واقية الوليد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4862 - عددالزوار : 1821992 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4428 - عددالزوار : 1170915 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 531 - عددالزوار : 302058 )           »          محمود شاكر (شيخ العربية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 91 )           »          داود وسليمان عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 67 )           »          أحداث في غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          شبهات حول موقف الأمويين من الإسلام والردود عليها (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          من أقدار الله في التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          دعوة الملوك إلى الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-11-2022, 06:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,340
الدولة : Egypt
افتراضي واقية الوليد

واقية الوليد
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

أما بعدُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ [النساء: 1].

أيَّها المؤمنونَ!
خَلْقُ الإنسانِ من عجيبِ صنْعِ اللهِ الدالِّ على وحدانيتِه وألوهيتِه، وهو مَحَطُّ اهتمامِ القرآنِ بلفْتِ النظرِ إليه والادِّكارِ بعِبرِه، كما قال -تعالى-: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]؛ وذلك لما يُفضي إليه من تجليةِ حقيقةِ التوحيدِ وترسيخِها في النفوسِ، قال تعالى﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]. ومن مواطنِ الادِّكارِ في خلْقِ الإنسانِ تنقّلُه في مراحلِ العمرِ حين يَبتدئُ مولودًا ضعيفًا، ويظلُّ مُصْعِدًا في مرحلةِ القوةِ وبلوغِ الأَشُدِّ، حتى إذا استتمَّها وبلغَ ذُراها بدأ مُنْحَدِرًا إلى مرحلةِ الضَّعْفِ تارةً أخرى حين يكونُ شيخًا كبيرًا؛ فتكونُ قوتُه على ضَعفِها العامِّ محصورةً بين ضَعفيْنِ اثنيْنِ، ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54]. قالَ ابنُ الجوزيِّ: " إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- جعلَ لأحوالِ الآدميِّ أمثلةً؛ ليعتبِرَ بها. فمِن أمثلةِ أحوالِه القمرُ، الذي يَبتدئُ صغيرًا، ثم يتكاملُ بدْرًا، ثمَّ يتناقصُ بانْمحاقٍ، وقد يَطرأُ عليه ما يُفسدُه كالكسوفِ؛ فكذلك الآدميُّ أولُه نطفةٌ، ثم يترقَّى من الفسادِ إلى الصلاحِ؛ فإذا تمَّ، كان بمنزلةِ البدْرِ الكُمَّلِ، ثم تتناقصُ أحوالُه بالضَّعفِ، فربّما هجمَ الموتُ قبلَ ذلك هجومَ الكسوفِ على القمرِ، قال الشاعرُ:
والمرءُ مِثلُ هلالٍ عند ‌طلعتِهِ
يبدو ضئيلًا لطيفًا ثم يتسقُ
يزدادُ حتى إذا ما تمَّ أَعقبَهُ
كرُّ الجديديْنِ نقْصًا ثم ينمحقُ


عبادَ اللهِ!
ومن أجلِّ عِبَرِ التأملِ في مرحلةِ الضَّعفِ البشريِّ النظرُ في ضَعْفِ الوليدِ، الذي غدا شعارًا يُعَبَّرُ به عن غايةِ الوَهَنِ، وانعدامِ الحيلةِ وخلوِّ الرَّشَدِ، وصارَ مَضْرِبَ المَثلِ في ذلك، والصورةَ البلاغيّةَ التي يَتخذُها الأدباءُ في مستحسنِ التشبيهِ. ومن عجيبِ لُطْفِ اللطيفِ بالوليدِ الضعيفِ أنْ خصَّه عن غيرِه بمزيدِ حفظٍ يصونُه به عن المخاطرِ التي تُطيفُ به، دون أنْ يَشعرَ بها ذلك الضعيفُ، فضلًا عن أنْ يُطيقَ دفعَ شيءٍ منها؛ فكانت شدةُ ضَعفِه وتمامُ عجزِه سرَّ قوةِ حفظِ اللهِ له ورحمتِه به، وللهِ في خلْقِه شؤونٌ! ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]. وذلك الحفظُ الربانيُّ للوليدِ ظاهرةٌ قد أدركتْها العربُ في جاهليَّتِها ووثنيَّتِها؛ فكانوا يطلبونَ من اللهِ -سبحانَه- إنْ أَحدقتْ به ضرورةٌ من خطرٍ حفظًا كحفظِ الوليدِ، فكانوا يقولون في دعاءِ ضرورتِهم: " اللهمَّ واقيةً كواقيةِ الوليدِ "، قال الخطابيُّ: " إنما تُمثِّلُ (أي: العربُ) بالصبيِّ؛ لأنه قد يتعرضُ للمعاطبِ، ولا يبصرُ المحاذرَ، ثم يحفظُه اللهُ ويقيه ".

وقد سطّرَ القرآنُ في واقيةِ الوليدِ مَثَلًا بليغًا قد بلغَ في الحفظِ عَجَبًا؛ وذلك بإنجاءِ اللهِ رضيعًا لتوِّهِ قد وُلِدَ، مِن سُنَّةِ ذَبْحِ الطغاةِ القساةِ للمواليدِ من حين تضعُهم أمهاتُهم، وكان السببُ الذي جعلَ اللهُ به نجاتَه ضَرْبًا من الخطرِ العظيمِ الذي جرتِ العادةُ بكونِه سببَ هلاكٍ لا نجاةٍ! ولكنَّ قدَرَ اللهِ في كونِه نافذٌ، وكلُّ شيءٍ عليه هيِّنٌ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ. ذلكمْ حين وَضعتْ أمُّ موسى -عليهما السلامُ- مولودَها، وكانت سكينُ الطاغي مشحوذةً في حَزِّ رقابِ مواليدِ بني إسرائيلَ الذكورِ من حين خروجِهم من بطونِ أمهاتِهم، فأَلْهَمَها اللهُ أنْ ترضعَه باطمئنانٍ، فإذا خافتْ عليه أنْ تَصِلَه يدُ الطغاةِ الآثمةُ فلْتُيَمِّمْ وجهَها شطْرَ اليمِّ لتلقيَ رضيعَها وفَلْذَةَ كبدِها فيه، ولْتثقْ بأنَّ حفظَ اللهِ سيُطيفُ به، وأنَّ وراءَ البلاءِ من الفرجِ ما تقرُّ به عينُها، بل وعينُ كلِّ بني إسرائيلَ، وسينعمونَ بالتمكينِ ورؤيةِ سوءِ عاقبةِ مَن سامَهمْ سُوءَ العذابِ حين ذبّحَ أبناءَهم وأبقى نساءَهم في أعمالِ السُّخْرَةْ والذِّلةِ. فلمّا بدتْ مَخايلُ وصولِ الآثمين إلى الرضيعِ ماثلةً أمامَ مَرْأى الأمِ الرَّؤومِ، وبلغَ منها الخوفُ مبْلغَه؛ امتثلتْ أمرَ ربِّها الحفيظِ، فوضعتْ رضيعَها في وعاءٍ ليَمنعَ وصولَ الماءِ إليه أو غرقَه فيه، وما يغني ذلك الوعاءُ عن رضيعٍ عاجزٍ في يمٍّ كَفَأَتْ أمواجُه المتلاطمةُ سُفُنًا ماخرةً، لكنّ الآمِرَ هو اللهُ؛ ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]! استودعتْ تلك الأمُّ المكلومةُ رضيعَها وقلبُها يَكادُ يذوبُ حُزْنًا وخوفًا لولا أنْ ربطَ اللهُ عليه! وكلما بدتْ خواطرُ الحزنِ والخوفِ تَدُبُّ في قلبِها طردَتها جنودُ تيقُّنِ حفْظِ مَن أوحى إليها: ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]؛ فصَدَقَها اللهُ وعْدَه، واللهُ لا يُخلِفُ الميعادَ؛ فردَّ ابنَها لها بطلبِ مَنْ كانتْ تخافُ سَطْوتَه عليه ورعايتِه له حين دعاها إلى بيتِه الذي رَسَتْ عند عَتَبِه أمواجُ اليمِّ، مُسْلِمَةً ذلك الوعاءَ الذي حوى صبيًا لا حولَ له، محفوظًا بحفظِ مَنِ استرعتْهُ أمُّ موسى رضيعَها حين تكفَّلَ لها بإنجائِه وإرجاعِه لها ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13]؛ لترضعَ ذلك الصبيَّ حين حَرَّمَ اللهُ عليه كلَّ مراضعِ البلادِ إلا أمَّه! قال ابنُ القيمِ: " كمْ ذَبَحَ ‌فرعونُ في طلبِ ‌موسى من ولدٍ، ولسانُ القَدَرِ يقولُ: لا نُربِّيهِ إلّا في حِجْرِكَ؟!".

أيها المسلمون!
إنَّ حفْظَ اللهِ ذلكمُ الرضيعَ في ظلِّ المخاطرِ التي مازجتْ وِلادتَه، ومرْأى منامِه الهانئِ على سطحِ وعاءِ يطفو به بين أمواجِ اليمِّ، وحيدًا محفوظًا بعينِ مَن لا تأخذُه سِنَةٌ ولا نومٌ - ليُلقي بظلالِ اليقينِ الوارفِ على قلبِ كلِّ مؤمنٍ أنَّ حفظَ اللهِ عبدَه ووقايتَه المخاطرَ إنّما يكونُ بقدْرِ ما قامَ في قلبِه من تيقُّنِ فقْرِه إلى ربِّه واستشعارِه ضَعْفَه وبوارَ حِيلتِه، وأنَّ خذلانَه له بقدْرِ ما نقصَ من ذلك وظنَّ من كفايةِ ما عدا اللهَ -جلَّ وعلا-.

قالَ ابنُ القيمِ: " وأجمعوا أنَّ التوفيقَ ألا يَكِلَكَ اللهُ إلى نفسِك، وأنَّ ‌الخذلانَ هو أنْ يُخليَ بينك وبين نفسِك. فإذا كان كلُّ خيرٍ أصلُه التوفيقُ، وهو بيدِ اللهِ لا بيدِ العبدِ؛ فمفتاحُه الدعاءُ والافتقارُ وصِدقُ اللَّجأِ والرغبةِ والرهبةِ إليه؛ فمتى أَعطى العبدَ هذا المفتاحَ فقد أرادَ أنْ يَفتحَ له، ومتى أضلَّه عن المفتاحِ بقي بابُ الخيرِ مُرْتَجًا دونَه ". وقال في قولِه -تعالى-: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]: " قال طاووسٌ ومقاتلٌ وغيرُهما: لا يَصْبِرُ عن النساءِ، وقال الحسنُ: هو خلْقُه من ماءٍ مَهينٍٍ، وقال الزَجَّاجُ: ضَعْفُ عزمِه عن قهْرِ الهوى. والصوابُ أنَّ ضَعْفَه يَعُمُّ هذا كلَّه، وضَعْفُهُ أَعظمُ من هذا وأَكثرُ؛ فَإنه ضعيفُ البُنْيَةِ، ضعيفُ القوةِ، ضعيفُ الإرادةِ، ضعيفُ العلمِ، ضعيفُ الصبرِ، والآفاتُ إليه مع هذا الضعفِ أَسرعُ من السيلِ في صيِّب الحُدُورِ؛ فبالاضطرارِ لا بدَّ له من حافظٍ مُعِينٍ يقوِّيه ويعينُه وينصرُه ويساعدُه، فإنْ تخلَّى عنه هذا المساعدُ المُعينُ فالهلاكُ أَقربُ إليه من نفَسِه ".

وقد خاطب -تعالى- جميعَ الناسِ مخبِرًا بحالِهم ووصْفِهم قائلًا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]؛ فَهُمْ فقراءُ إليه من جميعِ الوجوهِ؛ فقراءُ في إيجادِهم، فلولا إيجادُه إياهم، لم يُوجدوا. فقراءُ في إعدادِهم بالقوى والأعضاءِ والجوارحِ، التي لولا إعدادُه إياهم بها لما استعدوا لأيِّ عملٍ كان. فقراءُ في إمدادِهم بالأقواتِ والأرزاقِ والنِّعمِ الظاهرةِ والباطنةِ، فلولا فضلُه وإحسانُه وتيسيرُه الأمورَ لما حصلَ لهم من الرزقِ والنِّعَمِ شيءٌ. فقراءُ في صرفِ النِّقَمِ عنهم، ودفْعِ المكارهِ، وإزالةِ الكروبِ والشدائدِ؛ فلولا دفْعُه عنهم، وتفريجُه لكرباتِهم، وإزالتُه لعُسْرِهم؛ لاستمرتْ عليهم المكارهُ والشدائدُ. فقراءُ إليه في تربيتِهم بأنواعِ التربيةِ، وأجناسِ التدبيرِ. فقراءُ إليه في تأَلُّهِهم له، وحبِّهم له، وتعبُّدِهم، وإخلاصِ العبادةِ له -تعالى-، فلو لم يوفِّقْهم لذلك؛ لهلكوا، وفسدتْ أرواحُهم وقلوبُهم وأحوالُهم. فقراءُ إليه في تعليمِهم ما لا يعلمونَ، وعملَهم بما يُصلحُهم، فلولا تعليمُه، لم يتعلمُوا، ولولا توفيقُه، لم يَصْلُحوا. فهم ‌فقراءُ ‌بالذاتِ إليه، بكلِّ معنى، وبكلِّ اعتبارٍ، سواءٌ شعروا ببعضِ أنواعِ الفقرِ أم لم يشعروا، ولكنَّ الموفقَ منهم، الذي لا يزالُ يشاهِدُ فقرَه في كلِّ حالٍ من أمورِ دينِه ودنياه، ويتضرعُ له، ويسألُه ألَّا يَكلَهُ إلى نفسِه طرفةَ عينٍ، وأنْ يعينَه على جميعِ أمورِه، ويستصحبَ هذا المعنى في كلِّ وقتٍ، فهذا أحرى بالإعانةِ التامةِ من ربِّه وإلهِهِ، الذي هو أرحمُ به من الوالدةِ بولِدِها " كما قال ابنُ سعديٍّ.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.
أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

باستشعارِ حقيقةِ الضعفِ البشريِّ والفقرِ الذاتيِّ واستحضارِ واقيةِ اللهِ الوليدَ حين لم يكنْ له مُعَوَّلٌ على حيلةٍ سوى حيلةِ ربِّه؛ كان الصالحون من أهلِ العلمِ يطلبون اللهَ ضارعين حفظَه ووقايتَه وإنْ باشروا من أسبابِها المشروعةِ ما باشروا؛ إذ كان مُعَوَّلُهم على كفايةِ اللهِ، ومعتمدُهم على حسنِ تدبيرِه وكمالِ لطفِه ونفاذِ قدرتِه، فقد كان بعضُ السلفِ يَسألُ ربَّه ضارعًا الحفظَ بمثلِ حفظِ الوليدِ قائلًا: " اللهمَّ واقيةً كواقيةِ الوليدِ "، وقد روي ذلك عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمامُ أحمدُ في كتابِ الزهدِ. وروى ابنُ المباركِ في كتابِه الزهدِ عن عثمانَ بنِ عبدِاللهِ بنِ أوسٍ أنه قال: " بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِمَا ‌تَحْفَظُ بِهِ الصَّبِيَّ». وذلك الحالُ مما يَجْدُرُ التنبيهُ عليه، والتذكيرُ به، والتربيةُ عليه، سيما في ظلِّ انفتاحِ بابِ الفتنِ بشُبهِها وشهواتِها، وخَلْبَةِ بَرِيقِها، وركونِ الكثيرِ إلى أسبابِ الحسِّ والتعلقِ بغيرِ اللهِ، وقلةِ استحضارِ ذكرِ الآخرةِ. أوصى ابنُ قدامةَ أحدَ إخوانِه قائلًا: " اعلمْ أن من هو في البحرِ على اللوحِ ليس بأحوجَ إلى اللهِ ولطفِه ممن هو في بيته بين أهلِه ومالِهِ؛ فإذا حققتَ هذا في قلبِك؛ فاعتمدْ على الله اعتمادَ الغريقِ الذي لا يَعلمُ له سببَ نجاةٍ غيرَ اللهِ ".
يا مَن يَرى ما في الضميرِ ويسمعُ
أنت المُعَدُّ لكلِّ ما يُتوقَّعُ
يا مَن يُرجَّى للشدائدِ كلِّها
يا مَن إليه المشتكى والمفْزَعُ
يا مَن خزائنُ مُلْكِه في قولِ كنْ
امننْ فإنَّ الخيرَ عندك أجمعُ
ما لي سوى فقري إليك وسيلةٌ
‌فبالافتقارِ إليك فقري أَدفعُ
ما لي سوى قرعي لبابِك حيلةٌ
ولئنْ طُردتُّ فأيُّ بابٍ أقرعُ
ومن الذي أدعو وأَهْتِفُ باسمِه
إنْ كان فضلُك عن فقيرِك يُمنَعُ
حاشا لجودِك أنْ تُقَنِّطَ عاصيًا
الفضلُ أجزلُ والمواهبُ أوسعُ
بالذُّلِ قد وافيتُ بابَك عالمًا
إنَّ التذللَ عند بابِك يَنفعُ
وجعلتُ معتمدي عليك توكُّلًا
وبسطتُ كفي سائلًا أتضرَّعُ
فاجعلْ لنا مِن كلِّ ضيقٍ مخرجًا
والْطفْ بنا يا من إليه المرجعُ
ثم الصلاةُ على النبيِّ وآلِه
خيرُ الخلائقِ شافِعٌ ومُشَفَّعُ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.29 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]