
06-08-2022, 06:18 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,365
الدولة :
|
|
إضاءات في طريق استثمار الموارد البشرية
إضاءات في طريق استثمار الموارد البشرية
عبدالستار المرسومي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
فالإنسان مخلوق متميز، هو ليس آلة أو ماكنة تدار بتزويدها بالطاقة اللازمة ثم يكبس الزر اللازم للتشغيل، فللإنسان احتياجات أخرى غير الطاقة، فروحُ الإنسان تحتاج، وقلبه يحتاج، وعقله يحتاج، وجسده يحتاج.
روح الإنسان تحتاج إلى حرية لا يحدُّها غير بارئها سبحانه وتعالى، وأما قلبه فيحتاج إلى إيمان بحجم طاقته الهائلة، وبمقدار ما يضخه من الدماء طيلة عمره، ولن يحصل عليه إلا من الله سبحانه وتعالى، وعقله يحتاج إلى فكر سليم نقي، بعيداً عن الخزعبلات والخيالات القبيحة وتكهُّنات الأبراج، وبطاقات الحظ، والتنجيم، ولن يجد ذلك إلا مع الله سبحانه وتعالى، وجسده يحتاج إلى نقاءٍ عالٍ في السريرة، ورياضة قاسية لترويضه من أجل الابتعاد عن الماديات الدنيئة، والسمو به من أجل الهدف الذي خُلق من أجله، وهو أن يكون عبداً وخليفة، ولن يحصل ذلك إلا بمعية الله سبحانه وتعالى.
وحين نستثمر طاقات الإنسان للوصول للأهداف لا بد من إشاعة مجموعة من الثقافات؛ منها ما يتعلق بالفرد نفسه، ومنها ما يتعلق بمن يتولى مسؤولية الأفراد، ونبدأ هنا بأصلٍ مهم وضروري وهو أن يقبل كلُّ فرد في المؤسسة أو مكان العمل الفردَ الآخر، يقبله على ما هو عليه، فلربما اختلف معه في كل الأمور فإنَّ هذا لا يمنعه من أن يُحسن إليه ويقبَلُهُ، ويكون العمل من أجل نجاحهما معاً، وأن يكون العمل بروح الفريق الواحد أو الأسرة الواحدة.
وبالإمكان اتخاذ بعض الإجراءات المشجعة للأفراد ليعملوا بروح الفريق ومنها؛ توحيد لباس العاملين في المؤسسة ولا أقصد هنا اللباس العُمَّالي التقليدي، وإنما اختيار نماذج جديدة وحديثة، تُراعى فيها طبيعة الأفراد العاملين والزائرين والمراجعين، كما وتؤخذ بنظر الاعتبار طبيعة وأخلاق وأعراف المجتمع الذي تعمل فيه المؤسسة أو الفريق، كما لا بد أن يتناسب اللباس المقترخ مع نوع العمل الذي يقوم فيه الأفراد، ويزداد الأمر أهمية حين يلصق شعار أو رمز المؤسَّسة على هذه الملابس، فمثل هذه الأمور تمنح العاملين دفعة معنوية ونفسية للاجتهاد في العمل كما تمنح المؤسسة نظرة إيجابية وتقويمية من قبل الآخرين.
وأمرٌ آخر يتعلق بأرباب العمل على وجه التحديد، فلا بد من أن يكونوا مؤمنين بأن العاملين في مؤسستهم بشر مثلهم، وإن قيامهم بمهمة قيادة الآخرين إنما هو تكليف على عاتقهم، فهو أما تكليف بالتعيين الوظيفي، أو أنهم أرباب المال، فتصدروا قيادة العمل وإدارة شؤونه، أو من أي طريق آخر كانت الصدارة، المهم أن يتيقن المتصدرون للعمل في المؤسسات أنه لا معنى بأن يعامل الأفراد على أنهم تبع لهم وينظرون لهم من الأعلى.
وينبغي أن يكون التعامل على أن الجميع رفقاء وشركاء في العمل، وذلك هو السبيل للحصول على أعلى إنتاجية منهم، فالناس متساوون في الإنسانية، مختلفون في الإمكانات والتكاليف، لقد فهم الرعيل الأول من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - هذه الحقيقة ووعوها جيداً، وإنَّ هذا هو السبب الذي جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يركب مرة ويترك المجال لخادمه أن يركب مرة مماثلة حين يكون في سفر.
وأحياناً يُخدع بعضُ أرباب العمل بتقرب بعض العاملين منهم وتقديم فروض الطاعة والولاء بشكل تمثيلي مبالغ فيه، فهنا لا بد من الانتباه الشديد لمثل هؤلاء لأن ولاءهم سيتطاير في مهب الأحداث سريعاً كما يتطاير الدخان ويختفي في مهب الريح، هؤلاء هم المتلونون الذين يمثلون الخطر الداخلي للمؤسسة وهو خطر داهم أخطر من الخطر الخارجي.
نحن نظلم الإسلام حين نقيده بحدود أو بمفاهيم محدودة، نظلمه حين نقيدهُ بمظهر معين يتعلق باللباس مثلاً، نظلم الإسلام حين نقيدهُ بعبادات محدودة وضمن إطار المسجد فقط، نظلمه حين نعتقد أنه جاء لزمان غير زماننا، نظلم الإسلام حين نلصق به خزعبلات وعادات وطرق ما أمر بها ولم يقرها يوماً، نظلم الإسلام حين نترك كلياته ونسيح فخراً بالجزئيات، على الرغم من إنَّ في الجزئيات خيراً كثيراً.
نظلمه حين لا نؤمن نحن قبل غيرنا أنه منظومة حياة متكاملة، فيه كل شيء، حين لا نؤمن بذلك فلن نستطيع أن نقدم شيئاً للإنسانية وسنترك الأمر لغيرنا ليسد الفراغ، ففاقد الشيء لا يُعطيه.
المطلوب أن نتداول المقاصد العظيمة للإسلام بشكل صحيح وشامل، نتداوله كمنظومة قيم إدارية وعلمية واقتصادية وسياسية عالية وراقية وكاملة، ونؤصِّل ذلك للناس ونوصله لهم بكل الطرق ونبذل الجهد والمال والولد في ذلك، فإذا وفقنا لذلك فنحن على خير كثير، وسنرى فتحاً ربانياً عظيماً.
وأن ما حصل وسيحصل من كوارث للإنسانية وانهيار المؤسسات والمنظمات وربما الدول إنما بسبب تغافلها عن الإنسان وعدم الاهتمام به واستثماره بالشكل الأمثل، والسبب واضح وهو بعدها عن الإسلام، وتنبنيها أنظمة قاصرة من صنع البشر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|