|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
مجرد تفاصيل ..
مجرد تفاصيل .. عبدالباسط سعد عيسى كونك شخصًا لا يهتمُّ بالتفاصيل، ربما لا يعني لك هذا المقال شيئًا، لكن لو أكملتَ قراءته قد يـُوقظك؛ فتسعد أكثر بنعمٍ من الله تُغلِّفُ حياتك وأنت تستصغرها، أردتُ أن أنتبه إلى بعض التفاصيل الصغيرة في حياتي، أشياء أَدِينُ لها بالفضل، فكثيرًا ما تغفل حين تحوطك أمورٌ متناهية في الصِّغَر هي في مجملها أنت، أمورٌ صغيرة لكنها عظيمة الوظيفة؛ كالنواة التي تسند الزير. تذكَّر أثناء ضغوطات اليوم الابتسامةَ التي مَنَحَكَ إياها طفل صغير في الصباح، تعامَلْ معها كطاقة مستمرَّة، وليست موقفًا عابرًا، دعاء العجوز التي ساعَدتَها في عبور الشارع المزدحم، اكتبه على قصاصة صغيرة وضَعْها أمامك، هدية بسيطة أهداها لك أحد محبِّيك، أوجِدْ لها مكانًا على سطح مكتبك. الكلمة الحلوة التي تكتبها كقطعة الحلوى التي تذوب في فم غيرك، ومِن فرط سعادتك بمتعته تحمَد الله أنَّك كتبتها، القلم الذي كتب نعمةً تستحقُّ الثناء، امتدَح السابقون القلمَ والمحبرة والوَرَق والخطوط، قالوا عن الأقلام: إنها مطايا الأذهان، ومن عجيب شأنها أنها تغرق في ظلمة الحِبْر وتلفظ نورًا، تلك التفاصيل ليست جماداتٍ، فأنا أزعم أنَّ الأقلام تشتاق للمحابر، والأنامل تتوق إلى الأقلام، والعيون تتلهَّف للخطوط. لا أخفي عليكم، فحالتي النفسية - قبل تقنية الكتابة الحاسوبية - كانت تصل ليدي؛ فأصابعي التي تُفشي السرَّ لقلمي؛ إذ يمكنك بيسرٍ أنْ تعرف ما أشعر به مِن نظرةٍ عابرة لخطِّي؛ فالرقعة - الذي يتعذَّر عليك قراءته - ينُمُّ عن مزاجي السيئ، أو ربما عدم قناعة بما أكتب، أو ملل الكتابة الوظيفية الروتينية، والنَّسْخ المنمَّق يخبرك بحالةٍ نفسيَّة ممتازة. منذ أنْ هجرت القلم والورقة في الكتابة وأنا أتنقَّل هائمًا في كلِّ مرة بين خطوط برامج النصوص، حتى وجدته، إنه Arabic Typesetting، أعجبتني تموجاتُه، فأنا لا أحبُّ الخطوط الحادَّة التي تعكِس الأشكالَ الهندسية المماثلة لها؛ كالمثلَّث والمعيَّن، أما شغفي: فبالدوائر، بالانسيابية، بالسلاسة، باللطف. لا أبالغ إنْ أخبرتكم أنَّ نوع الخط يعالج أحيانًا حالة التوقُّف عن الكتابة عندي التي غالبًا يصاحبها بعض الاكتئاب والكآبة، حين أضغط بأناملي أزرار اللوحة، تنبثق الحروف من العدم، وتتراص على الصفحة البيضاء وكأنها نوتة لموسيقا صوفيَّةٍ رقراقه تتشكَّل ذاتيًّا، أو كنغمات تتصاعد من فـوهة ناي، وتلتصق بزرقة السماء، يستدرجني كثيرًا لأستخدمه دون غيره في شِعري وفي نثري، وكأنه حبيبةٌ تَغَار، يتشكَّل أحيانًا في صورةِ صَدِيق مخلص يجاورني ويهمس لي بالفكرة تِلو الأخرى، وتارة أفتقده فأفتح وعاءَ الكتابة الإلكتروني، وأكتب لأُملي عيني به قليلًا، فيصير هو المتن، والأفكار هوامش، أعشقه كثيرًا؛ لكن لم أتصوَّر يومًا أنْ أنقش بياض صفحتي اليوم بتغَزُّلٍ فيه.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |