|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ♦ وطريق العلم المُجاهَدة؛ فلا يستقيم الإنسان على طريق العلم إلا إذا بذل مِن أجل ذلك جهده، وتواضَع بين يدَي مُعلِّمه، ثم نشَر ما تعلَّم؛ فزكاةُ العلم إنفاقُه، والعلم لا يُعطيك جزأه إلا إذا أعطيته كُلَّكَ، أما أذا أعطيته فضولَ وقتِك وشغلتَ قلبك بغيره، فلن تَنال منه بُغيَتكَ. فقلْ لمرجِّي معالِي الأمورِ ![]() بغيرِ اجتهادٍ طلبتَ مُحالاَ ![]() قال يَحيى بن كثير: "لا يُنال العلم براحة الجسد". وقد قيل: "مَن طلَب الراحة ترك الراحة، والنعيم لا يُدرَك بالنعيم"، فيا واصل الحبيب، أمَا إليه بغير مشقة أبدًا طريق؟! رُوي عن إمام العلماء معاذ بن جبل صاحب رسول الله حين حضرتْه الوفاةُ أنه قال: "اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحبُّ البقاء في الدنيا لكَرْي الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنتُ أحب البقاء لمُكابَدة الليل الطويل، ولظمأ الهواجر في الحرِّ الشديد، ولمُزاحَمَة العلماء بالرُّكب عند حِلَق الذِّكر"، والمزاحمة تَعبير لطيف يوحي بالمُجاهَدة لتحصيل ما يُحبون وله يَطمحون، رحمهم الله سمَتْ نفوسُهم فلم يَتنافسوا ولم يرغَبوا إلا في معالي الأمور. يقول نصر السمرقندي: "لا يَنال هذا العلمَ إلا مَن عطَّل دُكَّانَه، وخرَّب بُستانه، وهجَر إخوانه، ومات أقرب الناس إليه فلم يشهَد جنازته"، وتلك الأشياء لا تُقصَد على حقيقتها، ولكن كناية عن التفرُّغ وجعلِ العلم على قمَّة سُلَّم الأولويات، فهو المطلوب الأعظم، وهم - رحمهم الله -لم يفعَلوا ذلك ولم يَصِلوا إلى تلك الحالة الراقية السامية النيِّرة الشريفة، إلا لحبِّهم العلم؛ حتى أصبَح حالُهم كحالِ المُحبِّ مع محبوبه. فما في الأرضِ أشقَى مِن مُحبٍّ ![]() وإن وجَدَ الهَوى حُلوَ المَذاقِ ![]() تراهُ باكيًا في كلِّ حينٍ ![]() مخافةَ فُرقةٍ أو لاشتياقِ ![]() فيَبكي إن نأَوْا شَوقًا إليهمْ ![]() ويَبكي إن دنَوا حَذَرَ الفِراقِ ![]() فتَسخُنُ عينُه عندَ الفِراقِ ![]() وتَسخُنُ عينُه عندَ التَّلاقِي ![]() فهكذا حال المُتعلِّم مع العلم، فمَنهومان لا يَشبعان؛ طالب علم، وطالب مال؛ لذلك لما ذاق السلف الأول حلاوةَ العلم، ترَكوا لأجل ذلك الديار والأوطان والأحباب، فمَن ذاق عرَف، ومَن عرف اغترف، ومَن حُرم انحرَف. فلولا اغتِرابُ المسْكِ ما حلَّ مَفرِقًا ![]() ولولا اغترابُ الدُّرِّ ما حلَّ في التاجِ ![]() يقول الليث بن سعد عن الزهري: "ما رأيت أحدًا أجمعَ مِن الزهري؛ يُحدِّث في الترغيب، فنقول: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدَّث عن العرب والأنساب، قلت: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدَّث عن القرآن والسنَّة، كان حديثه"، يقول عنه ابن أخيه: "جمع عمِّي القرآن في سبعين ليلة". يقول الزهري عن تجرِبته في طلب العلم: "إنما يُذهِب العلمَ النسيانُ وتركُ المذاكَرة". هذا، ويدل بعض العلماء على بعض طرُق حفظ العلم، فيقول: "علِّم علمكَ مَن يجهل، وتعلَّم ممَّن يعلم؛ فإذا فعلتَ ذلك، حفظت ما عَلِمتَ، وعلِمتَ ما جهلت"، وكان بعضهم يوقظ جاريته إذا ذهب إلى بيته فيَتلو عليها ما تعلَّم، وهو يُدرِك أنها لا تفهَم حديثه، وما يفعل ذلك إلا لتثبيت ما تعلَّمَ. فالإقبال على العلم بعزم وهمَّة وحبٍّ وأمل في رفعة الدرجات في الدنيا والآخرة، مبتغيًا بذلك وجه الله، راجيًا توفيقه ورضاه - لا شكَّ يرسِّخ العلم في قلب صاحبه. فأدِمْ للعلمِ مُدارسةً ![]() فحياةُ العلمِ مدارستُه ![]() وأيُّ شغلٍ كمِثلِ العلمِ تَطلُبُه ![]() ونقْلِ ما قد رَوَوْا عن سيِّدِ البَشَرِ ![]() ♦ وطريق العلم ورجاء بركته أن يتواضع الطالبُ بين يدي مُعلِّمه؛ يقول ابن عباس: ذللتُ طالبًا، وعززتُ مطلوبًا. قال تعالى: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]. قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: "والمعنى: أن تُعلِّمني علمًا ذا رشد، وهذه القصة قد حرَّضت على الرحلة في طلب العلم، واتِّباع المفضول للفاضل طلبًا للفضل، وحثَّت على الأدب والتواضع للمصحوب". وفيما أخرج أحمد وحسَّنه الألباني عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس مِن أمتي مَن لم يُجلَّ كبيرنا، ويرحَم صغيرنا، ويَعرف لعالِمنا حقه))، وقال بعض العلماء: حقُّ العالم آكَدُ مِن حق الوالد؛ لأن الوالد يقي ولده مِن نار الدنيا - يَقصِد الفقر وخلافه - أما العالم، فيقيه نار الآخرة - يقصد أنه يدله على الطريق لربه، فتكون خاتمة أمره السعادة بالفراديس. قال الشافعي: فصبرًا على مُرِّ الجَفا مِن مُعلِّمٍ ![]() فإنَّ رسوبَ العِلمِ في نفَراتِهِ ![]() ومَن لم يَذُقْ مُرَّ التعلُّمِ ساعةً ![]() تجرَّعَ ذلَّ الجهلِ طولَ حياتِهِ ![]() ومَن فاتَه التعليمُ وقتَ شبابِهِ ![]() فكبِّرْ عليه أربعًا لوفاتِهِ ![]() وذاتُ الفتَى - واللهِ - بالعلمِ والتُّقى ![]() إذا لم يَكونا لا اعتبارَ لِذَاتِهِ ![]() وقال في المنثور مِن الكلام: "لا يَطلُب أحد هذا العلم بالملك وعزِّ النفس فيُفلح، ولكن مَن طلبه بذلِّ النفسِ، وضيقِ العيش، وخدمة العلماء، أفلَح". ويَنقل صاحب "العقد الفريد" حاكيًا "أن زيد بن ثابت رَكِب، فأخذ عبدالله بن عباس بخُطام دابته؛ فقال: لا تفعل يا بن عمِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هكذا أُمِرنا أن نفعل بعلمائنا، قال زيد: أَرِني يدكَ، فلما أخرَج يده قبَّلها، وقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بابن عمِّ نبيِّنا". وقالوا: خدمة العالِم عبادة. وقال علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه -: مِن حقِّ العالِم عليك إذا أتيته أن تُسلِّم عليه خاصة وعلى القوم عامَّة، وتَجلِس قُدَّامه، ولا تُشير بيدك، ولا تَغمِز بعينك، ولا تقول: قال فلان خلاف قولك، ولا تأخذ بثوبه، ولا تُلحّ عليه في السؤال؛ فإنما هو بمنزلة النخلة المُرطبة التي لا يزال يسقط عليك منها شيء. وقالوا: إذا جلست إلى العالِم، فسل تَفقُّهًا ولا تَسل تعنُّتًا، فإنْ حافَظ الطالب على تواضُعِه بين يدَي مُعلِّمه، والتزم الأدب في حضرته، ولم يراجعه في كلامه، فقد اقتفى هدي الأنبياء والصحب الكرام، ففتح الله عليه فُتوح العارفين، وأغدق عليه مِن بركاته، فإذا كان المرء منا مأمورًا أن يلتزم الأدب والتواضع في كل نفَس مِن أنفاسه مع جميع الخلق، فإن الأولى بذلك مَن يأخذ بيده ليُخرجه إلى عالم مِن النور فسيح. وأخيرًا فهذه منثورات على طريق العلم وفضله؛ عسى أن تُحرِّك ساكنًا أو تُقوِّي سالكًا. أسأل الله أن يجعلنا من العلماء العاملين الراسخين المخلصين الربانيِّين، اللهم آمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |