الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة . - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الخل إدام وغذاء ودواء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الحبة السوداء شفاء من كل داء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات لشبكات التواصل الاجتماعي (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          المرض الاقتصادي: أشكاله وآثاره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أعلام الأدب الرشيد (عماد الدين خليل أنموذجا) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          صحابة منسيون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 10932 )           »          نماذج لفقهاء التابعين من ذوي الاحتياجات الخاصة ودورهم في الفقه الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 18 )           »          جسور بين الأفكار.. أم أنفاق للاختراق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التوازن في حياة الإنسان: نظرة قرآنية وتنموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحضارات والمناهج التنويرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-06-2011, 09:56 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

الصحيح والرأي الراجح المليح هو أن من طلق زوجته باللفظ الصريح فإننا نوقع عليه مقتضى لفظه هذا ، ولا ننظر إلى نيته وقصده ، خلافا لبعض المذاهب التي تطلب النية حتى في الألفاظ الصريحة ، وهذا فيه خطر كبير ، إذ كل أحد يستطيع التلاعب بأمور المقاصد فيما بيننا وبينه ، لأننا لا نراها ولا نستطيع الاطلاع عليها ، فيكثر التلاعب بأمور الفروج ، ألا ترى أن من يستفتي في أمور الطلاق في الغالب أول ما يقول :- كنت غضبانا ، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون أن الغضب من موانع الحكم بالطلاق ، فيكثر على الناس التلاعب بأمر الطلاق ، وعدم الاهتمام بشأنه فلو فتح لهم هذا الباب لتقحموا فيه تقحم الإبل على الماء من شدة الظمأ في الهاجرة ، فالفقهاء رحمهم الله تعالى نظروا إلى هذا الأمر ، وقرروا قاعدة تقول (الألفاظ الصريحة تترتب عليها آثارها ولا نظر إلى نية أصحابها ) وأما الكنايات التي تحتمل الطلاق وغيره ، فهذه هي التي تفتقر إلى النية والمتقرر عند أهل العلم قاعدة تقول ( الكنايات لا تترتب آثارها إلا بالنيات ) والله أعلم .
ومنها:- قال الشيخ محمد رحمه الله تعالى في الشرح الممتع ( وقوله «ودواعيه» دواعي الوطء كل ما يكون سبباً في الجماع كالتقبيل، والنظر إليها بشهوة، وتكراره، والضم، يقول المؤلف: إنها حرام سداً للذرائع ، وقياساً على المحرم فلا يجوز له أن يجامع ولا أن يباشر ) فالأصل في التحريم الجماع إلا أن من كمال التحريم منع جميع مقدماته من القبلة والملامسة والضم ، وذلك سدا للذريعة ، وهو تخريج صحيح.
ومنها :- استئجار المرأة الأجنبية لخدمة الرجل ، حيث منعه الشافعية مطلقاً سداً للذرائع ، والحنفية قالوا بكراهته للأعزب ، وجوازه بدون الخلوة للمتزوج الذي معه أهله ، ووافقهم المالكية وأضافوا شرطاً آخر وهو كونه مأموناً ، في حين أجازه الحنابلة مطلقاً بشرطين هما عدم الخلوة وعدم النظر إليها، والراجح هو قول المالكية ، لأن الأعزب لا يؤمن من الوقوع في محرم ، وأن اشتراط كون المتزوج مأموناً شرط جيد يدرأ الفساد ، وما هذا إلا لسد ذريعة الفساد ، والله أعلم .
ومنها :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في السكران إذا سرق ، هل يقام عليه الحد ؟ والراجح إن شاء الله أنه يقام الحد عليه ، حتى لا يكون الاعتذار عنه ذريعة لمن أراد أن يسرق إن يشرب الخمر قبل سرقته ، ويقول :- الجلد أخف من القطع ، ومما جاءت به الشريعة حفظ الأموال, ولأن السرقة لا يستطيع السكران الطافح أن يديرها ، فإن مبناها على التخطيط وموازنة الأمور والاختفاء والسكران إن كان يفعل هذا فلم يصل إلى حد السكر الطافح الذي يزول معه العقل ، فهو يدري ما يقول وما يفعل ، فيكون مكلفا ، والمهم أن الراجح إن شاء الله تعالى في هذه المسألة هو أن السكران إذا سرق أقيم عليه حد السكر وحد السرقة ، والله أعلم .
ومنها :- تحريم بيع العينة ، وهي أن يشتري سلعة بثمن مؤجل من رجل ، ثم يعود فيبيعها بثمن حال أقل لنفس هذا الرجل ، وهي محرمة ، لأنها ذريعة إلى الربا ، بل هي أخية الربا ، وهي من أكبر الحيل الموصلة إليه ، فتمنع سدا للذريعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )) حديث صحيح , فتحريم العينة من هذا الباب ، أي من باب سد الذرائع ، والحق أنها محرمة ، سواء أكانوا اثنين أو ثلاثة أو أربعة ، فإن تعدد الأفراد فيها لا يخرجها عن كونها عينة محرمة ، والصحيح أن بيوع التقسيط لا حرج فيها ، والصحيح أن التورق لا حرج فيه ، ولكن لا بد من معرفة جوازه وقد ذكرناها في رسالة مفردة ، والمهم هنا أن تعرف أن العينة محرمة ، وأن تحريمها من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- اعلم أن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أن من قصد المحرم فإنه يعامل بنقيض قصده وعليه :- فيحرم التحايل لإسقاط الزكاة كأن يهب المال المزكى لفقير ثم يشتريه منه، أو يهبه لقريب قبل حولان الحول ثم يسترده منه فيما بعد ، ولو أبدل النصاب بغير جنسه كإبدال الماشية بدراهم ، فراراً من الزكاة ، أو أتلف جزءاً من النصاب قصداً للتنقيص لتسقط عنه الزكاة، أو جعل السائمة علوفة ، لم تسقط عنه الزكاة عند الحنابلة والمالكية ، سداً للذرائع، لأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه، ولقوله تعالى } إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ{ فعاقبهم الله تعالى بذلك، لفرارهم من الصدقة قال أبو يوسف: لا يحتال في إبطال الصدقة بوجه ولا سبب ، وقال أبو حنيفة والشافعي: تسقط عنه الزكاة؛ لأنه نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فيه الزكاة، كما لو أتلف لحاجته ، والراجح القول الأول ، وذلك سدا لذريعة ضياع حق الفقراء بمثل هذه الألاعيب .
ومنها :- النهي عن تلقي الركبان الوارد في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لا تَلَقَّوا الرُّكْبَان ، ولا يَبيعُ حاضِرٌ لبادٍ )) فقال له طاووس : ما قوله : لا يبيع حاضِرٌ لبادٍ ؟ قال : لا يكونُ له سِمْسارًا. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع . هذه رواية مسلم , وله وللبخاري قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لا تَلَقَّوا السِّلَعَ ، حتى يُهْبَطَ بها إلى السوق )) وأخرجه أبو داود بزيادةٍ في أوله قال (( لا يبع بعضُكم على بيع بعضٍ ، ولا تَلَقَّوا السِّلَعَ... الحديث )) وما هذا إلا سدا لذريعة الغش والغبن وأكل أموال الناس بغير حق ، ولأن هذا الفعل مناف لأخوة الإيمان وللنصح الواجب بين المسلمين ، ولأن الشريعة جاءت بحفظ الأموال ، فحفظها من المقاصد الضرورية العامة ، وأموال الجلب والركبان لا بد من حمايتها من تجار السوق ، فمنعت الشريعة تلقيهم بالخروج إليهم ، بل لا بد أن يهبط صاحب السلعة في السوق ويتعرف على القيمة بنفسه ليكون على بينة من أمره ، ثم بعد ذلك يبيع بما يشاء والمهم أن منع تلقي الركبان إنما قرر في الشرع من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- النهي عن الاحتكار ، أي احتكار السلع لوقت الغلاء ، الاحتكار المضر بالناس ، فهذا خطأ وحرام ، وفي الحديث الذي رواه مسلم قي الصحيح (( لا يحتكر إلا خاطئ )) وهذا التحريم مبناه على سد الذرائع ، فإن هذا الاحتكار يضر بالناس ، ويرفع عليهم الأسعار ، ويوقعهم في الحرج الكبير ، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها ، والاحتكار فيه مراعاة المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة ، والمتقرر أن المصالح العامة هي الأحق بالتقديم ، ولأن الاحتكار من الضرر العام ، وفي الحديث (( لا ضرر ولا ضرار )) والمتقرر أن الضرر يزال ، فالمحتكر ظالم لنفسه ولإخوانه ، فهو أناني جشع قد قتله الطمع ، وعلى ولي الأمر إلزامه بالبيع كما يبيع الناس ، وأن لا يمكنه من نفث سمومه في المستهلكين الضعفاء ، والمقصود أن تعرف أن النهي عن الاحتكار من فروع هذه القاعدة الطيبة ، أعني قاعدة سد الذرائع , والله أعلم .
ومنها :- قال في الفقه الإسلامي وأدلته ( يجب شرعاً باتفاق الأئمة الأربعة قتل الجماعة بالواحد سداً للذرائع، فلو لم يقتلوا لما أمكن تطبيق القصاص أصلاً، إذ يتخذ الاشتراك في القتل سبباً للتخلص من القصاص. ثم إن أكثر حالات القتل تتم على هذا النحو، فلا يوجد القتل عادة إلا على سبيل التعاون والاجتماع, وقد بادر الصحابة إلى تقدير هذا الأمر، فأفتوا بالقصاص الشامل, وأول حادثة حدثت هي في عهد عمر، وهي أن امرأة بمدينة صنعاء، غاب عنها زوجها، وترك عندها ابناً له من غيرها، فاتخذت لنفسها خليلاً، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله، فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام خليل المرأة، ورجل آخر، والمرأة وخادمها، فقطعوه أعضاء وألقوا به في بئر, ثم ظهر الحادث وفشا بين الناس، فأخذ أمير اليمن خليل المرأة فاعترف، ثم اعترف الباقون، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: أن اقتلهم جميعاً، وقال:- والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً. ) وخلاصة الفرع أنه لو أجتمع النفر الكثير على قتل الواحد ، فإن الواجب قتلهم جميعا ، وإيجاب القتل عليهم جميعا لسد ذريعة القتل .
ومنها :- القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن المعسر إن كانت موجوداته بقدر ديونه فإنه مباشرة يتم الحجر عليه ، ولو لم يحكم الحاكم ، لكن لا يكون نافذا إلا بحكم الحاكم ، وللحاكم أن يبطل كل بيع بعد استواء الموجودات مع الديون ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وهو الأليق بالشرع ، فإن المعسر قد يتصرف في بقية موجوداته تصرفا يضيع على أصحاب الحقوق حقوقهم ، فلا يمكن من هذا التصرف ، لأن حق أهل الديون قد تلعق بماله تعلقا يمنعه من التصرف فيه ، فقلنا بمنعه من التصرف فيما بقي من ماله ولو لم يحكم الحاكم سدا لذريعة ضياع الحقوق على أصحابها ، والله أعلم .
ومنها :- قال العلماء ( يَجُوزُ إِرْدَافُ الرَّجُل لِلرَّجُل ، وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى فَسَادٍ أَوْ إِثَارَةِ شَهْوَةٍ ؛ لإِِرْدَافِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَضْل بْنِ الْعَبَّاسِ ، وَيَجُوزُ إِرْدَافُ الرَّجُل لاِمْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا ، لإِِرْدَافِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجَتِهِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَإِرْدَافُ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ ذَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ جَائِزٌ مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ . وَأَمَّا إِرْدَافُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُل الأَْجْنَبِيِّ وَالرَّجُل لِلْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ ، سَدًّا لِلذَّرَائِعِ ، وَاتِّقَاءً لِلشَّهْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ ) فانظر كيف خرج العلماء هذا الفرع على هذه القاعدة الطيبة .
ومنها:- ما قرره أهل العلم في بعض المجامع الفقهية باتفاق بينهم من أنهم لا يرون الاتجار بالشعر الآدمي ولو بغرض إدخاله في صناعة المنسوجات كالدواسات أو لبيوت الشعر سدا للذرائع وخشية فتح باب بيع أعضاء الإنسان ، وهذا هو الحق ، ولأن الإنسان مكرم من قبل الله تعالى فلا تخضع أطرافه ولا فضلاته تحت البيع والشراء ، فانظر كيف خرجوا هذا الفرع على هذه القاعدة الطيبة الكبيرة .
ومنها :- لقد قرر المجمع الفقهي في عدد من الدول الإسلامية ، أن التلقيح الصناعي لا يجوز كله إلا في صورتين فقط ، الأولى :- أن يتم تلقيح البويضة مع بذرة زوجها نفسه تلقيحا خارجيا ثم تزرع البويضة الملقحة في رحم نفس هذه المرأة التي هي زوجته ، فهذا جائز ، والثانية :- أن يتم التلقيح بين بويضة الزوجة وبذرة الرجل تلقيحا داخليا ، وهذا جائز ، ولكن لا بد من أخذ كافة الاحتياطات التي تكفل بإذن الله تعالى حماية التدخل الخارجي ، وأما بقية الصور فهي محرمة ، وهي كما يلي :- أن تؤخذ بويضة المرأة وتلقح مع بذرة رجل آخر ليس هو زوجها ، فهذا محرم كل التحريم ، سواء أكان تلقيحا خارجيا أو داخليا ، ومنعه سدا للذريعة ، لأن الزنا أصلا محرم محافظة على الأنساب ، وهذه العملية تنتج ما حرم الزنا من أجله ، فحرمت سدا للذريعة ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة الرجل وتلقح تلقيحا اصطناعيا مع بويضة المرأة وتزرع في رحم امرأة أخرى ، وهذا محرم سدا لذريعة اختلاط الأنساب ، بل هو الزنا ، لكن بلا إيلاج ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة الرجل وتلقح مع بويضة امرأة أخرى ليست هي زوجته ، ثم تزرع في رحم امرأته ، وهذا محرم أيضا لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة رجل آخر ، وتلقح مع بويضة امرأة وليس هو زوجها ، ثم تزرع في رحم الزوجة ، وهذه محرمة أيضا ، والمهم أن القاعدة تقول (إن دخل طرف آخر غير الزوجين في عملية التلقيح فهي حرام) لأنها إن تدخل طرف أجنبي فإنها تكون كالزنا ، ووجه تحريمها أن ذلك من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- هل يجوز إعادة اليد المقطوعة في السرقة ؟ على أقوال :- والراجح منها أنها لا تعاد ، إذ لا فائدة ترجى من تطبيق الحكم مع القول بتجويز رجوعها ، فسدا لذريعة تساهل السراق في حدها وسدا لذريعة العبث بأموال الناس ، نقول :- لا تجوز إعادتها، فيده التي هي يده ، لا يجوز تمكينه من إعادتها ، وأما لو ركب طرفا اصطناعيا فإنه بالخيار فيه ، فهذا الطرف الصناعي لا يتعلق به حكم ، وأما يده التي قطعت في الحد فإنها لا تعاد إليه ، والله أعلم .
ومنها :- ما قرره الحنفية رحمهم الله تعالى من أنه لا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، وبالعكس. فقد ذهب أبو حنيفة إلى عدم قبول شهادة أحد الزوجين للآخر ، وذلك سدًا للذرائع وردًا للتهمة؛ لأن النفع بينهما ، وكل منهما يرث الآخر ويستفيد من ماله .
ومنها:- ما قرره الحنابلة وغيرهم من الفقهاء رحمهم الله تعالى من أن شهادة القريب لقريبه لا تقبل لأن قبولها يفتح باب البر والصلة والتساهل في باب الشهادة بحجة النفع ، لأنه قريبه ، ولأن الدليل قد منعها ، والعلة في المنع وجود التهمة في النفع ولو بالباطل ، فسدا لذريعة النفع الباطل والشهادة بالزور منعت هذه الذريعة ، ومنعها مخرج على هذه القاعدة تخريجا واضحا لا لبس فيه .
ومنها :- تحريم هدايا العمال ، أي الذين لهم معين في الدولة ، فهؤلاء لا يجوز لمن تحت أيديهم ، أو من يتردد عليهم أن يهدي لهم ، وإن أهدى لهم فلا يجوز له قبولها، لأن الهدية تأسر القلوب ، فلا بد من المحاباة فيما بينه وبين المهدي ، ولأن تجويز قبولها يفضي إلى ضياع الحقوق ، وتقديم من حقه التأخير أو تأخير من حقه التقديم ، أو إعطاء من لا يستحق الشيء الذي لا يستحقه ، المهم أنه لا يجوز لما فيه من المفاسد ، فسدا لذريعة هذا الفساد منع الشارع هدايا العمال ، وعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا وتدخل في بيت ثم قال إنك بأرض الربا بها فاش إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا... وروى البخاري في صحيحه من حديث الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ :- اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ (( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا )) وعن أبى حميد الساعدي مرفوعا (( هدايا العمال غلول )) رواه أحمد، وهو حديث صحيح ، فالقول الصحيح أن ذلك من المحرمات فسدا لذريعة الفساد في أمور الحكم والإدارة منعت الشريعة هذا الباب ، والله أعلم .
ومنها :- ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز للرجل أن يقّبل أخته إذا قدم من سفر بشرط ألا يكون تقبيله لها تقبيل شهوة ، فتقبيل المحارم بشهوة من أغلظ المحرمات ، وقيد الحنابلة جوازه بأن لا يكون في الفم ، وهو تقييد وجيه ؛ لأن التقبيل على الفم مظنة للشهوة، ولو قال قائل الآن بمنع تقبيل المحارم مطلقا لما كان قوله ببعيد، وذلك سداً للذرائع فقد انتشر الفساد حتى بين المحارم، بل ظهرت بعض الدعوات الخبيثة للعلاقة الآثمة بين المحارم من خلال وسائل الإعلام الخبيثة بمختلف أشكالها مرئية أو مسموعة أو مقروءة، وحتى إذا كان الرجل المحرم طيب النفس فقد لا تكون المرأة كذلك وهي تطالع في كل حين وسائل هدم الأخلاق. فلا شك أن الابتعاد عن التقبيل بكل أشكاله أقرب إلى السلامة ، وهو مذهب صحيح ، وهو مخرج على هذه القاعدة أتم تخريج .
ومنها:- الحق أنه لا يجوز للصيدلي أن يقبل الهدية من شركة توزيع الأدوية ، فإن هذه الهدايا في الغالب أنه يراد بها استمالة الطبيب إلى الإقبال على الإكثار من تقديم بيع أدويتهم على منتجات الشركات الأخرى ، فيتحقق الضرر، وقد حدثني بعض الثقات عن أمور محزنة في هذا الأمر ، فقلنا إنه لا يجوز له قبول هذه الهدايا لما في قبولها من الضرر ، فنمنعه سدا للذريعة .
ومنها :- الراجح أنه لا بد من الإشهاد على الرجعة ، فلا تصح الرجعة مع الكتمان ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، قال تعالى } وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ { ولأن الرجعة مع الكتمان تفضي إلى تعدد الطلاق والتلاعب في أمر الفروج ، فلا بد من معرفة كم طلقها؟ ومتى راجعها ؟ وهذا لا يكون مع الكتمان ، فسدا لذريعة هذا التلاعب بهذا الأمر الكبير الخطير قلنا :- لا بد من الإشهاد على الرجعة .
ومنها:- أنه لا يجوز البتة أن تخرج البنت مع خطيبها قبل عقد النكاح بينهما ، لأنها أولا :- لا تزال أجنبية عنه ، ومجرد اختيارها كزوجة لا يعتبر شيئا إن لم يحصل العقد بينهما بالشروط المعتبرة وليست موافقتها عليه كزوج يجعله زوجا ، بل هو أجنبي عنها حتى يعقد عليها ، وثانيا :- سدا لذريعة الفساد ، فوالله لقد حصل الفساد الكبير بسبب تسويغ خروجه معها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )) ولأنه يلزم كمن ذلك أن ينظر لها وتنظر إليه ، ويخلو بها وتخلو به ، وربما حصل بينهما أمور لا تحمد عقباها ، وقد حصل أن امرأة خطبها رجل وخرج معها ، فحصل بينهما ما حصل ، ومن ثم حصل بينهما شيء من الخلاف ففارقها ، وهي تبكي الأمرين ، بعد أن حصل ما حصل ، ولا يقال :- إن خروجها معه فيه فائدة ومصلحة ، وهي أنهما يتعرفان على بعض أكثر ، لأننا سنقول :- نعم ، ولكن هذه المصلحة تحوطها وتحفها مفاسد كثيرة جدا تفوق عليها ، بل هذه المصلحة ليست بشيء يذكر في جانب هذه المفاسد الكبيرة ، والمتقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وإذا تعارض مصلحتان روعي أعلاهما بتفويت أدناهما ، وعليه فسدا لذريعة الفساد نقول :- لا يجوز خروجها معه ، ولا الخلوة بها ، والله أعلم .
ومنها :- الاختلاط بين النساء والرجال في الدراسة على الوضع المعروف في عصرنا منكر في ذاته ويؤدي بدوره إلى كثير من المنكرات التي لا قبل للمرء بها ، ولذا أمر الشرع باجتنابها سداً للذرائع وحسماً للفساد ، فالاختلاط يؤدي إلى النظر المحرم وإثارة الغرائز ، وتشجيع النفوس على الفساد وحال كهذا لا يجوز للمرء أن يعاون على إقامته أو دوامه ، بل الواجب هجره والبعد عنه ، إلا أن يكون المرء مضطراً للعمل فيه ، ولم يجد مجالاً غيره يسد به حاجته الشديدة ، أو يدفع به ضرورته الملجئة ، بشرط أن يبحث عن عمل آخر يكون خالياً من هذا الشر، مع رعاية حق الله تعالى أثناء تواجده في هذا المكان ، بأن يغض بصره ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيأمر البنات بالحجاب والابتعاد عن الرجال، كما يأمر الجميع بغض البصر، والحذر من الخلوة، وما قلناه هنا يقال في تدريسهن دروساً خصوصية ، بل الأمر في الدروس الخصوصية أشد ، لاحتمال حصول الخلوة فيها بصورة كبيرة. وخلاصة الأمر، أنه يجب على الإنسان المبتلى بهذا العمل ترك هذا العمل، فإن لم يجد غيره وكان مضطراً إليه، فلتبق فيه ولتجدَّ في البحث عن عمل آخر، مع الالتزام بالضوابط الشرعية.
والله أعلم .
يتبع إن شاء الله....
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-06-2011, 10:05 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .


ومنها :- لعبة الورق المسماة بـ( البلوت ) فإنها محرمة لا تجوز ، وقد سئلت اللجنة الدائمة في المملكة سؤالا هذا نصه ، قال السائل (ما رأيكم في نوع من الألعاب يطلق عليه: البلوت، وهو على شكل قطع من الأوراق، في طول وعرض ورقة الخمسة النقدية، وعليها صور مختلفة وأعداد كذلك وإذا جلس أهلها يلعبونها يرتفع صوت الأذان ولا يتابعونه حسب المتبع، ولا يذكرون الله على الانتهاء، ولا الدعاء الواجب عند سماعه وتروح الناس إلى المسجد للصلاة ويحضرها هؤلاء الناس وبعد العودة من المسجد يدخل عليهم الناس ويسلمون ولا يردون عليهم السلام؛ لكون أفكارهم وقلوبهم مشغولة، ولا يستطيع الإنسان الجلوس في البيت من ريح الدخان وضجيج الأصوات المزعجة والضحك واللعن، والأديان - أي الحلف- بعضها بالله وبعضها بغيره. أرجو إفادتي عن حكم هذه اللعبة وما يلحق لاعبيها منها، وما أثرها على المجتمع؟

فأجابوا رحمهم الله تعالى بقولهم ( اللعب بالأوراق على ما وصفه السائل يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويحدث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين، وقد يكون على مال يدفعه المغلوب للغالب، وهو مصحوب بتبادل اللعن ، وإيقاع الأيمان الفاجرة ، فإذا ترتبت عليه هذه الأمور وما في معناها أو بعضها فإنه حرام ؛ لقوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ {وأما ما يلحق لاعبيها فإنهم قد ارتكبوا أمرا محرما وهم آثمون في ارتكاب ذلك وما يقترن به من ترك واجب ، كترك الصلاة جماعة ، أو فعل محرم كاللعن ، والأيمان الكاذبة ، والحلف بغير الله ، وشرب الدخان, وأما أثر هذه اللعبة على المجتمع فإن روابط المجتمع السليم تتحقق بأمرين اتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه وتفكك المجتمع بترك شيء من الواجبات أو فعل شيء من المحرمات وهذه اللعبة من العوامل التي تؤثر على المجتمع، فهي سبب في ترك الصلاة جماعة ، وينشأ عنها التباعد والتقاطع والشحناء والتساهل في ارتكاب المحرمات، كما أنها مورثة للكسل عن طلب الرزق ، هذا إذا لم تكن على عوض، فإن كانت على عوض فالمال الذي يحصل بسبب هذا اللعب هو مال حرام ، وقد سبق دليل ذلك, وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) فانظر كيف علل أصحاب الفضيلة العلماء القول بالتحريم بقاعدة سد الذرائع ، فلأن هذه اللعبة فيها عدد كبير من المفاسد التي ترجع على الفرد والأسرة والمجتمع قالوا بتحريمها , وهذا إعمال منهم لقاعدة سد الذرائع .

ومنها:- القول الراجح والله تعالى أعلم أنه لا يجوز أن تجعل آيات القرآن نغمة من نغمات الجوال وذلك سدا للذريعة ، ويتضح هذا من عدة وجوه , الأول :- أنه يتضمن إخراج القرآن عن أصل مقصود إنزاله ، لأن الله تعالى أنزل كتابه لتلاوته بالألسنة وتدبره بالقلوب ، والعمل به ، وليس منها أن يجعل نغمة من نغمات الجوالات السيارة ، الثاني :- أن فيه امتهانا للقرآن ، لأنه ربما يرن الهاتف وهو في دورات المياه ، أو يقطع الآية بالرد ولا يكملها ، أو يرن وهو ملقى في مكان قذر ، أو يرن وهو في الصلاة أو في المسجد فيغضب الناس ، ويتكلمون ونحو هذا مما فيه امتهان للقرآن ، فسدا لذريعة امتهانه نقول بالمنع ، الثالث:- أنه مفض إلى استبدال القرآن بغيره ، لأنه إن رن ، فالقرآن سيعمل ، فيقوم صاحب الجوال ، ويفتح الرد ، فينطفئ القرآن ليسمع غيره ، وهذا فيه ما فيه ، بل إن من يفعل هذا يكون ممن استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، إذ كيف يغلق كلام الله تعالى ويقبل على سماع كلام غيره ؟ الرابع:- أنه مفض إلى الإيذاء بالقرآن ، فإنه لو رن وهو في الصلاة أو في المسجد فإنه سيكون سببا في الأذى ومن المعلوم أن القرآن لا يؤذي ولا يؤذى به, الخامس:- أن الواجب عند استماع القرآن الإنصات إليه ، ومن المعلوم لدى الجميع أنه لا يستمع أحد لتلاوة من الجوال كنغمة هاتف ، وهذا يتضمن مخالفة شرعية ، ومفض إلى الممنوع ، وما أفضى إلى الممنوع فهو ممنوع ، فلهذه الأوجه وغيرها نقول بالمنع ، ونخرج هذا المنع على قاعدة سد الذريعة والله أعلم .

ومنها :- تحريم باب الحيل كله ، من أوله إلى آخره ، وأعني بها الحيل المحرمة ، والقاعدة عندنا في باب الحيل تقول ( كل حيلة يتوصل بها إلى إحقاق الباطل أو إبطال الحق فهي باطلة ) فباب الحيل المحرمة لا يجوز منه شيء ، لأن فاعل الحيلة إنما يريد بهذه الحيلة أن يتوصل إلى الحرام ، فتمنع هذه الحيلة سدا لذريعة الوصول إلى الحرام ، بل إن الوصول إلى الحرام من باب التحايل أعظم جرما وأشد إثما عند الله تعالى من إتيان الحرام على وجهه ، لما في الحيلة من مخادعة الله والذين آمنوا فالعينة حيلة على الربا فهي محرمة ، ونكاح التحليل حيلة على تحليل الزوجة لمطلقها ثلاثا ، فهو محرم ، وفي الحديث (( لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له )) وسماه التيس المستعار والبطاقات الائتمانية كثير منها إن لم تكن كلها حيلة على أكل الربا ، فما كان منها يتضمن الربا أو التحايل إلى الربا فهي حرام ، والدعاية الإعلانية لمنتج من المنتجات ، إن كانت تفخم أمر هذا المنتج وتصفه بما ليس فيه ، أو تبالغ في وصفه وتكسوه من الأوصاف ما هو كذب وافتراء ، كل هذه الدعايات محرمة لا تجوز ، لما فيها من مخادعة المؤمنين ، وأكل أموالهم بالباطل ، والتزوير عليهم وغشهم ، وفي الحديث (( من غش فليس منا )) ولما فيها من الكذب الصريح ، والأدلة في تحريم الكذب كثيرة ، فلسد ذريعة أكل أموال الناس بالباطل ، نقول :- إن الدعاية المشتملة على شيء من ذلك حرام لا تجوز ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، ولعلي إن شاء الله تعالى أن أفرد لها رسالة مستقلة في بيان كثير مما نص الفقهاء على أنه ممنوع لأنه حيلة على فعل الحرام , والله أعلم .

ومنها :- باب الاستئذان في الفقه الإسلامي كله مبني على سد الذريعة ، وذلك لأن حفظ العرض مما جاء به الشرع ، بل هو أصل من أصوله ، وستر العورات مأمور به شرعا ، فكل ذريعة تفضي إلى هتك ستر العورة فإنها ممنوعة في الشرع فجعل الاستئذان لحفظ هذا الباب, قال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ{وهذا كله لسد ذريعة الاطلاع على ما لا يجوز الاطلاع عليه شرعا ، وقال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ{وكل هذا من أجل أن لا يطلع الإنسان من أخيه الإنسان على ما لا يجوز الاطلاع عليه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر )) أي حتى لا يقع البصر على ما لا يجوز له النظر له من عورات الناس وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم في تتبع عورات الناس فقال (( فإن من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه الله في جوف داره )) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فباب الاستئذان كله مبني على هذه القاعدة الطيبة ، والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-06-2011, 10:18 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .


ومنها :- القاعدة المتقررة عندنا تقول ( كل معاملة تشغل عن حضور الجماعة الواجبة فهي حرام ) وأصل ذلك قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ {،،،، فحرم الله تعالى البيع بعد نداء الجمعة الثاني ، لئلا يكون التشاغل به ذريعة إلى فوات الصلاة ، وهذا أمر قد علمت علته ، وقد اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على هذا التعليل ، فيقاس عليه ما هو في معناه ، من النكاح وغيره من سائر المعاملات ، وإني لأعجب من قول الحنابلة رحمهم الله تعالى من أن هذا الحكم مخصوص بما يسمى بيعا ، فلا يدخل فيه النكاح ولا سائر العقود, وهذا فيه نظر ، وكأنه نوع جمود على الظاهر الذي ليس هو بظاهر الدليل ، بل الصحيح في هذه المسألة أنه يدخل فيه كل ما ألهى عن الصلاة وحضور الجماعة ، من نوم أو لعب أو كلام ، أو معاملة أو غير ذلك ، لأن المتقرر أن الشريعة لا تفرق بين متماثلين كما أنها لا تجمع بين مختلفين ، والمتقرر أن القياس الصحيح حجة ، والمتقرر أن مفهوم الموافقة حجة ، وكل ذلك يدخل تحت قاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- الحق الذي لا محيص عنه هو أنه لا يجوز الاستعانة بالجن المسلمين في العلاج ، لا سيما مع كثرة كذب الجن وقلة الديانة ، وضعف الفهم ، ولتحقيق الاعتماد الكامل على الله تعالى , وإن كنا نقول سابقا إنه لا بأس به ، ولكننا نبهنا أن هذا الحكم لا نعمل به الآن ، بل العمل على أنه من الممنوعات الشرعية ، سدا للذريعة ، وقد فصلنا المسألة في كتابنا المسائل الطبية ، فارجع إليه إن شئت ، ولكن ليشهد الجميع أننا نقول بالمنع ، وليس هذا من باب التراجع عن قول سابق ، ولكن من باب التنبيه على عدم الأخذ إلا بما يقتضيه سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- القول الصحيح الذي لا ينبغي القول بغيره هو منع تأجير الشهادات لمن ينتفع بها في العمل لأن الأصل في الشهادة أنها لصاحبها فقط ، وأنها تعبر عن مدى ما وصل إليه من المستوى العلمي وأن تأجيرها لمن يعمل بها وهو ليس من أهلها من الغش للمسلمين ، والغش كله محرم ، ومن مخادعة المؤمنين ، ومن التحايل على الوصول إلى منصب لا يحل له ، لا سيما إن كان المجال مما يتعلق بالطب أو الأمن أو غيرها من الوظائف التي تمس المصلحة العامة ، فلا يجوز لصاحب الشهادة تأجيرها لما في ذلك من المفاسد العظيمة ، على الفرد والمجتمع بأسره ، فقلنا بالمنع سدا للذريعة . والله أعلم .
ومنها:- ذكر الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله عن أحمد ثلاث روايات فيما يجوز للخاطب أن ينظر إليه من جسم المخطوبة ؛ فقال ( إحداهن : ينظر إلى وجهها و يديها ، والثانية : ينظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما و الثالثة : ينظر إليها كلها عورة و غيرها فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة ) وعليه فإنّ من حصر نظر الخاطب إلى مخطوبته في الوجه والكفّين فقط راعى الأحوط ، و ذَهَب مَذهب جمهور أهل العلم ، و من أباح له النظر إلى سائر جسمها وهي متجرّدة كما قال داوود الظاهري فقد توسّع و أفرَط ، إذ لا فَرق عنده بين المتقدّم للخطبة وبين الزوج بعد الدخول في ما يجوز له النظر إليه , وأوسط الأقوال هو المذهب الوسط عند الحنابلة و هو جواز النظر إلى ما يظهر منها - أمام محارمها و بنات جِنسِها - غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما ، ويدخل في ذلك شعرها ، إذا كان ذلك بمقدار الحاجة وفي حضور وليٍّ أو مَحرَم , والذي أراه درءاً للمفاسد ، وسداً للذرائع ، هو التمسك بالمذهب الوسط وهو مذهب الأئمة الحنابلة، وأما من قال بالنظر لها متجردة فوالله العظيم إن قوله خطأ ، فلابد من الحذر وعدَم التوسّع في هذا الباب خشية الفتنة ، لا سيما في هذا الزمان و الله أعلم .
ومنها:- القول الصحيح أنه لا يجوز للمرأة الركوب في الحافلات المختلطة مع اشتداد الزحام ، لما في ذلك من تعريض نفسها للابتذال والافتتان بها، لا سيما إن كانت متبرجة ، وأنه ليس بُعد مكان العمل بعذر يسوغ لها ذلك ، والمخرج من ذلك لو أراد ولاة الأمر تخصيص حافلات للمرأة والإمكانية المالية موجودة ، ووالله إنها موجودة ، فإن اقتصاد الدول الإسلامية طيب ، ونستطيع وبكل بساطة وأتم راحة ، أن نفعل هذا ، ونرتاح من تلك المفاسد التي تعاني مها أخواتنا النساء في بعض الدول ، وهناك مخرج آخر ، وهو أن لا نبعد المرأة عن مكان عملها ، إن كان ولا بد من خروجها للعمل ، والمخارج لو تدبرنا كثيرة ، ولكن المشكلة في عدم الاهتمام بهذا الأمر ، ووالله ثم والله لو أننا نصرف ربع ما نصرفه على أمور الكرة والتي لا تستفيد الأمة منها مطلق الفائدة لاستطعنا أن نوفر حافلة للمرأة في كل حي من أحياء الدولة الإسلامية ، والمهم أنه لا يجوز للمرأة أن تركب في الحافلات المختلطة سدا لذريعة الفساد ، والله أعلم .
ومنها :- ما ذكره الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد في قوله ( باب لا يذبح لله تعالى بمكان يذبح فيه لغير الله ) فإن هذا الباب مبناه على سد الذرائع ،وذلك بعدة أمور الأول :- سد ذريعة مشابهة الكفار في الظاهر وهذا مقصود من مقاصد الشرع ، فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، وليس منا من تشبه بغيرنا ، ونحن مأمورون بمخالفتهم في أشياء كثيرة جدا ، ثبتت بها الأدلة ، ومن هذا أن لا نذبح في مكان يذبح فيه الكفار لمن يعظمونه من صنم أو وثن ، الثاني :- سد ذريعة إحياء سنة الكفار في هذا المكان ، الثالث :- سد ذريعة التوادد في الباطن ، فإن المتقرر أن الموافقة في الظاهر يوجب تواددا وتماثلا في الباطن ، الرابع :- سد ذريعة نزول العذاب الشامل فإن أمكنة الكفر والمعصية مستحقة أن ينزل فيها وعلى أهلها العذاب ، فحتى لا يشمل المسلم منع من قربانها ولو لفعل عبادة لله تعالى ، الخامس:- سدا لذريعة الشرك ، وحماية لجناب التوحيد السادس :- لسد ذريعة افتتان القلوب المريضة بالموافقة في الصورة الظاهرية ، فإن العامة لا يرون ما في القلب ، وإنما يرون ما يظهر فقط ، فإذا رأوك وأنت تذبح في مكان يذبح فيه لغير الله ، فلا يعلمون إلا أنه مما يسوغ ، وهذا فيه فتح باب شر كبير وفتنة عظيمة ، فسدا لذريعة ذلك كله نقول بالمنع ، بل القاعدة عندنا في هذا الباب تقول ( لا يجوز فعل العبادة لله تعالى في مكان يفعل فيه جنسها لغير الله تعالى ) وقد شرحناها في القواعد المذاعة ، والله تعالى أعلم وأعلى ...
يتبع إن شاء الله....

التعديل الأخير تم بواسطة أبو الشيماء ; 26-06-2011 الساعة 01:41 AM. سبب آخر: مكرر
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-06-2011, 01:22 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

ومنها :- أن كل قول في أصله مباح قد يفهم منه ما ليس بمباح ، أو يكون مفتاحا للنيل من الشرع فإنه ممنوع في الشرع ، وهذه قاعدة لا بد من فهمها ، فإن إباحة القول في حد ذاته لا تعني جواز قوله في كل محفل ، بل لابد من مراعاة كونه جالبا للمصلحة ودافعا للمفسدة ، فإن كان ثمة قول مباح يوجب قوله مفسدة فإن الأسلم شرعا السكوت عنه ، والاستعاضة عنه بما هو خير منه مما لا يوجب إلا الخير ، ولا يجد فيه أعداء الملة والدين مدخلا للنيل من الشريعة أو الشارع ، وأصل هذا قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ{فانظر كيف نهاهم عن قول " راعنا " مع أنه قول في أصله مباح لا بأس به ، لأنه من المراعاة والرفق ولكنه يعني في لغة اليهود الرعونة والجفاء والغلظة ، فكان اليهود يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقصدون به إلا النيل من مقامه الشريف ، فأمر المسلمون بأن يستبدلوه بما يحقق منه معناه ولا يكون فيه مدخل لأهل العداوة أن ينالوا من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقسنا عليه كل قول مباح في الأصل ، ولكن يوجب قوله فتح الباب لأهل الأهواء وأعداء الملة أن ينالوا من الشريعة ، فنبحث عن قول آخر يحقق نفس المعنى ولا يكون فيه شيء من المفاسد ، فاحفظ هذا الأصل ، فإنه مبارك في التطبيق ، وله عوائده الطيبة على الدعوة والداعية ، فمنع الله تعالى من قول " راعنا " سدا لذريعة القدح في النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .
ومنها :- لقد تقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى قاعدة طيبة فيما يبلغ من العلم ، تقول هذه القاعدة ( ليس كل ما يعلم يقال ، ولكل مقام مقال ) فلا بد من مراعاة تحقيق المصالح ودفع المفاسد في إبلاغ العلم ، فإن كان إبلاغ هذا العلم المعين في هذا الوقت المعين يوجب شيئا من المفسدة فالمشروع هو السكوت عنه ، وليس كل علم فلا بد من إبلاغه ، بل لا يكون إبلاغ العلم مشروعا إلا حيث كان محققا للمصالح ودافعا للمفاسد ، وعلى ذلك عدة أحاديث الأول :- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :- كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار ، فقال (( يا معاذ )) قلت :- لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال (( أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ )) قلت :- الله ورسوله أعلم ، قال (( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا )) قلت :- يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال (( لا تبشرهم فيتكلوا )) متفق عليه ، فانظر كيف نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن إبلاغ هذا العلم المتعلق بشيء من فضل كلمة التوحيد لما في إبلاغه من المفسدة المقابلة وهي اتكال الناس عليه وترك العمل ، فسدا لهذه الذريعة ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا عن الكلام في هذا الأمر ، وهذا أصل من أصول سد الذرائع ، فإن قلت :- ولماذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم به معاذا ؟ فأقول :ــ لأن معاذا من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن يتطرق له ما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم على عامة الناس ، فإن قلت :- ولماذا حدث به معاذ بعد ذلك ؟ فأقول لأمرين :- لانتفاء المفسدة ، ولقول الراوي في الحديث "" أي فرارا من الإثم الحاصل بكتم العلم ، الثاني :- حديث أبي هريرة رضي الله عنه - في الحديث الطويل - أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحائط ، فقال له (( يا أبا هريرة )) وأعطاني نعليه (( اذهب بنعلي هاتين ، فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة )) فكان أول من لقيت عمر ، فقال :- ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ قلت هاتان نعلا رسول الله بعثني بهن من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله بشرته بالجنة قال:- فضرب عمر بين ثديي ضربة ، خررت لإستي ، وقال :- ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجهشت بكاء ، فقال (( ما لك يا أبا هريرة ؟ )) فأخبره بالخبر قال:- فركبني عمر ، فإذا هو على أثري ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (( يا عمر ، ما حملك على ما صنعت ؟ )) فقال :- بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال (( نعم )) قال :- فلا تفعل ، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ، فخلهم يعملون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( يا أبا هريرة فخلهم )) فانظر كيف رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي عمر واستصوبه ونهى أبا هريرة عن إبلاغ الناس بهذا العلم لسد ذريعة اتكال الناس عليه وترك العمل ، وهذا هو عين العلم ، وعين المصلحة ، فالعلم ليس فتل عضلات ، بل العلم مراعاة المصالح والمفاسد ، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم... قال البخاري البلعوم :- مجرى الطعام ، وهذا من باب مراعاة المصالح والمفاسد, ومن باب تحقيق العمل بسد الذرائع ، ولقد ابتلينا في هذه الأزمنة بأناس تقفروا العلم ، ولبسوا ثياب العلماء ، يصرخون بالعلم صرخا ، ويتشدقونه تشدقا ويلوكون به ألسنتهم ، ولا يراعون فيه لا مصالح ولا مفاسد ، وكم ، وكم ، جروا على الأمة بأسباب ذلك الويلات ، فأفزعوا الدهماء وأيقضوا الفتنة النائمة ، وإن قلنا لهم :- ليس من الحكمة أن يسمع العامة هذا العلم ، قالوا :- أنتم تريدون قتل العلم وتحاربون البلاغ ، وتداهنون الحكام ، ولا نزال مع هذا الصنف من الناس في حيص بيص ، فيا طلاب العلم ، الرفق ، الرفق ، والقصد ، القصد تبلغوا ، ووالله إن سكوت بعض أهل العلم على شيء مما يجول في خواطركم ليس مداهنة ولا مجاملة ، ولا مصانعة بالباطل ، بل هو مراعاة لحال الأمة ، ونظرا في المصالح والمفاسد ، ودفعا لأكبر الشرين وأعظم الضررين بأدناهما وتحصيلا لأعلى المصلحتين وأكبر الخيرين بتفويت أدناهما ، فلا بد من إحسان الظن بالعلماء وإياكم والأصاغر من أهل الأهواء المضلة ، والبدع المخلة ، فإنهم يتربصون بنا وبأمتنا وببلادنا الدوائر فليحرص طالب العلم أن لا يكون مفتاح شر على الأمة ، ولا باب فتنة يلج منه أعداء الملة لنواة أهل الإسلام ، واعلموا أن الشريعة جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، فإن لم يكن إبلاغ العلم في هذه الحالة الراهنة محققا لهذا الأصل فلا تبلغوه ، وأرجئوه إلى حين آخر ويدخل تحت هذا الأصل أن الإنكار على الحكام علنا أمام العامة ممنوع ، وإشاعة أخطاء أهل العلم أمام من هب ودب ممنوع ، وإنكار المنكر إن أوجب منكرا أعظم ممنوع ، وهذا من الفقه في الدين ومن الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا ، وقد بلغت من الحمق والطيش في زمن مضى ما أنا نادم عليه الآن ، وما رأيت كالرفق في أخذ الأمور ولا كالحلم والتأني في فهم المسائل مخرجا من كثير من المآزق التي تحل بالأمة فينة بعد أخرى، بل والله إن الرفق في فهم المسألة والتأني في معالجة الأمور لهو من الرسوخ في العلم ، وأثر من آثاره ، وأما النزق والطيش والحدة ورفع الأصوات وتراشق التهم والحكم بعد سماع الكلام بلا تأن ولا ترو ولا تثبت فهذا يفسد ولا يصلح ،ويهدم ولا يبني ، وبلاؤه أكثر من عافيته ، إن كان فيه أصلا عافية ، ولا شك أن لكبر السن دوره في الترفق والتعقل ، ولا شك أيضا أن التربية على أيدي أهل العلم الراسخين من أعظم ما يوفق له طالب العلم في بداية طلبه ، والمقصود أن المتقرر عندنا في القواعد أن إبلاغ العلم مناطه تحصيل أعلى الخيرين والمصلحتين ، ودفع أكبر الشرين والضررين ، فما كان محققا لهذا فأهلا وسهلا ، وما لا ، فلا ، والسكوت عنه أفضل ، والله أعلم .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26-06-2011, 01:28 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .




ومنها:- ما قرره العلماء رحمهم الله تعالى من أن ترك السنة من باب تأليف القلوب أولى من فعلها مع تنافر القلوب ، وهذا باب دقيق ، فإن من الناس من لا ينظر إلى أثر تطبيقه للسنة ، وهذا فيه قصور ، والحق أن تطبيق هذه السنة المعينة إن كان يفضي إلى تنافر القلوب وتشاحن النفوس والكلام الذي لا ينبغي ، وكراهة الحق ، وبغض أهله ، فالحكمة تركها في هذه الحال ، ليس الترك المطلق ، لا ، بل مطلق الترك ، حتى يتعلمها الناس ، ويعرفوا دليلها ، وهذا من باب سد الذريعة فإن الشريعة أمرت بالتآلف والتوادد والتراحم وتعليم الناس بالرفق والهوينا ، ونهت عن الاختلاف والتنابز وتراشق التهم بغير وجه حق ، فإن كان فعل هذه السنة المعينة ، في هذه الحال الراهنة يوجب شيئا من المفسدة فلا تفعلها الآن ، سدا للذريعة ، وأضرب لك أمثلة لتفهم ما أريد إثباته الأول :- إن من السنة الجهر بالتأمين ولا شك ، ولكن من الحكمة إن كنت داعية في بلاد قد اعتمد فيها المذهب الحنفي ، وصليت معهم أن لا تجهر بالتأمين في أول الأمر حتى تعلمهم السنة الثابتة في ذلك ، وذلك لأن بعض الحنفية قد يكون عنده تعصب لمذهبه ، فلا يتحمل جهرك به فتكون كارثة ، إما أن يقوموا من المسجد ، أو يتكلموا عليك بكلام لا تحتمله نفسك ، فينقلب الأمر من كونه دعوة إلى كونه انتصارا للنفوس ، وعلى كل حال فهذا يكدر صفو الدعوة ، ولا يحقق لك ما جئت من أجله ، ولا يقال لنا :- كفاكم تمييعا للسنة ، لأننا سنقول :- إننا لم نقل بتركها مطلقا ، بل قلنا بتركها حتى يتعلموها ، ثم نقول :- إننا لم نقل بتركها جزافا ، بل قلنا بتركها إن كان تركها يحقق مصلحة أعظم منها ، كما ذكرت لك مثاله ، وقد حصل أني كنت في بعض البلاد وصلينا وراء إمام حنفي ، فلما قال " ولا الضالين " قلت أنا وصاحبي ( آمين ) بصوت مرتفع ، ولم يجهر أحد من أهل المسجد ، فلما انتهت الصلاة رمانا القوم بأبصارهم ، وأخذوا يتكلمون بينهم بكلام لا نفهمه ، لأنهم من العجم ، وفوجئنا بأهل المسجد يقومون كلهم إلا نفرا يسيرا ، فلم نتمكن من دعوتهم ، والتي جئنا وقطعنا المسافات الطويلة من أجلها ، وهذا ليس من الحكمة ، ولكن جهلنا بما قرره أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة المهمة هو الذي أوقعنا في هذا الأمر ، وماذا علينا لو تركناها في هذا الوقت ؟ ولكنه الجهل ، والله المستعان ، وقد انتبهنا لهذا الأمر فيما بعد ، وحصل بالانتباه له خير كثير ، الثاني :- لو صليت إمام بقوم من الشافعية ، فمن الحكمة وأنت داعية أن تجهر بالبسملة في الفاتحة ، لأنهم يرون أنها آية من الفاتحة ، حتى يتعلم الناس السنة ، الثالث :- من الحكمة الدعوية إن صليت الوتر بأناس يرون الدعاء فيه ، أعني دعاء القنوت أن تدعو للقنوت ، لا أقول قنوت الفجر الدائم الذي لا أصل له ، بل قنوت الوتر ، والخلاف فيه معروف ، الرابع :- من الحكمة أيها الحبيب إن صليت مع قوم لا يرون حال القيام وضع اليمنى على اليسرى ، أن لا تضع ، واترك هذه السنة تركا مقيدا إلى أن يتعلم الناس ، والأمثلة كثيرة ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك بناء البيت على الصورة التي يريدها لمصلحة التأليف ، ألا ترى أن ابن مسعود وغيره من الصحابة أتموا خلف عثمان في السفر وقالوا :- الخلاف شر ، ألا ترى أن عمر جهر بدعاء الاستفتاح زمنا ليعلم الناس السنة ، مع أن السنة الإسرار به ، فترك السنة من أجل مصلحة أعظم ، ألا ترى أن ابن عباس جهر بالفاتحة في صلاة الجنازة ليعلم الناس السنة مع أن السنة الإسرار بها ، فترك السنة من أجل مصلحة أعظم ، فكذلك نقول هنا إن كان فعل السنة يوجب شيئا من التناحر والسباب والشتائم وتنافر القلوب والتباغض ، فمن الحكمة تركها إلى حين آخر ، قال أبو العباس رحمه الله تعالى في شأن الجهر بالبسملة ( كذلك الأمر في تلاوتها في الصلاة طائفة لا تقرؤها لا سرا ولا جهرا كمالك والأوزاعي وطائفة تقرؤها جهرا كأصحاب ابن جريج والشافعي والطائفة الثالثة المتوسطة جماهير فقهاء الحديث مع فقهاء أهل الرأي يقرءونها سرا كما نقل عن جماهير الصحابة مع أن أحمد يستعمل ما روى عن الصحابة في هذا الباب فيستحب الجهر بها لمصلحة راجحة حتى إنه نص على أن من صلى بالمدينة يجهر بها قال بعض أصحابه لأنهم كانوا ينكرون على من يجهر بها ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما رأى في إبقائه من تأليف القلوب وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما وقال الخلاف شر) وهذا باب من الحكمة والخير ، وهو خاضع لاجتهاد الداعية في حالته الراهنة ، والمهم أنه لا بد من النظر في جلب المصالح ودفع المفاسد ، ونحن مع أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى فيما قال من أن الرجل يستحب له ترك هذه المستحبات من أجل مصلحة التأليف ، فإن فساد القلوب أعظم مفسدة من مجرد ترك هذه السنة إلى حين آخر ولكن لا بد من فهم ضوابط العمل بهذه المسألة وهي كما يلي الأول :- أن لا يتعلق الأمر بشيء من الواجبات ، فالمسألة مفروضة في الأمور المستحبة فقط لا مدخل لها في الأمور الواجبة، الثاني :- أن لا ينوي تركها الترك المطلق ، بل مطلق الترك ، الثالث :- أن تتحقق المصلحة الشرعية المرعية بتركها ، الرابع :- أن تترتب المفسدة على فعلها يقينا أو بناء على الظن الغالب ، الخامس :- أن لا تكون المتابعة على أمر يوجب الوقوع في البدعة ، كالقنوت الدائم في صلاة الفجر ، أو في المكتوبات كلها ، وكضرب الركب بالأكف قبل السلام من الصلاة كما يفعله الرافضة, وكالأوراد التي تقال جماعة بعد الصلاة ، ونحو ذلك ، فانتبه لهذه الضوابط ، وفقك الله تعالى لكل خير والله أعلم .
يتبع إن شاء الله....
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26-06-2011, 08:13 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..

بعد استراحة قصيرة نعود إن شاء الله لإتمام ما بقي من الموضوع.

في حفظ الله

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 119.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 115.53 كيلو بايت... تم توفير 3.91 كيلو بايت...بمعدل (3.28%)]