نظرات تأملية في الموت - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         يوم عرفة لفضيلة الشيخ مصطفى العدوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فصل التكبير لفضيلة الشيخ مصطفى العدوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الميت الغارم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حالات يباح فيها التيمم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فضل عشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الواجب على طالب العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الحلف بآيات الله.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حكم التعلق بالأسباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 53 - عددالزوار : 34096 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 2553 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-05-2021, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,297
الدولة : Egypt
افتراضي نظرات تأملية في الموت

نظرات تأملية في الموت


إبراهيم جاسم



الحمد لله الهادي لمن استهداه، الكافي مَن تولَّاه، أحمده سبحانه حمدًا نبتغي به وجهَه ورِضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ربَّ غيرُه ولا إله سِواه، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، أفضلُ نبيٍّ هداه ربُّه واصطفاهُ واجتباه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا تزكُو بهما النفوس، وتسمُو وتطيبُ بهما الحياة، أما بعد:



فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل في علاه، فالتقوى عمل بطاعة الله على نورٍ من الله رجاءَ ثواب الله، وترك لمعصية الله على نور من الله مخافةَ عذاب الله.



أما بعدُ:

فيا أيها المؤمنون، ليس هناك إنسان يشك ثانيةً واحدة أنه لن يموت ولن يفارق الحياة سواءً في القريب العاجل أو في المستقبل البعيد، ولكن النفوس والعقول تختلف في تصوُّره وفَهم غايته وحقيقته، فهناك من يعيش ترتعد فرائصه ويحيى على وجَلٍ، ويرى أنه مهدَّد بالموت في كل لحظة، فهو لا يفتر أن يستدعي في نفسه هذه الحقيقة، ويعكِّر صفو حياته لسوء إدراكه وسوء ظنه بالله، وهناك من يرى أنه أمر لا بد منه، وكأس لا بد من شربه، وأدرك أنه خلِق للعبادة، فهو لا يفتر عن السعي في مرضاة ربه والبعد عن معصيته؛ استعدادًا للقاء ربه وهو على خير، ولكنه لم يتعمَّق في فَهْم هذه الحقيقة، وهناك من جمع بين الصنفين الأول والثاني، واختلطت الأمور بالنسبة إليه، وهناك من عاش يسعى خلف ملذاته وشهواته، ونسِي أنه يومًا ما سيموت، ويدخل في حفرة ضيِّقة، وغفل عن ساعته أيما غفلة، ويتنوع الناس بمشاربهم وتوهُّماتهم، فهناك من غاب عقله في دهاليز الأفكار وغياهب الظلام، فإذا حار العقلاء، فكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي المرد والمجلى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]، إذا تنازعنا مع بعضنا فالمرد كتاب الله، فإن فيه أحسنَ تأويل وأوضح بيان لكل شيء في هذا الوجود، وقال جل وعلا: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].



بيَّن الله في كتابه أمرَ كلِّ شيء، وذكر في الآية نفسها بعد البيان كلمة الهداية والرحمة، فكتاب الله فيه البيان والهداية، فهو يهدي الإنسان لأفضل الاعتقادات والتصورات والأفعال الصحيحة، وهذا البيان والهدى رحمة مِن الله بنا، فلم يجعلنا مبهمين، بل بيَّن لنا ووضَّح لنا جل وعلا حقائقَ كل شيء، وسنن كل شيء، فإن طبَّقنها سعدنا في الدنيا والآخرة: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، وهذه الآية سنة وقانون في سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، فكل ما نعانيه من شقاء سببُه البعد عن هدى الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.



فلنقف وقفة تأملية حول هذا الحقيقة، ونحاول أن نبحر في عالم المعاني، فالحقائق كالبحر المدلهم فيه من الأسرار والكنوز التي لا سبيل لإخراجها إلا بالغوص والنزول في أعماقها، واستخراج مكنوناتها، ولنتأمل سويًّا كيف صوَّر لنا القرآن حقيقة الموت وطرحه لنا، فكتاب الله فيه الشفاء والرحمة: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، شفاء لأسقام القلوب والأبدان؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].



أي كل نفس لا بد أن تذوق الموت، وهذا أمرٌ كتبه الله على كل مخلوق كبُر أو صغُر، عظُم أو حقر، غني أو فقير، صحيح أو مريض:

فكم من صحيح مات من غير علةٍ *** وكم من مريضٍ عاش حينًا من الدهر



ولكن الموت خُلق لغاية عظيمة ألا وهي العمل والجزاء على العمل؛ قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 1، 2].



ليبلوكم؛ أي: ليمتحنكم ويختبر صدق إيمانكم بهذا الأمر، وليس أي عمل بل أحسنه؛ أي: أخلصه وأصدقه لله، فالله خلقنا لعبادته وعمارة الأرض بالخير، وما فيه نفع الناس وصلاح شأنهم الذي يعينهم على عبادة ربهم، وتحقيق الغاية التي خُلقوا من أجلها.



فهنالك من أعاق نفسه عن الحياة؛ لأنه معتقد أنه سيموت، فلا يعمل ولا يتزوج، ولا يسعى في مصالحه، واعتزل الناس وعاش في حزن وبؤس؛ لأنه سيموت، وهذا قد أساء الفهم وظن في الله غير الحق، ولو تأمَّلنا في آيات الموت، لوجدنا أنه جل وعلا ربط بعضها بالعمل والسعي قبل أن يأتي الموت؛ لأن ديننا دينُ عملٍ وبذل؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، فالله جل في علاه يأمر بالإنفاق والمسارعة بالخير قبل الموت، وهذا يحتاج إلى عمل وسعي صادق، وبُعدٍ عن الغفلة والمعاصي، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].



وهذه الآية تحث المؤمنين على تقوى الله، وأن ينظر كل منهم ما قدَّم لنفسه لغد، فاليوم في الدُّور وغدًا في القبور:



وكل ابن أنثى وإن طالتْ سلامتُه

يومًا على آلة حدباءَ محمولُ



فإذا حملتْ إلى القبور جنازة

فاعلَم بأنَّك بعدها محمولُ






وقال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [العنكبوت: 57، 58].



فالآخرة هي الحياة الكاملة، وهي دار إقامة المؤمن وليس هذه الدنيا، فجيء بنا إلى الدنيا؛ لنقوم بمهمة عبادة الله وعمارة الأرض بالخير: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر: 39]، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وهذه العبادة مقابل سنوات معدودة يقابلها نعيم أبدي سرمدي في جنة لا ينفد نعيمُها، ولا ينقضي الحبور والسرور والسعة فيها: ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198].



لكنها للمتقين أقرب، الذين عرَفوا ربَّهم، وأقبلوا عليه، وابتعدوا عن معصيته، فلا بد أن نرجع إلى موطن الإقامة ونحن هنا غرباء، فليست الدنيا موطنَنا؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((كنْ في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))؛ فالغريب يتخفَّف من متاعه في دار الغربة، ويرسل لبلده أجمل ما يملِكه؛ حتى يسعد به إذا عاد لموطنه، والغريب في وطن غير وطنه عندما يبشَّر بالرجوع يفرَح ويُسَرُّ؛ لأنه سوف يرجع لمهوى الفؤاد ومعانقة الأحباب والأولاد، وموادعة لوعة الغربة ووطأة تلك الأيام، فالمؤمن عند اللقاء يُبَشَّر ويُطَمْأَنُ:



﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].



ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلةٌ، فليَغرسها)، وهذا الحديث يؤكد أن الدين يحثُّ الإنسان على العمل، ولو لآخر لحظة في الحياة، إذًا الموت بالنسبة للمؤمن باعث ومحرك له يَدفعها إلى الله والمسارعة في مرضاته، ومانع له من كثرة الذنوب والمعاصي!



الموت بالنسبة للمؤمن هو يوم اللقاء مع أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، لقاء العبد مع ربه الذي طالما صلى من أجْله، وتصدَّق من أجله، وغضَّ بصره من أجله، وقام بين يديه راكعًا وساجدًا من أجله.



يوم يوفَّى فيه المؤمنُ بعضَ أجره، قد زال عنه النصب، واستراح فيه من العمل، ولقي ما يسره من جزيل الثواب وكرم الرب التواب، يوم يقطف فيه المؤمن ثمرةَ صلاحه، ويُفسَح للمؤمن في قبره مد بَصره، يأتيه من روحها وريحانها، فالجسد يبلى والروح تنعم وتُسَرُّ، والذي مات فقد مات جسده، فالجسد وعاء النفس، أما روحه فتنعم عند خالقها، فالإنسان أكبر من أن يكون جسدًا.



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



عباد الله، فمن وجد خلاف ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسه؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُون ﴾ [الروم: 44]، وقال جل وعلا: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [الجاثية: 15]، ولا يخافنَّ العبد إلا ذنبه، ولا يرجونَّ إلا ربَّه!



فالعامل الذي يسعى ثلاثين يومًا على رزقه، يتحمَّل فيها المشاق وحرارة الشمس الحارقة، وعناء العمل وشِدته، هل يحزن يوم قبض الأجر، بل يُسَرُّ أشد السرور؛ لأنه قطف ثمرة تعب شهره كله؟ وأما من خلد للنوم وآثَر الدعة والراحة على العمل، وظن أنه سيُحصِّل راتبَه كاملًا في نهاية شهره، فهذا سفه لا يقبله عقل؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، لذا فإن دمج الرجاء مع العمل والأمل بلا عملٍ يُعد وهمًا ووهنًا! فالذي يغرس شجرة ويسقيها في كل طليعة شمس، ويأمُل أن تثمر يومًا، فأملُه صحيح؛ لأنه بادَر بالعمل قبل الأمل؛ فعن أبي قتادة بن رِبْعيٍّ الأنصاري رضي الله عنه أنه كان يحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مُرَّ عليه بجنازةٍ، فقال: ((مُستريحٌ ومُسْتَراحٌ منه))، قالوا: يا رسول الله، ما المُستريحُ والمُستَراح منه؟ فقال: ((العبد المؤمن يستريح من نصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يَستريح منه العبادُ والبلاد والشجَرُ والدوابُّ))؛ أخرجه البخاري رقم: (6147)، ومسلم رقم: (950)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يموتنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسن الظن بالله"؛ رواه مسلم.




فظُنَّ بالله خيرًا، لكن اصْحَبْ هذا الظن الحسن بحُسن العمل، فمن أساء العمل وأحسن الظن، فقد أساء الأدب مع الله، وعِش متفائلًا بنفس مقبلة، وكلما استحوذ عليك الشيطان ونزَغك بالوساوس، استعذ بالله منه، وتذكَّر قوله تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268]، هذه حقيقته، فلا تغترَّ بوساوسه، وثِقْ بوعد الله ومغفرته وفضله، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، وليس معنى ذلك أنا نهوِّن من حقيقة الموت، فالموت سيظل تهابه النفس، وله وقْعه على النفس، حتى إن الله سمَّاه مصيبة، والقدوم على الله ليس بالأمر الهين، ولكن المؤمن يُحسن العمل ويُحسن الظن بربه، فهو أرحمُ بالعبد من والديه، فالسلف حينما نزل بهم الموت كانوا يحسنون الظن بالله.




مرض أعرابي، فقيل له: إنك تموت، قال: إلى أين يُذهَبُ بي؟ قال: إلى الله، قال: فما كراهتي أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه؟ وقال سفيان الثوري: «ما أحب أن حسابي جُعل إلى والدتي، ربي خير لي من والدتي».



اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنَّا، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.88 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]