عليه أن يتوضأ بعد ذلك، والأصل أن الإنسان لا يحتاج إلى وضوء بعد الاغتسال، مادام أنه توضأ قبل الاغتسال، أو نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، لكن إذا لم ينو رفع الحدث الأصغر عند اغتساله أو نواه ولكنه مس ذكره وهو يغتسل؛ فإنه عليه أن يتوضأ؛ لأن مس الذكر ناقض للوضوء؛ وعلى هذا فالوضوء بعد الغسل لا يشرع إلا إذا لم ينو المغتسل رفع الحدث الأصغر عند الاغتسال، أو أنه نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر ولكنه مس ذكره، فإنه في هذه الحالة عليه أن يتوضأ بعد ذلك، وإلا فإنه لا يحتاج إلى وضوء.
وقول عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ويصلي الركعتين وصلاة الغداة) يعني: ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر، وصلاة الغداة التي هي صلاة الفجر، وقولها: ولا يحدث وضوءاً يعني: بعد الغسل.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يغتسل... ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل)
قوله:
[ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].
هو عبد الله بن محمد بن علي النفيلي وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو إسحاق ].
أبو إسحاق هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأسود ].
هو الأسود بن يزيد النخعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. والحديث صححه الألباني وغيره.
نقض المرأة لشعرها عند الغسل


شرح حديث: (... إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ حدثنا زهير بن حرب و ابن السرح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن امرأة من المسلمين -وقال زهير : إنها قالت-: (يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً) وقال زهير : (تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك؛ فإذا أنت قد طهرت) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في المرأة هل تنقض شعر رأسها من الجنابة؟] يعني: هل تنقضه إذا كان مشدوداً ومضفراً، أو تغتسل وهو منشور غير مشدود ولا مضفور؟ والجواب: أن المرأة لا يلزمها أن تنقض شعرها عند الاغتسال، وإن نشرته فلا بأس بذلك، ولكن كون ذلك واجباً عليها ولازماً لها فلا، بل يكفيها أن تصب على رأسها الماء، ولا يلزمها أن تفكه وتنشره. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟) تستأذن وتستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتنقضه يعني: هل يلزمها نقضه؟ قال: (إنما يكفيك أن تحفي عليه ثلاثاً) وقال زهير : (تحثي) .
يعني: هذا قال: تحفي، وهذا قال: (تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء) يعني: تصب عليه ثلاث حثيات من ماء، (ثم تفيضي على سائر جسدك) يعني: بعدما تغسلي رأسك ثلاث مرات، وتصبي عليه ثلاث إفراغات تفيضي الماء على سائر جسدك، (فإذا أنت قد طهرت) يعني: إذا فعلت هذا بأن حثيت على رأسك ثلاث حثيات، وأفضت الماء على سائر الجسد؛ فأنت بذلك تكونين قد طهرت. والحاصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنها لا يلزمها نقض شعر رأسها، وإنما يكفيها أن تحثي عليه ثلاث حثيات، وتفيض الماء على سائر جسدها، وبذلك تكون قد طهرت من الجنابة. قوله: [ عن أم سلمة أن امرأة من المسلمين، وقال زهير : أنها قالت ].
يعني ابن السرح . قال: إن امرأة من المسلمين، يعني: أنها كنت عن نفسها بقولها: امرأة من المسلمين، وفي رواية زهير : أن أم سلمة قالت، فالرواية الأولى فيها إبهام السائل، وهكذا كانوا يفعلون، يكني الإنسان عن نفسه، فيقول: إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابي هو السائل، والمرأة كذلك أحياناً تقول: إن امرأة من المسلمين سألت، وتكون هي نفسها السائلة. قوله: [ قال: (إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً) ] اللفظ الأول: تحفني من الحفنات، واللفظ الثاني: تحثي من الحثيات.
تراجم رجال إسناد حديث: ( إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً...)
قوله:
[ حدثنا زهير بن حرب و ابن السرح ].
زهير بن حرب هو أبو خيثمة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وقد أكثر عنه الإمام مسلم ، روى عنه في صحيحه أكثر من ألف حديث، وأكثر منه أبو بكر بن أبي شيبة ، روى عنه مسلم أكثر من ألف وخمسمائة حديث، وكذلك محمد بن رافع هو مكثر عنه، لكنه أقل من هذين بكثير. و ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ حدثنا سفيان بن عيينة ].
هو سفيان بن عيينة المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب بن موسى ].
أيوب بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن أبي سعيد ].
سعيد بن أبي سعيد هو المقبري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ].
عبد الله بن رافع مولى أم سلمة هو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أم سلمة ].
أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: ( ...واغمزي قرونك عند كل حفنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن نافع -يعني: الصائغ - عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث قالت: فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم -في معناه- قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة) ].
أورد أبو داود حديث أم سلمة من طريق أخرى: أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث، ويحتمل أن أم سلمة قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: إن امرأة من المسلمين تسأل عن كذا وكذا، ويحتمل أنها هي السائلة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (إنما يكفيك) يخاطب أم سلمة ، فيكون الخطاب لأم سلمة والجواب لتلك التي أوصتها أن تسأل. [ قالت: فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة) ]. يعني: أنها تحركها حتى يصل الماء إلى داخلها.
تراجم رجال إسناد حديث: (... واغمزي قرونك عند كل حفنة)
قوله:
[ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن نافع يعني: الصائغ ].
ابن السرح تقدم، و ابن نافع هو عبد الله بن نافع الصائغ وهو ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أسامة ].
هو أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن المقبري ].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري الذي مر في الإسناد المتقدم، وهناك جاء باسمه، وهنا أتى بنسبته، وهو شخص واحد.
[ عن أم سلمة ].
تقدم ذكرها.
شرح حديث: ( كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنهما أنها قالت: (كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا -تعني: بكفيها جميعاً- فتصب على رأسها، وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق والأخرى على الشق الآخر) ].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا -تعني: بكفيها جميعاً- فتصب على رأسها وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق والأخرى على الشق الآخر) والمقصود: أنهن يكتفين بذلك، وأورده في باب المرأة هل تنقض شعرها أو لا تنفضه؟ لأنه يدل على أنها لا تنقضه، ويكتفين بذلك الفعل الذي يفعلنه.
تراجم رجال إسناد حديث: ( كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة...)
قوله:
[ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا يحيى بن أبي بكير ].
يحيى بن أبي بكير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا إبراهيم بن نافع ].
إبراهيم بن نافع وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن بن مسلم ].
هو الحسن بن مسلم بن يناق وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن صفية بنت شيبة ].
هو صفية بنت شيبة الحجبية العبدرية ، لها رؤية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد مر ذكرها.
شرح حديث: ( كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (كنا نغتسل وعلينا الضماد) المقصود به: الشيء الذي تلبد به المرأة رأسها ليمسكه، فيغتسلن وعليهن الضماد وهن محلات ومحرمات، يعني: وهن في حال إحلالهن وإحرامهن فلا يزلن ذلك التلبيد الذي على رءوسهن، وإنما يفرغن الماء على رءوسهن. هذه الأحاديث كلها تدل على أن المرأة لا تنقض شعر رأسها عند إرادة الاغتسال.
تراجم رجال إسناد حديث: ( كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله...)
قوله:
[ حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد ].
مر ذكر نصر بن علي و عبد الله بن داود ، و عمر بن سويد ثقة أخرج له أبو داود وحده.
[ عن عائشة بنت طلحة ].
هي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية أبوها أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين وقد مر ذكرها.
شرح حديث: (... وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف : وحدثنا محمد بن إسماعيل عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان رضي الله عنه حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (أما الرجل فينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه، لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها) ].
أورد أبو داود حديث ثوبان رضي الله عنه، وفيه التفريق بين الرجل والمرأة في نقض الشعر للغسل، فالأصل أن رأس الرجل يكون غير مضفور بل منشور، فعليه عندما يغسله أن يوصل الماء إلى أصوله؛ وأما المرأة فيكفيها أن تحثو عليه ثلاث حثيات، وليس عليها أن تنقضه كما دل عليه هذا الحديث وغيره من الأحاديث المتقدمة. وهذا فيه بيان أن الرجل يوصل الماء إلى شعره كله لأنه منشور، بخلاف المرأة إذا كان شعرها مضفوراً، فلا يلزمها نقضه وإيصال الماء إليه كله، بل يكفيها أن تصب عليه الماء ثلاثاً، وبذلك وردت الأحاديث المتعددة في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم للنساء.
وقد سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته وشعر رأسه، وكان يدخل أصابعه حتى يصل إلى البشرة، فهذا كله يتفق مع هذا الحديث الذي فيه أن الرجل يغسل شعره؛ لأنه في الأصل منشور غير مضفور، والمرأة يكفيها أن تصب على شعرها وعلى رأسها ثلاث حثيات أو ثلاث غرفات، وبذلك تكون أدت ما عليها من الغسل.
تراجم رجال إسناد حديث: (... وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه...)
قوله:
[ حدثنا محمد بن عوف ].
محمد بن عوف ثقة أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي .
[ قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش ].
هو إسماعيل بن عياش الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في روايته عن غيرهم، وهنا الراوي عنه يذكر بأنه قرأ في أصله، ومعناه: أنه ما سمع منه، وإنما رأى أصل كتابه وقرأ فيه هذا الإسناد. وقد أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.
[ قال ابن عوف : وحدثنا محمد بن إسماعيل عن أبيه ].
ابن عوف روى أولاً عن طريق قراءته في أصل إسماعيل ، وهو لم يسمع من إسماعيل ، وهي وجادة، ثم روى عن ابنه محمد عن أبيه، فله طريقان. قال في التقريب محمد بن إسماعيل بن عياش : عيب عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع. فيكون فيه انقطاع في الإسناد الأول وفي الإسناد الثاني، فالإسناد الأول غير متصل؛ لأنه ما سمع منه، والإسناد الثاني فيه محمد بن إسماعيل وروايته عن أبيه من غير سماع.
[ حدثني ضمضم بن زرعة ].
ضمضم بن زرعة صدوق يهم أخرج له أبو داود و ابن ماجة في التفسير.
[ عن شريح بن عبيد ].
شريح بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ قال: أفتاني جبير بن نفير ].
جبير بن نفير ، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
[ أن ثوبان حدثهم ].
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
الأسئلة


استقبال القبلة عند الغسل

السؤال: ذكر النووي أن من السنة للمغتسل أن يستقبل القبلة ما صحة هذا الكلام؟
الجواب: ما نعلم له أساساً.
غسل الجمعة لا يرفع الحدث الأصغر
السؤال: استشكل بعض الإخوان ما ذكرتم من أن الإنسان إذا اغتسل غسل جمعة أو تبرد لا يكفيه عن رفع الحدث الأصغر ولو نوى؟

الجواب: نعم ولو نوى؛ لأن الوضوء لابد من الإتيان به على الترتيب، لكن لو كان عليه الحدث الأكبر ونوى أن يرفع الأصغر مع الأكبر جاز ذلك، وأما غسل الجمعة فليس لرفع حدث، والوضوء لابد فيه من الترتيب، يغسل وجهه، ثم يديه إلى المرفقين، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه؛ فلا يكفي أن يغتسل للتبرد أو للجمعة وينوي رفع الحدث الأصغر؛ لأن رفع الحدث الأصغر يرتفع مع الحدث الأكبر إذا نوى رفعهما، أما هذا فليس فيه رفع حدث وإنما هو فعل شيء للتبرد، أو فعل شيء واجب أو مستحب على خلاف بين العلماء في حكم غسل الجمعة. أما إذا توضأ قبل غسل الجمعة فلا إشكال، بشرط ألا يلمس ذكره وهو يغتسل.
غسل الجنابة يرتفع به الحدث الأصغر
السؤال: ما الدليل على أن غسل الجنابة يرتفع به الحدث الأصغر؟

الجواب: هكذا ذكر العلماء إذا نوى رفعهما؛ لأن كلاً منهما عبادة، ورفع الحدث الأكبر يرفع الحدث الأصغر، فإذا نوى الحدثين، ولم يمس ذكره في حال اغتساله؛ فإنه يرتفع حدثه الأكبر والأصغر.

تساوي الرجل والمرأة في المذي

السؤال: هل المرأة تمذي؟
الجواب: لا شك أنها تمذي مثلما الرجل عند تذكر الجماع، والله تعالى أعلم."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21-01-2022, 11:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث (... جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح...)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ] . هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ] . هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث إسناده رباعي، وأعلى الأسانيد عند أبي داود الرباعيات، وهذا منه، ففيه موسى بن إسماعيل و حماد بن سلمة و ثابت البناني و أنس بن مالك ، وهذا الحديث مسلسل بأهل البصرة؛ لأن هؤلاء الأربعة من أهل البصرة. أيضاً: الإسناد مسلسل برجال الكتب الستة، موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وحماد بن سلمة ، وثابت البناني ، وأنس بن مالك .
[ وقول الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222] أي: شيء مستقذر، فهو دم خبيث وأذى، وفيه مضرة، فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] يعني: ما دام هذا الأذى موجوداً، وليس المقصود أن كل حائض تتأذى من الجماع، لكن نفس الدم الذي في فرجها أذى، فلا تجوز المجامعة، ولا شك أنها تتأذى بالجماع أيضاً، ويحصل لها ضرر، لكن المقصود أن دم الحيض هو نفسه أذى؛ لأنه دم نجس، والأذى هنا بمعنى القذر والنجاسة، وقد يكون الأذى بمعنى الألم، فالكلمة قد تحتمل عدة معان كلها يمكن أن تعتبر.
هذا والرسول صلى الله عليه وسلم وافق اليهود في أشياء، بل وافق الكفار الذين كانوا يعبدون الأوثان ولا ينتمون إلى دين في أشياء، يعني: أقرها الإسلام، مثل المضاربة فقد كانت من أعمال الجاهلية وأقرها الإسلام، ومثل الولي في النكاح كان معتبراً في الجاهلية وأقره الإسلام، فتوجد أشياء من أعمال الجاهلية، أو من أعمال اليهود والنصارى أقرها الإسلام، لكن الشيء الذي يكون من خصائصهم فإن الإسلام ينهى عنه وعن التشبه بهم فيما هو من خصائصهم.
شرح حديث (كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أتعرق العظم وأنا حائض، فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها (كانت تتعرق العظم)، يعني: تأخذ العظم الذي عليه بقية لحم ليس بكثير، بحيث إن الإنسان يأكل وينتهي منه، ولا يعيده إلى الصحن أو على الصماط، وإنما إذا أراد أن يتعرق فإنه يخفف اللحم الذي عليه حتى لا يفسده على أحد يريد أن يأكل من اللحم الذي نهش منه، فكانت تأخذه وتنهش منه قطعة من اللحم، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، (فيضع فمه على المكان الذي وضعت فمها فيه) أي: من ذلك العظم، وهذا فيه مؤاكلة الحائض، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكل مع عائشة وهي حائض، ولم يكتف بمجرد كونه يأكل معها من صحن واحد أو من إناء واحد، بل من نفس العظم، ومن نفس المكان الذي مسه فمها يضع فمه عليه صلى الله عليه وسلم، فالمرأة جسدها طاهر، وإنما النجاسة والحيض في فرجها وليس في يديها أو فمها، وإنما النجاسة في موضع معين منها، فمؤاكلتها ومخالطتها ومضاجعتها ليس فيها بأس، وهذا فيه مطابقة للترجمة من حيث المؤاكلة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يؤاكلها، بل ويضع فمه على موضع فمها. (وكانت تشرب الماء من الإناء، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في المكان الذي وضعت فيه فمها) أي: الجهة التي شربت منها في الإناء يشرب منها صلى الله عليه وسلم، ففيه المشاربة للحائض. والعرق هو: العظم الذي عليه بقية اللحم، وقد جاء في بيان أحوال المنافقين قوله صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً، ثم قال: والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) يعني: لو كان يعلم أن في المسجد لحم يوزع، ولو كان اللحم يسيراً بأن يكون عظم عليه بقية لحم، لشهد العشاء لكي يأخذ نصيبه من اللحم؛ لأن قصدهم وهمهم الدنيا، ولا يريدون الآخرة والعياذ بالله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهم: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً) يعني: لو كانوا لا يستطيعون الوصول إلى المسجد على أرجلهم، فللحرص على تحصيل هذا الثواب لصاروا يحبون على الركب حبواً، ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون ما في صلاة الجماعة من الأجر، وكان الواحد منهم يصيبه المرض فلا تسمح نفسه أن يصلي في البيت وهو مريض معذور، فيأتي إلى المسجد يهادى بين الرجلين، رجل يمسك عضده اليمنى، وآخر يمسك عضده اليسرى، ورجلاه تخطان بالأرض، حتى يقام في الصف، لا يستطيع أن يصل إلى الصف بمشيه، هكذا كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين يعرفون عظم شأن صلاة الجماعة، وأجر صلاة الجماعة. قال: (والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) وهو عظم عليه بقية لحم، والتعرق: هو الأخذ بالأسنان من ذلك اللحم الذي في ذلك العرق، والمرماتين هما ما بين ضلعي الشاة من اللحم.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي...)
قوله: [ حدثنا مسدد ] . هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ] . هو عبد الله بن داود الخريبي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، وعبد الله بن داود الخريبي هذا نقل عنه الحافظ في فتح الباري كلمة عظيمة، يقول: قال عبد الله بن داود الخريبي : إن أشد آية على أصحاب جهم قول الله عز وجل: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله، يعني: عليه أن يأخذ بما فيه؛ لأن الله قال: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، والإنذار للصحابة الذين نزل عليهم، ولكل من يبلغه هذا الخبر، فمن بلغه القرآن وسمعه وقرأه أو اطلع عليه فكأنما سمعه من الله؛ لأن الله تعالى يقول: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، فالذين ينفون صفات الله عز وجل عن الله، وينفون عنه الأسماء والصفات قد أنذروا بالقرآن، وقد جاء في هذه الآية أن الإنذار للموجودين ولكل من يبلغه من الموجودين الذين لم يلقوا الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين يأتون بعد زمانه في القرون والعصور المختلفة، قال رحمه الله: فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله يعني: عليه أن يتقيد بما فيه، وأن يأخذ بما فيه، وأن يصدق بما فيه، وأن يعمل بما فيه، وينتهي عما فيه من النواهي.
[ عن مسعر ] .
هو مسعر بن كدام ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المقدام بن شريح ] . المقدام بن شريح ثقة أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ] . هو شريح بن هانئ ، ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه مثل ابنه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عائشة ] . وقد مر ذكرها.
شرح حديث: ( كان رسول الله يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري، فيقرأ وأنا حائض) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع رأسه في حجرها، فيقرأ القرآن وهي حائض، والحائض لا تقرأ القرآن، وهذا يدل على الترجمة من جهة مخالطتها، والاجتماع بها، والاتصال بها، وكل شيء يجوز معها إلا الجماع، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يضع رأسه في حجرها، وهذا فيه دليل على مخالطة المرأة الحائض. وفيه دليل أيضاً على قراءة القرآن في حال الاضطجاع، فيقرأ الإنسان القرآن مضطجعاً وقاعداً وقائماً، وهنا قالت: (يضع رأسه في حجري -يعني: وهو مضطجع- ويقرأ القرآن). وفيه أيضاً: جواز قراءة القرآن عند الاتكاء على الحائض، أو وضع الرأس في حجر الحائض، وإن كان في مكان قريب من النجاسة؛ لأن رأسه في حجرها، وفرجها هو الذي فيه الدم النجس، فدل هذا الصنيع من رسول الله عليه الصلاة والسلام على هذه الأمور.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض)
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ] . هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور بن عبد الرحمن ]. هو منصور بن عبد الرحمن بن طلحة الحجبي ، من بني عبد الدار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن صفية بنت شيبة ]. صفية بنت شيبة ، وهي حجبية أيضاً، ولها رؤية، والذي يروي عنها هو ابنها منصور بن عبد الرحمن بن طلحة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.
ما جاء في الحائض تناول من المسجد


شرح حديث: (... إن حيضتك ليست في يدك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحائض تناول من المسجد. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخُمرة من المسجد. فقلت: إني حائض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [الحائض تناول من المساجد]، يعني: أنها تمد يدها إلى المسجد، سواء كان من باب أو نافذة، فهذا لها، وإن كانت الحائض لا تدخل المسجد، ولا تبقى فيه، ولكنها يمكن أن تناول من في المسجد وهي خارج المسجد، سواء من الباب، أو من فوق جدار إذا كان الجدار قصيراً، أو من نافذة تكون على المسجد، فمدها يدها إلى المسجد لا مانع منه، ولا بأس به. قوله: (ناوليني الخُمرة من المسجد) يعني: أنه في المسجد، وهي خارج المسجد. قوله: [ (فقالت: إني حائض. قال: إن حيضتك ليست في يدك) ] فيدها إذا دخلت المسجد فهي طاهرة، والنجاسة في فرجها وليست في يدها، ومعناه: أن جسمها طاهر، وأعضاءها طاهرة، وإنما النجاسة في مكان محدد، فهذا فيه دليل على أن إدخال المرأة يدها أو يديها أو رأسها إلى المسجد، وكونها تناول شيئاً لمن في المسجد لا بأس به ولا مانع منه. قال بعض أهل العلم: وفيه أيضاً دليل على أن من حلف لا يدخل داراً، ثم مد يده إليها أو ما إلى ذلك لا يعتبر أنه دخلها، مثل مد اليد للمسجد لا يعتبر دخولاً للمسجد، ولا بأس بذلك، وإنما يكون الدخول إذا دخلها بكليته، فلو أنه ناول شيئاً، أو أدخل رأسه مع شباك في تلك الدار؛ فلا يعتبر أنه دخل الدار حتى يدخلها بكامله.
تراجم رجال إسناد حديث: (... إن حيضتك ليست في يدك)
قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ] . هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت بن عبيد ]. ثابت بن عبيد وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن القاسم ] . هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.
ما جاء في الحائض لا تقضي الصلاة


شرح حديث : (... لقد كنا نحيض عند رسول الله فلا نقضي ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحائض لا تقضي الصلاة. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة (أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهذا من الأحكام المتعلقة بالحائض، وهي أنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وقد جاءت الشريعة بذلك، والحكمة في هذا -والله أعلم-: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، والصيام لا يأتي إلا مرة واحدة وشهراً في السنة، فإذا وقع الحيض فيه فإنه يسهل أن يقضى، وأما الصلاة فإن الأيام تتوالى كل يوم خمس صلوات، فلم يشرع للنساء أن يقضين الصلاة، وشرع لهن أن يقضين الصيام؛ لأن الصلاة تتكرر، يأتي في شهر واحد من السنة فيقضى بسهولة. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن معاذة العدوية سألتها: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! يعني بسبب سؤالها عن كونها تقضي الصلاة، فإن هذا هو شأن الخوارج، يرون أن الحائض تقضي الصلاة، وهذا من تشددهم وتنطعهم وتكلفهم، فلما سألتها هذا السؤال، قالت: أحرورية أنت، يعني:
أهل أنت من الخوارج؟! فقالت: لا؛ ولكني أسأل، والسائلة هي نفسها معاذة العدوية هذه، فقالت: (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) يعني: لا نباشر القضاء، ولا نؤمر بالقضاء، ولم يوجد منا ذلك الفعل، ولم نؤمر به، ومن المعلوم أن الأمر إذا ذكره الصحابي فإنما يريد به الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولها: (لا نؤمر) يعني: من النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا قال:
(أمرت) فالآمر له هو الله، والصحابة إذا قالوا: أمرنا أو نهينا، فالذي أمرهم أو نهاهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام مبلغ عن الله كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. قوله: [ عن معاذة أن امرأة سألت عائشة ]. هي كنّت عن نفسها بامرأة، يعني: ما قالت: إني سألت عائشة ، وهي التي سألت، ولكنها كنت عن نفسها بقولها: امرأة، وهكذا الإنسان عندما يريد أن يسأل عن شيء وهو صاحب السؤال ولا يحب أن يظهر اسمه في السؤال ينبغي له أن يقول: ماذا تقول في رجل حصل منه كذا، أو حصل له كذا؟ أو تقول: رجل يسأل حصل له كذا وكذا. لا بأس بذلك، ولكن جاء في بعض الروايات التصريح بأنها سألت عائشة ، وهنا كنت عن السائلة بامرأة. قوله: [ (أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) ].
وجاء في رواية في الصحيحين: (قالت: لا؛ ولكني أسأل. قالت: كنا نحيض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) . وفي هذا الحديث دليل على لزوم الاتباع للسنة فعلاً وتركاً، وامتثال أحكام الشريعة، وأن ما جاءت به الشريعة يجب امتثاله بالفعل والترك، وأن الإنسان لا يقدم أو يحجم إلا بدليل.
تراجم رجال إسناد حديث: (... لقد كنا نحيض عند رسول الله فلا نقضي ...)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. تقدم ذكره. [ حدثنا وهيب ]. وهيب هو وهيب بن خالد ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذة ]. هي معاذة بنت عبد الله العدوية ، وهي ثقة ، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ أن امرأة سألت عائشة ] . عائشة قد مر ذكرها.

شرح حديث: (... فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن عمرو أخبرنا سفيان -يعني: ابن عبد الملك - عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال أبو داود : وزاد فيه: (فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه زيادة التنصيص على الأمر بقضاء الصوم، وعدم الأمر بقضاء الصلاة، حيث قالت: فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث: (... فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)
قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ]. هو الحسن بن عمرو السدوسي ، صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ أخبرنا سفيان -يعني: ابن عبد الملك - ]. سفيان بن عبد الملك - ثقة، أخرج حديثه مسلم في المقدمة وأبو داود و الترمذي . [ عن ابن المبارك ] . هو عبد الله بن المبارك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ] . هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن معاذة عن عائشة ]. مر ذكر الثلاثة.
الأسئلة


حكم غسل المذي من الجسد
السؤال: إذا كان المذي على الجسد فما حكمه؟


الجواب: لابد أن يغسله، ولا يوجد اغتسال في خروج المذي، لكن في خروج المني اغتسال، والرش إنما ورد على الثوب، أما إذا كان على الجسد فيغسله كما تقدم في غسل الذكر.


غسل المني والمذي الذي يسيل على الجسد والثوب

السؤال: هل الترجمة معقودة على ما يسيل على بدن الرجل والمرأة أو على ثيابهما؟


الجواب: الذي يبدو أنه على الثياب؛ لأن ما يسيل على البدن من المني لابد فيه من الاغتسال من الجنابة، وما يسيل من المذي لابد فيه من إزالة النجاسة عن جسد الإنسان؛ ولهذا جاء أنه يغسل فرجه."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21-01-2022, 11:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [041]
الحلقة (72)


شرح سنن أبي داود [041]


اختلف العلماء فيمن يأتي أهله وهي حائض بناء على الأحاديث الواردة في الباب، فمن صححها حكم بالكفارة ديناراً أو نصف دينار، ومن ضعفها أمر بالاستغفار، كما ذكر الفقهاء أحكاماً كثيرة لصلاة المستحاضة، وقد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أحكامها، وقد بين العلماء كل ما يتعلق بها من حيث بيان حالها وشرحها، والجمع بين ما ظاهره متعارض منها.

حكم إتيان الحائض


شرح حديث: (... يتصدق بدينار أو بنصف دينار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان الحائض حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني الحكم ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار). قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة: قال: (دينار أو نصف دينار) وربما لم يرفعه شعبة ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في إتيان الحائض]، والمقصود من هذه الترجمة: بيان ما يترتب على إتيان الحائض، أما حكم إتيان الحائض في الفرج فهو حرام بإجماع المسلمين؛ لدلالة الكتاب والسنة على ذلك، وإجماعهم منعقد على هذا، ومن وقع في هذا الخطأ وجامع زوجته الحائض في الفرج فإنه يأثم؛ لحصول المخالفة، واختلف العلماء فيما يجب عليه، فذهب بعض أهل العلم إلى أن عليه ديناراً أو نصفه كفارة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا كفارة عليه، وإنما عليه أن يستغفر الله، وأن يتوب إليه من هذا الذنب الذي حصل منه. والحاصل: أن إتيان الحائض في حال حيضها في فرجها حرام بإجماع العلماء، ومن فعله فقد اختلف العلماء: هل عليه كفارة أو لا، فبعض أهل العلم قال: لا كفارة عليه، ويستغفر الله، ومنهم من قال: عليه كفارة، وهي دينار أو نصفه. وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدق بدينار أو نصف دينار) يعني: كفارة عن هذا الذنب الذي حصل منه، لكن لا يجوز له أن يقدم عليه؛ لأن الإقدام عليه حرام، وإذا أقدم عليه الإنسان فإنه يتوب إلى الله عز وجل، ويكفر عن ذلك الذنب وعن ذلك الفعل الذي حصل منه بالتصدق بالدينار أو نصف الدينار، قال بعض أهل العلم -وقد جاء عن ابن عباس موقوفاً عليه -:
يكون الدينار إذا أتاها في قوة الدم، وفي شدة فورانه وسيلانه، وإذا كان في آخره بعد حصول الجفاف واليبس، إلا أنه بقي له آثار صفرة أو غير ذلك مما هو داخل في مدة الحيض؛ فيكون عليه نصف دينار. وقال بعض أهل العلم: إنه مخير بين الدينار ونصفه، إن فعل هذا وإن فعل هذا كل ذلك يحصل به المقصود.
تراجم رجال إسناد حديث: (... يتصدق بدينار أو بنصف دينار)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ]. هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. هو مقسم مولى عبد الله بن الحارث ، ويقال له: مولى ابن عباس للزومه إياه، وقد اشتهر بهذا الأخير، وهو صدوق يرسل، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ] . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث صححه جماعة من أهل العلم، منهم أبو داود في قوله: هكذا الرواية الصحيحة، وكذلك الحاكم ، و ابن القيم ، و ابن القطان وغيرهم. ومن العلماء من رأى أنه لا كفارة على من وطئ امرأته وهي حائض، بل يستغفر الله ويتوب إليه مما حصل. [ قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة: قال: (دينار أو نصف دينار) ]. يعني: هذه الرواية الصحيحة التي فيها الجمع بين الدينار ونصف الدينار للتخيير في ذلك. قوله: [ وربما لم يرفعه شعبة ]. يعني أنه جاء مرفوعاً، وجاء موقوفاً على ابن عباس ، لكن العلماء صححوه مرفوعاً، ورأوا أن من أتى أهله وهي حائض فإن عليه كفارة ديناراً أو نصف دينار، وبعضهم ضعف الحديث بسبب الاختلاف في رفعه ووصله، وكونه جاء على أوجه مختلفة. ولمعرفة مقدار الدينار فإن النصاب في إخراج الزكاة عشرون مثقالاً، وهي عشرون ديناراً، والدينار جزء من عشرين جزءاً مما تجب فيه الزكاة من الذهب، والنصاب -كما هو معلوم- اثنان وتسعون غراماً، فنصف العشر من هذا النصاب يعتبر هو مقدار الدينار.
شرح أثر ابن عباس : ( إذا أصابها في أول الدم فدينار )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام المطهر حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان - عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار. قال أبو داود : وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم ]. أورد أبو داود عن ابن عباس أثراً موقوفاً عليه، فصل فيه وقت لزوم الدينار ولزوم نصف الدينار، فلزوم الدينار إذا كان الوطء في شدة الدم وفورانه وكثرته وغلظه، ونصف الدينار إذا كان في خفته في آخر العادة وفي قرب انقطاعه، فيكون الدينار في حال شدته وفي أول إقباله، والنصف الدينار في آخر مدة الحيض، حين يخف ويقرب من الانقطاع.
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: ( إذا أصابها في أول الدم فدينار ..)
قال: [ حدثنا عبد السلام المطهر ]. عبد السلام بن مطهر هو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود . [ حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان - ]. هو جعفر بن سليمان الضبعي ، صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن علي بن الحكم البناني ]. علي بن الحكم البناني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي الحسن الجزري ]. أبو الحسن الجزري مجهول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي . [ عن مقسم عن ابن عباس ]. عن مقسم وابن عباس مر ذكرهما. [ قال أبو داود : وكذلك قال ابن جريج : عن عبد الكريم عن مقسم ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبيد بن جريج المكي ، ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وعبد الكريم هو عبد الكريم بن مالك الجزري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. وقد مر ذكره. وهذه الآثار صححها الألباني بطرقها؛ لأن في الطريق الأولى أبا الحسن الجزري ، وفي الطريق الثانية هذه عنعنة ابن جريج ، وهذا التفصيل من حيث شدة الأذى وخفة الأذى له وجه، والله تعالى قال: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:22] ففي حال شدة الأذى وشدة الحيض تكون الكفارة أغلظ، وفي حالة خفته حيث يكون على وشك الانقطاع تكون الكفارة أخف، وبعض أهل العلم يقول: إنه على التخيير؛ إن شاء أن يخرج هذا وإن شاء أن يخرج هذا.
شرح حديث: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض؛ فليتصدق بنصف دينار). قال أبو داود : وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آمره أن يتصدق بخمسي دينار) وهذا معضل ]. في هذا الحديث اقتصر على ذكر نصف الدينار، وأبو داود رحمه الله في الحديث الأول قال: هكذا الرواية الصحيحة: (دينار أو نصف الدينار)، ففيه الإشارة إلى أن الروايات التي ليس فيها ذكر الدينار ونصف الدينار غير صحيحة، وهما هاتان الروايتان: الرواية التي فيها نصف دينار فقط، والرواية التي فيها خمسي دينار.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري في التاريخ، ومسلم أصحاب السنن. [عن خصيف ]. هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري ، صدوق سيئ الحفظ، تغير بأخره، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. [ عن مقسم عن ابن عباس ] . مقسم عن ابن عباس مر ذكرهما. هذا الحديث ضعيف، فيه خصيف ، وفيه أيضاً شريك ، وإشارة أبي داود في الحديث الأول إلى الرواية الصحيحة التي فيها الدينار أو نصف الدينار فيها إشارة إلى ضعف الروايات التي فيها النصف وحده أو الخمسان. [ قال أبو داود : وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ]. علي بن بذيمة ثقة أخرج له أصحاب السنن. وقوله: [ عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ]. يعني: أن مقسماً رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو تابعي، فيكون مرسلاً، وهذا مرسل على الاصطلاح المشهور، وهو: أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فالمرسل أن يضيف التابعي فيه الحديث إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويطلق المرسل أيضاً على رواية الراوي عمن لم يلقه، أو لم يدرك عصره، في أي مكان من السند، وهذا المرسل في اصطلاح الفقهاء، وهو المنقطع. قوله: [ وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آمره أن يتصدق بخمسي دينار) وهذا معضل ].
الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويزيد بن أبي مالك ، صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وعبد الحميد بن عبد الرحمن قد مر ذكره، وهو ابن زيد بن الخطاب . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يتصدق بخمسي دينار) قال: وهذا معضل، والمعضل في اصطلاح المحدثين: هو الذي سقط منه اثنان متواليان في أي مكان من السند، وهنا كون عبد الحميد بن عبد الرحمن يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه سقوق الصحابي والتابعي، وهذا يسمونه المعضل، وهو ما سقط من إسناده اثنان بشرط التوالي، فإن كانا متفرقين بأن يكون الأول سقط في موضع، والثاني في موضع آخر، فيقولون عنه: منقطع، ولا يقولون عنه: معضل؛ لأن المعضل شرطه التوالي.
ما جاء في الرجل يصيب من الحائض ما دون الجماع


شرح حديث: (أن رسول الله كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع. حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الرجل يصيب منها -أي: من أهله- ما دون الجماع، وهذا سائغ، ولا بأس به، وقد مضى الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع) فالممنوع هو الجماع، وأما ما دون الجماع فإنه مباح، لكن اختلف في المكان الذي تحصل منه المباشرة، فما فوق السرة وتحت الركبة لا خلاف فيه بين العلماء، وكون الإنسان يباشرها وقد ائتزرت بمئزر من السرة إلى الركبة فهذا باتفاق العلماء، وأما ما دونه في غير الفرج فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من منعه، ومنهم من كرهه، ومنهم من أجازه بشرط أن يبتعد عن المكان المحرم وهو الفرج، فالجماع في الفرج هو المحرم، وأما الاستمتاع بالمرأة في غير ذلك فلا بأس به، ولكن الإنسان يبتعد عن المكان الذي يخشى أن يصل إليه بسبب مقاربته إياها؛ فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ميمونة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا كانت إحداهن حائضاً يأمرها فتضع عليها مئزراً تشده عليها إلى نصف الفخذين أو إلى الركبتين، ثم يباشرها وهي حائض، فدل هذا على جواز الاستمتاع بالمرأة في غير المحل الذي منع منه الرجل، وهو بالاتفاق ما فوق الإزار، يعني: ما فوق السرة ودون الركبة، وعلى خلاف فيما دون ذلك بشرط ألا يكون في الفرج. قوله: [ (إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به) ].
يعني: تشده على وسطها وعلى حجزتها بحيث يكون حاجزاً بين الرجل وبين المكان الذي هو الحمى أو قريباً من الحمى.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض ...)
قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب مولى عروة ] . هو حبيب مولى عروة بن الزبير ، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي . [ عن ندبة مولاة ميمونة ]. ندبة مولاة ميمونة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود والنسائي . [ عن ميمونة ]. ميمونة أم المؤمنين، بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كان رسول الله يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر، ثم يضاجعها زوجها) وقال مرة: (يباشرها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت إحدى نسائه حائضاً أمرها أن تتزر فيضاجعها، وفي رواية: (يباشرها)، والمباشرة هي التصاق البشرة بالبشرة، وذلك جائز فيما فوق السرة ودون الركبة باتفاق العلماء، وعلى خلاف بينهم فيما دون ذلك بشرط ألا يقع في المحرم الذي هو الجماع في الفرج.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ...)
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن منصور ] . شعبة تقدم ذكره، ومنصور هو ابن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21-01-2022, 11:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (كنت أنا ورسول الله نبيت بالشعار الواحد وأنا حائض ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً الهجري سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت بالشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه، ولم يعدُه، ثم صلى فيه، وإن أصاب -تعني: ثوبه- منه شيء غسل مكانه ولم يعدُه، ثم صلى فيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد، والشعار: هو الثوب الذي يلي البشرة، ويتصل بها مباشرة، سُمي شعاراً لأنه يتصل بالشعر، وبالجسد، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بالشعار عندما بين فضلهم وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين، عندما أعطى المؤلفة قلوبهم المئات من الإبل، ولم يعط الأنصار شيئاً، فوجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، ولم يعطوا مثل ما أعطي الناس، ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في نفوسهم جمعهم في مكان، وتكلم معهم، وأخبرهم بما هو أحسن لهم من الإبل والمال، وكان مما قال: (الأنصار شعار والناس دثار) ، يعني: أن الأنصار مني بمنزلة الشعار الملتصق بالجسد، والدثار هو الثوب الذي يكون وراءه. ومعنى حديث عائشة: أن كلاً منهما يبيت في الشعار، وليس المعنى أنهما داخل شعار واحد بلا حاجز، ولا فاصل بينهما، ولكن هي عليها شيء، وهو عليه شيء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذا أصابه منها شيء من الدم غسل المكان الذي أصابه منه، ولم يعده، يعني: لا يتجاوز المكان الذي وقع فيه الدم، بل يغسل المكان الذي فيه الدم فقط، وهذا هو معنى (ولم يعده).
وإذا أصاب ثوبه شيء من الدم فإنه يغسله، ولا يعده، يعني: لا يتعداه أو يتجاوزه، ثم يصلي فيه؛ لأنه غسل مكان النجاسة فبقي الثوب على طهارته، ولا يغسله كله ما دام أن النجاسة عرف محلها؛ فيكفي غسل المكان المتنجس من الثوب، لكن إذا جهلت النجاسة في الثوب، ولم تكن متبينة بلونها أو علامتها وأثرها فيجب غسل الثوب، وذلك إذا علم بأن فيه نجاسة وجهل موضعها من الثوب؛ لأنه لا يحصل اليقين إلا بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أنا ورسول الله نبيت بالشعار الواحد وأنا حائض ...)
[ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد تقدم ذكره، ويحيى هو يحيى بن سعيد القطان . [ عن جابر بن صبح ]. جابر بن صبح ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سمعت خلاساً الهجري ]. هو خلاس بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عائشة ]. وقد مر ذكرها.
شرح حديث: (... ادني مني، فقلت: إني حائض ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله -يعني: ابن عمر بن غانم - عن عبد الرحمن -يعني: ابن زياد - عن عمارة بن غراب أنه قال: إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة رضي الله عنها قالت: (إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد. قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل فمضى إلى مسجده -قال أبو داود : تعني: مسجد بيته- فلم ينصرف حتى غلبتني عيني، وأوجعه البرد فقال: ادني مني. فقلت: إني حائض. فقال: (وإن، اكشفي عن فخذيك. فكشفت فخذيّ، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام) ].
أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها عن المرأة مع زوجها ليس لهما إلا فراش واحد، فإذا كانت هي حائض فهل تنام معه أو أنها تعتزل الفراش؟ فقالت: (أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دخل فمضى إلى مسجده) قال أبو داود : أي: مسجد بيته. أي: المكان الذي كان يصلي فيه من بيته. قوله: (فلم ينصرف حتى غلبتني عيني)]. يعني: أنه بقي يصلي وهي مضطجعة على الفراش حتى غلبها النوم، وهو مستمر في الصلاة. قوله: [ فأوجعه البرد ] يعني: حصل له برد. قوله: [ (فجاء وقال: ادني مني. فقلت: إني حائض. فقال: وإن) ] فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدنو منه وألا تكون بعيدة وإن كانت حائضة، فقوله: (وإن) فيها حذف كان واسمها وخبرها، يعني: وإن كنت حائضاً، فحذفت كان واسمها وخبرها لدلالة ما تقدم عليه، وهذا سائغ ومعروف في اللغة حيث يحذف الشيء إذا كان معلوماً، سواء كان واسمها وخبرها، أو المبتدأ والخبر، وقد جاء في القرآن قول الله عز وجل في سورة الطلاق: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] أي: واللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر؛ لدلالة ما قبلها. قوله: [ (اكشفي عن فخذيك. فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي) ]. ضاجعها واتصل بها، وجعل رأسه على فخذيها، وكل ذلك لا يؤثر.
تراجم رجال إسناد حديث: (ادني مني، فقلت: إني حائض ...)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله -يعني: ابن عمر بن غانم-]. صدوق وثقه ابن يونس وغيره، وأخرج له أبو داود وحده. [ عن عبد الرحمن -يعني: ابن زياد - ]. هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ، وهو صدوق ضعيف في حفظه، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة . [ عن عمارة بن غراب ]. عمارة بن غراب ، وهو مجهول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود . [ قال: إن عمة له ]. في التقريب ما ذكر عنها شيئاً، وإذا كان الراوي عنها مجهولاً وهي مبهمة فهي من باب أولى مجهولة، والحديث في إسناده الأفريقي وهو ضعيف، وفي إسناده هذا المجهول، وأيضاً عمته التي هي مجهولة مثله.
شرح حديث: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصر ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن عبد الجبار حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ندنُ منه حتى نطهر) ]. هو الفراش، والحصير هو الذي يوضع على الأرض، وهو غير الفراش الذي كان ينام عليه صلى الله عليه وسلم هو وعائشة رضي الله عنها، قوله: [ (فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ندن منه حتى نطهر) ]. هذا خلاف ما تقدم في الأحاديث الصحيحة من المضاجعة والمباشرة، فالحديث غير صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير ...)
قوله: [ حدثنا سعيد بن عبد الجبار ] . صدوق أخرج له مسلم وأبو داود . [ حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي اليمان ] . هو أبو اليمان الرحال ، وهو مستور، أخرج له أبو داود ، والمستور هو مثل مجهول الحال. [ عن أم ذرة ]. أم ذرة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود . [ عن عائشة ] . وقد مر ذكرها، والحديث غير صحيح، فيه المستور أبو اليمان الرحال ، وفيه أم ذرة مولاة عائشة وهي مقبولة.
شرح حديث: (كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً) ]. أورد أبو داود حديثاًَ عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً فيباشرها، وهذا يدل على جواز الاستمتاع من المرأة الحائض في غير الفرج. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ] . هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم].
شرح حديث: (كان رسول الله يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر، ثم يباشرنا، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟) ]. قولها: (في فوح حيضتنا) يعني: في شدة فورانها، وهو الوقت الذي يكون فيه الحيض شديداً. قولها: [ وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟]. ٍالإرب هو الوطر أو الحاجة. وكون الإنسان يباشر المرأة وهي حائض في غير الفرج سائغ؛ لكن قولها: (وأيكم يملك إربه؟) محمول على الصيام، ففي حال الصيام الإنسان يمنع من أن يحصل منه شيء، وأما في غير الصيام فالإنسان له أن يستمتع من زوجته الحائض لكن في غير الفرج، فيقضي وطره وحاجته في غير الفرج، ولكن الشيء الذي يمنع هو الجماع في الفرج، وأما مباشرة المرأة في حال الصيام بالاحتكاك بها أو القرب منها فإنه يؤثر، وقد يحصل منه إنزال أو ما إلى ذلك، فعليه أن يبتعد، وألا يعرض صومه للفساد، لكن في غير حال الصيام فللإنسان أن يستمتع بالحائض، وله أن يقضي منها حاجته؛ لكن في غير المكان المحرم.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر )
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الكوفي الضبي الكوفي ثم الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ]. هو أبو إسحاق الشيباني ، واسمه سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن الأسود ]. هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو الأسود بن يزيد النخعي ، وقد مر ذكره. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. مباشرة الحائض في غير الجماع سائغ ولا بأس به، وما فوق الإزار وتحت الركبة جائز باتفاق العلماء، وما كان دون ذلك ولكن في غير الفرج ففيه خلاف بين أهل العلم، ويدل على كونه سائغاً قوله عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، والنكاح إنما هو في مكان الأذى الذي قال الله عز وجل عنه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فالمباشرة لها ما بين الركبة والسرة سائغة؛ ولكن من يخشى على نفسه أن يقع في الأمر الحرام فعليه أن يكون بعيداً عن الحمى والمحل الذي إذا وقع فيه وقع في الحرام، فلا يباشر فيما بين السرة والركبة إذا كان يخشى على نفسه الوقوع في الأمر المحرم، وإن كان لا يخشى فلا بأس بذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم، وكان أملك الناس لإربه عليه الصلاة والسلام، فتقبيل الرجل لامرأته في حال صيامه لا بأس به، لكن بشرط أن يطمئن إلى أنه لا يحصل منه إفساد لصيامه لخروج المني بسبب هذه المباشرة، وبسبب هذا التقبيل والمقاربة. وأما بالنسبة للوضوء فالإنسان له أن يقبل زوجته وهو على وضوء، فإن خرج منه مذي فسد وضوؤه، وعليه أن يعيد الوضوء، وإن لم يخرج منه مذي فإن وضوءه على حاله.
وكان عليه الصلاة والسلام يقبل وهو صائم، وهو أملك الناس لإربه، وكان يباشر المرأة وهي حائض وهو أملك الناس لإربه عليه الصلاة والسلام، وكونه يباشر زوجته وهي حائض لأنه يتمكن من عدم الوقوع في الأمر المحرم، بخلاف غيره فإنه قد يتمكن وقد لا يتمكن. وبالنسبة للصائم الذي يعرف من نفسه أنه لا يحصل منه إفساد صيامه بسبب التقبيل والمباشرة فلا بأس أن يقبل، وإذا كان يعرف من نفسه أنه يحصل منه الأثر المترتب على ذلك وهو إفساد الصوم؛ فإنه لا يجوز له أن يقبل، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم، وهو أملك الناس لإربه، وكان يباشر أهله حال الحيض، وهو أملك الناس لإربه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والحاصل: أن الإنسان إن كان متوضئاً وقبل أو باشر أهله، وحصل منه مذي بسبب ذلك؛ فإن وضوءه يفسد، وعليه أن يتوضأ، ويغسل النجاسة التي حصلت، وإن قبل وهو صائم أو باشر -أي: مست بشرته بشرتها بدون جماع- ولم يحصل منه إنزال؛ فإن صيامه على ما هو عليه، وإن حصل الإنزال فسد صومه، وعليه أن يقضي ذلك اليوم الذي أفسده، وإن حصل منه الجماع فقد أفسده وعليه الكفارة التي هي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن كانت زوجته في حال حيض، جاز له أن يباشرها فوق الإزار ودون الركبة أو ما دون ذلك، لكن بشرط ألا يصل إلى المكان المحرم، والفعل المحرم هو أن يطأها في الفرج، وأما ما وراء ذلك فإنه مباح، ولكن ما دون السرة وفوق الركبة فمن يخشى على نفسه أن يقع في الأمر المحرم فلا يجوز له أن يحوم حول الحمى؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان يحتاط لدينه، ولا يعرض نفسه للوقوع في الأمر المحرم.
الأسئلة


حكم سفر المرأة وحدها عند أمن الفتنة
السؤال: هل يجوز للمرأة السفر بدون محرم عند أمن الفتنة؟
الجواب: المرأة لا تسافر بدون محرم، سواء أمنت الفتنة أو لم تأمن، وأمن الفتنة معناه: أن تسافر مع أناس مأمونين فتأمن، لكن سفرها بدون محرم لا يجوز ولو كانت مع أناس مأمونين، فيحرم سفر المرأة بدون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وما قال: إلا إذا أمنت الفتنة فلها أن تسافر مع من تسافر معه ممن ليس محرماً، وإنما أطلق ذلك.
مسافة القصر في السفر
السؤال: كم المسافة التي يجوز فيها القصر في السفر؟
الجواب: المسافة التي يحل للإنسان أن يترخص برخص السفر إذا سافرها في حدود ثمانين كيلو، وهي مسيرة يومين.
حكم سفر المرأة لطلب العلم بلا محرم
السؤال: في بلادنا قل أن توجد حلقات العلم التي توافق منهج السلف، فهل للمرأة أن تذهب إلى منطقة أخرى بدون محرم لحضور مجالس العلم بدليل الضرورة؟ الجواب: ليس لها ذلك، ولكن يمكنها أن تحصل العلم عن الكتب النافعة إن كانت قارئة، وإن كانت غير قارئة فعن طريق الأشرطة، وبذلك تحصل الدروس الكثيرة بدون أن تسافر بدون محرم، فذلك لا يجوز لها لا للعلم ولا لغيره، بل ولا لحج الفريضة، فإذا لم تجد المحرم فهي غير مستطيعة، فلا يجب عليها الحج.
الزواج بالجنية المسلمة
السؤال: هل يجوز الزواج بالجنية المسلمة؟
الجواب: وهل يمكن هذا؟! أصلاً الجن مختفون عنا مثل الملائكة، والملائكة يتشكلون وهم يتشكلون، وهم يروننا ولا نراهم قال الله: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، لكن يمكن أن يتصور إذا تشكلت الجنية على صورة إنسان، فهم يتشكلون على صورة إنسان، وقد جاء في حديث أبي هريرة عندما أمسك الرجل الذي كان يحثي من الطعام، وراجع رسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقال له: (صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان)، لكن قضية الزواج بالجنية لا يجوز، فالله سبحانه وتعالى جعل الزواج من الجنس كما قال: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72] يعني: من جنسكم، وليس من جنس آخر، والشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى بحث هذه المسألة في أضواء البيان في سورة النحل عند الكلام على الآية فيها، وقال: إن الذي يظهر من نص القرآن أن الزواج إنما يكون بالجنس ومن الجنس، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] فزواج الجنس من غير جنسه مخالف لما أرشد الله تعالى إليه.
حكم حجز المكان في المسجد
السؤال: ما حكم من يضع كتاباً في المسجد قبل الصلاة، ثم يأتي بعد الصلاة فيجد أحداً في مكانه، هل يجوز له أن يطرده من ذلك المكان محتجاً بأنه مكانه؟

الجواب: هذا لا يجوز، وإذا أقيمت الصلاة لا يتركون فجوة للكتاب! بل يجب عليهم أن يرفعوا الكتاب وأن يصفوا ويصلوا الصفوف. والإنسان إذا جاء المسجد وصلى في مكان مشاع فهو أحق به، أما كون الإنسان يضع شيئاً يحجز به مكاناً ثم بعد ذلك يريد أن يكون له ذلك المكان فلا يجوز ذلك، وإذا جاء إنسان وصلى في مكان وجلس في مصلاه فلا أحد يقيمه من مكانه.
علاج الوسوسة
السؤال: رجل يشكو من الوسوسة في كل أموره، فيرجو من فضيلتكم الإفادة والتوجيه؟


الجواب: عليه أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان، وأن يقبل على الأمور التي أوجبها الله عليه، فيفعلها ويؤديها كما هو مطلوب منه، يقبل على وضوئه ولا يوسوس، ويقبل على صلاته ولا يوسوس، وعليه أن يفهم أن غيره من المسلمين الذين على هذه الطريقة وعلى هذا المنهج يؤدون عباداتهم دون أن يحصل منهم هذا الوسواس والتردد في الشيء الذي فعله هل فعله أو ما فعله، فهل هو على حق حصل له دون غيره أو هو على بلاء تميز به عن غيره؟ وأولئك الذين لم يبتلوا بهذا البلاء، ويؤدون صلواتهم، ووضوءهم، وأعمالهم من غير أن يحصل لهم ذلك، فعليه أن يحرص أن يكون مثلهم، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يقبل على أعماله التي هي مطلوبة منه من غير أن يوسوس؛ لأنه بالوسوسة يكون كلما انتهى من شيء وقع في نفسه أنه ما أتمه، ثم يرجع إليه، حتى أن بعض الناس يدخل الحمام من حين الأذان إلى أن تقام الصلاة وهو في الحمام ما خرج، يتوضأ وكلما غسل عضواً قال: لا، ما غسلته! وهكذا حتى تقام الصلاة! فهذا تلاعب من الشيطان بالإنسان، ويمكن أن يئول أمره إلى الجنون والعياذ بالله! فعليه أن يحرص على أن يتدارك نفسه، وأن يفهم أن الناس كلهم الذين ما حصل لهم هذا في خير، وأنه في بلاء، فعليه أن يكون مثلهم، وأن يرجع إليهم، وأن يكون في دائرتهم ولا يشذ عنهم.
حكم الأناشيد الإسلامية
السؤال: كنت أستمع إلى الأناشيد، فأنكر علي بعض الشباب، وقال: إنها من باب الأغاني، فهل هي حرام أم مكروهة؟


الجواب: الأناشيد التي فيها تلحين وتطريب للأصوات، والمقصود منها الصوت وفتنة التلحين، والمعاني غير مقصودة، وإنما المهم هو الأصوات لا تنبغي، فمعلوم أن الشعر نفسه لو كان سليماً فالانشغال به غير محمود؛ لأنه يشغل عما هو أهم منه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعراً)، ولا شك أن المقصود بهذا الشعر الطيب؛ لأنه يشغل عما هو خير منه، وأما الشعر الرديء فبيت واحد منه يملأ الجوف من الشر، فالقضية ليست أن يقال: هذا شعر سيئ، فالشعر السيئ القليل منه كثير، ولكن المقصود: الانشغال بالشعر بحيث يشغل عن القرآن والحديث والحق والاشتغال بما ينفع، فهذا مذموم، فإذا كان الاشتغال بالشعر مصاحباً لتلك الأصوات والترانيم والتلحين وما إلى ذلك فهو أسوأ. والإنسان عليه إذا أنشد الشعر أو قرأ الشعر أن يقرأه بصوت ليس فيه تلحين يصرف عن المعاني، فتعشق الأصوات، بل يقرأ أو يسمع الشعر إذا أراد أن يسمع وهو بقوة وبجزالة، وبالطريقة التي كان ينشد بها الصحابة رضي الله عنهم كحسان و عبد الله بن رواحة وغيرهما، ليست بهذه الطريقة التي يجتمع فيها مجموعة أمام مكبر الصوت وأمام التسجيل، ثم تسجل بأصوات مجتمعة بتلحين، فهذا من الأشياء الجديدة."

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21-01-2022, 11:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [042]
الحلقة (73)

شرح سنن أبي داود [042]

للمستحاضة أحكام تخصها، منها ما يتعلق بالصلاة، ومنها ما يتعلق بالتطهر للصلاة، وكذلك ما يتعلق بالزوج من جواز إتيانها حال استحاضتها، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بها، وقد جاءت الأحاديث النبوية ببيان ذلك.

من قال: المستحاضة تدع الصلاة في الأيام التي تحيض فيها


شرح حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها (أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلَّفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي فيه)]. أورد أبو داود رحمه الله الأبواب المتعلقة بالمستحاضة (والاستحاضة: هي خروج الدم من فرج المرأة من غير أن يكون حيضاً أو نفاساً، وهو دم فساد، وليس دم صحة؛ لأن دم الحيض يخرج في حال صحتها وفي حال سلامتها، وأما المستحاضة فيستمر معها الدم دائماً وأبداً). والمستحاضة لها أحكام تخصها جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت المرأة المستحاضة سليمة، وطرأ لها هذا العيب وهذا المرض بعد ذلك؛ فإنها تنظر إلى الأيام التي كانت تأتيها العادة قبل أن يصيبها الذي أصابها، وهو المرض الذي حصل معه استمرار سيلان الدم، فتجلس تلك المدة التي تماثل العادة التي كانت عليها قبل أن يصيبها المرض، مثلاً: كانت تأتيها العادة ستة أيام من أول الشهر، وهي تعرف لون الدم وتعرف رائحته، فإذا أقبلت العادة تركت الصلاة والاستحاضة موجودة معها بصفة دائمة، والحيض يأتي في أوقات معينة وله بداية وله نهاية، فإذا كانت تعرف أيام الحيض قبل أن يأتيها المرض فإنها تدع الصلاة والصيام أيام حيضها الذي تعرف أوله ونهايته، أو تعرف لونه ورائحته، ولا يقربها زوجها، وكل الأمور التي تمتنع منها الحائض تمتنع منها هذه المستحاضة في مدة أقرائها أو مدة حيضها، هذا إذا كانت تعرف عادتها بالأيام أو بلون الدم ورائحته، وإلا تجلس ستة أيام أو سبعة على اعتبار أنها حيضة، وما سوى ذلك تفعل ما تفعل الطاهرات ولو كان الدم يسيراً، وعندما تنتهي العادة فإنها تغتسل لانتهاء الحيض، ثم يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة، ولا يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، ولكن يستحب لها أن تغتسل لكل صلاة. ولها أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وتغتسل ثلاث مرات، وهذا الاغتسال على سبيل الاستحباب، والجمع هنا للمرض الذي حصل لها، ولهذا المريض له أن يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء إذا وجد مشقة عليه في أن يصلي كل صلاة في وقتها، ولكن لا يجوز له أن يقصر. وقول أبي داود رحمه الله في الترجمة: باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة عدة الأيام التي كانت تحيض. المقصود بقوله: (قال) ليس المقصود أنه رأي أو مذهب، وإنما المقصود ما قاله الراوي رواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: من جاء في حديثه أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، فأراد أن يذكر أحكام المستحاضة والروايات التي جاءت في أنها تدع الصلاة أيام أقرائها من حين تقبل حيضتها إلى أن تدبر حيضتها، وبعد إدبارها تغتسل للحيض، وتتوضأ عند كل صلاة وجوباً للاستحاضة، وتغتسل عند كل صلاة استحباباً. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة طلبت منها أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تهراق الدماء، يعني: يسيل الدم من فرجها باستمرار، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر) فالرسول صلى الله عليه وسلم أفتاها أن تنظر إلى عدة الأيام التي كانت تمكثها في الحيض قبل أن يصيبها ذلك المرض، فهي كانت صحيحة، ثم طرأ عليها المرض، فلو كانت مثلاً تمكث في الحيض خمسة أيام، فتمكث خمسة أيام مثل الأيام التي كانت تحصل لها من الشهر قبل أن يأتيها المرض. قوله: [ (فإذا خلفت ذلك فلتغتسل) ] يعني:
إذا خلفت ذلك وراء ظهرها فلتغتسل من الحيض؛ لأنه حصل لها حيض والاستحاضة مستمرة معها، والحيض يحصل في وقت معين، يعني: إذا خلفت الأيام التي كانت تحصل لها وتجلسها بسبب الحيض فلتغتسل من الحيض؛ لأن الحيض قد أدبر وقد ذهب، فلتغتسل وتكون طاهرة تصلي وتصوم وتقرأ القرآن، ويغشاها زوجها، وكل الأعمال التي تجوز للطاهرات تجوز لها؛ لأن هذا مرض وليس بحيض وليس بنفاس، فلا يمنعها من صلاة ولا صيام ولا قراءة قرآن ولا مس المصحف ولا جماع زوجها لها. قوله: [ (ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي فيه) ].
يعني: هذا الدم الذي يخرج منها عليها أن تعمل شيئاً للتحرز منه، بحيث لا يسيل على ثيابها، ولا يسيل في الأرض، ولا يسيل في المسجد الذي حضرت إليه، ولكنها تتوضأ عند كل صلاة وجوباً، وتغتسل عند كل صلاة استحباباً، وإن احتاجت أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ فتتوضأ للصلاتين وضوءاً واحداً، أو تغتسل لهما غسلاً واحداً، فلا بأس.
تراجم رجال إسناد حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهي: مذهب أبي حنيفة ، ومذهب مالك ، ومذهب الشافعي ، ومذهب أحمد .
وجوب احترام الأئمة وعدم الغلو فيهم
الأئمة الأربعة كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم علماء مجتهدون ومتمكنون في الفقه، مثل: سفيان الثوري ، و إسحاق بن راهويه ، و الأوزاعي ، و الليث بن سعد المصري ، وعلماء كثيرون معروفون ومشهورون بالفقه، ولكن اشتهر الأئمة الأربعة؛ لأنه حصل لهم تلاميذ عنوا بجمع أقوالهم ومذاهبهم، واعتنوا بتنظيمها وترتيبها، بخلاف العلماء الآخرين، فإنه لم يحصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء من التلاميذ الذين عنوا بأقوالهم وبما جاء عنهم؛ فاشتهرت تلك المذاهب، وهم أئمة هدى وأهل سنة، وهي مذاهب أهل السنة بخلاف المذاهب الأخرى كالزيدية والإباضية والهادوية، فإن هذه مذاهب أخرى غير مذاهب أهل السنة، أما هؤلاء الأربعة فهم على نهج واحد وعلى طريقة واحدة، فأصولهم متفقة من حيث العقيدة، وبالنسبة للفروع فهم مجتهدون، ومن أصاب الحق فإنه يؤجر أجرين، ومن أخطأه يؤجر أجراً واحداً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) وخطؤه مغفور. والواجب هو احترام الجميع وتوقير الجميع ومحبة الجميع، والثناء عليهم، والاستفادة من علمهم، بدون غلو وبدون جفاء، والحق وسط بين الإفراط والتفريط وبين الغلو والجفاء، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الإنسان يستفيد من علم الفقهاء ويعظمهم ويثني عليهم ويعرف قدرهم، ويستفيد منهم للوصول إلى الحق، فإذا وصل إلى الحق وعرف الدليل فإنه يجب عليه أن يأخذ به، وهذا هو الذي أوصى به الأئمة الأربعة، قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه كما نقله عنه ابن القيم في كتاب (الروح): أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. وكل واحد من الأئمة الأربعة قال: إذا جاء حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف قولي فخذوا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واتركوا قولي. وعلى هذا فإن احترامهم وتوقيرهم والاستفادة من علمهم هذا هو الذي ينبغي، وأما التعصب لهم أو الجفاء في حقهم فهما مذمومان، الجفاء مذموم، والغلو والتعصب مذموم، والحق وسط بين الإفراط والتفريط لا غلو ولا جفاء، نستفيد من علمهم، ونوقرهم، ونحترمهم، وندعو لهم، ونثني عليهم، لكن لا نتكلم فيهم بسوء، ولا نتجاوز الحد بحيث نغلو، يقول الخطابي رحمه الله: ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم ومعناه: أن الحق وسط بين الإفراط والتفريط، والاعتدال في الأمور والتوسط في الأمور هو المطلوب، وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (الروح) عندما ذكر الرجوع إلى كتب الفقهاء، وأن الإنسان يستعين بهم للوصول إلى الحق، ويستفيد من علمهم ليصل إلى الحق:
إن مثل هذا مثل الإنسان الذي يهتدي بالنجم حيث يكون في الفلاة، ولا يعرف جهة القبلة؛ فإنه يستدل إلى جهة القبلة بالنجوم وبمشرقها ومغربها، واتجاهات مجيئها وغروبها، فالإنسان يهتدي بها إلى جهة القبلة، ويستطيع أن يعرف الشمال والجنوب والشرق والغرب بواسطة النجوم، فإذا وصل الإنسان إلى الكعبة، وصار أمام الكعبة، فعند ذلك لا يحتاج إلى أن ينظر في النجوم من أجل تحديد جهة الكعبة، فإن الكعبة أمامه، وهكذا الإنسان يرجع إلى كلام الفقهاء ليستعين بهم للوصول إلى الحق، لكن إذا عرف الدليل فليس للإنسان أن يحيد عنه. قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. فلابد من الرجوع إلى كلام الفقهاء، ولا يستغني الإنسان عن كلام الفقهاء، والطالب يجمع بين الفقه والحديث، ولا يعنى بالحديث فقط ويغفل الفقه، ولا يعنى بالفقه فقط ويغفل الحديث؛ لأن الطالب إذا كان ليس له عناية بالفقه، وكل عنايته بالأحاديث وطرقها ورجالها وما إلى ذلك، فبعض المسائل الفقهية السهلة الخفيفة لا يستطيع أن يأتي لها بجواب؛ لأنه ما اشتغل بالفقه، ولو اشتغل بالفقه وأعرض أو انشغل عن الحديث فيمكن أن يستدل على مسألة من المسائل بحديث موضوع أو بحديث ضعيف جداً؛ لأنه لا يعرف الصحيح من غير الصحيح، فالأمر كما قال الخطابي رحمه الله في أول كتابه (معالم السنن):
لابد من الحديث ولابد من الفقه. والحديث إذا اعتني به بدون الفقه كالإنسان الذي يبني له بنياناً ويقوي أساسه، ولكن ما يبني عليها شيئاً؛ فهذا الأساس ما حصل منه فائدة ما دام أنه ما وجد بناء عليه، فهذا الأساس الذي قوي ومتن إذا ما وجد بناء عليه، وما وجد فروع تبنى عليه لا تحصل الفائدة المرجوة منه كما ينبغي، ولو أن إنساناً اشتغل بالفقه ولم يبنه على أساس الحديث، فهو كالذي يبني بنياناً على غير أساس، فينهار ويسقط، والكمال يحصل إذا كان الأساس قوياً متيناً، فيستفاد من الأساس ويستفاد من البناء، ولهذا لابد من الجمع بين الحديث والفقه، والعناية بالفقه والحديث.
تابع تراجم رجال إسناد حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..)
قوله: [عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. هي أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (لتنتظر عدة الليالي...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا: حدثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة رضي الله عنها (أن امرأة كانت تهراق الدم. فذكر معناه، قال: فإذا خلَّفتْ ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل بمعناه) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث السابق من طريق أخرى، وهو بمعناه إلا أنه قال: (إذا خلفت) يعني: خلفت أيام العادة التي جلست فيها فلم تصلي ولم تصم ولم يجامعها زوجها فيها، وامتنعت من كل الأمور التي تمتنع منها الحائض، فإذا خلفتها وحضرت الصلاة فلتغتسل. وهذا فيه دليل على أن غسل الحيض ليس على الفور، فلو أن المرأة انقطع عنها الحيض، فلها أن تؤخر الغسل حتى يجيء وقت الصلاة؛ لأن وقت الصلاة لابد فيه من طهارتها لتؤدي الواجب الذي عليها، فهذا يدل على أن غسلها ليس على الفور، وأن المرأة إذا انقطع عنها الدم فليس بمجرد انقطاعه يجب عليها أن تغتسل، بل لها أن تؤخر ذلك إلى حين الأمر الذي يتطلبه ويقتضيه، فإن كانت تريد أن تمس مصحفاً فلتغتسل، وإن جاء وقت الصلاة فلتغتسل، لكن قبل أن يأتي الفعل الذي يلزمها أن تغتسل من أجله فإنه لا يجب عليها الغسل؛ ولهذا قال: (فإذا خلفت وحضرت وقت الصلاة فلتغتسل)؛ لأنه لابد من الاغتسال من الحيض.
تراجم رجال إسناد حديث (لتنتظر عدة الليالي...) من طريق أخرى

قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ]. يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ، وهو ثقة ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل أخبره عن أم سلمة]. [نافع و سليمان بن يسار مر ذكرهما، وقوله: (عن رجل أخبره عن أم سلمة ] توجد واسطة بين سليمان بن يسار و أم سلمة ، ولا أدري من هو، ولكن الأحاديث جاءت من طرق مختلفة، ولا يؤثر وجود شخص مبهم في بعض الأسانيد.
شرح حديث رجل من الأنصار: (أن امرأة كانت تهراق الدم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا أنس -يعني: ابن عياض - عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار: (أن امرأة كانت تهراق الدماء، فذكر معنى حديث الليث ، قال: فإذا خلفتهن، وحضرت الصلاة، فلتغتسل). وساق الحديث بمعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وهو بمعنى الحديث المتقدم. قوله: [(وإذا خلفتهن)] يعني: الأيام والليالي التي كانت تحيض فيها، وحضرت الصلاة فلتغتسل.

تراجم رجال إسناد حديث رجل من الأنصار: (أن امرأة تهراق الدم...)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا أنس -يعني ابن عياض - ]. أنس بن عياض ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة (يعني) هذه قالها من دون عبد الله بن مسلمة ، إما أبو داود وإما من دون أبي داود ؛ لأن كلمة (يعني) فعل مضارع له فاعل وله قائل، ففاعله ضمير مستتر يرجع إلى عبد الله بن مسلمة ، وقائله هو أبو داود الذي هو دون عبد الله بن مسلمة أو من هو دون أبي داود . [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار ]. قد مر ذكرهم.
شرح حديث: (فلتترك الصلاة قدر ذلك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا صخر بن جويرية عن نافع بإسناد الليث وبمعناه ، قال: (فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل ولتستثفر بثوب، ثم تصلي) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: (فلتترك الصلاة قدر ذلك) يعني: قدر الأيام التي كانت تحيضها من قبل. قوله: [(ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل)] يعني: من الحيض. قوله: [(ولتستثفر بثوب ثم تصلي)] يعني: بعدما تغتسل فإنها تستثفر بثوب حتى لا يسقط دم الاستحاضة على ثيابها وعلى جسدها وعلى الأرض، فتستثفر بثوب وتتوضأ وتصلي.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 408.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 402.96 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]