|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#2
|
||||
|
||||
![]() قال الله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد20]. وماذا ترجو من حياة متاعها قليل، ونعيمها مُشرب بعناء، وموعود بفناء قال تعالى: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ [النساء:77] فعلامَ يفرح الناس بها، ويسكنون إليها، وهي لا تستحق أن يفرح بها؟! قال الله تعالى: ﴿ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26]. إنها هينة عند الله تعالى حقيرة لا تساوي شيئاً يذكر. في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفته فمر بجدي أَسَك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: (أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟)، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال: (أتحبون أنه لكم؟) قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه؛ لأنه أَسَك، فكيف وهو ميت؟! فقال: (فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم). الله أكبر، هذه حقيقة الدنيا و عن المستورد بن شداد الفهري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم فلينظر بم يرجع؟!) [6]. عباد الله، ألا وإن الدنيا جديرة بالانتباه والمعرفة؛ لأنها مليئة بالفتن المعترضة في طريق الآخرة، فتن الشبهات وفتن الشهوات التي تتخطف السالكين ممن قل نصيبهم من العمل الصالح الخالص، ومن العلم النافع المنير. فطوبى لعبد زمّ نفسه وهواه، ونأت عن مواطن الفتن ميوله وخُطاه، وأودع في محاضن الخير جوارحه وفؤاده، وسلّم لشرع الله طاعته وانقياده. أيها الناس، إن نبينا الرحيم عليه الصلاة والسلام لم يخفْ علينا إدبارَ الدنيا، وإنما خاف علينا إقبالها. فقال صلى الله عليه وسلم: (فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم )[7]. فحذاري حذاري -معشر المسلمين- أن تستهوينا الدنيا؛ فنكونَ أُسارها، ورهن يُمناها، فلا نستطيع-حينذاك- الفكاكَ من بين أنيابها. أيها الكرام الأفاضل، اعلموا أن ذم الدنيا الوارد في الكتاب والسنة وفي كلام العقلاء ليس لزمانها الذي هو الليل والنهار؛ فإن الله جعلهما خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا. وليس راجعاً إلى مكانها الذي هو الأرض وما أودع فيها من آياته المنشورة: من جبال وبحار، وغير ذلك من متحرك ومن ساكن، فإن ذلك كله من نعم الله على عباده؛ لما ينالون منها من نفع وفائدة. وليس راجعاً إلى العمل والكد الجاري فيها؛ لسد الحاجة وستر الحال؛ فإن ذلك مطلوب فيها قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]. وإنما الذم راجع إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدنيا؛ لأن غالبها واقع على غير الوجه الذي تُحمد عاقبته، وتُجنى فائدته. والذم أيضاً راجع إلى جعلها غاية وهدفاً، ينصبّ إليه همُّ الإنسان وفكره وعمله، مع الغفلة بها عن الهدف الأسمى الذي خُلق له الإنسان. ولهذا فإن الدنيا نعمة من الله تعالى على المؤمن؛ لأنه لم يدخل الجنة إلا حينما كانت ظرفَ عمله ومزرعة زاده. قال الحسن البصري رحمه الله: ": نعمت الدنيا داراً كانت للمؤمن؛ وذلك أنه عمل قليلاً، وأخذ زاده منها للجنة، وبئست الدنيا داراً كانت للكافر والمنافق؛ وذلك أنه ضيّع لياليه وكان زاده منها إلى النار". وسئل أحد السلف: ماهي الدنيا التي ذمها الله في القرآن؟ والتي ينبغي للعاقل أن يتجنبها؟ فقال: "كل ما أصبتَ في الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ما أصبت منها تريد به الآخرة فليس منها". ألا وإنها فرصة -يا عباد الله- لا تعود، وهبة لا تتكرر، ألا فاعملوا واغتنموا عمركم فيها، بما يسعدكم يوم المعاد، قبل الندم على زمن مضى وعمر انقضى بلا زاد، فكم من متمن يتمنى الرجعة والأوبة، ولكن هيهات الرجوع بعد ما ذهبت أيام الدنيا ولياليها قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99 ،100]. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: معشر المسلمين، لما علم الصالحون أن العيش الحقيقي ليس على هذه الدار، وإنما هو في دار القرار، وأن الحياة الكاملة الناعمة إنما هي حياة الآخرة صُغرت الدنيا في أعينهم، وهانت عليهم أن يجعلوها في قلوبهم، كما فعل أبناء الدنيا. بنوْ الدنيا بجهلٍ عظّموها ![]() فجلّت عندهم وهي الحقيره ![]() يهارِشُ بعضهم بعضاً عليها ![]() مهارشةَ الكلاب على العقيره ![]() لم يحزن الصالحون على ما فاتهم منها، ولم يفرحوا بما نالوا من حطامها، وأخذوا من عرَضها الزائل زاد الراكب حتى بلغوا وجهتهم السعيدة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض) [8]. وقالت: (كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدَم، حشوة ليف) [9]. كان عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يكون أغنى الناس وأترفهم، يأكل ويشرب ويلبس ويسكن ما يريد، ولكنه سما عن ذلك إلى ادخارها إلى مكان آخر، ورضي بالقليل ليلقى هناك الكثير. وأعرض عما يبلى لينال ما يبقى، فخرج من الدنيا خفيفاً غير مثقَل، ومات ودرعه مرهونة بدرهمين قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب: 21]. ألا -يا عباد الله- فاعرفوا هذه الحقائق ولا تجهلوها، فإذا عرفتموها فلا تغفلوا عن العمل الصالح، والاستعداد بخير زاد ليوم المعاد. واصبروا اليوم لترتاحوا غداً، فما وجد الراحة من لم يصبر، وخذوا من الدنيا ما يكفيكم في هذه الرحلة، ولا تكثروا؛ فتثقلوا فيصعب عليكم المسير، ويطول عليكم الحساب. ولا تنظروا إلى آلام الطريق فتقفوا عندها، بل جاوزوها؛ فعما قريب ترون دار الأحبة فيذهب عندها تعب الطريق. وسارعوا واستبقوا الخيرات، فما أقرب وصول من جدَّ في السير ليلَه ونهارَه. قال ربنا الكريم: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]. وقال رسولنا صلى الله عليه و سلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) [10]. وانتصرِوا-عباد الله- على قطاع الطريق: على النفس والهوى والشيطان، بالمجاهدة والمصابرة، وبالأمل إلى موعود الله تعالى. وقل لنفسك - يا عبد الله- إذا اشتهتِ الحرام: صبراً قليلاً فعما قريب تنالين هناك أعظم مما تشتهينه هنا فأعينيني هنا تغنمي هناك. وارتحل بقلبك إلى تلك المنازل التي ينتظر قدومَك فيها ملائكةٌ مستقبلون يقولون: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد24]. وفيها أهل مشتاقون أمضّهم الانتظار على باب الجنة، لك فيها دار بُنيتْ فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ألا فطلقوا الدنيا الفانية لتتزوجوا الآخرة الباقية؛ إذ لا يجوز الجمع بين أختين: إن لله عباداً فُطنا ![]() طلّقوا الدنيا وخافوا الفتنا ![]() نظروا إليها فلما علموا ![]() أنها ليست لحيِّ سكنا ![]() جعلوها لجنة واتخذوا ![]() صالح الأعمال فيها سفنا ![]() وصلوا وسلموا على الهادي البشير، والسراج المنير... [1] ألقيت في 7 /11/ 1428هـ، في مسجد ابن تيمية. [2] رواه أحمد وابن حبان، وهو صحيح. [3] رواه مسلم. [4] رواه البخاري. [5] متفق عليه. [6] رواه مسلم. [7] رواه مسلم. [8] رواه البخاري. [9] متفق عليه. [10] رواه الترمذي والحاكم، وهو صحيح.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |