|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من مآلات القول بجواز الاستغاثة بالأموات من الأنبياء والأولياء د. علي حسن الروبي الحمد لله الذي أمَر بإخلاص الدين كله له، وأصلِّي وأسلِّم على عبده المصطفى ونبيه المجتبى، وعلى الآل والصحب ومن تبعهم بإحسان؛ أما بعد: فالنظرُ في مآلات الأقوال ولوازمها ونتائجها وما ينبني عليها - له دورٌ كبير في بناء التصور الصحيح لحكمها الشرعي. وقد أمر الله تعالى بإخلاص الدين كله، وتخليصِ العبادة من كل شائبة من شوائب الشرك؛ كبيرِهِ وصغيرِهِ؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 2، 3]. وقال تعالى: ﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [الأعراف: 29]. ومن الموضوعات التي لها تعلُّقٌ بباب الإخلاص الاستغاثةُ بالأموات من الأولياء والصالحين، وطلب الحاجات منهم، وهي مسألة لاقت جدلًا كبيرًا في الماضي والحاضر، ما بين القول بشركيَّة هذا الفعل، والقول بسواغيَّته وأنه نوع من التوسل، وليس شركًا إلا في حالة معينة. والمسألة طويلة ومتشعبة، وليس بحثها واستقصاء أدلة المانعين أو شبهات المجيزين هو غرضنا في هذه المقالة الموجزة، وإنما الغرض هنا تسليط الضوء على مآلات القول بجواز الاستغاثة بالموتى، وما يستتبعه من لوازمَ، وما يؤدي إليه من مضايقَ وإشكاليات. فأقول بالله والتوفيق: يستند القائلون بجواز الاستغاثة بالأموات من الأولياء والصالحين، وأن طلب المستغيث منهم ونداءه لهم بأن يشفوا مريضه، أو يفرجوا كربته، أو يردوا غائبه، أو يحققوا مقصوده... إلى آخر ما هو موجود من سؤالِ فئامٍ من الناس لمسائلهم وحاجاتهم، من أولئك الموتى من أهل الصلاح والتقوى - أقول: يستند المجيزون أن كل تلك الاستغاثات والنداءات ليست من باب الطلب والدعاء الصريح من المستغيث للمُستغاث به، بل هي من قبيل المجاز، والتقدير في كل ذلك: أن المستغيث يتوسل ويستشفع بالمستغاث به عند ربه تعالى أن يحقق له مرجوَّه، وأن يُوصله إلى مقصوده، وأن يقضي له حاجته، وليست من الشرك؛ فإن التوسل والاستشفاع إلى الله بالصالحين جائز، وإنما تكون الصور السابقة كلها شركًا في حالة واحدة؛ ألا وهي: إذا اعتقد المستغيث والمنادي للولي والصالح استقلالَه بالفعل من دون الله، وأنه يملك التصرف في الكون استقلالًا؛ فإذا اعتقد هذا كان مشركًا في الربوبية، وآتيًا ما أتاه مشركو العرب؛ حيث كانوا يعتقدون ربوبية أصنامهم من دون الله، وأنها تملك التصرف في الكون، وبالجملة، فما دام المستغيث لا يعتقد فيمن يستغيث به الربوبية والإلهية، كان فعله هذا توسلًا واستشفاعًا، لا شركًا وكفرًا. هذا تقرير وجهة نظر مجيزي الاستغاثة، ويعزو بعضهم هذا الجواز إلى المذاهب الأربعة وجمهور العلماء، وكما تقدم أعلاه، فإن هذه المقالة الموجزة في مآلات هذا القول، وليست في مناقشته من جميع جوانبه، فيقال لأصحاب هذا القول: إذا كان قول القائل: "يا بدوي اشفِ مريضي"، أو "يا حسين نجِّح أولادي"، أو "يا عبد القادر أعطني الذرية"، إلى آخره - هو من قبيل المجاز حسب قولكم، وحقيقته الاستشفاع والتوسل، لا حقيقة الدعاء والطلب، فاطراد مذهبكم أنه يَسُوغ أن يقول القائل: "يا حسين اغفر لي"، والتقدير: يا حسين اشفع لي عند الله أن يغفر لي، وكذلك يسوغ أن يقول القائل: "يا عبد القادر أدخلني الجنة وأجرني من النار"، والتقدير: اشفع لي أن يدخلني الله الجنة وتوسل لي أن يجيرني الله من النار. ويسوغ على هذا المذهب أن ينادي الناس أحد الأولياء من الأموات قائلين: "اسقنا يا فلان غيثًا مغيثًا"، والتقدير: اشفع لنا عند الله أن ينزل علينا الغيث من السماء. ويسوغ أن يطلب الناس من الأولياء أن يعافوهم ويعفوا عنهم، والتقدير: أن يشفعوا لهم عند الله أن يعافيهم ويعفوَ عنهم. ويسوغ أن يطلب الناس من الأولياء من الأموات أن يستروهم في الدنيا والآخرة، والتقدير الاستشفاع لهم عند الله بتحقيق ذلك. ويسوغ أن يطلب الناس من الأولياء أن يؤتوهم في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وأن يوقوهم عذاب النار، والتقدير: التوسل لهم عند الله بأن يفعل ذلك لهم. ويسوغ أن يطلب الناس من الأولياء أن يعطوهم الرزق الحلال، والعيشة الهنيَّة، والمِيتة السويَّة، والمردَّ غير المُخزي ولا الفاضح، والتقدير في كل ذلك أنهم يتوسلون بهم عند الله لحصول هذه الأمور. ويسوغ أن يطلب الناس من الأولياء أن يُمتعوهم بأسماعهم وأبصارهم وقوتهم مدى الحياة، وألا يُرَدوا إلى أرذل العمر، والتقدير: التوسل والاستشفاع بأولئك الأولياء عند الله لحصول هذه المطلوبات، ويسوغ أن يطلب الناس من الولي أن يثبتهم على دين الله، وأن يعيذهم من الشرك الجلي والخفيِّ؛ لأن التقدير: اشفع لي عند الله ليعيذني من الشرك ويثبتني على دينه! وهكذا يطرد الأمر في كل الدعوات والمطلوبات والحاجات التي يدعو الناس ربهم ليحققها لهم، فيسوغ على قول أولئك المجوِّزين للاستغاثة والنافين لشبهة الشرك عنها، والجاعلين لها بمنزلة التوسل والاستشفاع - أن يطلب الناس من الأولياء من الأموات كلَّ الأشياء التي يطلبونها من الله، سواء كانت من حاجات الدنيا أو الآخرة؛ لأنهم - حسب هذا القول - متوسلون ومستشفعون لا سائلون سؤالًا حقيقيًا. فهل يجوِّز أصحاب هذا القول هذه الأمورَ؟ وأن يظل الناس لاهجين بكرةً وعشيةً باسم الولي، سائلين له أن يغفر لهم ويدخلهم الجنة ويُجيرهم من النار، ما داموا لا يعتقدون في ذلك الولي الربوبية والتصرف في الكون، دون إذنٍ من الله، وإنما هو نوع توسُّل واستشفاع؟! وإذا منعوا منه، فما الفرق بينه وبين الصور التي أجازوها من سؤال شفاء المريض وإنجاح الحاجة؟! فالله عز وجل يملِك إدخال الجنة، كما يملك شفاء المريض، ويملك مغفرة الذنوب، كما يملك إنجاح الحاجة، وإذا كان يسوغ سؤال الولي أن يشفي المريض، ويُنجح الحاجة على معنى الاستشفاع والتوسل، فلا بد أن يسوغ كذلك سؤال النبي أو الولي أن يغفر الذنب، ويُدخِل الجنة، ويُجير من النار، على معنى أن يتوسل النبي أو الولي إلى الله أن يفعل ذلك بالمستغيث، ويعطيه إياه بشفاعة النبي أو الولي. وإذا أجازوا، وقالوا: ليس هو من الشرك أيضًا، وللناس أن يطلبوا من الأنبياء والأولياء دخول الجنة والنجاة من النار، ما دام قصدهم أن يشفعوا لهم في ذلك، فها هنا سؤال لا بد منه، وهو: هل هناك حدٌّ لهذا الأمر، أم لا حد له؟ وإن كان له حدٌّ وقدرٌ لا يعدوه، فما دليل التحديد؟ أعني بذلك: إذا كان سؤال النبي أو الولي قضاء حاجات الدنيا والآخرة سائغًا وجائزًا بالقيد الذي ذكروه، وهو التوسل والاستشفاع، فهل يُمنع الإنسان من الإكثار من ذلك؟ وما دليل المنع؟ فهل يسوغ أن يقول المسلم كلما دعا الله وسأله الجنة والمغفرة، أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء الجنةَ والمغفرةَ أيضًا؛ بمعنى أن يردد: "اللهم اغفر لي، يا رسول الله اغفر لي، يا رب أدخلني الجنة، يا رسول الله أدخلني الجنة"، ومقصوده: اشفع لي عند الله أن يدخلني الجنة؟ وهل له أن يقول في سجوده: يا رب اشفِ مريضي، يا رسول الله اشف مريضي، أو يا رب أدخلني الجنة، يا رسول الله أدخلني الجنة؟ هل هناك مانع من ذلك؟ وما المانع منه والرجلُ لا يعتقد في النبي صلى الله عليه وسلم ولا في الولي الربوبيةَ ولا الخالقيةَ ولا الإلهية، وإنما يستشفع فحسب؟ وهل يسوغ أن يذرِف السائلون والداعون الدموعَ، ويُظهروا الفاقة وهم يطلبون من الأنبياء والأولياء تلك المسائلَ والحاجات؟ وهل لهم البكاء والخضوع والاستكانة للمستشفَع به لأجل أن يرحمهم ويتوسل لهم عند الله بتفريج كرباتهم؟! وما دليل المنعِ إنْ منع من ذلك المجيزون للاستغاثة؟ وهل هناك بأسٌ أن يلْهَجَ الناس بهذه الاستغاثات وتلك التوسلات في عرفات، وعند البيت الحرام، وفي أدعية القنوت في رمضان، وفي الاستسقاء والكسوف، وغير ذلك من الحوادث؟ فإن منعوا، فما مستندُ المنع؟ وهم يقولون: هذا توسل وليس دعاءً حقيقيًّا، ومعلوم والتوسل والاستشفاع بالصالحين من القُرباتِ المأمور بها؟ فما وجه منعهم من انتشاره في المواطن المذكورة؟! وإن أجازوا انتشار ذلك، وحصوله من الناس في عُسرهم ويُسرهم، وفي سائر الأزمنة والأوقات، مع الضابط الذي يضعونه، فهل هذه هي عبادة الدعاء التي أمر الله تعالى بإخلاصه له في كتابه الكريم؛ فقال: ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [غافر: 14]، وقال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في وصيته لابن عباس ولعموم الأمة؛ حيث قال: ((وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْألِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ))؟! ماذا بقيَ لله تعالى وقد صار سبحانه أحد المدعوين المسؤولين، لا المدعوَّ الأوحد ولا المسؤول الأفرَد؟! لم يعد سبحانه بعد تجويز هذه الاستغاثات - بالقيد المزعوم - هو الملجأ في الكروب والضراء والبلواء، بل أصبح هو سبحانه وغيره من الأولياء والأنبياء، يُدعى هو دعاء حقيقيًّا، ويُدعى غيره من الأنبياء والأولياء دعاءً مجازيًّا على ما زعموا. وما مفارقة هذه الحال - أعني حال سؤال الله تعالى وسؤال غيره معه - للحال التي كان عليها المشركون من دعاءِ الله ودعاء غيره، اللهم إلا في المعتقد المزعوم أنَّ من يسألون المسائل والحاجات اليوم من غير الله لا يعتقدون فيمن يسألونهم الربوبية التي كان المشركون يعتقدونها؟! فانظر إلى سخافة هذه الحال وبشاعتها على افتراض صحة هذا الزعم، وكيف عاد الأمر إلى ما كان عليه في الجاهلية من حيث الصورة على الأقل؛ حيث يتوجه الناس إلى الله وإلى غير الله، تلك الصورة التي جاء الإسلام بمحاربتها، وامتلأ القرآن الكريم بالنعيِ على أصحابها الذين كانوا يتوجهون بمسائلهم وحاجاتهم إلى الله تعالى وإلى آلهتهم. ثم نمضي فنسأل: ما حال الأطفال والشَّبِيبة حين يسمعون آباءَهم ومعلميهم يلهَجون بسؤال غير الله؟ وماذا سينقَدِح في عقولهم ويحصُل في قلوبهم من ضرورة سؤال أولئك الصالحين عند سؤال الله، وإلا لَما عمل الدعاء عمله عند الله، وما رُجي له قَبولٌ واستجابة؟ والأمر ذاته في حال العوام قليلي العلم، وهم جمهور الناس وسواد الأمة، ماذا سيحدث لقلوبهم وتعلقها بأولئك الأولياء المتوسَّل بهم في صورة الاستغاثة والطلب والدعاء؟! في أحد مقاطع الفيديو التي يتشاركها الناس على مواقع التواصل، يظهر رجل يطلب من البدوي أن يرزق بقرته الحملَ، ويتعهد أن يكون نصفها له إن تحقق ذلك! وفي مقطع آخر تستشفع امرأة بالنبي صلى الله عليه وسلم – لا عند الله تعالى - بل تستشفع به صلوات الله عليه عند أحد الأولياء ليقضي الوليُّ حاجتَها! وليست هذه حالات فردية شاذة، بل هي الحال الغالبة على عوام الناس الذين لا يعرفون مسائل العقيدة إلا على وجه الإجمال، ولا يكادون يعلمون شيئًا عن تلك التفصيلات والاحترازات التي يذكرها مجيزو الاستغاثة. إن تعلُّق الناس بغير الله تعالى في باب الدعاء ولو على جهة التوسل والاستشفاع المزعومين – مؤثِّرٌ، ولا بد من تعلق قلوبهم برب العالمين تعلقًا كاملًا لا شائبة فيه، ويؤدي - ولا بد - إلى غياب معنى قيوميَّتِه سبحانه وتفرده بكشف الضر، وجلب النفع، وإغاثة الملهوف، وإجارة الخائف، وإعطاء المحروم؟! فإنه لا بد أن يخضع الداعون المستغيثون لأولئك المستغاث بهم من الأنبياء والصالحين، ويستكينون لهم؛ خشية ألَّا يقوموا بالتوسل والشفاعة لهم عند الله؟ ولا بد أنه يحصُلُ للمستغيثين خوفٌ من سخط أولئك الأولياء عليهم وطردهم لهم، أليس في كل ذلك مشابهة لِما يفعله المسلم مع ربه من الخوف من سخطه وغضبه عليه، ورجائه وطمعه في رحمته وفضله؟! فتكون النتيجة أنه صار النبيُّ أو الولي له نصيبٌ وحظٌّ في قلوب أولئك المستغيثين السائلين، ولم يَعُدِ الله سبحانه وتعالى هو صاحب هذه المنزلة والمكانة في قلوبهم. وهذا بحرٌ واسعٌ لا ساحل له، ومن المعلوم أن الشريعة جاءت بسد الذرائع إلى الشرك بالله تعالى والتعلق بغيره، حتى لا في جليل العبادات والأمور التي يكون الشرك فيها شركًا أكبر، بل في دقائق الأمور التي يكون الشرك فيها شركًا أصغر ((ما شاء الله وشئت)). ألَا فليتقِ الله من يجرِّئ الناس على اقتحام هذه الأبواب التي جاءت الشريعة بسدِّها، ولْيَدَعِ الناس إلى ما كان يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم من ضرورة اللجوء إلى الله تعالى، والانطراح بين يديه، والاستغاثة به، واللجأ والفزع إليه، والاعتماد والتوكل عليه، والاستعانة به، والطمع والرجاء فيه، واليأس من غيره، والخوف منه والهرب إليه، والخضوع والتذلل والاستكانة له وحده سبحانه؛ فهو رب العالمين، وأكرم الأكرمين، ورجاء السائلين، ومجيب الداعين، وأمان الخائفين، وملاذ المكروبين، ومفزع الملهوفين، دون احتياج إلى توسُّط وسطاءَ، وتدخُّلِ شفعاءَ، بل بمحض جوده الأعم، وكرمه الأتم، وقدرته التي لا تغالَب، ورحمته التي وسِعت كل شيء.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |