مقاصد الحج - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الفرع الرابع: أحكام طارئة متعلقة بالعورة (من الشرط السابع من شروط الصلاة: ستر العورة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          حديث: المطلقة ثلاثا: ليس لها سكنى ولا نفقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          مختارات من كتاب الباعث الحثيث في مصطلح الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          بين "العلل الصغير" و"العلل الكبير" للإمام الترمذي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          حرص الصحابة رضي الله عنهم على اقتران العلم بالقرآن بالعمل به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 362 )           »          من مائدة التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 3367 )           »          صفة الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: استحالة استمرار الكذب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          سر الإلحاح في الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أقسام القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-02-2020, 03:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,317
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد الحج


* رابعاً:تعظيم شعائر الله وحرماته:

قال تعالى في سياق آيات الحج :{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } (الحج : 30)، ثم قال :{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ } (الحج : 32)، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - : " حرمات الله : كل ما له حرمةٌ، وأمر باحترامه من عبادةٍ أو غيرها؛ كالمناسك كلها، وكالحرم والإحرام، وكالهدايا، وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها؛ فتعظيمها إجلالاً بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها، غير متهاون ولا متكاسل ولا متثاقل " ثم قال : " المراد بالشعائر : أعلام الدين الظاهرة، ومنها : المناسك كلها؛ كما قال الله تعالى :{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ } (البقرة : 158)، ومنها : الهدايا والقربان للبيت... ومنها : الهدايا؛ فتعظيمها باستحسانها، واستسمانها، وأن تكون مكمَّلة من كل وجه. فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب؛ فالمعظم لها يبرهن على تقواه، وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله ).

تيسير الكريم الرحمن :(3 / 1098-1099 )

إن هذا الحس الإيماني المرهف، الذي يستقرئ المعاني من وراء الصور والأعيان في مناسك الحج وشعائره، ينبغي أن يستصحبه المؤمن في سائر شعائر الله الزمانية والمكانية؛ فيعظم ما عظم الله، ويهوِّن ما هوِّن الله، ويقدِّم ما قدم الله، ويؤخر ما أخر الله، وتستقيم مشاعره مع شعائر الله، ويكون هواه تبعاً لما جاء به نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

وكثير من الحجاج ينهمك في أداء المناسك الظاهرة؛ من طواف، وسعي، ورمي وغيرها، دون أن يصاحب ذلك تعظيم باطني لشعائر الله؛ فلهذا يتشاغل برؤية الغادي والرائح، ويبدو عليه الفتور والملل، ويبحث عن شواذ الرخص؛ بخلاف من عمر قلبه بجلالة الموقف، ولذة العبادة. وهذا ينسحب على بقية شرائع الدين.

* خامساً:الولاء والبراء:

عجباً لهذا الدين العظيم ! كيف ينشئ في نفوس معتنقيه وحدةً فريدة، ولُحمةً متينة، وانتماءً عميقاً، يتخطى الحواجز المكانية والزمانية، ويتسامى على الفروق العرقية والاجتماعية، ويتجاوز الخلافات السياسية والمادية، ويصهر التنوعات اللغوية والثقافية، لمختلف الشعوب والقبائل في نهر كبير مطَّرد، اسمه (الأمة الإسلامية ) !

حين يلفظ العربي الفصيح، والأعجمي بلكنته : (لا إله إلا الله. محمد رسول الله ).

وحين تصطف صفوف الصلوات الخمس خلف إمام واحد، يصلون لرب واحد.

وحين يقتطع المسلم الغني زكاة ماله ليرفد بها إخوانه الفقراء في أصقاع الأرض.

وحين يمسك أكثر من مليار من البشر عن الأكل والشرب، في شهر واحد.

وحين تبعث كل أمة بوفدها إلى بلدٍ واحد، في شهرٍ واحد، لأداء نسكٍ واحد، على صعيد واحد، لباسهم واحد، يلبون لرب واحد، نبيهم واحد، وكتابهم واحد.

حين يفعلون ذلك، يتجلى بشكل واضح أحد مقاصد الدين العظام، ألا وهو تحقيق الموالاة بين المؤمنين، وشعورهم برابطة الأخوة الإيمانية التي تجتاح جميع الروابط، وتذيب جميع الفوارق. قال تعالى :{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } (المائدة : 55-56)، وقال :{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (التوبة : 71) وهذه الموالاة تفرض حقوقاً وحرمات على أعضاء الجسد الواحد، ولَبِنات البنيان الواحد، جسَّدها النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة عرفات، وبين يديه مائة ألف أو يزيدون، حين قال : " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا " رواه مسلم.

وبإزاء هذه الموالاة، ومن لازمها ومقتضاها : البراءة من الكفار على اختلاف أصنافهم ومللهم. وقد كان موسم الحج الميدان المناسب لإعلان تلك البراءة، زماناً ومكاناً، حيث أنزل الله تعالى صدر سورة براءة :{ بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (التوبة : 1-3).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " بعثني أبو بكر - رضي الله عنه - تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر، يؤذنون بمنى : ألاَّ يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان " رواه البخاري.

وقد تضمنت حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - العديد من شواهد البراءة من المشركين، ومخالفة هديهم :

1 - في التلبية : كانوا يقولون : " لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، ملكته وما ملك " فأهلَّ بالتوحيد.

2- الجواز إلى عرفة : مخالفةً لمشركي قريش الذين كانوا يقولون : نحن أهل حرم الله، فلا نخرج منه.

3- الدفع من عرفة بعد مغيب الشمس، وذهاب الصُّفْرة، خلافاً للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس على رؤوس الجبال كالعمائم على رؤوس الرجال.

4- الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس، خلافاً للمشركين الذين كانوا يقولون : أشرق ثبير كيما نغير، لجبلٍ في المزدلفة تشرق عليه الشمس. قال ابن القيم، رحمه الله : " استقرت الشريعة على قصد مخالفة المشركين، لا سيما في المناسك " .

تهذيب سنن أبي داود :(3 / 309 )

وقد قرر هذه البراءة من الجاهلية وأهلها في خطبة عرفة حين قال : " ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة... وربا الجاهلية موضوع... وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدُ إن اعتصمتم به : كتابَ الله " . رواه مسلم.

إن الدرس العظيم الذي ينبغي أن يرجع به كل حاج أن يشعر أنه من أمة مصطفاة خُيِّرت على سائر الأمم، وهُديت لأفضل السبل، وأنْ ليس ثَمَّ إلا إسلام أو جاهلية، هدىً أو ضلالة، حزب الله، أو حزب الشيطان، صبغة الله، أو صبغة الذين لا يعلمون { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } (البقرة : 138)،{ أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (المائدة:50).

وهذه الأمة، وإن بدت متخلفةً مادياً وعسكرياً، بسبب تقصير أهلها بالأخذ بأسباب القوة والإعداد، إلا أنها تأوي إلى ركن شديد من العقائد، والشرائع، والأخلاق، ما إن يأذن الله بالفتح والفرج، حتى تعود لخيريتها، وتؤدي دورها الذي أكرمها الله به. قال تعالى :{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (آل عمران : 110).

فلا ينبغي للمؤمن أن يهون، ولا يحزن، مهما بلغ الحال من الهزيمة الظاهرية :{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (آل عمران : 139).

وما أحرى الأمة، بجميع فئاتها وتخصصاتها، أن تتخذ من موسم الحج موسماً للتلاقي، والتباحث في مصالحها المختلفة؛ فتعقد المؤتمرات السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والاجتماعية في موسم الحج، ويتكرر ذلك كل عام، إذاً لانحلت مشكلات كثيرة، وتذللت صعاب جمة، وبدت الأمة أمام خصومها قويةً متماسكة.

* سادساً:ابتغاء فضل الله بالتجارات:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كانت عكاظ، و مَجَنَّة، و ذو المجاز، أسواق الجاهلية، فتأثموا أن يتَّجِروا في المواسم، فنزلت :{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } (البقرة : 198) رواه البخاري. وعن أبي صالح، مولى عمر - رضي الله عنه - قال : قلت : يا أمير المؤمنين ! كنتم تَتَّجِرون في الحج ؟ قال : وهل كانت معايشهم إلا في الحج ؟ إن موسم الحج فرصة لالتقاء مختلف الشعوب الإسلامية لتحقيق منافع مشتركة، ومصالح متبادلة، ومنها المنافع التجارية، والمصالح الاقتصادية، دون أن يغض ذلك من قدر النُّسُك؛ فقد رفع الله الجُناح عن الأمة في مزاولة هذه المناشط الحيوية التي تعود عليها بالقوة والخير.

ولو أحسن المسلمون اليوم استغلال هذا الموسم من هذا الجانب، لأمكن أن يؤسس لما يسمى (السوق الإسلامية المشتركة ) من خلال عرض منتجاتهم، وإبرام العقود والاتفاقيات التجارية، ويحققوا فيما بينهم الاكتفاء الذاتي، ويستغنوا، أو يكادوا، عن الابتزاز العالمي المذل.

* سابعاً:التقوى:

جميع شرائع الدين تهدف إلى تحقيق التقوى؛ بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه. وآيات الحج، بصفة خاصة، مختتمة بالأمر بتقوى الله. قال تعالى :{ وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ } (البقرة : 196).

{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } (البقرة : 197).

{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } (البقرة : 203).

{ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ } (الحج : 37).

فهي تخاطب في الناسك خبيئة قلبه، وتستثير ورعه، ألاَّ يرتكب محظوراً، ولا يفرط في هَدْيٍ، أو فديةٍ، أو كفارةٍ، وألاَّ يقع في رفثٍ، أو فسوقٍ، أو جدالٍ، أو إثمٍ في الحج. وإلى جانب ذلك تشعره أن جميع قُرُباته، مهما دقت، معلومة، محفوظة، مشكورة :{ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } (البقرة : 197).

إن هذه الرقابة الذاتية الصارمة التي يلتزم بها الحاج أياماً معدودات، يمكن أن تتحول إلى منهج، وسلوك مستديم، يرجع به الحاج الموفق إلى وطنه، وكأنما تنبه من غفلة، أو استيقظ من رقاد.

* ثامناً:حسن الخلق:

الحج سفر، والسفر قطعة من عذاب. وفي الحج من بُعد الشُّقة، وزيادة الكلفة، وحصول الازدحام، ما يتطلب مستوىً خلقياً رفيعاً، من الصبر والاحتمال، تدفع الضجر، وأريحية بالغة، تتسامى عن الأثرة، وتحمل على الإيثار، والصفح، ومجاهدةً وغالبةً للنفس الأمارة، تهزم الشهوات وحظوظ النفس. قال تعالى :{ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ } (البقرة : 197). قال عطاء - رحمه الله - : (الجدال : أن تجادل صاحبك حتى تغضبه و يغضبك ).

ومن أجمل الأخلاق الاجتماعية : الرفق، وقد دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فسمع وراءه زجراً شديداً، وضرباً للإبل، فأشار بسوطه إليهم، وقال : " أيها الناس ! عليكم بالسكينة؛ فإن البِرَّ ليس بالإيضاع " رواه البخاري.

ومن الأخلاق الكريمة : التواضع، وقد أردف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - لما دفع من المزدلفة، وشرب زمزم من دلو يشرب منه سائر الناس. رواهما مسلم.

ومن مكارم الأخلاق حُسن معاشرة الزوجة؛ فحين حاضت عائشة - رضي الله عنها - ودخل عليها فوجدها تبكي، سلاَّها، وعزَّاها، قائلاً : " إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم " ، وحين ألحَّت أن تأتي بعمرة بعد الحج، قال : " اذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم " " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً سهلاً، إذا هويت الشيء تابعها عليه " رواهما مسلم.

إن هذه الرحلة الشاقة، والآداب الصارمة، يمكن أن تؤسس لقيم خلقية ثابتة، يلتزمها الحاج بعد رجوعه، ويتحلى بها في رحلة العمر كله، بعد أن لمس آثارها، وجنى ثمارها، في تلك الأيام المعدودات.

* تاسعاً:التوبة والاستقامة:

الحج حدث عظيم في حياة المسلم، يعلق عليه كثير من المسلمين آمالهم، ويرونه مفرق طريق، وإيذاناً باستئناف حياة جديدة يستشرفون فيها المستقبل بتفاؤل وعزم على الاستقامة، وهجرٍ لحياة التفريط والمعاصي. لا غرو؛ فالحج أحد المكفرات الكبار التي تجُبُّ ما قبلها؛ فعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال : لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت : ابسط يدك فلأبايعك. قال : فبسط، فقبضت يدي، فقال : " ما لك يا عمرو ؟ " قلت : أشترطُ. قال : " تشترط ماذا ؟ " قلت : أن يُغفَر لي. قال : " أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله " رواه مسلم.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً : " من حج فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " متفق عليه. وفي هذا الحديث بشارة وإشارة :

1- فالبشارة ظاهرة، وهي مغفرة السيئات، فيرجع ابن تسعين، إذا وفَّى بالشرط كابن ساعة، لا خطيئة عليه، صفحته بيضاء نقية.

2- وأما الإشارة : فينبغي لمن حظي بهذه الكرامة أن يحافظ عليها، فلا يلطخ صحيفته البيضاء بسواد المعاصي. وقد فسر الحسن البصري - رحمه الله - الحج المبرور بقوله : (أن يرجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة ). وهذا من أعظم علامات القبول.

نسأل الله عز وجل أن يمن علينا بحج مبرور، وسعي مشكور، وتجارة لا تبور، وأن يصلح لنا ولأمتنا جميع الأمور، إنه غفور شكور. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.85 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]