التوحيد أمن وهداية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 399 - عددالزوار : 85740 )           »          ياصاحبي..... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 8 - عددالزوار : 1153 )           »          ‌‌العلاقة بين الإسلام والعلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإخلاص في العمل عبادة .. فوائد الإخلاص وأثره في حياة المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          تأثير الغرب على مدرسة العقل في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الشباب وهوس الموضة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          نصائح لمساعدة الأطفال على التعامل مع المشاعر القوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          تغيير السردية الأوروبية حول تاريخ العلم : لماذا تعد التعددية الثقافية أمرا جوهريا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          كيف يطرح المعلم أسئلة على الطلاب لا تجيب عنها هواتفهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-12-2020, 06:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي التوحيد أمن وهداية

التوحيد أمن وهداية
الشيخ عبدالله بن محمد البصري







أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، في الأَزمِنَةِ الَّتِي تَتَوَالى فيهَا الفِتَنَ، تَضعُفُ قُلُوبٌ بَعدَ قُوَّتِهَا، وَتَرتَخِي نُفُوسٌ بَعدَ شِدَّتِهَا، وَتَتَلَفَّتُ مُجتَمَعَاتٌ بَعدَ استِقَامَتِهَا، غَيرَ أَنَّ ثَمَّةَ أَفرَادًا وَمُجتَمَعَاتٍ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، يَذِلُّ النَّاسُ وَيَعِزُّونَ، وَيَتَرَاجَعُ النَّاسُ وَيَتَقَدَّمُونَ، وَيَنتَكِسُ النَّاسُ وَيَثبُتُونَ، إِنَّهُم رِجَالٌ كَالجِبَالِ في رُسُوخِهَا، لا تُغَيِّرُهُم الغِيَرُ، وَلا تُؤَثِّرُ فِيهِمُ الفِتَنُ، وَلا تُضعِفُهُم رِيَاحُ التَّغيِيرِ، وَلا تَنَالُ مِنهُم قُوَى التَّأثِيرِ، إِنَّهُم رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ، وَوَفَّوا بِأَعظَمِ العُقُودِ الَّتِي أَبَرَمُوهَا مَعَ خَالِقِهِم، حِينَ شَهِدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَلا رَبَّ سِوَاهُ، فَوَقَرَ التَّوحِيدُ في قُلُوبِهِم، وَطُبِعَت أُسُسُهُ في أَفئِدَتِهِم، فَأَشرَقَ في جَوَانِحِهِم نُورُهُ، وَانبَعَثَ مِن بَينِ أَيدِيهِم شُعَاعُهُ؛ لِيُضِيءَ لَهُم الطَّرِيقَ فَيَرَوهُ، وَيُوَضِّحَ لَهُمُ الحَقَائِقَ فَلا يُضِيعُوهَا.


أَجَلْ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَقَد آمَنَ المُوَحِّدُونَ الصَّادِقُونَ وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُ لا خَالِقَ إِلاَّ اللهُ، وَلا مُوجِدَ إِلاَّ اللهُ، وَلا مُدَبِّرَ لِهَذَا الكَونِ إِلاَّ اللهُ، فَهُوَ الَّذِي يُعطِي وَيَمنَعُ، وَهُوَ الَّذِي يَخفِضُ وَيَرفَعُ، وَهُوَ الَّذِي يُؤتي المُلكَ مَن يَشَاءُ وَيَنزِعُهُ مِمَّن يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَن يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَن يَشَاءُ، لَهُ غَيبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهُ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ، وَأَمَّا البَشَرُ وَإِن هُم تَظَاهَرُوا بِالعُلُوِّ وَالقُدرَةِ، أَو أَظهَرُوا الجَبَرُوتَ وَالقُوَّةَ، فَإِنَّهُم لا يَملِكُونَ مِن أَمرِ أَنفُسِهِم صَغِيرًا أَو كَبِيرًا، فَضلاً عَن أَن يَملِكُوا مِن أُمُورِ غَيرِهِم قَلِيلاً أَو كَثِيرًا. كَمَا آمَنَ المُوَحِّدُونَ بِأَسمَاءِ اللهِ الحُسنَى وَصِفَاتِهِ العُليَا، فَأَثبَتُوا مَا أَثَبتَهُ لِنَفسِهِ أَو أَثَبتَهُ لَهُ رَسُولُهُ، وَعَرَفُوا رَبَّهُم مِن خِلالِ تِلكَ الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ عَلَى العَرشِ استَوَى، وَأَنَّهُ في العُلُوِ فَوقَنَا، وَأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَينَا عَلِيمٌ بِنَا، وَأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَّا، وَأَنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ، ذُو القُوَّةِ المَتِينُ، الغَفُورُ الرَّحِيمُ، شَدِيدُ العقَابِ، المُتَكَبِّرُ الجَبَّارُ، السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ، وَلِهَذَا أَخلَصُوا العِبَادَةَ لَهُ وَحدَهُ وَفَوَّضُوا الأَمرَ كُلَّهُ إِلَيهِ، عَلِمُوا أَنَّهُ الَّذِي يُرجَى فَرَجَوهُ، وَأَنَّهُ الَّذِي يُدعَى فَلَم يَدعُوا غَيرَهُ، وَأَنَّهُ الَّذِي يُتَوَكَّلُ عَلَيهِ فَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ دُونَ سِوَاهُ، وَأَنَّهُ الَّذِي يُستَغَاثُ بِهِ في الشَّدَائِدِ فَرَفَعُوا أَكُفَّهُم إِلَيهِ وَاستَغَاثُوهُ، وَبِذَلِكَ انشَرَحَت صُدُورُهُم، وَاطمَأَنَّت قُلُوبُهُم، وَرَضُوا بِمَا قُدِّرَ لَهُم وَعَلَيهِم، وَصَارُوا مُتَحَرِّرِينَ مِن عُبُودِيَّةِ النُّفُوسِ وَأَغلالِ الهَوَى، سَالِمِينَ مِنِ استِيلاءِ الشَّيَاطِينِ عَلَيهِم أَو تَخوِيفِهِم لَهُم، أَوِ الاشتِغَالِ بِزَخَارِفِ الدُّنيَا وَصَرفِهَا لَهُم عَن رَبِّهِم. نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّهُ التَّوحِيدُ، يُنَظِّمُ حَيَاةَ العَبدِ في جَمِيعِ الأُمُورِ وَالأَحوَالِ، وَيَربِطُهُ في جَمِيعَ شُؤُونِهِ بِالكَبِيرِ المُتَعَالِ، وَمَن آمَنَ بِأَنَّ اللهَ - سُبحَانهُ - هُوَ الخَالِقُ المَالِكُ المُتَصَرِّفُ، آمَنَ بِأَنَّهُ المُستَحِقُّ لأَن تُصرَفَ لَهُ العِبَادَاتُ كُلُّهَا، حُبًّا وَخَوفًا وَرَجَاءً، وَالتِزَامًا بِمَا شَرَعَهُ، وَاتِّجَاهًا إِلَيهِ في سَائِرِ الأَحوَالِ، وَعَقدًا لِجَمِيعِ الآمَالِ عَلَيهِ، وَإِيمَانًا بِأَنَّهُ لا صَلاحَ لِلأَوضَاعِ بِغَيرِ الاعتِمَادِ عَلَيهِ، سَوَاءٌ مِنهَا الاجتِمَاعِيَّةُ أَوِ الاقتِصَادِيَّةُ، أَوِ السِّيَاسِيَّةُ أَوِ العَسكَرِيَّةُ، أَوِ الدَّولِيَّةُ أَوِ المَحَلِّيَّةُ.


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ التَّوحِيدَ إِذَا كَانَ للهِ خَالِصًا، كَانَ لَهُ أَعَظَمُ الأَثَرِ في الأُمَّةِ أَفرَادًا وَجَمَاعَاتٍ، وَكَانَ أَقوَى نَبعٍ يَمُدُّهَا بِالقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ، قَالَ - تَعَالى -:﴿ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم:24، 25].

أَجَل - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - إِنَّ التَّوحِيدَ لَيسَ كَلِمَةً تُقَالُ بِاللِّسَانِ دُونَ أَن يَكُونَ لَهَا رُسُوخٌ في القَلبِ، فَيُوقِنَ بِهَا العَبدُ وَيُحَقِّقَ أَركَانَهَا وَشُرُوطَهَا، نَعَم، إِنَّ التَّوحِيدَ كَلِمَةٌ مُؤَصَّلَةٌ، وَشَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ مَغرُوسَةٌ في قَلبِ العَبدِ المُؤمِنِ، يَتَعَاهَدُهَا بِالسَّقيِ وَالتَّنقِيةِ، يَسقِيهَا بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيُنَقِّيهَا مِمَّا قَد يُخَالِطُهَا مِنَ النَّبَاتَاتِ الضَّارَّةِ، كَالشِّركِ أَوِ الرِّيَاءِ، أَوِ التَّعَلُّقِ بِغَيرِ اللهِ، أَو نَقصِ التَّوَكُّلِ عَلَيهِ، أَوِ القُنُوطِ مِن رَحمَتِهِ وَاليَأسِ مِن رَوحِهِ. وَإِذاَ كَانَ العَبدُ كَذَلِكَ حَصَلَت لَهُ أَعظَمُ الثَّمَرَاتِ في كُلِّ الأَوقَاتِ، فَلَم يُرَ إِلاَّ ثَابِتًا عَلَى الحَقِّ، مُدَاوِمًا العَمَلَ الصَّالِحَ، مُعتَزًّا بِدِينِهِ، لا يَهُونُ وَلا يَلِينُ، وَلا يُحِسُّ بِأَيِّ نَقصٍ أَو دَنَاءَةٍ.


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ لِلتَّوحِيدِ الصَّافي آثَارًا عَظِيمَةً عَلَى العَبدِ المُؤمِنِ، تَثبِيتًا لَهُ في الفِتَنِ، وَتَخلِيصًا مِنَ المِحَنِ، وَتَقوِيَةً في الشَّدَائِدِ، وَطَمأَنَةً مِنَ المَخَاوِفِ، وَإِرَاحَةً عِندَ الزَّعَازِعِ، فَإِذَا عَلِمَ العَبدُ أَنْ لا مَلجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيهِ، وَجَدَ بِذَلِكَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ، وَاكتَفَى بِاللهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ وَلَمَّا كَانَتِ الدُّنيَا تَفتِنُ أَهلَهَا، وَتَتَقَاذَفُهُم أَموَاجُهَا، فَيَتَعَلَّقُ هَذَا بِسُلطَانِهِ، وَيُقبِلُ ذَاكَ عَلى شَهَوَاتِهِ، وَيَغرَقُ ذَا في أَموَالِهِ وَتِجَارَاتِهِ، وَيَبحَثُ ذَلِكَ عَنِ الشَّرَفِ وَيَطرُدُ الشُّهرَةَ، فَإِنَّ أَهلَ الإِيمَانِ يَبقَونَ ثَابِتِينَ عَلَى إِيمَانِهِم، قَد سَكَنَت بِالتَّوحِيدِ قُلُوبُهُم، وَاطمَأَنَّت بِهِ نُفُوسُهُم، فَرَكَنُوا إِلى الوَاحِدِ الدَّيَّانِ وَتَعَلَّقُوا بِهِ، وَصَارَ أَحَدُهُم يَجِدُ في رَكعَتَينِ يُؤَدِّيهِمَا للهِ، أَو صَفحَةٍ مِن كِتَابِهِ يَقرَؤُهَا بِتَدَبُّرٍ، أَو ذِكرٍ يُرَدِّدُهُ بِسَكِينَةٍ، أَو دُعَاءٍ يَرفَعُهُ بِخُشُوعٍ، يَجِدُ في ذَلِكَ لَذَّةً وَسَعَادَةً وَأُنسًا، لا يُمكِنُ أَن يَجلِبَهَا لَهُ مُلكٌ وَلَوِ اتَّسَعَ، وَلا أَن يُقنِعَهُ بِهَا شَرَفٌ وَلَوِ ارتَفَعَ، وَلا أَن تُوَفِّرَهَا لَهُ قُصُورٌ ضَخمَةٌ وَلا مَرَاكِبُ فَخمَةٌ.


وَمِن آثَارِ التَّوحِيدِ الخَالِصِ في المُؤمِنِينَ تَخلِيصُهُم مِنَ العُبُودِيَّةِ لِغَيرَ اللهِ، وَإِعطَاؤُهُم الحَرِيَّةَ الحَقِيقِيَّةَ، إِذْ إِنَّ سَبَبَ تَعاسَةِ الإِنسَانِ وَانتِكَاسِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، تَعَلُّقُ قَلبِهِ بِالدُّنيَا وَشَهَوَاتِهَا، وَمُطَارَدَتُهَا لَيلاً وَنَهَارًا، وَالمُنَافَسَةُ عَلَى حُطَامِهَا، وَالحُزنُ لِفَقدِهَا وَالفَرَحُ بِنَيلِهَا، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ: " تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ، وَعَبدُ الدِّرهَمِ، وَعَبدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لم يُعطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انتَقَشَ " هَكَذَا هُوَ ضَعِيفُ التَّوحِيدِ وَعَابِدُ الدُّنيَا، أَمَّا المُؤمِنُ الَّذِي تَخلَّصَ مِنَ الدُّنيَا وَخَلَّصَ قَلبَهُ للهِ، فَهُوَ الحُرُّ الحَقِيقِيُّ، لَيسَ مَعَهُ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا في يَدَيهِ مِنهَا فَحَسبُ، وَأُمَّا مُهجَةُ قَلبِهِ وَحَبَّةُ فُؤَادِهِ، فَمَملُوءَةٌ بِالإِيمَانِ بِاللهِ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ يُصبِحُ شَرِيفًا بِالعُبُودِيَّةِ لَهُ، مَلِكًا بِالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ، غَنِيًّا بِطَاعَتِهِ وَذِكرِهِ وَشُكرِهِ.


وَمِن آثَارِ التَّوحِيدِ الخَالِصِ أَنَّ العَبدَ بِتَوَكُّلِهِ عَلَى رَبِّهِ وَاعتِصَامِهِ بِهِ، يَستَرِيحُ مِنَ المُشكِلاتِ، إِذْ لا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، وَلا يَخشى أَحَدًا سِوَاهُ، لِعِلمِهِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ النَّفعُ وَالضُّرُّ، وَالمَوتُ وَالحَيَاةُ، وَالمَرَضُ وَالشِّفَاءُ، وَالمَنعُ وَالعَطَاءُ، وَالعَافِيَةُ وَالابتِلاءُ، وَإِذاَ كَانَ ضَعِيفُ الإِيمَانِ يَحزَنُ إِذَا قُطِعَ رَاتِبُهُ، أَو خَسِرَ في تِجَارَتِهِ، أَو تَغَيَّرَتِ الأَوضَاعُ في بَلَدِهِ، وَيَظُنُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَد تَحَطَّمَ مُستَقبَلُهُ وَضَاعَ مُستَقبَلُ أَولادِهِ، فَالمُؤمِنُ بِاللهِ يَعلَمُ أُنَّ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، فَيَطمَئِنُّ قَلبُهُ وَيَرتَاحُ بَالُهُ.


وَمِن آثَارِ التَّوحِيدِ الخَالِصِ في المُؤمِنِ، عِزَّتُهُ بِرَبِّهِ، وَاعتِزَازُهُ بِدِينِهِ، وَفَرَحُهُ بِفَضلِ اللهِ، وَشَجَاعَتُهُ في الحَقِّ وَثبَاتُهُ عَلَيهِ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ يَنظُرُ إِلى الكَافِرِينَ المَغرُورِينَ مَعَ مَا عِندَهُم مِن سُلطَانٍ مَادِّيٍّ قَوِيٍّ، أَو تَقَدُّمٍ عِلمِيٍّ دُنيَوِيٍّ، يَنظُرُ إِلَيهِم مِن عُلُوِّ الإِيمَانِ عَلَى أَنَّهُم كَافِرُونَ ضَالُّونَ، وَأَنَّهُم حَطَبُ جَهَنَّمَ هُم لَهَا وَارِدُونَ، وَأَنَّهُم كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبِيلاً، وَلَيسَ مَعنَى هَذَا الاعتِزَازِ وَتِلكَ الشَّجَاعَةِ، أَنَّهُ يَتَكَبَّرُ عَلَى كُلِّ مَن في الأَرضِ وَيَغتَرُّ، وَلَكِنَّهُ مِن زَاوِيَةٍ أُخرَى يَنظُرُ إِلَيهِم بِعَينِ الرَّحمَةِ وَالشَّفَقَةِ، وَيَتَمَنَّى لَهُمُ الهِدَايَةَ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] وَلَقَد كَانَ العَرَبُ في جَاهِلِيَّتِهِم لا يَصنَعُونَ شَيئًا سِوَى أَن يَرفَعُوا رَايَاتٍ قَومِيَّةٍ أَو قَبَلَيَّةٍ، أَو يَجتَمِعُوا لِلتُّرَابِ أَوِ الوَطَنِ، كَانُوا صَعَالِيكَ فُقَرَاءَ مَسَاكِينَ، لم يَدفَعْ تَحَزُّبُهُم عَنهُم عَدُوًّا، وَلم يُغنِهِمُ السَّلْبُ وَالنَّهْبُ شَيئًا، فَلَمَّا التَفُّوا حَولَ رَايَةِ التَّوحِيدِ العُظمَى، مَلَكُوا مَا حَولَهُم، وَقادُوا النَّاسَ في سَنَوَاتٍ مَعدُودَةٍ، وَهَا نَحنُ نُشَاهِدُهُمُ اليَومَ يَعُودُونَ إلى شَيءٍ مِنَ الضَّعفِ وَالذِّلَّةِ وَالتَّبَعِيَّةِ، لَمَّا لم يُحَقِّقُوا كَلِمَّةَ التَّوحِيدِ، نَعَم، لَقَد أَصبَحُوا ضِعَافًا بِمِقدَارِ مَا خَافُوا مِن غَيرِ اللهِ، جُبَنَاءَ بِمِقدَارِ مَا صَارَ النَّاسُ يُخَوِّفُونَهُم بِالَّذِينَ مِن دُونَهُ.


وَمِن آثَارِ التَّوحِيدِ الخَالِصِ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - حُصُولُ الأَمنِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82] وَمَن شَكَّ في أَنَّ حُصُولَ الأَمنِ مُرتَبِطٌ بِالتَّوحِيدِ، فَلْيَنظُرْ إِلى صَنِيعِ أَهلِ مَكَّةَ لَمَّا جَاءَ أَبرَهَةُ لِهَدمِ الكَعبَةِ، حَيثُ فَرُّوا إِلى الجِبَالِ وَفَتَحُوا الطَّرِيقَ أَمَامَهُ، فَلَمَّا أَنَقَذَ اللهَ - تَعَالى - بَيتَهُ الحَرَامَ، تَحَوَّلَت مَكَّةُ إِلى بَلَدٍ آمِنٍ؛ لأَنَّ الجَمِيعَ عَلِمُوا أَنَّ إِهلاكَ اللهِ لِذَلِكَ الجَيشِ كَانَ بِسَبَبِ اعتِدَائِهِ عَلَى رَمزِ التَّوحِيدِ، وَلَمَّا كَادَ أَهلُ مَكَّةَ ينسَونَ: ﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ [القصص: 57] ذَكَّرَهُمُ اللهُ بِأَهَمِّيَّةِ التَّوحِيدِ وَدَارِ التَّوحِيدِ فَقَالَ: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [القصص: 57] وَقَد نَصَرَ اللهُ - تَعَالى - إِمَامَ المُوَحِّدِينَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بِالرُّعبِ مَسِيرَةَ شَهرٍ، وَهَكَذَا تَكُونُ الأُمَّةُ حِينَمَا تُؤمِنُ بِاللهِ الإيمَانَ الحَقَّ، يَتَوَلَّدُ الأَمَانُ الدَّاخِلِيُّ في قُلُوبِ أَفرَادِهَا، وَيَتَنَزَّلُ الرُّعبُ في قُلُوبِ أَعدَائِهَا، وَلا وَاللهِ مَا انتَصَرَ المُسلِمُونَ في يَومٍ مَا لأَنَّهُم كَانُوا أَقوَى مِن أَعدَائِهِم عُدَّةً أَو أَكثَرُ عَدَدًا، لا وَاللهِ، بَل لَقَد كَانَ الغَالِبُ هُوَ العَكسُ، لَكِنَّهُ التَّوحِيدُ وَالإِيمَانُ، بِهِمَا يَتَبَدَّلُ الخَوفُ أَمنًا، وَالضَّعفُ قُوَّةً وَعَزمًا، وَالجُبنُ شَجَاعَةً وَإِقدَامًا، وَإِنَّمَا كَانَ التَّوحِيدُ سَبَبًا في حُصُولِ الأَمنِ، لأَنَّهُ أَقوَى رَابِطٍ تَأتَلِفُ بِهِ القُلُوبُ، وَتَجتَمِعُ عَلَيهِ الكَلِمَةُ وَتَتَّحِدُ الصُّفُوفُ، وَيُحَدَّدُ انطِلاقًا مِنهُ المَوقِفُ وَالمَصِيرُ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63] أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنُحَقِّقِ التَّوحِيدَ في قُلُوبِنَا؛ فَإِنَّهُ الَّذِي عَلَيهِ اجتَمَعنَا، وَبِهِ كَنَّا يَدًا وَاحِدَةً وَجَسَدًا وَاحِدًا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعدَ إِيمَانِكُم كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 100 - 103].
♦ ♦ ♦ ♦


أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ تُقَاتِهِ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ غَايَةَ الغَايَاتِ مِن تَحقِيقِ التَّوحِيدِ، أَن يَعلَمَ الإِنسَانُ أَنَّهُ سَبَبُ نَجَاتِهِ يَومَ يَلقَى رَبَّهُ، وَأَنَّ لَهُ بِهِ الأَمَانَ في الآخِرَةِ حِينَ يَخَافُ النَّاسُ، وَالفَوزَ بِالجَنَّةِ حِينَمَا يُقَادُ الكُفَّارُ إِلى النَّارِ، وَلَمَّا كَانَتِ الدُّنيَا فَانِيَةً وَالأَيَّامُ قَصِيرَةً، كَانَ عِلمُ المُوَحِّدِ بِحَتمِيَّةٍ نَيلِهِ الأمَانَ وَالفَوزَ يَومَ القِيَامَةِ بِتَوحِيدِهِ، مِمَّا يَبعَثُ في نَفسِهِ الطُّمَأنِينَةَ وَالهُدُوءَ وَالاستِقرَارَ، وَيُثَبِّتُهُ عَلَى دِينِهِ حَتَّى يَلقَى رَبَّهُ، فَسِلعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَمَهمَا وَجَدَ طَالِبُهَا دَونَهَا مِن عَقَبَاتٍ أَو مَرَّ بِهِ مِن أَذًى، فَلَيسَ ذَلِكَ إلاَّ تَمحِيصًا لَهُ وَتَطهِيرًا ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.79 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]