من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (7) المضامين القرآنية ودلالتها عل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 550 - عددالزوار : 302312 )           »          ملخص من شرح كتاب الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 1532 )           »          فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 36 )           »          الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          فضل الصبر على المدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الفرق بين إفساد الميزان وإخساره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3086 - عددالزوار : 331882 )           »          تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-10-2024, 02:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,384
الدولة : Egypt
افتراضي من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (7) المضامين القرآنية ودلالتها عل

من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم

الحلقة السابعة (المضامين القرآنية ودلالتها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم)

د. علي حسن الروبي

نواصل في هذه المقالة الحديث عن الأدلة العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوة، ونخصصها للكلام عن المادة القرآنية ووجوه دلالتها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وكما اعتدنا في هذه السلسلة، فإننا لا نسلك الطريقة المألوفة في استعمال أدوات الاستدلال، وإنما ننظر إلى الأدلة ونتعامل معها من زوايا خاصة نزعم أن المخالف لا ينازع فيها إذا تجرد للحق وطلبِه.

ومن ثم، فلن نتكلم في هذه المقالة عن الإعجاز البلاغي للقرآن وما يتصل بذلك من فصاحة نظمه وتكامل بيانه وعجز العرب وهم أرباب الفصاحة عن مجاراته. أو عن وجوه إعجازه الأخرى كإخباره بمغيبات ثم وقوعها على نحو ما أخبر به، أو إيراده من أخبار الرسل والأمم ما لم يتقدم لمحمد صلى الله عليه وسلم معرفة به ولا اطلاع عليه قبل ذلك، إلى آخر ذلك من وجوه الإعجاز.

ومن باب أولى فلن نتعرض لما يذكره المعاصرون من الإعجاز العلمي والإعجاز العددي وما إلى ذلك، مما تنازع فيه المسلمون أنفسهم من إثباته ونفيه؛ فإنه خليق بالخصم أن يرده ولا يسلم به.

ولنلجْ الآن إلى المقصود فنقول:
دعوى الخصوم هي أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) ليس مرسلًا من عند الله، وأنه كان كاذبًا (حاشاه) في ادعاء النبوة وأنه فعل ذلك لتحصيل الجاه والسلطان الدنيوي على الناس وإخضاعهم له...إلخ، فدعونا ننظر في المادة القرآنية ومواضيعها ومضامينها وأغراضها ومراميها، هل هي تساعد على غرض محمد المفترض وتمهد له وتقويه وتثبته أم لا؟

لقد ذكرنا في طليعة هذه السلسلة أن الرجل الذي يدعي النبوة كذبا وينجح في خداع كثير من العقلاء وأرباب الذكاء في دعواه تلك- لا بد أن يتمتع بدرجة عالية من الذكاء وإلا كان الفشل العاجل حليفه.

ومقتضى الذكاء وموجبه أن يستعمل صاحبه كل الأدوات المتاحة لخدمة هدفه والوصول إلى مرامه وأن يتجنب ما يعارض ذلك ويعاكسه.

والهدف الذي ينشده المتنبي الكاذب أن يحصل له من الجاه والمكانة والسلطة الدنيوية؛ وعلى هذا، فموجب العقل والذكاء - مع افتراض كون القرآن محمديًا وليس إلهيًا- أن يصير مضمون النص القرآنية وقطب رحاه وإنسان عينه - هو الشخصية المحمدية والسعي في تفخميها وتمجيدها ورفعها عن منزلة البشرية والمساواة بالناس ونحو ذلك مما يخدم غرض مخترع هذا القرآن، ولا يكون حضور الله تعالى وتمجيده وتعظيمه إلا بالقدر الذي يحصل به إيهام الناس أن هذا القرآن من عند الله.

فهل الأمر كذلك في القرآن الذي بين أيدينا؟
إننا نجد القرآن من أوله إلى آخره هادفًا وراميًا إلى تمجيد لله تعالى والثناء عليه والتعريف بأسمائه وصفاته والتذكير بنعمه والآئه وحقوقه على عباده، وتوجيه الناس إلى لزوم عبادته والتضرع إليه ورجائه ومحبته والخوف من غضبه وعقابه والفرار إليه والتوكل عليه والإنابة إليه وتسفيه جميع المعبودات المتخذة من دونه والتشنيع على عقول أصحابها، ومدح من آمن به وبكتبه التي أنزل ورسله التي أرسل وبعثه للناس بعد موتهم ومحاسبتهم، وذم من كذب بجميع ذلك أو بعضه.

وهذا الغرض لا تكاد تخلو منه أو من بعضه سورة من سور القرآن، وإنك لتجد ذكر اسم الله يكاد أن يكون واردًا في كل آية من آيات القرآن الكريم.

إن أي ناظر في القرآن ومطالع له لا ينازع أن هذا الكتاب هو كتاب عن الله وأنه مجعول للدلالة على الله، سواء سلم بعد ذلك أنه من عند الله أو من عند غيره.

إن الله تعالى هو الموضوع الرئيس والمطلب الأصيل في النص القرآني، وما سوى ذلك من الموضوعات القرآنية فحضورها بالعرض لا بالأصالة وأهميتها ومكانتها جاءت من اتصالها بالموضوع الرئيس (الله) لا من جهة نفسها وذاتها.

والأمر نفسه مع الشخصيات التي ترد في القرآن ويكثر الثناء عليها، كما هو الحال في ثناء القرآن المتكرر على الأنبياء الكرام وثنائه على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وورد أسمائهم وأخبارهم في مواضع عديدة من الكتاب الكريم؛ فإن كل هذا لا يعني أنهم أصبحوا هدف هذا الكتاب ومضمونه الأصلي.

وإذا كان ذلك كذلك (أن الله تعالى هو موضوع القرآن النص القرآني ومقصوده)، فلا يستقيم هذا الواقع فيما لو كان القرآن من عند محمد وليس من عند الله كدعوى الخصوم؛ لأنه لو كان القرآن من اختلاق محمد فساعتها كانت آياته ستموج بتمجيد محمد والتسبيح بحمده وطلب عبادته مع الله بوجه من الوجوه وإسناد القدرة إليه مع الله في جلب النفع ودفع الضر وإنزال المطر وإرسال الرزق وتصريف أمور السماوات والأرض، وهذا شيء يسير صار في جانب ما يعتقده بعض الغلاة والجهال في كثير الأولياء والصالحين، فإسناد مثل هذا إلى مقام النبوة ليس مستبعدًا ولن يكون مستنكرًا لا من الوثنيين الجاهليين الذي عاصروا النبوة ولا من الأجيال التي جاءت بعد ذلك. وقد شهد التاريخ عبر القرون فئامًا من الغلاة يدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم نورًا ذاتيًا لله تعالى، ومنهم من يجعله الواسطة التي انبثقت عنها المخلوقات، ومنهم من ينفي عنه الموت، ومنهم من يثبت له علم الغيب والتصرف في الأكوان...إلى غير ذلك من مظاهر الغلو التي نسبوها له أو حتى لغيره من الأولياء بدرجات متفاوتة.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فثمّ حديث مكذوب وموضوع على النبي صلى الله عليه وسلم، وله شهرة عند أهل الغلو، قد جاء فيه أن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم (لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك).

وإني لأقول: لو كان القرآن من عند محمد ولم يكن نبيًا مرسلًا (حاشاه)- لكان ممتلئًا بآيات هي على شاكلة هذا الحديث الموضوع المكذوب المختلق، ولعجت آياته من أوله إلى آخره بتفخيم قدره وربط أفئدة الناس بشخصه، ولجعلتْ منه نسخة عربية مضاهية لاعتقاد النصارى في المسيح عيسى ابن مريم السلام، ولتحول المضمون القرآني إلى ما يشبه قصائد المديح لشخص مولع بتمجيد نفسه. وهذا أقل ما يمكن أن ترتضيه النفس المريضة التي كذبت على الله وعلى الناس من أجل تحصيل المنزلة والمكانة والجاه والثناء.

نعم، قد جاء الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم كثيرًا لكن ليس للخصوم أن يتعلقوا بهذا فيما نحن بصدده من مناقشة لوجهين:
الأول: كون هذا الثناء يظل محدودًا بالنسبة لجملة النص القرآني ولا يصح أن يجعل منه غرض القرآني المركزي وهدفه المنشود، بجانب كونه أمرًا يتشاركه فيه غيره من الأنبياء الذين جاء التنويه بهم والثناء عليهم في القرآن الكريم لا سيما إبراهيم وموسى عليهما السلام.

وأما الوجه الثاني: فهو كون هذا الثناء القرآني على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب توقيره ونصرته واحترامه وتبجليه- ليس في شيء منه رفعه فوق درجة البشرية وإدخاله في حيز الربوبية والألوهية بأي وجه من الوجوه، بل فيه التأكيد الشديد على بشريته ومساواته للناس من هذه الحثيثة وأنه يفضلهم بالنبوة والرسالة فحسب.

فإن قال الخصوم: إن الثناء والتمجيد لا يتوقف على تخصيص آيات كثيرة بذلك، ولو دققنا لوجدنا أن أغلب آيات الوعد والوعيد والثواب والعقاب- مقترنة بالإيمان بالله وبمحمد وبطاعة الله وطاعة محمد، وأي تبجيل وتفخيم لمحمد فوق ذلك؟!

فنقول: إن ذلك واقع بالفعل وهو وإن كان يحمل تعظيمًا وتفخيمًا ضمنيا للنبي صلى الله عليه وسلم- إلا أن ذلك لا مندوحة منه ولا يتصور وقوع غيره؛ ذلك أنه من غير المنطقي أن يرسل الله تعالى رسولًا إلى الناس بأوامره ونواهيه ويجعل الثواب والعقاب مرتبًا على اتباع تلك الأوامر واجتناب تلك النواهي ثم يجعل الناس في سعة من تصديق ذلك الرسول أو تكذيبه أو يجعلهم في سعة من طاعته أو عصيانه!! فلأجل ماذا أرسل الله ذاك الرسول وأنزل معه كتابا وأعطاه شريعة، ما دام الناس في حل من الإيمان والكفر به والطاعة والعصيان له، وكيف يجوز أن يرتب الله ثوابا وعقابا أخرويين دون أن يوجب تصديق ذاك الرسول وطاعته؟!

إنه إذا كانت سبيل النجاة من العقاب والفوز بالنعيم في اتباع ما أنزل الله وما شرع للناس - فسبيل معرفة ما أنزل الله وما شرع لا يتأتى بتصديق رسول الله فيما أخبر به عن الله وفي طاعته فيما أمر به من أمر الله عنه. ولهذا فلا غرابة أن جاءت الآيات الكثيرة جدا تقرن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعة الله تعالى وتعلق الفوز بالجنة والنجاة من النار على ذلك.

ثم إننا لا ننكر المنزلة العليا للنبي صلى الله عليه وسلم عند الله حتى يحتج علينا الخصوم بوجود ما يدل عليها في القرآن أو في السنة، وإنما مقصودنا هنا أن الذات المحمدية ليست هي غاية النص القرآني أو محوره الرئيس، بل ذلك للذات الإلهية، وهذا لا يتماشى ولا ينسجم مطلقا مع دعوى الخصوم أن القرآن من إنشاء محمد وليس من عند الله.

ثم عودًا على بدءٍ نقول:
إن النص القرآني الذي لم يجعل شخصية محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره من البشر محوره ولا غايته- قد جاء فيه ما يدحض دعوى الخصوم؛ ولست أعني فحسب الآيات النافية عن النبي صلى الله عليه وسلم علم غيب وعدم التحكم في مصير نفسه فضلًا عن مصير غيره وأن وظيفته الدلالة على الله تعالى والإرشاد إليه وأن أمر الجنة والنار والسعادة والشقاء كله في يد الله تعالى، وهذا كله خطاب شائع في القرآن تعرضنا للكلام عنه في مقالة سابقة، بل إضافة إلى ذلك نجد أمامنا تلك الآيات التي فيها نوع عتاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم،
﴿ ‌عَفَا ‌اللَّهُ ‌عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [التوبة: 43].

﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ‌وَتَخْشَى ‌النَّاسَ ‌وَاللَّهُ ‌أَحَقُّ ‌أَنْ ‌تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37].

﴿ ‌مَا ‌كَانَ ‌لِنَبِيٍّ ‌أَنْ ‌يَكُونَ ‌لَهُ ‌أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62-68].

وغير ذلك من الآيات التي يقر كل عاقل أن الكاذب الدجال لا يمكن أن يضمنها كتابا اختلقه في الأساس لأجل مصلحته الشخصية، وهذه الآيات إن لم تفتح باب التشكك عند الأتباع والأصحاب فهي تفتح الباب عند الخصوم بلا ريب، فما حاجة رجل ذكي لتوريط نفسه في هذه الإشكالية بلا داع ولا موجب، بل إني أدعو القارئ لأن يعمل النظر في الآيات التالية:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ‌فَتَكُونَ ‌مِنَ ‌الْمُعَذَّبِينَ ﴾ [الشعراء:213]
﴿ ‌وَإِنْ ‌كَادُوا ‌لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 73-75].

﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا ‌بَعْضَ ‌الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [الحاقة: 44-48].

ونحو ذلك من الآيات التي تحمل نفس اللون من الخطاب.

ونقول: أفبمثل هذا الخطاب يتوقع أن يمهد شخص كذاب يرمي لتعظيم نفسه وتقديسها؟
إن متوسطي الذكاء من الرجال ليفطنون إلى خطورة ما يحمله هذا الخطاب وأشباهه على دعوة مختلقة هدفها الرئيس تقديس صاحب الدعوة وتعظيمه.

ثم عطفًا على جميع ما سبق نتساءل كذلك:
هل نسي محمد (صلى الله عليه وسلم) لو كان متقولًا لهذا القرآن من عند نفسه، أن يمجد فيه أهل بيته وعشيرته وأن يجعل لهم الوصاية بالحكم من بعده؟!

نعم، ليسأل كل منصف نفسه هذا السؤال: لماذا لا توجد آيات صريحة في وجوب توسيد الملك والولاية بعد وفاة محمد إلى عشيرته وأقاربه من بعده؟!

لماذا يحرم رجل - يصفه الخصوم بالكاذب على الله والكاذب على الناس- أهلَ بيته وعشيرته من بعده من أن يتبوأوا الملك والسلطان من بعده؟!

ما العلة المانعة له من اختلاق آيات في هذا الشأن ونسبتها إلى الله كما نسب إليه آلاف الآيات غيرها بزعمكم؟

لقد صدّقه الناس في دعوى النبوة وخضعوا له خضوعًا كاملًا فلماذا لم يحابِ قومه وعشيرته بأن يجعل لهم الملك من بعده ويزعم أنه مراد إلهي وليس غرضًا شخصيًا ويخترع في ذلك مجموعة من الآيات ويضمنها القرآن؟!

ومن الغايات القرآنية التي تدل على أنه لا يمكن أن يكون منشؤه بشرًا مدعيا للنبوة كذبًا- الغاية الأخروية لهذا الكتاب؛ فهو كتاب أخروي بامتياز يركز كل التركيز على عالم الآخرة ويجعلها الشأن والغاية والهدف والمقصد، ويجعل الفوز فيها هو الفوز والخسارة فيها هي الخسارة، ويحقر ويهون ويقلل من شأن الدنيا ومتاعها وبهرجها وعذابها وآلامها، ويصورها كلحظة خاطفة في الوجود الإنساني لا قيمة لها من جهة نفسها ويدعو إلى ازدراء نعيمها وملذاتها وإلى الصبر على أكدارها وبلاءاتها....إلى آخر ما هنالك مما هو متصل بهذا المعنى.

ولعمر الحق إن مدعي النبوة كذبًا إنما هو رجل عبد ذليل للدنيا غارق في شهواتها العارضة من حب الثناء والمدح والتعظيم من الناس ولو بالكذب على الله وعلى الناس، متطلع إلى العلو في الأرض وطلب الصيت والجاه فيها، فكيف يكون الكتاب الذي اخترعه وجادت به قريحة طويته الفاسدة - مائجًا من أوله إلى آخره بتمجيد الآخرة والتذكير بها وتحقير الدنيا والإزراء على المتعلقين بها؟!

تالله إن الدعي الكذاب مصروفة نفسه عن مثل هذا ولا يلتفت إليه إلا بالقدر الذي يحتاجه من التلبيس والتدليس ليوهم الناس أنه رسول من عند الله ولا يمكنه أن يتجاوز هذا القدر إلى حد الإغراق في الأمر على النحو الذي نجده في القرآن الكريم.

ومما يتصل بهذا الباب المتعلق بالغايات والمرامي القرآنية - هو تلك الذروة الأخلاقية التي ينتهجها هذا الكتاب وحثه على الصدق والأمانة والكرم والإيثار ونصرة المظلوم والضعيف والمستجير، وقول كلمة الحق ولو على الأقربين أو الوالدين أو النفس، واستعمال العدل والوفاء بالوعد مع جميع الخلائق بما فيهم الأعداء حتى وإن كان كفارًا، والنهي والنعي على أخلاق الكذب والبهت والغيبة والنميمة والسخرية من الآخرين والتنمر عليهم وازدراء الناس وتحقيرهم، وصولًا إلى مرتبة عالية من الكمال الخلقي كالإعراض عن اللغو والجهل ومقابلة السيئة بالحسنة واحتمال الأذى...إلخ.

ونقول في ذلك ما قلناه آنفًا في شأن تعظيم القرآن للآخرة وتحقيره للدنيا وأن الدَّعِي الكذاب غير منشغل بهذه الأمور ولا آبهٍ بها ولا هي من أولويات دعوته ولا تمثل مركزية فيها، ولا يورد من خطاباتها سوى ما يحتاج إليه من التعمية على كذبه والمخادعة عن حقيقة أمره.

ولولا أن يكون تكرارًا لتعرضنا في هذه المقالة لبعض التشريعات القرآنية ودلالتها على ربانية هذا الكتاب، كما صنعنا في مقالة ( التشريعات الإسلامية ودلالتها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم) ، لكن لا بأس أن نومض هنا ومضة يسيرة يتضح بها مقصدنا، فإنك واجد في القرآن تعرضه لمسائل دقيقة وتهويله من شأنها وتعظيمه لأحكامها واشتباكه مع الأعراف الجاهلية السائدة زمانئذ، وذلك كما في قضايا الطلاق والظهار وأحكام العدة والرجعة والنفقة، وكما في التفصيل الدقيق في أحكام الميراث... وما شاكل ذلك من تشريعات تعرض لها القرآن، وقد قلنا في المقالة المشار إليه: إن الدَّعِي الكاذب على الله لا يشغل رأسه بهذه الأمور ولا تمثل عنده أولوية ولا يتقطع لها من تفكيره، فإن غايته وهدفه أن يصدقه الناس في دعواه وأن يظلوا على ولائهم له وخضوعهم لسلطان دولته، وهذا الأمور الاجتماعية لا تقدم له أي فائدة تتعلق بغايته وهدفه، ولو أبقى الناس على ما كانوا عليه من أعراف الجاهلية لما تأثرت دعوته الكاذبة بذلك قدر أنملة.

بل في بعض التشريعات التي جاء به القرآن اشتباك عنيف مع العادات والأعراف القديمة، وهذا جدير بصد الناس عن دعوته ونفورهم منها، والمفترض فيه أن يعمل جهده على استمالتهم ومصانعتهم ليصدقوه، ومن أمثلة ذلك تحريم الخمر والميسر والربا، والاشتباك الشديد مع القانون الجاهلي الذي كان يقضي بتحريم أكل بعض أنواع من الأطعمة أو الاستفادة من بعض الحيوانات.

وكما في تحريم القرآن للصيد أثناء الإحرام أو في محيط الحرم المكي، وفي هذا تشديد على الناس ومنعهم من منفعة اعتادوا عليها، وكما ذكرنا، فلا فائدة تعود على الدعي الكاذب من مثل هذه الأمور، بل يقضي العقل النفعي أن يكون تشريعه بما يوسع على اتباعه ويرفههم لا بما يحرجهم ويضيق عليهم.

ونختم هذه المقالة بالكلام على دلالة البناء القرآني من حيث القالب والمظهر على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن تناولنا دلالة المضمون والجوهر القرآني على ذلك. ونحن نزعم أن البناء القرآني دالٌ أنه رباني المصدر، لكننا كعادتنا لا نتناول ذلك من جهة ما تعرض له أهل العلم من الحديث عن بلاغته وفصاحته وكماله من حيث الصنعة البلاغية والأدبية واللغوية.

وحاصل ما نزعمه أن الظاهرة القرآنية الشائعة من جهة تكرار المعنى الواحد في مواضع كثيرة مع اختلاف يسير في الألفاظ- دليل على أن هذا القرآن ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم.

وبيان ذك أن تكرار نفس القصص والمواقف والمقالات بصيغ مختلفة اختلافًا يسيرًا عن طريق زيادة كلمة في العبارة المعادة أو نقصانها أو زيادة حرفٍ من كلمة أو حذفه منها ونحو ذلك. وهذا ما اصطلح على تسميته بين القراء والحفاظ بالآيات المتشابهات.

أقول: قد نتج عن هذا التكرار أمران:
الأول: أن هذا التكرار والتشابه مع التغيير في بعض الكلمات أو جزء منها- قد أوجب صعوبة على الحفاظ والقراء في استظهار القرآن، ولا ينكر أحد أن وجود المتشابهات يمثل عائقًا أمام إتقان حفظ القرآن واستظهاره.

والثاني: أن هذا القرآن أوجب طول النص القرآني، وهذا يمثل نفس العقبة في صعوبة حفظه واستظهاره عند كثير من الناس.

والذي أريد أن أصل إليه هو طرح السؤال المعتاد: أليس من اللائق بالدعي الكاذب أن يجعل كتابه سهلًا قصيرًا ميسرًا على أتباعه بحيث يتسنى حفظه بأقل مجهود؟!

ما الفائدة العائدة على الدعي الكاذب أن يكرر نفس المعنى مرات عديدة مع اختلاف يسير جدًا في اللفظ ينتج عنه تشابهًا يتعب الناس في الاستظهار والحفظ ويوقع في الخطأ عند تلاوته ويجعل نص القرآن بهذا الطول المعروف؟!

إن السبب الرئيس في استظهار الناس للقرآن الكريم مع طول نصه وتشابه عباراته- راجع إلى كون هذا القرآن من عند الإله الأعظم وأنه يسره على عقول عباده وقلوبهم ليستظهروه كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ‌يَسَّرْنَا ‌الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17-18] ولو كان القرآن بمادته الطويلة هذه ومتشابهاته غير إلهي وغير ميسر من عند الله- لكان حفظه من أشق ما يكون.

ولا يرتاب عاقل أن أي كذاب دجال منتحل- لن يعمد إلى مثل هذا التكرار وهذه الإطالة ويجعلهما سمة لكتابه الرئيس، والحال أنه سيبذل كل ما في وسعه ليسهل على الناس تصديق باطله وانطلائه عليهم، ولا ريب أن التشابه الشديد والإطالة بضد التيسير والتسهيل.

بل دونك أحاديث محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الصادق الأمين ليس فيها طريقة القرآن في إعادة نفس المعنى وتكراره بألفاظ متقاربة متشابهة لكنها غير متطابقة.

فجميع ذلك يدلنا على أن النظم القرآني إلهي سماوي وليس من عند محمد صلوات عليه ولا من عند غيره من البشر.

وبهذا نصل إلى نهاية مان أردنا تجليته من دلالة القرآن في معناه ومبناه على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته ودعوته، آملين أن يكون قد حالفنا التوفيق فيما أردنا وما إليه قصدنا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.51 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]